لم يكن غريبا أن نجد الصحف الإسرائيلية تتمنى فوز مكرم محمد أحمد فى انتخابات نقابة الصحفيين الماضية (2007 م)، وألا تخفى وسائل الإعلام الإسرائيلية فرحتها بجلوسه على مقعد نقيب الصحفيين المصريين عقب تلك الانتخابات، لم لا وللرجل سجل طويل من التطبيع مع العدو الصهيونى، يسبق حتى زيارة السادات للقدس فى نوفمبر 1977، ويمتد حتى اللحظة الراهنة، متجليا فى موقفه من قضية التطبيع والمطبعين داخل النقابة!.. وكمعظم من انزلقوا لمستنقع التطبيع وغاصوا فيه، لم تكن البداية تنذر بذلك.. بدأ ناصريا متحمسا.. بدأ مكرم محمد أحمد حياته الصحفية فى مؤسسة الأهرام، مراسلا حربيا على خطوط المواجهة الأولى فى حرب اليمن، وثورة تحرير الجزائر، وقد تدرج فى عمله بالمؤسسة العريقة حتى أصبح مديرا لتحرير صحيفة الأهرام، وكانت الخطوة التالية المتوقعة أن يصبح رئيسا للتحرير، ولكن المكان لم يتسع له ولإبراهيم نافع، فوقع الاختيار على نافع لرياسة مجلس إدارة وتحرير الأهرام، وأُرسل مكرم لدار الهلال رئيسا لمجلس إدارتها، ورئيسا لتحرير مجلة " المصور"، كما عين عضوا فى مجلس الشورى فى مزيد من الترضية، وبقى فى دا الهلال أكثر من عشرين سنة، تعرض أثناءها لمحاولة اغتيال فاشلة بسبب مقالاته عن الإرهاب، وتولى خلالها منصب نقيب الصحفيين للمرة الأولى، كما ارتبط اسمه بمبادرة وقف العنف التى أطلقتها الجماعة الإسلامية فى بدايات العقد الحالى، إذ انفردت المصور بنشر تفاصيل المبادرة، وسجلت بالصور لقاءات مكرم بقادة الجماعة فى سجن العقرب وحواراته معهم، كما تردد خلال تلك الفترة أنه من يقوم بكتابة خطابات الرئيس التى يلقيها فى المناسبات الوطنية والعامة، وبعد التغييرات الصحفية التى أقصته عن دار الهلال، وقع عليه الاختيار ليكون مرشح الحكومة لرياسة نقابة الصحفيين (2007)، مع وعد حكومى (أو رشوة انتخابية) بزيادة قيمة البدل الشهرى المقدم للصحفيين، وبالفعل نجح مكرم كما تمنت الصحف الإسرائيلية، وصار نقيبا للصحفيين للمرة الثانية فى تاريخه. لمكرم قصة طويلة مع التطبيع مع العدو الصهيونى، رغم أن بداياته لم تكن تشى بذلك، فهو كما يقول بدأ حياته المهنية ناصريا متحمسا، وكان شاهدا على دور مصر فى دعم حركات التحرر العربية، ولكن يبدو أنه رجل يجيد قراءة توجهات كل عصر والتكيف معها حتى قبل أن تتضح ملامحها كاملة، ففى عام 1974 أدرك مكرم أن السادات يتجه للصلح والصداقة مع إسرائيل، وبحجة دراسة العقلية الإسرائيلية وفهم المجتمع الإسرائيلى، كان لقاء مكرم مع مجموعة من الإسرائيليين فى لندن سنة 1974، أى قبل ثلاث سنوات من زيارة السادات للقدس، ومع تلك الزيارة كان مكرم من أوائل من أيدوا السادات فى سعيه للتصالح مع الصهاينة، وكان أول من نشر نص المسودة قبل الأخيرة لمعاهدة السلام التى عقدها السادات معهم فى صحيفته "الأهرام"، وبالحجة نفسها حجة دراسة وفهم المجتمع الإسرائيلى ذهب مكرم إلى الدولة الصهيونية زائرا، وكتب اثنى عشر مقالا عن رحلته تلك نشرها فى الأهرام، ولا يزال "يفخر" بها لليوم! ومن الأهرام لدار الهلال، لم يتوقف مكرم عن التطبيع، وعن استقبال الصحفيين الإسرائيليين فى مكتبه، وحين قرر تزويد الدار بأجهزة كمبيوتر اختار الدولة الصهيونية لاستيراد تلك الأجهزة، كما ذكر الزميل عبده مغربى بجريدة "صوت الأمة"، وحين صار مكرم نقيبا للصحفيين فى المرة الأولى، فتح أبواب النقابة أمام مجموعة حاخامات تابعين لجمعية يهودية أمريكية تهدف لتحسين صورة إسرائيل فى العالم، ولكى يقلل من مسئوليته عن ذلك العمل المخالف لقرارات الجمعية العمومية للنقابة، قال مكرم إنه استقبل هؤلاء الحاخامات بناء على تكليف من الرئيس مبارك، لتوضيح حقيقة الموقف المصرى من إسرائيل واليهود عموما! تطبيع مكرم.. تضم قائمة التطبيع والمطبعين أسماء عديدة، ربما كان بعضها أشد تطرفا وإيغالا فى التطبيع من مكرم محمد أحمد، ولكن يبقى تطبيع مكرم هو الأخطر، فالرجل يُنظر إليه كممثل للصحفيين فى مصر، وواجهة لهم، وقدوة لبعضهم، وسيجد فيه ضعاف النفوس والمتسلقون فى الوسط الصحفى وما أكثرهم مشجعا للغوص فى وحل التطبيع، بحجة دراسة المجتمع الصهيونى، وفهم العقلية الإسرائيلية، وغيرها من مبررات! وفى موقعه الحالى كنقيب للصحفيين، يمثل مكرم خطرا على قرارات الجمعية العمومية للنقابة بحظر التطبيع بكافة أشكاله مع الصهاينة، حين يدعو للفصل بين التطبيع المهنى والشخصى، ويقول إن زيارة الصحفيين المصريين للدولة الصهيونية، واللقاءات الصحفية بالإسرائيليين بغرض نقل الأخبار وتقديم صورة صحيحة للمجتمع الإسرائيلى، هى واجبات مهنية ليست من التطبيع فى شيء، وإن على النقابة أن تعدل قراراتها فى هذا الشأن، وأن تفتح الباب لأعضائها لإقامة علاقات "مهنية " مع الإسرئيليين. وانطلاقا من هذه الرؤية نجد مكرم يعلن تعاطفه مع الصحفيين الذين يخرقون قرارات النقابة ويلتقون بإسرائيليين، بل يمارسون التطبيع الشخصى، ويحاول حمايتهم من العقوبات التى قررتها النقابة فى هذا الشأن! وهناك مثل شهير لذلك وقع سنة 1997، حين كان مكرم نقيبا للمرة الأولى، فقد أصدر مجلس النقابة قرارا بإحالة: لطفى الخولى، ود. عبد المنعم سعيد للتحقيق لانخراطهما فى تحالف كوبنهاجن وسفرهما لإسرائيل، وتكرار لقاءاتهما بإسرائيليين فى القاهرة وتل أبيب، يومها كان مكرم خارج مصر، لذا اجتمع المجلس برياسة المرحوم جلال عيسى واتخذ القرار بناء على قرارات الجمعية العمومية للنقابة، وحين عاد مكرم حاول تغيير القرار، لكن المجلس رفض، فعمل على تعطيل تنفيذه، رغم أن الخولى وعبد المنعم سعيد مارسا التطبيع بكل صوره، وليس التطبيع المهنى وحده، الذى يستثنيه مكرم من صور التطبيع المحظورة! تطبيع مكرم هو تطبيع ناعم مغلف بالحرص على المصالح المصرية، تطبيع يجيد صاحبه التمويه والتورية عليه، والتنظير له، بدهاء وخبث، فمع تحمسه لمعاهدة "السلام " المصرية الإسرائيلية، واعتبارها نموذجا لاتفاقات السلام فى العالم، يدعو مكرم للتعديل فى تلك الاتفاقية لتحقيق التوازن فى الترتيبات الأمنية بين مصر والدولة الصهيونية، ويدعو للسلام ذى الأظافر المبنى على التوازن العسكرى بين مصر وإسرائيل، أى يدعو باختصار للاعتراف ب"إسرائيل" وشرعية بقائها، واعتبار السلام معها من الثوابت الاستراتيجية، على أن نبقى أندادا أقوياء ل"إسرائيل"، وقادرين على ردعها عن العدوان فى أى وقت، أى أن تبقى إسرائيل للأبد، وتضيع فلسطين للأبد! إنه يدعو لقبول إسرائيل "المسالمة" الصديقة، واحتوائها فى نسيج المنطقة، وعفا الله عما سلف من اغتصاب لفلسطين وتشريد أهلها وقتلهم وهتك العرض والكرامة العربية، ولا عزاء للفلسطينيين، لهذا لم يكن غريبا أن ينطلق الهتاف فى الصحف الإسرائيلية :" لا نقيب إلا مكرم ولا مكرم إلا النقيب "!