من أشد حالات شيزوفرينيا المجتمعات ما تعانيه مصر حاليا بمسلميها ومسيحييها؛ فالبلد الذي يرفع راية التدين والفتنة الدينية بين قطبيه هو أكبر بلد تحقق فيه الأفلام الرخيصة ملايين ومليارات، وتنتشر فيه المواقع الهابطة، وتخلو دور العبادة من مساجد وكنائس من المصلين، بينما تقف الطوابير في انتظار الدور في الكافي نت أو الكافي شوب!! ولن تدخل على محتوى قبيح -وهذه ليست دعوة للدخول- إلا وستجد عشرات التعليقات من عينة: يا أخي حرام عليك، اتقوا الله.. ولا تسألني كيف وصل هذا المعلّق إلى هذا المكان.. ولا تسألني كذلك من يشتري الخمر في بلد يسكنه مسلمون ومسيحيون المفترض أن الخمر محرمة في ديانتيهما التي يلتزمان بها لدرجة الخلاف.. لا تسألني لماذا نعادي الغرب الهمجي حين يمنع بناء المساجد ورفع الأذان والنقاب "لأقلية مسلمة مهاجرة"، بينما نحن نمنع بناء الكنائس "لشركاء أقدم تاريخا في الوطن" بل ونفتي بحرمة ترميمها.. ولا تسألني عن وطنية المسيحي وهو ينادي بالهجرة، ويقول لك اللي سافروا وسابوها عندهم حق!! أتريدون حلا للفتنة الطائفية؟؟ عندي الحل، وهو "كفاية تمثيل".. أيوه كفاية بقى نمثّل على بعض وعلى أنفسنا، وندّعي أننا نناصر ديننا ونحن أبعد ما نكون عنه.. أقول هذا لكل مسلم جاهل ولكل مسيحي جاهل.. لا تهتف بدولة إسلامية ستكون أول من يقام عليه الحدّ فيها، ولا تغضب لكنيسة في أسوان وأنت لا تدخل كنيسة شارعك إلا مرة في العام.. ليس بالتعصب تنتصر المبادئ، والتمثيل لا يخلق نجاحا، والغبار ليس دائما دلالة على سرعة السير.. والكلاب النابحة نادرا ما تعضّ!! عودوا إلى عقولكم يرحمكم الله.. لا تضحكوا على أنفسكم فيبكي الوطن بأكمله، دعك أيها المسلم من فصول الحاكمية لله فأنت لا تعرف عنها شيئا، ودعك أيها المسيحي من التوهم بأن هؤلاء الذين يكرهونك هم المسلمون حقا لتختلق لنفسك عدوا.. جدّك أيها المسلم حفظ للذمي حقوقه وهو لم يكن ملزما بتقاليد مدنية ولا أعراف دولية ولا حقوق إنسان ولا حماية أقليات، وجدّك أيها المسيحي فتح أبواب مصر لخيول المسلمين، ورحّب بجيش عمرو بن العاص مواطنا وحاكما وفاتحا.. لا يدّعي الفتنة إلا جاهل، ولا يحاول أن يقتنص حقوق شركائه في الوطن إلا مدّعٍ أثيم، ولا يتوهم أنه مضطهد إلا معقّد يستلذ بشعور الشهيد.. أنا وكل من أعرفه من مسلمين لا ينادون بحرق الأقباط في هولوكوست مصري، فمن إذن سيربح من تهويل عدو غير موجود؟؟؟ وأنت وكل أهلك يعرفون أن جيرانهم المسيحيين لا يريدون لهم إلا كل خير، فمن إذن يخطط في الظلام إلا الوهم؟ الذين يخرجون في كل معركة هم قلة، نعم قلة مندسّة تنفّذ أجندة خاصة، لا يجب توصيفهم بمسلمين أو مسيحيين، هم أصحاب مصالح، والفتنة هي التي ستحقق مصالحهم، فلا يجب أن نحقق لهم هدفهم بدعوى الفتنة والنار التي تأكل في الوطن.. فالوطن سيظل آمنا كما عاش طول القرون آمنا.. المهم ألا نقامر على مصيره بشوية تمثيل!!