في عام 2009، ومع احتدام الغليان بين أبناء الشعب المصري وفي أوساط القوات المسلحة ضد سيناريو التوريث، أراد نظام الرئيس المخلوع مبارك تمرير حلم التوريث بأي ثمن، حتى لو كان ب"الشُكك" على ظهر تذكرة التأهل للمونديال، ووصولا للمراد، كان أن تم تجييش موكب طائر لرجال الأعمال والإعلاميين والفنانين بمعية (الوريث) جمال مبارك في مباراة الجزائر الشهيرة، لإطلاق المباخر في مهرجان التتويج ب"أكاليل الغار" عقب العودة من موقعة أم درمان بحلم الصعود للمونديال، فجلست حاشية "الزبائنية الطامعة" في مقاعد المتفرجين خلال المباراة تتابعها كفيلم عربي محتلة مواقع الجماهير الحقيقية من الهتيفة والمشجعين، لكن لحسن الطالع انقلب السحر على الساحر بعدم توفيق المنتخب، كانت الهزيمة وما رافقها من تجاوزات أو قل فضائح وسقطات هي مقدمة لانهيار مدو لعرش مبارك وانفراط عقد أحلام بعض هؤلاء الطامعين! اليوم.. وبعد أعوام من سقوط مبارك ومن بعده الإخوان، تتكرر نفس مشاهد الهودج مع بعض الاختلافات في التفاصيل، ودون مبرر واضح ومقنع لما حدث، فقد حل الرئيس عبدالفتاح السيسي ضيفا على قاعات الأممالمتحدة، وقد قدم الرجل بطاقة تعريف لعصره أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أجرى الرجل سلسلة لقاءات هامة بوفود عالمية، وإن اتفقنا أو اختلفنا على تقييم نتائجها، إلا أن القاسم المشترك مع واقعة أم درمان كان انتقال حاشية "الزبائنية الطامعة" من مقاعد المشجعين في الملعب الى صفوف المتظاهرين الداعمين للرئيس أمام الأممالمتحدة، بحجة مواجهة تظاهرات الإخوان المعادية! الظن، وأمام تلك المقاربة، أن الزبائنية السياسية الجديدة لا تعترف بالثورات والتغييرات العميقة في مجتمعها، وهي تصر على اللعب بنفس التكتيكات القديمة دون تجديد أو إبداع، أو حتى مجرد التغيير الشكلي في أساليبها وأدواتها، والأهم أن ذلك النمط المستفز من "الزبائنية" لا تفرق تقديراته بين مونديال كروي أو محفل أممي، فمنطق متعهدي الأفراح هو سبيلها، والبحث عن مسوغات اعتماد لدى الحاكم الجديد هو غايتها، وحماية مصالحها هو هدفها الأبعد والأوضح لعيون الجميع، ومن ثم تأتي مصالح هذا الوطن في مرتبة متأخرة من أولوياتها، حتى وإن علت الحناجر بهتافات مدوية وشعارات براقة. لا أجد فرقا بين هؤلاء الذين هرولوا خلف الرئيس السيسي تحت مظلة مساندته والانتصار لثورة 30 يونيو، وبين الإخوان الذين هرولوا لإطلاق قنابل دخان على رحلة الرئيس، فكلا لاعبان رئيسيان تحركهما أطماع السياسة والمصالح، وتفرش طريقهما "أموال سائبة" أو قل لقيطة، نهبت من جيوب المصريين لعقود، أو دفعت بسخاء من جهات خارجية لتدمير مصر وتفتيتها وتحويلها الى لقمة سائغة لمخططات سوداء، وفي كلا الحالتين تتلاقى المصالح وإن اختلفت الطرق، ويبقى الغائب الوحيد عن المشهد هو المصري الكادح الذي ثار في 25 يناير و30 يونيو، وتحدث عنه السيسي في خطابه. لقد كشفت موقعة نيويورك ومن قبلها أم درمان أن الاستخفاف بالمصريين يسري في دماء هؤلاء، فلا مكان للفقراء ووقود الثورتين في طائرات ومدرجات ووقفات الكبار، لكن المدهش أن لعبة الاستخفاف نفسها تمتد إلى الرأي العام العالمي، فالثابت أن خطاب السيسي وجدول أعماله لن يهزه مظاهرة معارضة، أو تعضد موقفه وقفة مؤيدة، بل إن رشاقة ادائه السياسي وتماسك منطقة الدبلوماسي وقوة حجته الاستراتيجية هي الخصم والحكم في عرض صورة مصر الجديدة في المحافل الدولية، وبما لا ينبغي أن نعول معه كثيرا على انقلاب في المواقف الدولية، في ظل عالم لا يحركه إلا لغة القوة وتفاعلات المصالح أو تنافرها. لابد من الاعتراف بأن مصر استنزفت طاقتها وجهدها ورصيد سياستها واقتصادها مع موكب الزبائنبة السياسية "الديلفري"، وأن قدرا لا بأس به من الأزمات التي تكابدها اليوم هو تلك الميليشيات الجوالية والعابرة للأزمنة والأنظمة، وما من حل إلا الانتصار للمصري الكادح البسيط ووضعه دائما كمرآة للأداء وبوصلة للسير، وأقولها بصدق إن عدم تخلص الحكم في مصر من عبء تلك المجموعات المعروفة اسما، سيضع مصر أمام معضلة جديدة لا يعلم مدى خطورتها إلا الله.