«مدد يا بدوي».. فهذا أوان النداء وطلب العون والمدد «مدد يا بدوي.. مدد يا سطوحي.. مدد يا شيخ العرب» نداءات يرددها البسطاء ممن يعتقدون في أهل الولاية والقربى أو من يعرفون ب «أولياء الله الصالحين» أو «العارفين بالله»، فهذا أوان النداء طلب المدد.. ليس فقط لأنه موعد الاحتفال السنوي بمولد العارف بالله السيد «أحمد البدوي»، وإنما أيضًا لأنه أوان الأزمات التي يطيب ويزيد فيها طلب العون من القوة الإلهية ومن هو قريب منها وفق معتقدات البعض، لاسيما إذا تعلقت هذه الأزمات بالهم الأكبر وهو الوطن. وفق هذه الرؤية – ظاهرة أم خفية – يعيش المريدون خلال هذه الأيام أجواء روحانية مميزة، فهم يملأون ساحة مسجد «السيد البدوي»، وتكتظ بهم سارية منطقة سيجر بمدينة طنطا محافظة الغربية، للاحتفال بمولد العارف بالله السيد «أحمد البدوي»، ومن قلوب الحشود والمريدين تنطلق الأصوات بالدعاء: «اللهم احفظ مصر»، «اللهم احم مصر».. مذيلة دومًا بطلب المدد «مدد يا بدوي». انشغل أغلب الزوار بالجو الروحانى، لكن بعضهم الآخر لم ينس تشكيل لجان شعبية لتأمين الليلة الختامية، تخوفا من حدوث أعمال إرهابية داخل ساحة السارى بمنطقة سيجر أو ساحة وميدان المسجد. حال المولد من حال مصر؛ فالركود الذى تعانيه الأسواق يعانيه باعة الحلوى والحمص بالمولد؛ فهم يؤكدون ضعف الإقبال على الشراء هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة؛ نظرا للظروف الاقتصادية السيئة التى تمر بها مصر. يقول شريف الحلوانى – أحد بائعي الحلوى والحمص التي يزداد رواجها في مولد «البدوي»: إن الأعوام السابقة شهدت إقبالا كبيرا على الحلوى والحمص قبل أسبوع من بداية المولد، أما هذا العام فالإقبال ضعيف جدا، ليس على مستوى الشراء فقط، بل على مستوى الإقبال على المولد نفسه؛ فأعداد المشاركين أقل من كل عام، فحسب تحليله «الناس ظروفها صعبة والحالة الأمنية مش مستقرة، ده غير إن الناس لسه خارجة من عيد الأضحى اللى صرفت فيه كتير». وقال الشيخ خالد شهاب – عضو لجنة الشورى بطريقة «أبوالعزائم»: إن غالبية المصريين متصوفون بطبيعتهم، ومحاولات قوى الإسلام المتطرفة تحريم الاحتفال بموالد أولياء الله الصالحين باءت بالفشل، مطالبا الأفراد الذين يستغلون الموالد للقيام بأعمال الشعوذة بترك هذه الأعمال؛ لأن من شأنها تشويه الموالد. وقال أحمد مهنا – عضو بالطريقة الصوفية بالغربية، إنه تم تشكيل لجان شعبية لتأمين الاحتفال بالليلة الكبيرة، موضحا أن قلة عدد مريدى المولد هذا العام ترجع إلى الشائعات التى روجت مؤخرا بعدم إقامة الاحتفال بالمولد هذا العام، الأمر الذي تسبب فى إحجام الكثيرين عن الحضور إلى طنطا للاحتفال، فمريدو «السيد البدوى» يأتون اليه كل عام من كل صوب وحدب، منهم: "أم سماح"، التى تداوم على زيارته منذ 51 عاما، وتشهد له بالعديد من البركات، وحكت أن شقيقتها كانت منذ 13 عاما لا تنجب فنذرت نذرا على نفسها بتوزيع "شمع وقراقيش" كل عام فى الليلة الكبيرة للمولد، وبالفعل تلبى النذر كل عام وعندما تتخلف عنه تتعرض لمشكلة. وعن العارف بالله «أحمد البدوي» فهو أحمد بن على إبراهيم البدوى. من ألقابه «شيخ العرب، الملثم، أبو الفتيان، أبو العباس، أبو فراج، السطوحي، عيسوي المقام، القطب النبوي، باب النبي، بحر العلوم والمعارف، الصامت، القدسي، الزاهد، جياب الأسير، العطاب، ولي الله، ندهة المضام، محرش الحرب، والأسد الكاظم». ولد بمدينة فاس المغربية عام 596 ه/1199م، وكان ترتيبه السادس بين أخوته. انتقل أجداده من شبه الجزيرة العربية إلى مدينة فاس سنة 73 ه/692 م عندما زاد اضطهاد الحجاج بن يوسف الثقفي للعلويين. ينتسب السيد البدوى للإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه، فهو «أحمد بن علي بن يحيى بن عيسى بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن علي بن عثمان بن حسين بن محمد بن موسى بن يحيى بن عيسى بن علي بن محمد بن حسن بن جعفر الزكي بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب». عرف «أحمد البدوي» بميله للزهد منذ صغره، فلقبه قومه في طفولته بالزاهد. ولبس خرقة التصوف في فاس على يد الشيخ عبد الجليل النيسابوري. تنسب إلى السيد العارف بالله «أحمد البدوي» العديد من الكرامات لعل أهما كما يذكر الإمام الأكبر عبد الحليم محمود – رحمه الله – أن أكبر كرامة ل «البدوي» أنه ربّى رجالاً، وكوّن أبطالاً مجاهدين. ومن أشهر الكرامات المنسوبة له أيضًا، أنه كان ينقذ الأسرى المسلمين من أيدي الصليبيين أيام الحملات الصليبية على مصر، وظل اعتقاد شائع بين الناس أن البدوي ظل ينقذ الأسرى بعد مماته إلى عصر متأخر، حتى انتشرت مقولة بين العامة -ومازل الناس يتداولونها حتى الآن- هي: «الله الله يا بدوي، جاب اليسرى»، أي أن البدوي «جلاب الأسرى». ويقول بعض الصوفيةعن مسألة جلب الأسرى، أنهاتعودإلى واقعة تاريخية مشهورة، حيث أرسلت وزارة الأوقاف المصرية بالسيوف والدروع التي غنمها الجيش المصري من جيش لويس التاسع، بعد أُسرهفي دار ابن لقمان بالمنصورة، لتخزن في مخزن المسجد الأحمدي، فكان الدراويش وأتباع الطريقة البدوية يتقلدون هذه الدروع والسيوف في مواكب الأحمدية، ويزعمون للناس أنهم الأسرى الذينجاء بهم البدوي من أوروبا، فلما تقدمت الأيام، قالوا إنهم سلائل أولئك الأسرى، وكان من الغريب أن تترك الحكومة المصرية هذه الدروع والسيوف التاريخية نهباللضياع في يد العامة. وكما أن هناك تشكيك في نسب البدوي وكراماته، فإن هناك كثيرون أيضاً شككوا في حقيقته وحقيقة دوره، إذ يرون أن الرجل وحوادثه لم تكن سوى خطة من خطط إعادة إحياء الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية من جديد، فهي مؤامرة بلباس أهل البيت، ولكن عن طريق التصوف. لم يترك «البدوي» أية كتب أو مؤلفات عن الطريقة «الأحمدية»، أو «البدوية»، ويتمثل تراثهالأدبي في وصاياه لتلميذه «عبد العال»، التي تعد مجموعة منالوصايا العامة من أستاذ لتلميذه، منها: «يا عبد العال؛ يقول الله تعالى في كتابه المكنون: "إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا والَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ"،فعليك بكثرة الأذكار، واعلم أن ركعة بالليل أفضل من ألف ركعة بالنهار. يا عبد العال أشفق على اليتيم، واكسُ العريان، وأطعم الجيعان، وأكرم الغريب والضيفان…. يا عبد العال، إياك وحب الدنيا؛ فإنه يفسد العمل الصالح كما يفسد الخل العسل». ويظهر في علم محافظة الغربية إحدى مآذن وقبة مسجد أحمد البدوي داخل الترس.