حالة من فوضى الأخلاق تراها أينما وجهت عيناك، فما تسمعه من ألفاظ خارجة في أي مكان ، وما تشهده حولك وأينما وليت وجهك ، هو واقع كُتب علينا معايشته – مكرهون - ، ولكن علينا إدراك أن هذا الجيل إذا إنهار ، فقد ضاع المجتمع وحكمنا على جيل آخر على الأقل أن يكون فاسدا وغير مؤثر في بلده، وترى طفل في سن الثامنة يدخن ويتباهى بذلك ، مما يعني أنه في الحادية عشر سيتعاطى مخدرات ، أما الفتاة التي ستصبح أم في المستقبل وتصادفها على كورنيش النيل تضحك وتتمايل لكي تتعرف على شاب يكبرها بعدة أعوام ، وينطلقوا سويا وسنهم لا يتعدى السادسة عشر ، تعرف أن هذه اللوحة الكارثية تعكس أن هذا المجتمع أصبح على حافة الهاوية . وبعدما أصبح الجميع يردد أن هذا الجيل مظلوم ، ولا يجد من يفهمه فيقلل من شأنه الكبار وينفر منه الصغار ، ولكن الحقيقة أنهم سيصبحون سببا في معاناة جيل آخر ؛ فإذا كان أباء وأمهات المستقبل يعانون من إنفلات أخلاقي ، فهم بالطبع سينجبون أبناء يشبهونهم ، وللإنصاف أقسمنا على أن لا نفتري على أحدا ، ولذلك كانت لنا جولة صغير جدا لمدة لا تتجاوز الساعة ، حيث كان الواقع المرير هو عنوان "كورنيش النيل " أمام ماسبيرو ، فهذه المنطقة التي إمتلئت بالمراكب الشراعية لكي تتنزه فيها وترى عظمة النيل ، قد أصبحت مأوى لفتيات لا يتجاوز عمرهم الخامسة عشر عاما ، ينحصر نشاطهم في الرقص مع بداية تحرك المركب ، وهناك من يعطونهم بعض المال البسيط والبعض يكتفي ب"الفرجة " ، وهذا هو المشهد الأول ، أما إذا إنطلقت نحو كوبري قصر النيل ، ترى أطفالا يتسولون بالورود والمناديل وإن لم تشتري منهم فلن يكفوك شر ألسنتهم وتسمع كلاما يخدش حيائك وتقول في نفسك أنهم أطفالا ، فمبال ما يفعلونه عندما يكبرون !!! ، وبعيدا عن التسول ترى بعض الصبية والفتيات يقفون على الكوبري ،في مشاهد غاب عنها الحياء وشوهت كل معالم الطفولة التي مازلات على وجوههم ، أهؤلاء هم بناة المستقبل !، وهل يعقل أن يؤتمن هذا الجيل على التحكم في مصير نفسه ثم وطنه !، هذا ما حاولت "البديل " الإجابة عليه . قالت الدكتورة سوسن الفايد - استاذ علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية ، أن ما نراه حولنا هو إنفلات أخلاقي لم يصل لمرحلة الإنهيار بعد ، والدليل أننا نبحث عن حلول ويمكننا تطبيقها وحل هذه الأزمة ؛ لأن هذا الجيل هو الركيزة الأساسية لبناء مجتمع سليم وقادر على التقدم والإصلاح ، والسبب في هذه الحالة هو غياب الصدق في الارادة السياسية ، والتي تستطيع أن تقدم خطة متكاملة للاصلاح من الاعلام والدين وتأهيل الاسرة كمؤسسة تربوية، وأن تجعل بينهم هدف مشترك ، وهو الاهتمام بالبحث العلمي لدراسة الأسباب التي أدت لانطلاق الشباب والأطفال للشارع . وأوضحت الفايد ل" البديل " أن الإهمال ورفع اليد من قبل المؤسسات المسؤلة هو الذي ساهم في تفشي هذه الظاهرة ، حيث يُلاحظ نوع من التراخي في معالجة الأزمة ، وترك الأمور تتفاقم دون وضعها في الإعتبار ، مشيرة إلى أن المجتمع لن يستطع إصلاح نفسه دون أن تكون هناك إرادة سياسية صادقة ، ويكون هدفها الأول هو إنقاذ جيل كامل من الضياع. وأضافت أن هناك بعض الحلول التي يلزمها تضافرا للجهود من أعلى سلطة إلى أقل فرد ، فيجب أن تتوحد الجهود الأهلية والمجتمع المدني والقيام بتثقيف الشباب وعمل ندوات ، والوصول إلى الأهل وحثهم على القيم والإهتمام بالنشء ، وتفعيل الرقابة المجتمعية عن طريق عمل شبكة معلومات وإتصال بين مؤسسات المجتمع المدني ، مؤكدة على أن المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية ناشد متخذي القرار في الدولة لوضع خطط ممكنة التنفيذ بدلا من الإعتماد على المجتمع المدني وحده، وتوجيه الخطاب الديني والسياسي لخدمة هذا الهدف، وطالبت بضرورة الإلتفات للأبحاث التي يقدمها المركز في دراسة بعض الظواهر السلبية مثل الإدمان والتي يكون من نتائجها حدوث تسيب يؤدي إلى تفشي ظاهرة الإنفلات الأخلاقي ونقدم توصيات بوضعها في إعتبار المسؤلين دون إستجابة . ومن جانبه قال شريف أبو شادي مدير مشروع تمكين الشباب بالمجلس القومي للأمومة والطفولة، أن هناك ظاهرة جديدة يمكن أن نطلق عليها " شباب الشوارع " ، نظرا لما أصبحنا نجده أمامنا من انحلال اخلاقي ، وسلوكيات غريبة على مجتمعنا في سن مبكر جدا ، يبدأ من مرحلة الطفولة وتكثر في المراهقة ، وقد زات هذه الظاهرة في مرحلة ما بعد الخصخصة ، حيث فقد الكثيرون عملهم ، وأصبحوا غير قادرين على الانفاق على ابنائهم وبالتالي تسربهم من التعليم ، ونزولهم للشارع وطبيعي أن يكون هو المدرسة لهؤلاء الأبناء ، فيكتسبون منه عادات سيئة جدا ، ولا يوجد حسم من الأهل نظرا لتفكك الأسرة ، فتصبح هناك فئة عندها حالة من السخط على المجتمع ، وترفض أن تتقيد بقيمه وتمتثل لأحكامه . وأشار إلى أن إنعدام الأمن الإجتماعي في البلد بعد الثورة إنعكس على المستوى الإقتصادي للأسر المصرية ؛ نظرا لإرتفاع معدل البطالة ، وزحف الأبناء إلى الشوراع وأصبحت هناك عدة حلقات كلها أدت لنتيجة مدمرة للمجتمع ، خاصة بعد زيادة توظيف الأطفال وإختلاطهم بفئات خارجة على القانون ، ويبدأوا بالتدخين في سن مبكر والتسول والعنف ، وفي النهاية يصبح لدينا جيل انهارت أخلاقه بشكل كامل ، وقد أصبح الجيل فاقد للإنتماء لوطنه لأنه لم يقدم له شيئا ولا يعرف غير الشارع الذي نشأ فيه ، بعد ان فقدت الأسرة والمدرسة دورها ، وفشلت المؤسسات في السيطرة عليهم ؛ لأنها تتفتقد الكثير من المقومات وليست لديها رؤية واضحة ، كما أن ميزانيتها محدودة ، والأسلوب الذي يستخدمه الأخصائيين يتسبب في نفور الشباب. وأضاف أبو شادي أن الحل يتمثل في السلطة الأبوية التي تعلم أن دورها هو إستقطاب أبنائها ، وبالتحديد في سن المراهقة الذي يدفع إلى التمرد والخروج عن المألوف ، ولا يجب أن ينخرطوا في السعي للقمة العيش، كما ينبغي تفعيل الرقابة على ما يعرض من خلال شاشات التليفزيون وما يحمله الإنترنت من أخلاقيات تناقض الواقع ، مؤكدا أن برامج النشء كلها موجهة وهيكيلية وليس لها أي تأثير ، سوى العمل على توظيف الشباب في السياسة ، على الرغم من رفض الشباب أي وصاية من أحد ، فهم يتعاملون بلا قانون ولا معيار لعلاج مشكلاتهم ، ولذلك أصبح التدني في الأخلاق والألفاظ في كل المستويات العمرية هو نمط سائد .