محافظة البحيرة تستقبل وفداً من جامعة الأزهر لتعزيز التعاون    الشعب سيد قراره.. رئيس الوطنية للانتخابات يدعو المصريين للمشاركة فى انتخابات الشيوخ    أشرف منصور: المتحف الكبير والعاصمة الإدارية والهوية البصرية رسائل للعالم    الأنبا إيلاريون يزور كنيسة الأنبا بولا ببشارة ويرسم 15 شماسًا في رتبة إبصالتس.. صور    13 أغسطس.. جامعة المنوفية تشارك في معرض مؤسسة أخبار اليوم للتعليم العالي    تراجع سعر الريال السعودي بختام تعاملات اليوم    رئيس الحكومة يتابع مع وزير الاستثمار جهود تطوير منظومة الإفراج الجمركي    وزير قطاع الأعمال ومحافظ الإسكندرية في جولة تفقدية لتطوير المعمورة «السياحية»    محافظة المنيا: تشغيل المجمعات الحكومية بالقرى لصرف المعاشات من خلال مكاتب البريد    المساعدات تتدفق.. الفوج الخامس يعبر كرم أبو سالم    وزير الخارجية الألماني: حل الدولتين السبيل الوحيد للعيش في سلام وكرامة    هيئة بث الاحتلال الإسرائيلي: سحب لواءي الاحتياط 646 و179 من قطاع غزة    الأمم المتحدة: سكان غزة على شفا المجاعة ويضطرون لالتقاط العدس المتناثر من الأرض    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    عمرو ناصر: رفضت عروضا أكبر من الزمالك.. وأحلم بالانضمام للمنتخب    إنفوجراف| 8 صفقات ل الزمالك في الصيف    سمير عبد المعز يتوج بالذهب ومهند ورحمة يتألقان في بطولة إفريقيا للبوتشيا    «رجعلي جثة».. أم يوسف تروي تفاصيل مقتل ابنها غدرًا بالمطرية| فيديو    "السكة الحديد" توضح حقيقة خروج قطار عن القضبان بعد اصطدامه برصيف محطة السنطة    ضبط المتهم بقتل شاب وإلقاء جثته وسط الزراعات في قنا    امتحانات الدور الثاني 2025.. جولة تفقدية لإدارة الساحل التعليمية بعدة مدارس    الداخلية تكشف ملابسات قيادة طفل لميكروباص بالشرقية    أشرف زكي يشارك في مراسم جنازة الفنان الكبير لطفي لبيب    عائلة دنيا سمير غانم ونجوم الفن في العرض الخاص لفيلم «روكي الغلابة» | صور    محسن جابر يشارك فى فعاليات مهرجان جرش ال 39    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    «كفتة البطاطس بالدجاج».. لمسة خفيفة على مائدة الصيف    كيف أتخلص من دهون البطن بدون رياضة؟    ڤويا Passion سيارة فارهة جديدة تنضم إلى السوق المصري.. أسعار ومواصفات    حمزة نمرة يتصدر الترند بأغنية "شيل الشيلة" بتوقيع الملحن محمدي    أسعار الأسماك بأسواق مطروح اليوم الخميس 31-7- 2025.. البورى ب 150 جنيه    تعليقا على دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية.. رئيس حزب العدل: ليس غريبا على الإخوان التحالف مع الشيطان من أجل مصالحها    17 برنامجًا.. دليل شامل لبرامج وكليات جامعة بني سويف الأهلية -صور    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    4 تحذيرات جديدة من أدوية مغشوشة.. بينها "أوبلكس" و"بيتادين"    رئيس هيئة الأوقاف يوجّه مديري المناطق بالحفاظ على ممتلكات الهيئة وتعظيم الاستفادة منها    التصريح بدفن جثة طفل لقى مصرعه غرقا بقرية الجبيرات فى سوهاج    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    صفقة تبادلية محتملة بين الزمالك والمصري.. شوبير يكشف التفاصيل    انتخابات الشيوخ.. 100 ألف جنيه غرامة للمخالفين للصمت الانتخابي    ماذا يتضمن مشروع القانون في الكونجرس لتمويل تسليح أوكرانيا بأموال أوروبية؟    حبس بائع خردة تعدى على ابنته بالضرب حتى الموت في الشرقية    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    خروج قطار عن القضبان بعد الاصطدام برصيف محطة السنطة دون إصابات    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات البنية الأساسية والتطوير بمدن بالصعيد    مسلسل «220 يوم» يتصدر التريند بعد عرض أولى حلقاته    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    وزير الخارجية يلتقي السيناتور "تيد كروز" عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارم يحيى يكتب عن: اختطاف نقابة الصحفيين من جديد (1)
نشر في البديل يوم 11 - 05 - 2011

* لماذا استعادت القيادات الإقطاعية العازلة مقعد النقيب ؟
* نافع ومكرم أسهما في سيادة أنماط متخلفة من علاقات العمل الاستبدادية وأشكال احتكارية في الإنتاج الصحفي و انتهاك آداب المهنة
* النقيبان باعا السلطة للصحفيين والصحفيين للسلطة وأوهما “الزبائن” على الجانبين أن الصفقة آمنة بأبخس الأثمان و بأقل التكاليف
* نافع كان رئيسا لتحرير الأهرام 26 عاما ومجلس الإدارة 19 ومكرم رئس إدارة الهلال وتحرير المصور24عاما وتناوبا على موقع النقيب 18عاما
* عارف كان إصلاحيا كبيرا في زمن احتاجت النقابة ثائرا يقلب قواعد اللعبة النقابية ويحرر أصوات الصحفيين من أسر الرشوة الحكومية
* تدخل الأمن في انتخابات الصحفيين و النقابات و النوادي الموصوفة زورا بالنزاهة ملف أسود سيجرى فتحه حتما
* النقابة كمؤسسة مستقلة عليها استبدال تسول الدعم الحكومي لسد عجز الميزانية بانتزاع حقها في نسبة إعلانات الصحف والتمغة الصحفية
بحلول انتخابات نوفمبر 2007 انتكس المسار الديمقراطي لنقابة الصحفيين . عاد الأستاذ ” مكرم محمد أحمد” النقيب الحكومي عضو الحزب الوطني ونادي رؤساء مجالس إدارة وتحرير المؤسسات القومية بعد أربع سنوات استقطعها تاريخ النقابة لصالح النقيب المستقل الزميل الأستاذ ” جلال عارف ” الذي كسر احتكار الحكومة وحزبها وقياداتها المعينة في مواقع الإدارة والتحرير للمنصب منذ عام 1981 ،حين فاز المرحوم الأستاذ ” صلاح جلال ” رئيس تحرير مجلة ” الشباب وعلوم المستقبل ” الصادرة عن مؤسسة ” الأهرام ” بمنصب النقيب .
حدث ما نبهت إليه في كتابي ” حرية على الهامش : في نقد أحوال الصحافة المصرية ” الصادر مطلع عام 2005 وفي فصل بعنوان ” النقابة المختطفة” ، فقلت:” إن انشغال قيادة النقابة بتثبيت رأس الجسر مع السلطة السياسية على حساب خوض معارك مطلبيه ملحة كقضية تحسين الأجور يحمل مخاطر أن تعود القيادات العازلة إلى مقعد النقيب ، وقد يفيد بأن البيروقراطية لم تتزعزع قبضتها على نقابة الصحفيين ..وبأن التغيير في صحافتنا بهذا الأسلوب ما يزال بعيد المنال”.
واقع الحال أن عودة الأستاذ ” مكرم” إلى مقعد نقيب الصحفيين في انتخابات 2007 و 2009 كان أيضا بمثابة استعادة الإقطاع الصحفي السياسي لهذا الموقع . وهو إقطاع مارس احتكار منصب النقيب منذ عام 1985 ممثلا في شخصي الأستاذ “مكرم” والأستاذ “إبراهيم نافع” رئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام السابق. وقد أسهم الرجلان في سيادة أنماط متخلفة من علاقات العمل الاستبدادية الأبوية “البطركية” و أشكال احتكارية في الإنتاج الصحفي و انتهاك آداب المهنة وأسسها بما في ذلك الخلط بين الإعلان والتحرير وافتقاد الاستقلالية إزاء السلطات والمصادر المؤثرة، فضلا عن الممارسات النقابية المشوهة . بل كان وجود مثل هذه القيادات على رأس نقابة الصحفيين بمثابة نسف لأسس العمل النقابي ذاته، حيث جمعا لسنوات مديدة بين تمثيل مصالح مالك الصحف القومية وسلطة الإدارة و الثواب والعقاب من جانب و إدعاء الدفاع عن حقوق الصحفيين العاملين بأجر من جانب آخر.
وعلاوة على ذلك جسد الرجلان حال “القيادات العازلة” وقد شخصتها في الدراسة المشار إليها سابقا باصطناع أدوار تجعل من العمل النقابي أشبه بمهارة “سمسار” .يبيع السلطة للصحفيين ويبيع الصحفيين للسلطة موهما ” الزبائن ” على الجانبين بأن الصفقة آمنة وتجرى لصالحهم بأبخس الأثمان و بأقل التكاليف. وفي هذه الأدوار ما يفسر ظاهرة ” البدل النقدي” الهزيل المهين الذي يجرى تقديمه مع كل انتخابات لتعويم النقيب الحكومي منذ عام 1981 والإحجام عن بذل أي مجهود ومصادرة أي نضال نقابي لتحسين الأجور و ضمان عدالتها واستكمال ما تحقق في معركة لائحة عام 1976.وهي آخر لائحة أجور جرى التفاوض عليها في تاريخ الصحفيين المصريين ونقابتهم .
تستحق السيرة المزدوجة للأستاذين “نافع” و “مكرم ” وتأثيرهما الطاغي على الصحافة المصرية مهنة ونقابة على مدى أكثر من نحو ثلاثين عاما دراسة خاصة ومستقلة بذاتها. فقد شغل الأول منصب رئاسة تحرير “الأهرام ” 26 عاما و رئاسة مجلس إدارة المؤسسة ذاتها 19 عاما . وشغل الثاني رئاسة مجلس إدارة مؤسسة ” الهلال ” و رئاسة تحرير مجلة ” المصور ” معا 24 عاما. وتناوب الرجلان على موقع نقيب الصحفيين 18 عاما متصلة بين عامي 1985 و 2003 . استهلك منها الأول 12 عاما ، وترك لقرينه الثاني 6 سنوات. واللافت أيضا أن الأول لم تكن له أي سابق عضوية بمجلس نقابة الصحفيين ، أما الثاني فقد انقطعت صلته بالمجلس منذ عام 1973 ،حيث أنتخب دورتين عضوا به ( 1968 و 1971) . و بعدها غاب عن النقابة لنحو 16 عاما ليصبح فجأة نقيبا للمرة الأولى في عام 1989. وعلى أية حال ، فإن السيرة المزدوجة للأستاذين “نافع ” و ” مكرم “ يتعين النظر إليها في سياق إعادة اكتشاف حقيقة جيل القيادات الصحفية المعمرة الذي جاءت به حركة تغيير هذه القيادات في ديسمبر 1979 و يونيو 1981 . وهي في ظني من أخطر التحولات التي أصابت صحافتنا وعلى خلفية ما لحق بالدولة المصرية بدءا من نهاية عهد الرئيس الأسبق ” أنور السادات” وسياسات ” الديمقراطية ذات الأنياب” و ” الانفتاح سداح مداح ” و التحالف الاستراتيجي مع واشنطن و التطبيع مع إسرائيل . وثمة أسئلة مفتوحة هنا بشأن مؤهلات اختيار ” السادات ” لهذه القيادات الصحفية في مرحلة أفول حكمه و انهيار شعبيته في مصر خاصة والعالم العربي عامة، أو ما يسمي ب ” السنوات الأسوأ في عهد السادات ” . وبعض هذه الأسئلة يتصل بإعداد وتجهيز أمريكي لهذا الجيل من القيادات سبق توليها مناصبها .
عاد “مكرم ” بكل ما يمثله إلى مقعد نقيب الصحفيين في عام 2007 وقد تجاوز عامه السبعين . وإن كان فقد هذه المرة منصب رئيس مجلس الإدارة والتحرير ( مؤسسة الهلال / مجلة المصور ) بعد إحالته للمعاش متأخرا عن أوانه بأكثر من خمس سنوات بالمخالفة للقانون . وفي عودة الرجل السبعيني ما يدعو لنقد تيار “الاستقلال النقابي ” بين الصحفيين ،و الذي يمثله “عارف ” ومنافسا “مكرم” على مقعد النقيب في 2007 و 2009 “. الزميلان الأستاذان “رجائي الميرغني” ” و ” ضياء رشوان” وحدود الخطاب والأداء. فقد كان النقيب السابق “عارف” بمثابة “إصلاحي كبير” في زمن تطلبت فيه النقابة ثائرا يقلب قواعد اللعبة النقابية والانتخابية ويحرر أصوات غالبية الصحفيين من أسر الرشوة الحكومية الموسمية وضغوط الإدارة والسلطة . لكن قد يكون للرجل الإصلاحي قدرا من العذر ، فمجلس النقابة الذي عمل معه بين عامي 2003 و 2007 أظنه كان معرقلا ومعوقا لخططه إلى حد كبير . وهو بالأصل ينقسم إلى ثلاثة كتل . أربعة أعضاء من إجمالي الأعضاء الاثنتي عشر محسوبين على تيار الاستقلال النقابي و اليسار بتعدد أطيافه ومثلهم من المحسوبين على الحزب الوطني والحكومة و مثلهم أيضا من المحسوبين على ” الإخوان ” .مع الأخذ في الاعتبار ازدواج الولاء لإدارة المؤسسة القومية و لتيار سياسي معا في هذا العضو أو ذاك.
وجد نقيبنا المستقل الإصلاحي نفسه بين أقلية المجلس في مواقف حاسمة ،وبعضها ما تعلق بشخصه وبمهابة موقعه . ولعل في ذلك ما يفسر الأداء غير القوي للنقيب والمجلس إزاء اختطاف منصب رئيس إتحاد الصحفيين العرب لحساب النقيب الحكومي السابق عليه ” نافع” في أكتوبر عام 2004 . وكذا منح النقيبين الحكوميين السابقين في صيف 2004 و 2006 الجائزة التقديرية للنقابة في عهد “عارف”، رغم أن أحدهما ” نافع ” كان في الأثناء متورطا في فصل زميل صحفي و منع آخر من العمل والدخول إلى مؤسسته . بل الأخطر أن مجلس النقابة حينها انتهى إلى مباركة التعديلات الجزئية المنقوصة على عقوبة الحبس في قضايا النشر والتهليل لها بوصفها انتصارا لحرية الصحافة مع الامتنان للرئيس “مبارك” في صيف عام 2006 . وعلاوة على ذلك ، استمر عجز النقابة أو عزوفها عن محاسبة وتأديب أي من أعضائها على انتهاك القانون وآداب المهنة و ميثاق الشرف الصحفي ، بما في ذلك الخلط بين الإعلان والتحرير الذي تفشى كوباء بين الصحفيين في عهد النقيبين السابقين ” نافع ” و مكرم “.
مع ذلك ، يعود إلى هذه الفترة المهمة في تاريخ النقابة الفضل في هامش الحرية الأوسع لعمل المجموعات الحية من أعضاء الجمعية العمومية و في تفاعل أفضل مع حركة التغيير في المجتمع ، فضلا عن فتح ملفات تخص المهنة وأهلها ظلت مغلقة لعقود ، ومن بينها الحق في لائحة أجور جديدة عادلة والتمغة الصحفية ونسبة النقابة من إعلانات الصحف. ولعل أهم ما كان في هذه المرحلة أن النقابة أسهمت في الدفع نحو تغيير قيادات الصحف القومية المزمنة ممن تجاوزوا سن المعاش. وهي أول حركة كبرى في حقل الصحافة في عهد “مبارك “الذي اتسم بالجمود و انتهاك القوانين وبفساد سياسي غير مسبوق في تاريخ البلاد الحديث. وحقيقة كان من الصعب إنجاز حركة تغيير هذه القيادات إذا ما استمر احتفاظ الإقطاع الصحفي السياسي ممثلا في ” نافع ” و ” مكرم” ورفاقهما من دفعة 79 / 1981 بمقعد نقيب الصحفيين. وحيث كنا قبل مجئ الأستاذ ” عارف ” إلى مقعد النقيب إزاء وضع تحولت فيه النقابة إلى رهينة لاستمرار القيادات المزمنة في مقاعدها بالمؤسسات الصحفية القومية. كما أصبحت المؤسسات بدورها وبما لها من قوة تصويتية غلابة في الانتخابات النقابية رهينة لإبقاء سيطرة رموز الإقطاع الصحفي السياسي على النقابة.
بالقطع يظل فضل الأستاذ “جلال” ومجلسه وتحديدا الزملاء المتحررين نسبيا من الارتباط بالإقطاع الصحفي السياسي غير منكور على حركة تغيير قيادات الصحف القومية صيف عام 2005 . لكن طبيعة الدور ” الإصلاحي ” وحدوده هي التي تفسر بالطبع ضمن عوامل أخرى تتعلق بالمجتمع والمهنة لماذا جلبت حركة التغييرات هذه إلى صحافتنا أبواق مشروع التوريث والناطقين غير الرسميين بلسان الحزب الوطني الحاكم ؟. وهنا لا يجب أن نغفل تأثير رموز الإقطاع الصحفي السياسي من القيادات القديمة نفسها في تزكية خلفائها “المطيعين الطيعين” والملتزمين بشعار ” نافق رئيسك الذي ينافق الرئيس”. لكن حدود إصلاحية النقيب “عارف” آنذاك تتضح في القناعة بإزاحة القيادات القديمة منتهكة القانون ومختطفة النقابة من دون الطموح إلى طرح تغيير قواعد اختيار قيادات هذه المؤسسات بالأصل والانحياز لمعايير الكفاءة والمهنية و النزاهة. وهنا تتميز حركة “صحفيون من أجل التغيير” التي شرفت بالدعوة إليها وصياغة بيانها التأسيسي و بانتخابي أول منسق عام لها بالمطالبة صراحة بإنهاء سيطرة الحزب الحاكم وأجهزة الأمن على الصحافة وشئونها بما في ذلك اختيار قيادات المؤسسات القومية . ولقد كان ذلك سابقا على إعلان حركة التغييرات في 4 يوليو 2005.
و لا يمكن فهم إعادة اختطاف موقع نقيب الصحفيين مرة أخرى بين عامي 2007 و 2011 إلا في سياق اجتماعي سياسي عام بدا خلاله نظام “مبارك “وقد تأهب لعملية ” توريث الحكم” يقوم بتصفية كافة مواقع المقاومة، و معها مسارح الاحتجاج السياسي المتاحة . ولما كانت “سلالم” نقابة الصحفيين أبرز هذه المسارح المفتوحة أمام الاحتجاجات منذ 2003 فقد اعتمد النقيب الحكومي في حملته الانتخابية عام 2007 خطابا يركز على مصادرة الحق في الوقفات الاحتجاجية السلمية ، وحتى شاع وقتها عن الرجل أنه ” نقيب شيل السلم “. ومن الواضح أن فوز “مكرم” بتدخل حكومي و إداري سافر في المرتين 2007 و 2009 جاء في سياق الإجهاز على مساحات الحركة المستقلة على صعيد الجغرافيا السياسية للعاصمة القاهرة ، وتحديدا شارع “عبد الخالق ثروت “و في صفوف النقابات والطبقة الوسطي بالمعنى الاجتماعي السياسي .وفي هذا الإطار تأتي محطات من قبيل التخلص من تيار الاستقلال في نادي القضاة بالإسكندرية يناير 2008 ثم نادي القاهرة فبراير 2009 ، وصولا إلى فوز الأستاذ ” حمدي خليفة ” عضو الحزب الوطني الحاكم بمنصب نقيب المحامين في مايو 2009 .
وبخصوص انتخابات نقابة الصحفيين تحديدا ، فإن هناك حاجة لمراجعة واحدة من أوهام عهد “مبارك “. فالإدعاء بأن هذه الانتخابات بالغة النزاهة لا يصمد في الواقع مع حقائق التدخل السلطوي السافر من قبيل قيام رئيس الحكومة ووزرائها بأن يخصوا مرشح الحزب الوطني باللقاءات في فترة الدعاية الانتخابية وبذل الوعود له بمنح امتيازات خاصة للصحفيين . ولا أدل على هذا التدخل الفج مما جرى في انتخابات النقيب عام 2009 ومطاردة الأستاذ ” مكرم” لأعضاء الجمعية العمومية للنقابة برسائل ” إس . إم . إس “على الهواتف المحمولة تحمل سيلا من الرشاوى الحكومية. وقد اتضح لاحقا أن العديد منها محض خداع . ولا أدل أيضا على الضغوط الإدارية داخل المؤسسات الصحفية لصالح مرشح الحزب الحاكم ما شاهده وعاينه الصحفيون بأنفسهم هذه الانتخابات ، بما في ذلك كافة أساليب الإغراء والترهيب . ولم يعد سرا خطاب رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط السابق الأستاذ ” عبد الله حسن ” الذي يبلغ فيه مراسليه في أنحاء العالم بالعودة إلى القاهرة وتكفل ميزانية الوكالة بنفقات السفر لانتخاب ” مكرم”. ولو جرت واحدة من هذه الوقائع في بلد ديمقراطي محترم لأقيلت الحكومة أو استقالت و لجرى عزل المتورطين في المجتمع الصحفي من مناصبهم القيادية و تغريمهم نفقات هذه المهام الانتخابية الرخيصة ولعوقبوا تأديبيا من نقابتهم . أما تدخل الأجهزة الأمنية في انتخابات الصحفيين وغيرها من النقابات المهنية و النوادي الرياضية الموصوفة زورا بالنزاهة فهو ملف أسود سيجرى فتحه حتما في الأيام القادمة .
إذا ما أريد في هذا العهد الجديد نقابة بحق للصحفيين فإن علينا فتح ملفات عهد الفساد السياسي الصحفي النقابي بصراحة وشجاعة. ويفيد مسار التحقيقات الجارية الآن مع رجال الصف الأول من الحكم أن الفساد السياسي بالضرورة قرين فساد مالي وعقاري وبأن هذه التحقيقات ستصل إلى حتما إلى أهل الصف الثاني ” رجال الرئيس في الصحافة والإعلام “. اللهم إلا إذا تدخلت قوى عاتية لإنقاذ رقاب نجوم عصر الاستبداد والفساد على صفحات الصحف وشاشات التليفزيون.
ومع أهمية المحاسبة والمحاكمة ، فإن الأهم هو أن يتدارس الصحفيون و المجتمع بأسره الضمانات والسبل الكفيلة بوقف مسيرة هذا الفساد السياسي الصحفي النقابي و الحيلولة دون إعادة إنتاجه مستقبلا. ففي بلد يسعى لإقامة دولة القانون والديمقراطية وفصل السلطات لا مكان لدعم حكومي مباشر أو غير مباشر للصحفيين ونقابتهم. وعلى جموع الصحفيين أن يواجهوا بشجاعة هذا الرعب غير الأخلاقي من سحب البدل الحكومي المقدم لهم من ميزانية المجلس الأعلى للصحافة . صحيح إن آلاف الصحفيين يعتمدون على هذا البدل ( يزيد على الستمائة جنيه شهريا بقليل ) للبقاء على قيد الحياة وقد تدنت المرتبات أو انعدمت تماما . وشخصيا أعرف زملاء أعزاء أكفاء يعيشون على هذا البدل ليس إلا . لكن علينا أن ننظر إلى أبعد من أقدامنا وندرك بأنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح ، وإن علينا العمل من أجل استبدال البدل الحكومي الذي يطعن استقلالية الصحافة والصحفيين في بلادنا بأجور عادلة لائقة وإعانة بطالة معتبرة ومقننة من الأموال الحرة للنقابة. كما على النقابة كمؤسسة مستقلة محترمة أن تستبدل تسول الدعم الحكومي سنة بعد سنة لسد عجز ميزانيتها بانتزاع حقها وحق الصحفيين المهدر في نسبة معتبرة من إعلانات الصحف و في تمغة صحفية محترمة . وفي ذلك ما يجعل منها نقابة غنية تمد مظلة ولايتها وحمايتها على كل من يعمل بحق بالمهنة .و في ذلك ما ينهى أنانية وضيق أفق أعضائها ممن يتصورون أن انضمام كل عضو جديد يهدد امتيازاتهم و يقتسم معهم العطايا الحكومية المحددة والمحدودة .
وفي بلد يسعي لإقامة دولة القانون والديمقراطية لا مكان لتدخل أي سلطة بما في ذلك سلطة الحكومة وأجهزة الأمن و رجال الأعمال في انتخابات نقابة الصحفيين . وبالقطع لا مكان لصمت وتواطؤ النقابة على كل هذا الفساد الصحفي من عمل الصحفيين بالإعلانات و كمستشارين أو محررين لدى مسئولي الدولة ورجال الأعمال ولشركات ومصالح محلية وأجنبية بما في ذلك السفارات .
وفي كل هذا ما يضع نقابة الصحفيين على طريق استقلاليتها و يرد لأهل المهنة و لها الاعتبار . وهو أمر لم يكن بالإمكان تصوره في ظل سيطرة الإقطاع الصحفي السياسي و القيادات العازلة. بل لا يمكن حدوثه مستقبلا مع استمرار هذه السيطرة.
( المقال القادم نقد أداء نقابة الصحفيين إزاء ثورة 25 يناير)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.