بحناجر غاضبة وسواعد أنهكتها سياسات الانفتاح الاقتصادي؛ خرج مئات الآلاف من المصريين في الثامن عشر من يناير عام 1977 رافضين قرارات حكومتهم حينذاك برفع أسعار 25 سلعة غذائية أساسية من بينها السكر والزيت والأرز، وحاول الأمن قمعهم فزادت وتيرة الغضب، واستمرت لليوم الثاني على التوالي، حتى تراجعت الحكومة عن قراراتها خشية ارتفاع سقف مطالب المحتجين مع مرور الوقت. حمل السابع عشر من يناير1977 للمصريين خبراً سيئاًِ من حكومتهم برفع أسعار العديد من السلع الغذائية، ولم تمر ساعات قليلة على تداول الخبر عبر وسائل الإعلام حتى خرج الناس في محافظات البلاد كافة؛ مرددين شعارات منددة بسياسات الإفقار والتجويع، واجهت الشرطة غضب الجائعين بقسوة فسقط 79 شهيداً و214 جريحاً، مما زاد الأوضاع توتراً، فهاجم المحتجون المصالح الحكومية وأقسام الشرطة وطالت أياديهم الغاضبة استراحة السادات الشهيرة في أسوان، بل وأحرقوا منزل محافظ المنصورة. وانضمت الحركات الطلابية والقوى اليسارية التي نشطت منذ مطلع السبعينيات إلى الاحتجاجات، واستمر التظاهر لليوم التالي في التاسع عشر من يناير 1977 حتى أمر الرئيس الأسبق محمد أنور السادات قوات الجيش بالنزول وفرض حظر التجول عصر ذلك اليوم، وأعلنت حالة الطوارئ. حمّل السادات الشيوعيين مسئولية الأحداث، واصفا موجة الاحتجاجات التي دامت ليومين بأنها "انتفاضة حرامية"، وألقت عناصر الأمن القبض على 176 متهما ووجهت إليهم العديد من التهم، إلا أن القضاء المصري برأ أغلبهم في حكمه النهائي في القضية الخاصة بالانتفاضة. ضمت قائمة المتهمين كثيراً من كوادر الحركة السياسية الذين برزوا خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 وقبلها في مواجهة نظام مبارك، منهم المهندس كمال خليل، والحقوقي أمير سالم، والشاعر أحمد فؤاد نجم، والشاعر سمير عبدالباقي، المهندس أحمد بهاء الدين شعبان. يقول المهندس أحمد بهاء شعبان، المتهم السابع في القضية، ل "صدى البلد": "وجهت النيابة إلى المتهمين 7 تهم رئيسية، إلا أن القاضي الذي اختير لنظر القضية كان مثالا يحتذي في النزاهة والاستقلال وهو المستشار حكيم منير صليب، ومعه عضوان هما المستشار علي عبدالحكم عمارة وأحمد محمد بكار، وقد استمر نظر القضية منذ أبريل 1978 حتى أبريل 1980 وصدر الحكم بمعاقبة 11 متهما بالسجن ثلاث سنوات وحبس 9 متهمين سنة واحدة وبراءة الباقين تماما". واعتبر شعبان أن "نظام التجويع والتبعية الذي كان يقوده السادات لايزال قائما وممتدا حتى بعد رحيل مبارك عن الحكم"، مضيفا أن أياً من مطالب ثورة يناير الكبري في 2011 لم يتحقق حتى الآن. من جهتها، قالت الدكتور كريمة الحفناوي، القيادية بالحزب الاشتراكي المصري، وشاركت في انتفاضة الخبز: "أعتبر انتفاضة الخبز من المقدمات المبكرة لثورة 25 يناير"، مشددة على أن المطالب منذ عام 1977 لم تتغير لأنها لم تتحقق بعد.
