"لن أذهب لأى تحقيق فى النقابة إلا إذا تم استدعاء كل من التقوا مسئولين إسرائيليين، أو زاروا إسرائيل.. أنا مستعدة للتحقيق فى نقابة الصحفيين بل والاعتذار فى حالة تطبيق القاعدة على الجميع، أى أن تكون محاكمة للكل وليست لى فقط ولن أكون كبش فداء".. كانت هذه هى كلمة السر التى فتحت بها د. هالة مصطفى رئيس تحرير مجلة "الديمقراطية" بمؤسسة الأهرام الصحفية المصرية ملف "مؤسسة التطبيع الصحفية المصرية" وهى تدفع عن نفسها تهمة التطبيع إثر لقائها السفير الإسرائيلى مؤخرا، ليكتشف الصحفيون المصريون أن عدد المطبعين بين ظهورهم بالعشرات.. المعلوم منهم والمجهول!. وفى الوقت الذى تستعد فيه د. هالة للمثول أمام لجنة التحقيق بالنقابة يوم 10 أكتوبر الجارى (هناك أنباء عن التأجيل لنهاية أكتوبر)، ويستعد صحفى آخر هو حسين سراج الذى افتخر فى حوارات صحفية أنه زار إسرائيل 20 مرة، وبررها بقيامه بعمل صحفي– للمثول أمام لجنة تحقيق مشابهة فى النقابة، يؤكد صلاح عبد المقصود وكيل النقابة وأحد أعضاء لجان التحقيق ل"إسلام أون لاين.نت" أنه لا يوجد إحصاء محدد بعدد الصحفيين المصريين المطبعين، وأن عملية التطبيع الصحفى الفعلية وزيارة صحفيين لإسرائيل بدأت عقب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 ونشطت عام 1997 بلقاء أربعة صحفيين -أبرزهم عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية الحالي– مع بنيامين نتنياهو فى عهد رئاسته الحكومة الإسرائيلية لأول مرة، وهؤلاء أخذوا "لفت نظر" من النقابة، بخلاف زيارة خمسة آخرين، ثم توالت اللقاءات؛ خصوصا ممن سميت ب"جماعة كوبنهاجن" التى ضمت صحفيين ومثقفين مصريين مع الإسرائيليين. ويمكن القول إن "مؤسسة التطبيع الصحفية المصرية" –التى يقصد بها الصحفيون المطبعون– قد بدأت نشاطها مباشرة بالتزامن مع صدور أول قرار من الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين عام 1980 القاضى ب"حظر كل أشكال التطبيع المهنى والنقابى مع الكيان الصهيوني"، بعدما بدأت النقابة تلاحظ سفر بعض أعضائها –ومنهم رؤساء تحرير صحف– لإسرائيل ضمن وفود مصرية رسمية فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات أو بمفردهم بحجة "العمل الصحفي". ومنذ ذلك الحين ثار جدل كبير داخل الجماعة الصحفية حول تعريف "التطبيع"، حيث ظهر فريق صغير –يضم مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الحالى وأحد الذين زاروا إسرائيل– يرى أن الذهاب إلى تل أبيب لتغطية أمور صحفية أو لقاءات المسئولين المصريين مع الإسرائيليين ليس عملا تطبيعيا، ويختلف عن لقاءات التعاون والتطبيع الفعلى مع الإسرائيليين، فى حين اعتبرت غالبية الصحفيين أن أى لقاء مع إسرائيليين أو السفر لإسرائيل يندرج ضمن التطبيع المرفوض. بدايات التطبيع الصحفي وعلى حين يرجع أعضاء فى مجلس نقابة الصحفيين تاريخ التطبيع مع إسرائيل إلى العام 1979 عندما بدأ صحفيون زيارة إسرائيل لتغطية وقائع لقاءات مصرية إسرائيلية، يرجع صحفيون مصريون آخرون بدايات التطبيع الصحفى إلى وقت مبكر هو العام 1956 خلال حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر -ما يعنى أن مؤسسة التطبيع الصحفية المصرية يرجع تاريخها إلى 53 عاما وليست وليدة اليوم- ويرى آخرون أن التطبيع الحقيقى بدأ بعد توقيع معاهدة السلام عام 1979. ففى أبريل 1956 زار إسرائيل الصحفى المصرى الراحل "إبراهيم عزت" المحرر المتجول لمجلة «روزاليوسف» فى أوروبا وجرى التكتم على الزيارة، ولكن بعدها بأسابيع نشرت أخبار الزيارة بعدما سرب صحفيون مصريون أنباء الزيارة للصحف اللبنانية حينئذ ما اضطر مصر للإعلان عنها، وقد نشر "عزت" لاحقا سلسلة مقالات تحت عنوان (من قلب إسرائيل) باعتبارها "أخطر حملة صحفية" وسياسية نشرتها روزاليوسف وصباح الخير للكاتب الصحفى إبراهيم عزت فى مايو ويونيو 1956، وبعد عام صدرت السلسلة فى كتاب مهم ومثير عنوانه (كنت فى إسرائيل) ضم هذه الحلقات وما لم ينشره وقتها للكاتب. وقد ظهر تبريران وقتها لهذه الزيارة خصوصا فى هذه المرحلة الناصرية الهامة قبل عدوان 56 الثلاثى على مصر: (الأول) –وهو تبرير رسمي- يقول إن الزيارة تمت بعلم الدكتور عبد القادر حاتم -رئيس هيئة الاستعلامات- وموافقة الدكتور ثروت عكاشة الذى كان وقتها يشغل منصب الملحق العسكرى فى السفارة المصرية بباريس، وأنها كانت "اختراقا وخداعا" لمخابرات إسرائيل عن طريق إبراهيم عزت، وقيل إن عزت حصل على تأشيرة من سفارة إسرائيل بلندن، بعد أن أقنع المسئولين هناك بأنه صحفى برازيلى من أصل عربي، اسمه جورج إبراهيم حبيب، يفهم العربية. أما التبرير الثانى الذى نشر فى صحف لبنان ومنها لصحف مصرية لاحقا -واعترف به "عزت" لاحقا- فيقول إن إبراهيم عزت سافر بعلم عبد الناصر، وأنه التقى خلال زيارته إلى إسرائيل وزير الخارجية حينئذ موسى شاريت وبرئيسة اتحاد العمال جولدا مائير ونائب رئيس الوزراء إيجال يادين ودافيد بن جوريون وحمل منه رسالة إلى جمال عبد الناصر تتضمن استعداده للقاء الرئيس المصرى سراً أو علناً فى النقب أو فى سيناء للتباحث فى كل الموضوعات دون أى شروط مسبقة، وأن عبد القادر حاتم تلقى منه تقريرا شاملا عن زيارته إلى إسرائيل وطلب منه عدم نشر أى شيء عن تلك الزيارة وأبلغه بأن يكون على استعداد للعودة إلى إسرائيل مرة أخرى حاملا الرد على تلك الرسالة. ولكن تسريب وإفشاء سر هذه الزيارة –الذى قيل إن الصحفى الراحل مصطفى أمين هو الذى سربه إلى صديقه الصحفى اللبنانى سليم اللوزي– دفع مصر الرسمية –بعدما هاجت الدنيا ضد عبد الناصر وضد مصر– لتبنى الراوية القائلة بأن عزت كان جزءًا من خطة خداع للمخابرات والمسئولين الإسرائيليين، ونفى فى حينه رئيس تحرير «روزاليوسف» إحسان عبد القدوس أن تكون لزيارة إبراهيم عزت أى علاقة بالنظام المصرى والرئيس عبد الناصر (برغم أنها كذلك) وبرر اللقاء التطبيعى الصحفى المصرى الأول من نوعه بالقول: إن «روزاليوسف» اخترقت إسرائيل من خلال إبراهيم عزت وخدعت مخابراتها وقادتها.. ولم يكن هذا صحيحا لسبب بسيط هو أنه يصعب تصور لقاء صحفى مصرى مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بن جوريون ووزير خارجيته "شاريت" وجولدا مائير وغيرهم فى وقت حرب بدون أن يكون هناك أمر ما هام أو مهمة رسمية، خصوصا أن القاهرة كانت فى حاجة لتحييد تل أبيب حينئذ قبل العدوان الثلاثى كما أن تل أبيب كانت تتخوف من حكم عبد الناصر وترغب فى تثبيت دعائم دولتها. ولعل زيارة "عزت" لإسرائيل كانت من أهم دوافع الفريق الذى يرفض أى تطبيع مع إسرائيل لأسباب مهنية لأن زيارة إبراهيم عزت إلى إسرائيل قيل إنها أيضا "مهمة صحفية" فى معرض الدفاع عن مهمته هناك، وفى كل الأحوال أصبحت هى محور التأريخ الحقيقى ل53 عاما من التطبيع الصحفى الذى قيل أنه جرى بدوافع مهنية فى حين أنه كان مهمة سياسية "تطبيعية" استغلت فيها الصحافة بشهادة إبراهيم عزت نفسه!. ففى نوفمبر 1983 نشر إبراهيم عزت رسالة مهمة وخطيرة على صفحات مجلة (المجلة) السعودية التى كانت تصدر فى لندن ردًا على حوار مطول مع الدكتور وليام بولك المبعوث الأمريكى إلى مصر بتكليف من د.هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى والذى اعترف فيه "بولك" -الذى تقابل مع عبد الناصر عدة مرات- بأن الرئيس عبد الناصر كان على وشك توقيع مسودة اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1969. رسالة –أو شهادة إبراهيم عزت للتاريخ– جاء فيها بالنص: "كنت شخصيًا فى إبريل ومايو عام 1956 مكلفًا بالاتصال بالإسرائيليين بطلب من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن طريق مدير المخابرات (السابق) صلاح نصر وتم هذا الاتصال فى لندن عن طريق القائم بالأعمال الإسرائيلى وبعض الأصدقاء الأمريكيين.. وعن هذا الطريق وُجهت إلى دعوة لزيارة إسرائيل لمقابلة موشى شاريت الذى كان وزيرًا للخارجية مع بن جوريون الذى كان رئيسًا للوزراء، وقد وافقت القاهرة على سفرى إلى إسرائيل بتعليمات من الرئيس الراحل عبد الناصر، وأبلغت ذلك فى باريس عن طريق الدكتور ثروت عكاشة الذى كان ملحقًا عسكريًا فى السفارة المصرية والمسئول عن كل الأجهزة فى أوروبا، وتم ذلك بعلم الأخ صلاح دسوقى الذى كان مسئولا فى وزارة الداخلية المصرية". وأضاف: "فى إسرائيل تلقيت عن طريق تيدى كوليك -عمدة القدس عام 1983- وكان مديرًا لمكتب بن جوريون رسالة خاصة من بن جوريون إلى الرئيس عبد الناصر يعرب فيها رئيس وزراء إسرائيل عن استعداده للحضور إلى القاهرة، أو أى مكان لمقابلة الرئيس الراحل عبد الناصر، كما تلقيت رسائل مشابهة من شاريت وجولدا مائير التى كانت آنذاك ترأس الهستدروت والتى دعتنى أكثر من مرة إلى منزلها، وعند عودتى للقاهرة اجتمعت بالدكتور عبد القادر حاتم الذى تسلم منى كل ما حملته معى من إسرائيل، وطلب منى الاستعداد للعودة إلى إسرائيل مرة ثانية عن طريق قبرص حاملا معى ردودًا على رسائل بن جوريون وشاريت وجولدا مائير، كما تحدد أن تتم الاجتماعات فى سرية تامة فى سيناء مرة وفى النقب مرة أخرى وكان محددًا لى السفر فى بحر أسبوع". ويعترف عزت –فى شهادته- بأن تسريب نبأ الزيارة لبعض الصحفيين اللبنانيين أثار غضب عبد الناصر وألغى رحلة العودة إلى إسرائيل وأوقف هذه الاتصالات. تاريخ اختراق النقابة وإذا جاز أن نعتبر مهمة إبراهيم عزت فى إسرائيل –وفق شهادته– سياسية لا صحفية، فإنه يمكن إرجاع التاريخ الحقيقى لتطبيع المؤسسة الصحفية المصرية مع إسرائيل أو الاختراق الإسرائيلى لنقابة الصحفيين المصرية لما بعد توقيع اتفاق السلام عام 1979، وهو اختراق بدأ ولا يزال أيضا عن طريق المؤسسات الصحفية الحكومية بالدرجة الأولى. فقد بدأ هذا الاختراق للوسط الصحفى المصرى من قبل إسرائيل بالتركيز على مؤسستين صحفيتين كبريين قادتا هذا التطبيع عبر أكثر من صحفى وكاتب منسوب إليهما؛ وهما: مؤسسة الأهرام –وتحديدا مركز الدراسات الإستراتيجية التابع لها- ومؤسسة دار المعارف (التى يطلق عليها فى الوسط الصحفى لقب دار "معاريف" نسبة لاسم الصحيفة الإسرائيلية الشهيرة كنوع من التندر) وتحديدا مجلة أكتوبر التابعة لها– خصوصا فى عهد رئيس تحريرها السابق أنيس منصور، فضلا عن صحفيين آخرين من مؤسسة روزاليوسف التى افتتحت هذا التطبيع الصحفى قبل 53 عاما. وتضم القائمة هنا عشرات الصحفيين أبرزهم الصحفى حسين سراج بمجلة أكتوبر الذى أعلن أنه أنه زار إسرائيل 20 مرة حتى 2008، ومجموعة "كوبنهاجن" التى ضمت صحفيين حاليين ومتوفين منهم: عبد المنعم سعيد وأسامة الغزالى ولطفى الخولى وعبد الستار الطويلة ونبيل شرف الدين (الذى قال فى لقاء مع برنامج "بالمصرى الفصيح" أول أكتوبر 2009 على قناة ONTV أنه يستعد حاليا لرفع دعوى قضائية للمطالبة بوقف وإلغاء قرار الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين بحظر أى شكل من أشكال التطبيع أو التعامل مع إسرائيل) فضلا عن هالة مصطفى رئيس تحرير مجلة "الديمقراطية" التى تصدرها الأهرام والتى كسرت كل المحرمات باستقبال السفير الإسرائيلى شالوم كوهين فى مكتبها بمؤسسة الأهرام فى سبتمبر 2009. وما يثير حساسية الأمر هو أن القائمة تضم إعلاميين بارزين يرفضون اعتبار العمل الصحفى مع الإسرائيليين أو زيارة إسرائيل لتغطية عملا صحفيا تطبيعا، وفى مقدمتهم نقيب الصحفيين الحالى مكرم محمد أحمد الذى سافر إلى إسرائيل، عندما كان مديرا لتحرير «الأهرام» أوائل عام 1981 وعاد ليكتب سلسلة مقالات بدأها بمقال كان عنوانه: «ليس اعتذارا» أوضح فيه أنه لا يعتذر عن زيارته إلى إسرائيل وأن ما قام به هو "واجب مهني". أيضا زار إسرائيل أو التقى إسرائيليين غالبية رؤساء مجالس إدارات الصحف والمجلات القومية السابقين مثل: أنيس منصور وصلاح منتصر ومحمد عبد المنعم والصحفيين حسين سراج ومدحت فؤاد ونبيل عمر وعادل حمودة ومحمد عبد اللاه وطارق حسن -بحسب الصحفى جمال الدين حسين فى مقاله بجريدة "الشروق" المصرية نشرته يوم 29 سبتمبر 2009– ومن المطبعين أيضا: عماد الدين أديب -رئيس تحرير جريدة العالم اليوم- الذى زار إسرائيل أكثر من ثلاث مرات وأجرى حوارا مع نتنياهو. قرارات نقابية وللتعامل مع هذه الظاهرة التطبيعية والحد منها صدرت قرارات عديدة للجمعية العمومية للصحفيين بعدم التطبيع مع الكيان الصهيوني، بدأت فى مارس عام 1980، حيث نص القرار الأول على: "مقاطعة جميع أشكال التطبيع النقابى مع الكيان الصهيونى حتى استرجاع جميع الأراضى العربية المحتلة.. وفى مارس عام 1985 نص قرار الجمعية العمومية على: "التأكيد على القرار السابق وإضافة.. ومنع إقامة أى علاقات مهنية وشخصية مع المؤسسات الإعلامية والجهات والأشخاص الإسرائيليين". وفى مارس عام 1987 نص قرار الجمعية العمومية على: "التأكيد على القرارات السابقة وإضافة.. وتطلب الجمعية العمومية من أعضائها جميعا الالتزام الدقيق بقرارات عدم التطبيع، وتكلف المجلس بوضع أسس المحاسبة والتأديب لمن يخالف القرار". والنص الأخير الذى شددت عليه الجمعية العمومية فى مارس عام 1987 هو: "حظر جميع أشكال التطبيع المهنى والشخصى والنقابى ومنع إقامة أى علاقات مع المؤسسات الإعلامية والجهات والأشخاص الإسرائيليين، حتى يتم تحرير جميع الأراضى العربية المحتلة.. وتطلب الجمعية العمومية من أعضائها جميعا الالتزام الدقيق بقرارات عدم التطبيع وتكلف المجلس بوضع أسس المحاسبة والتأديب لمن يخالف القرار".