ترى حكومة السيسي في هذا المثل الشعبي الدارج (قطعه أحسن من نحته) أسرع وأقصر طرق الخروج من المأزق الاقتصادي، ومن ثم لا تهدر وقت في إجراء أكبر عملية سلق وتعبئة ممنهجة للاقتطاع من الأرزاق، وفي ذلك يبدو التفسير المنطقي لاستعجال مذابح الجزارة الاقتصادية الباترة في الشهر الكريم، وتصارع سواطيرها على رقاب الفقراء لتكتب كلمة الفراق مع عصر الدعم.. حسنًا.. دقت ساعة الصفر.. وستلامس أسعار الكهرباء والغاز والخبز معدلاتها العالمية دون تدخل حكومي.. انه الاختبار الأول ل"تسلم الأيادي" و"الطاعة العمياء" و"التضحية دون مقابل" من أجل "مصر"، حتى وإن انتزعت تلك التضحية اللحم وتحرشت بالعظام والأعصاب لسحقها في العراء، على هكذا طريق فقط ستنقذ حكومتنا المنتخبة الرشيدة مصر وتضمن مستقبل الأجيال القادمة، ولا بأس أن نضحي اليوم من أجل الغد.. لكن بم نضحي؟! يسأل سائل!! لا بأس أن يكون التقشف هو الحل.. وأمام وعورة الأزمة لا مفر من حرمان الشعب من جزء من الرفاهية المطلوبة!.. لنا أن نتساءل أيضا.. هل الرفاهية المقصودة هي التي يندرج تحتها دعم اسعار الكهرباء والغاز والخبز في بلد تتجاوز معدلات الفقر 40% من سكانه، وهل يبقى الحل الوحيد هو تقطير المليارات من دماء الفقراء في مقابل استبقاء البذخ والسفه في الانفاق الحكومي؟.. وهل كان حرق دماء ملايين المصريين هو الخصام المقصود مع ال40 عاما الماضية وبداية مكتسبات ثورتي 25 يناير و30 يونيو؟.. وهل كانت الإطاحة بالدعم وإفقار الفقراء جزء من البرنامج السري للرئيس السيسي؟ .. هل هو عقاب الشعب على مطالبته التغيير والاصلاح!.. لا أحد يجيب! هاني قدري دميان، وزير المالية (العديل الموضوعي لبطرس غالي) يبرئ صندوق النقد الدولى مما يحدث من عمليات "جراحية قاسية"، ويفتخر بتفوق اجراءاته على برامج الصندوق كافة، في هذه النقطة لا اجترئ على تكذيب دميان، فالهيئة الاستشارية الغربية الممولة إماراتيًا (صاحبة فكرة تلك القرارات) تفوقت على روشتات صندوق النقد عن عودة الاستقرار السياسى كشرط أساسى لقدرة مصر على مجزرة الدعم والحصول على قروض الصندوق المذلة، لكن في حالتنا تلك فإن (الاستشارية الغربية) لم تر المفخخات على أعتاب قصر الرئاسة وتفجيرات الإخوان تستهدف المستشفيات العسكرية والمؤسسات الحيوية، والغلاء يفخخ جيوب المصريين ويفجر ميزانيات أسرهم ويشوي أكبادهم، فأوعزت الى حكومة (سبعة الصبح) بطبخ إجراءات تفجر ما تبقى من مرارة المواطن الفقير ومحدود الدخل، تحت لافتة أزمة مصر الاقتصادية الخانقة. قد يتسامح الشعب المصري مع عنترية وأكاذيب اللواء المكلف عبدالعاطي وجهاز علاج الإيدز وفيروس سي الذي لم ولن يظهر للنور، تسامح شفع له تحويل هذا الملف إلى دولاب النكتة السياسية المصرية العتيق، لكن أحقًا سيكون التسامح بنفس المقدار مع قرارات "جزارين" تحقن المصريين بمصل "التسول"، وتهدم بيوتهم قبل أن توفر لهم بيوتا بديلة أو حتى معسكرات لاجئين، فيما تغيب الإجراءات الاحترازية على الأرض، اللهم إلا اجتماعات لرئيس الوزراء مع كبار رجال الأعمال والتجار الذين قطعوا عهودا على طريقة (كف العرب)، والمفارقة الأكبر أن قرارات رفع أسعار الكهرباء والغاز وضرائب الدخل تترافق مع مؤتمرات صحفية عالمية شارحة لطبيعة الإتاوات الجديدة، لكن وفي المقابل فإن ما يصدر من قرارات اجتماعية خاصة بالحد الأقصى للأجور وحماية المستهلك والممارسات الاحتكارية لا تجد من يشرحها أو يفسر آليات تطبيقها، أو يفصح عن طبيعة المبالغ التي ستوفرها للموازنة العامة للدولة، والمزايا الاجتماعية التي ستتيحها للمواطنين. ستصدر قرارات (العصا السحرية) شئنا أو أبينا، وسيغني أصحاب الدخول ما بين ال4 آلاف و42 ألف جنيه "تسلم الأيادي"، تلكم بضع جنيهات ستقتطع من جيوبهم ولن تؤثر كثيرا على مستوي رفاهيتهم، في المقابل لا ينبغي أن نتفاءل في توقع مشهد عام يترك للمواطنين الشرفاء وغيرهم حل مشكلاتهم اليومية في الشارع كل على طريقته، ولننتظر مشاحنة محمد أفندي مع سائق الميكروباص بعد ارتفاع الأجرة، ولنترقب مشاجرة أم يوسف مع بائعة الخضروات بعد جنون أسعار الطماطم والخضروات، ولن نبتأس كثيرا أمام حرب الشوارع بحثا عن المواد التموينية، فتلك هي الإرادة الحانية السنية التي هبطت على شعب لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه، فكانت ثورته ضد الدعم الحكومي لاخر آماله في الحياة، وليس على دولة الخلافة ونظام الأخونة والإخوان (!!). لن نلوم كثيرا تلك الإرادة السنية الحانية، لكن اللوم سيبقى موصولا على من ابتلعوا ألسنة الكرامة ولاذوا بالصمت عن قرارات رفع الدعم (الساداتية في نسختها الجديدة)، وتجاهل طرحها للنقاش والنقد المجتمعي بما يزيد مساحة الخوف والقلق، خوف من الجهل بحقيقة أن ترمومتر المصريين لم يعد في يد من غنى ورقص وطبل وهلل، ثم سكت وصمت وابتلع اللسان واختفى، وقلق من أن تتحطم موجة التطنيش والتعتيم على صخرة هبة شعبية دون رأس أو أقدام تطيح بما تبقى من استقرار، وتحطم صور كل من تلاعب باسم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، أما الرعب فهو من الآثار الجانبية المقبلة بمجرد وصول الفواتير والتي ستكون أكبر من تصورات وتوقعات الجميع.