أحمد شلبى ما كان لها أن تبث سمومها في أرجاء الوطن كلما هدأت النفوس والأحداث ولكنها فتنة تنشب من حين لآخر تحركها أصابع خفية وعلنية لتخريب بلادنا الجميلة التي يستحيل أن نجد أرضا مثلها احتوت كل شعوب العالم بمختلف عقائدهم ومشاربهم الفكرية. الفتنة تضرب في أعماق الوطن لتحطم نسيجه القومي.. لا تيأس فكلما خمدت كانت مثل النار تحت الرماد.. تشتعل مرة أخري لنصطلي بنارها تسعي لتجعلنا شعوبا وقبائل نتناحر نمزق بعضنا بعضا.. لا لنتعارف ونلتزم بالتقوي التي أمرت بها الأديان السماوية. مازالت الفتاة أيا كانت مسلمة أو مسيحية تأخذ الصدارة في أحداث الفتنة الطائفية ورغم اننا ملتزمون بحماية هذه الفتاة كواجب إنساني وأخلاقي إلا اننا نجدها مادة سهلة الاشتعال لبث روح الفرقة والانتقام بين المسلمين والمسيحيين، وسأذكر هنا حوارا هادئا مع أكثر من أخت مسيحية ومسلمة سألتهن عن رأيهن فيما يحدث من إثارة عندما تعلق فتاة مسيحية بمسلم أو العكس وكانت الإجابة التي استمعت إليها منهن صائبة.. الأمر برمته يعود إلي البيت... إلي التربية... إلي تعليم الأبناء بأننا جميعا أخوة في الوطن وأن الله وحده هو الذي سيحاسب كل امرئ علي دينه حفظه أم ضيعه ولكن الخطأ الذي يرتكبه الأهل بتنشئة أبنائهم علي الاعتقاد بأن مثل هذه العلاقات مستباحة أيا كانت خطورتها هو ما أوصلنا إلي هذه الفتنة الطائفية فلو تعلم وتربي الابن المسلم أو المسيحي بأن هذه الفتاة أخته وواجب عليه بحكم الجيرة أو الزمالة أو الإنسانية أن يحميها ويحافظ عليها وأن حبه لها إنما هو حب أخوة وحب لوجه الله كما أمرته تعاليمه الدينية ما كان هذا يحدث أبداً.. إنها كلمات صادقة والأجمل أيضا أن تعاليم الإسلام جعلت المسيحيين جميعا في ذمة المسلمين وما أدراك ما الذمة إنها عهد ووفاء وإخلاص ولا يجب علي أي مسلم أن يؤذي أبدا مسيحياً وإلا كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم خصيمه يوم القيامة. حقا ان الفتاة أخذت مكان الصدارة لأنها الحلقة الأضعف والأكثر تأثيراً في أحداث الفتنة ولكن العابثين باستقرار الوطن قدموا صورا أخري للفتنة بزيادة النعرات بين العائلات التي بينها بعض الخلافات حتي تشتعل أيضا فتقتل وتصيب من تشاء من المواطنين وكأننا في عهد الجاهلية الأولي.. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل تم إدخال الميكروباص والتوك توك كعناصر لإشعال نار الفتنة بأن يكون السائق من قرية أو قبيلة والراكب من أخري، فيحدث خلاف بسيط تمتد آثاره لاشعال القري وقتل وإصابة العديد من الأهالي وقطع الطرق بين العائلات وقطع صلات الرحم والإنسانية بين الناس. والأخطر نغمة التهجير لأسر المخطئين وكأن القانون والعقاب في إجازة عرفية لترك العرف يحكم بديلا عنه. كنت أظن بعد الثورة التي قدمت نماذج طيبة تعبر عن أصالة الشعب المصري حينما وقف المسلم والمسيحي ذكراً وأنثي جنبا إلي جنب.. حكايات يقشعر لها البدن من صدق العلاقات الإنسانية بينهما، وأناس كثيرون لا يعرف بعضهم بعضا يقدمون العون والمؤن ويتعاونون بصدق فيما بينهم.. ألا تغادر هذه المعاني الأصيلة أرضنا. رسالتي إلي كل مسلم ومسيحي ان يدرأ عن نفسه نزعة التعصب وأن يقيم تعاليم الله في علاقته بالآخر فالله جل شأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يدعو الناس إلي أن يحارب بعضهم بعضا تحت مسمي الدين. ملحوظة: من الغرائب أن هناك كلمات نبيلة في معانيها ومع ذلك تثير حفيظة إخواننا المسيحيين مثل كلمة »نصاري« وهي إشارة بليغة إلي من ناصروا المسيح عليه السلام عندما شعر بخيانة بعض من حوله. يقول تعالي: »فلما أحس عيسي منهم الكفر قال من أنصاري إلي الله قال الحواريون نحن أنصار الله....« إلي آخر الآية من »سورة المائدة«.