رغم تكرار تلك الحلقات الدرامية التي يشهدها مجتمعنا المصري بقطبي عقيدتيه بين الحين والآخر؛ إلا أن مشكلة قرية الجلاء التي علت علي سطح واقعنا المجتمعي الذي اعتاد علي النفاق بين قطبيه الدينيين، استوقفت عقلي هذه الحلقة من المواجهات الحقيقية لمشاعرنا المتبادلة نحن صناع هذا النسيج المجتمعي الواحد والمعقد، لتطرح أمامنا هذا الواقع المرير الذي يسببه جهل البعض وتشدد البعض الآخر. وبكل أسف وحنق صدمني ذلك الخبر بأن الجهات الأمنية في المحافظة عقدت جلسة عرف بين مائة شخص من الممثلين للقرية وأغلبهم من المتشددين الرافضين (لفكرة تجديد وترميم وتوسيع دار من دور العبادة لإله ومعتقد يعتقده الملايين من المصريين)! يعني مش ملهي ليلي أو خمارة؛ دي دور عبادة يعبد فيها الخالق. نعم نعلم جميعاً أن بيننا الكثيرين من الجهلة بسماحة ديانتهم وقدرتها علي التعايش بعضها مع البعض، نعم نعلم جميعاً أن تلك الحلقات التشددية التعصبية دخيلة علي مجتمع كانت أرضه هي مهد الديانات التوحيدية، نعم نعلم أن بين كل فصيل ملايين الأصوات التي تأبي هذا التعصب الأرعن، والفهم المريض لمعاني الوحدة الوطنية، والذين بهم نجت مصر علي الدوام من كل مخططات تقسيمها والعبث بوحدة قطبيها.
المقلق والمحزن في الأمر هو موقف الدولة وممثليها من منفذي القانون، هو موقف الجهات التنفيذية التي هرعت للجلسات العرفية للحكم فيما أقرته المحافظة بقانون من قوانين الدولة صاحبة الهيبة والكلمة العليا المفترضة فيها هي فقط للقانون. ذلك القانون الرادع والحاسم الذي يطبق بحزم يليق بقوة الدولة وهيئاتها ومؤسساتها. وللحق غضبت من طريقة العلاج الأمني لتلك المشكلة، وتساءلت بنفس الغضب هل تعقد جلسات شبيهة حيال ترميم مسجد أو توسيعه، أم إننا سنظل ندفن رؤسنا في الرمال ونراكم تلك الحلقات الصدامية العنصرية أولاً الواحدة تلو الأخري !! وبعد أن عجزنا عن نبذ تلك الصورة للشيخ والقس في قالبها الكوميدي الذي عري حقيقة تلك العلاقة المجتمعية التي أصبحت واقع يأبى عن كشف نفسه علانية إلا في حالات التصادم الذي يكشف عن وجه قبيح نأمل جميعاً لفظه وإبعاده. والدولة بمفهوما التعريفي والفلسفي والمتعارف عليه أممياً لا تعرف أقلية بل تعرف حقوق مواطنة وتحكم بالقوانين، ولها مؤسسات قادرة علي تطبيق أحكامها وتنفيذها دون الحاجة للرضوخ لبعض المتشددين المتعصبين الجهلة، ولن أستدعي صور شاهدتها وعايشتها فيها الأمر عكسي كما هو في المجتمعات الغربية التي نعيش فيها نحن ملايين المسلمين كأقلية لها كافة حقوق المعتقد ودور العبادة رغم تشدد وتعصب البعض كما هو الحال في العالم أجمع، ولكني لم أقرأ يوماً ولم أسمع عن أن دولة غربية استدعت متشددين في إحدى الضواحي لتسألهم وتستشيرهم في أمر أقره القانون، ودون الولوج في سيكوبيتية عقل المتشددين الذين يباركون ما نمر به من إرهاب، فأنا كمواطن مصري أطالب بأن تطبق الدولة وأجهزتها القانون، وأن تحفظ هيبتها، وأن تمنح مواطنيها علي اختلافاتهم حقوقهم العقائدية دون تمييز أو رضوخ أو تخوف. فالدولة التي أعرف معناها لا تسأل عن ما أقره القانون الوضعي المتفق عليه والمفترض علي المواطنين الانصياع التام لأحكامه، وبصراحة بعد معرفتي بما قامت به الأجهزة الأمنية وجدت نفسي تصرخ قائلة "بلا خيبة كفايانا من أهل التشدد والتعصب، هما اللي بيحرقوا ويفجروا مصر. والدولة ومؤسساتها أمامكم خيار،، فإما نكون أو لا نكون".