السيناتور تيد كروز يشيد بأمر ترامب التنفيذي ضد الإخوان    بعد التحذيرات الأمريكية، فنزويلا تهدد شركات الطيران الدولية بسحب التصاريح خلال 48 ساعة    بشكل مفاجئ، وفاة نجم اليوتيوب الشاب جان زيمرمان في ألمانيا    أخبار نص الليل | آخر الأخبار قبل أن يغفو العالم.. ترامب يصنف فروع الإخوان كمنظمات إرهابية.. الأبرز    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25 نوفمبر في القاهرة والمحافظات    ماذا وجدت النيابة العامة في هواتف المتهمين بالتعدي على أطفال المدرسة؟    عزيز الشافعي يخطف الأنظار بلحن استثنائي في "ماليش غيرك"... والجمهور يشيد بأداء رامي جمال وروعة كلمات تامر حسين وتوزيع أمين نبيل    دعاء الفجر | اللهم احفظني ووطني وأهلي وأحبابي من كل سوء    المصل واللقاح: الإنفلونزا هذا العام أكثر قوة وشراسة.. واللقاح ضروري للغاية    ليلى علوي: حرصت على حضور حفل افتتاح صدى الأهرامات رغم انشغالي بالتصوير    دعاء وبركة | أدعية ما قبل النوم    المخرج عمر زهران: السينما مقصّرة في حق آثارنا.. ما زلنا نعيش على أغنية «الأقصر بلدنا»    وزارة الصحة تحذر من إساءة استخدام المضادات الحيوية لهذا السبب    أكسيوس: ترامب يخطط للتفاوض مباشرة مع مادورو رغم اعتباره زعيم منظمة إرهابية    الداخلية تكشف تفاصيل واقعة محاولة اقتحام مرشح وأنصاره لمركز شرطة فارسكور    تعرف على موارد صندوق إعانات الطوارئ للعاملين    كان من قادة ميلشيا البلاك لوك الداعمة للانقلاب .. إعتقال شريف الصيرفي بعد تشبيه تزوير الانتخابات بالديناصورات    وصول يسرا و إلهام شاهين وصابرين إلى شرم الشيخ للمشاركة بمهرجان المسرح الشبابي| صور    بالهداوة كده | حكاية كوب شاي.. وحكمة صغيرة    ياسر جلال يثني على أداء سمر متولي في "كلهم بيحبوا مودي": "بتعملي لايت كوميدي حلو جدًا"    مركز محزن ل ليفربول، ترتيب الدوري الإنجليزي بعد نهاية الجولة ال 12    بمحفظة أراضٍ ضخمة.. خبيران: عرض الاستحواذ على أسهم زهراء المعادي للاستثمار أقل من القيمة العادلة    بعد واقعة مدرسة السلام، الطفولة والأمومة يعتزم وضع تشريعات جديدة لمنع الاعتداء على الأطفال    طقس الثلاثاء.. انخفاض في درجات الحرارة وأمطار محتملة على البحر الأحمر    نعمل 24 ساعة ولا يمكن إخفاء أي حالة، أول رد من الصحة على شائعات وفاة أطفال بسبب الإنفلونزا    ناشطون ألمان يروّجون ملابس من مكبات إفريقية ضمن حملة الجمعة السوداء    "الطفولة والأمومة": نعمل على توفير الدعم المادي والنفسي للأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات    التنظيم الإرهابي يحتضر.. هل أطلق ترامب الرصاصة الأخيرة في نعش الإخوان؟    بالأسماء| إصابة 23 شخصاً في حادث انقلاب سيارة بالبحيرة    خبراء: استعدادات رمضان والضغوط الموسمية تدفعان الدولار للارتفاع    وكيل الجزار يكشف حقيقة انتقاله إلى الأهلي وموقف الأندية الكبرى    قائمة بيراميدز لمواجهة المقاولون العرب في الدوري المصري    أحمديات: تعليمات جديدة لدخول السينما والمسارح والملاعب    محاكمة 115 متهماً في خلية المجموعات المسلحة.. اليوم    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة تشيلسي.. صراع النقاط الكبرى يبدأ غدا    اتحاد السلة يصدر بيانًا بشأن أحداث مباراة الاتحاد والأهلي في نهائي دوري المرتبط    ترامب يوجه ببدء عملية تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية    محلل: الاقتصاد الصربي على حافة الهاوية بعد محاولات تأميم النفط    طرح برومو فيلم خريطة رأس السنة.. فيديو    مصدر بالاتحاد السكندرى: تقديم اعتراض على رفض تأجيل مباراة نهائى دورى السلة    تضامن قنا تعيد إعمار منزل بعد مصرع 3 شقيقات انهار عليهن السقف    ضبط سيدتين من الفيوم حاولتا إدخال مخدرات داخل الطعام لمسجون بالمنيا    أول تعليق من رئيس الاتحاد السكندري بعد أحداث نهائي المرتبط    ألمانيا تنصح رعاياها بشدة بعدم السفر إلى فنزويلا بسبب توتر الوضع بالبلاد    إصابة سيدة بطلق ناري على يد طليقها في المنيا.. ما القصة؟    عمرو أديب: التجاوزات طبيعية في الانتخابات بمصر.. والداخلية تتعامل معها فورا    هل يجوز للزوج الانتفاع بمال زوجته؟.. أمين الفتوى يجيب    عمرو أديب عن انتخابات مجلس النواب: سني علمني أن الطابور الكبير برا مالوش علاقة باللي جوا    أيمن العشري: المُنتدى المصري الصيني خطوة مهمة وجديدة لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري المشترك    إطلاق أكبر شراكة تعليمية بين مصر وإيطاليا تضم 89 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية.. غدًا    ارتفاع حالات التهابات الجهاز التنفسي العلوي.. اللجنة العلمية لكورونا تحذر: اتخذوا الاحتياطات دون هلع    وزارة الأوقاف الفلسطينية تُشيد ببرنامج "دولة التلاوة"    هل يجوز طلب الطلاق من زوج لا يحافظ على الصلاة؟.. أمين الفتوى يوضح!    رئيس الوزراء يشارك بالقمة السابعة بين الاتحادين الأفريقى والأوروبى فى أنجولا.. صور    خلال زيارته لوحدة بني عدي.. محافظ بني سويف يوجه بمتابعة رضيعة مصابة بنقص هرمون الغدة الدرقية    «الرزاعة»: إنتاج 4822 طن من الأسمدة العضوية عبر إعادة تدوير قش الأرز    د. أحمد ماهر أبورحيل يكتب: الانفصام المؤسسي في المنظمات الأهلية: أزمة حقيقية تعطل الديمقراطية    بث مباشر.. مانشستر يونايتد ضد إيفرتون في الدوري الإنجليزي 2025/2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارم يحيى : ” الأهرام “.. تمرد في الثكنة ( 1 )
نشر في البديل يوم 19 - 02 - 2011


* مهداه إلى روح الزميل الكاتب الصحفي “موسى جندي”
هبت رياح ثورة 25 يناير 2011 على الصحافة . ولم يكن ” الأهرام ” بكل ميراثه المحافظ شبه الرسمي وتربيه محرريه على الامتثال ل ” الريس ” بمنأى عنها. “الأهرام ” العريق الذي يمتد عمره إلى 135 عاما كغيره من مؤسسات الصحافة و الدولة لا تحكمه تقاليد ديمقراطية ، ترعى حق الاختلاف والنقد و اتخاذ القرار بعد مناقشات حرة.و حتى مجلس التحرير المنتقى بعناية وفق رغبات الحاكم الفرد و أسرته وحزبه وأجهزة أمنه إلا من رحم ربي يعمل بلا سياسة تحرير مكتوبة و “كود ” مهني أخلاقي .
كان المرحوم الكاتب الصحفي ” موسى جندي ” أبرز المحررين المتمردين في تاريخ “الأهرام” عندما يضيق بحال زملائه “الطيعين المطيعين ” (0)يصفهم بأنهم ” أمن مركزي”. لذا فان تعبير ” الثكنة” يبدو مناسبا جدا لحال المؤسسة و بخاصة الجريدة الأم “الأهرام اليومي ” ، و حيث يتركز ثقل آليات القمع والترويض المهني والإداري و السياسي بمعدلات أعلى من إصدارات المؤسسة الأخرى. وما أرويه هنا هو بمثابة شهادة شخصية من داخل الثكنة على جانب مما جرى في “الأهرام ” . شهادة من صحفي لم يكن الآن أو سابقا مطلعا على ما يجرى داخل حلقات صنع القرار التحريري والإداري . إذ اننى بقيت ولازلت في جريدتي ومؤسستي على الهامش. كما لا أزعم أنها رواية شاملة لما جرى . فروايتي هذه تتحدد بأفق حركة واحد من محرري “الأهرام” ليس إلا . كما استميح القارئ عذرا في إنني سأتعرض إلى حركتي الذاتية على مدى أيام الثورة ، بوصفي أحد الفاعلين في أحداث التمرد بالمؤسسة العريقة .
يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 خرجت ” الأهرام ” على قرائها بعنوان رئيسي وموضوع يحتل النصف الأعلى من الصفحة الأولى عبارة عن حوار مع وزير الداخلية السابق “حبيب العادلي ” أجراه رئيس التحرير و أحد مديري التحرير الذي طالما وضع نفسه كمتحدث غير الرسمي بلسان جهاز أمن الدولة الرهيب .وقد أطلت صورة كبيرة للوزير المبتسم . فيما خلا العدد نفسه من أيه إشارة ولو في صفحة الوفيات إلى الحدث الذي كان ينتظره المصريون ( تنظيم مظاهرات شعبية تقصد وزراه الداخلية احتجاجا على سجلها الإجرامي في حق المواطنين ). وفي عدد اليوم التالي كان العنوان الرئيسي للجريدة ” احتجاجات و اضطرابات واسعة في لبنان” . فيما دفع المسئولون عن سياسة التحرير بحدث المظاهرات السلمية العارمة في القاهرة والمحافظات إلى أسفل مبرزين ” استشهاد مجند أمن مركزي ” ومتجاهلين تفريق مئات الألوف في ميدان التحرير على مقربة من مقر الجريدة بالقوة المفرطة فضلا عن المطلب الأساس للمظاهرات “رحيل مبارك ونظامه “. بل بلغ تزييف الوعي مداه بنشر خبر بجوار القصة الإخبارية للمظاهرات عنوانه باللون الأحمر “شيكولاته وورد في عيد الشرطة”.و يتحدث عن تبادل المواطنين مع رجال الشرطة وقياداتها مشاعر حب .
ذهبت إلى الجريدة مساء الخميس 27 يناير. كان المتواجد من الزملاء محدودا . لكنني لمست بينهم تزمرا مكتوما واستهزاءا بالتغطية الصحفية البائسة لما يجرى في الشوارع على مدى اليومين الماضيين ،وقد عاينوه واقعا بأنفسهم . و شمل هذا التذمر حتى أولئك الذين لا يهتمون بالسياسة ، بل وينفرون من الحديث في أي قضية عامه. وعندما عدت إلى الجريدة مرة أخرى في الأحد 30 يناير بعد يوميين مجيدين عصيبين داميين في البلد ، كانت دبابتان للجيش ترابطان أمام المبنى القديم بشارع الجلاء. و كنت احمل معي “نداء إلى زملائي في “الأهرام ” كتبته فجرا ووقعت عليه بخط يدي و معه رقم هاتفي المحمول ، بعدما شاهدت بعيني هاتين الجثث والجرحى يتدفقون على ميدان التحرير الليلة السابقة مصابين بنيران القناصة في الشوارع القريبة الموصلة إلى مقر وزراه الداخلية . و الدماء التي عاينتها لم أرها في حياتي وقد بلغت 52 عاما . و أخذت في توزيع نسخ من ندائي انطلاقا من قلب الثكنة ..أي صالة التحرير بالدور الرابع و على الزملاء المشاركين في اجتماع مجلس التحرير وبينهم مديرو تحرير . و قد حرصت على رواية شهادتي عن الليلة الماضية و وضعت عناوين بارزة في مقدمة النداء :” لا تصمتوا على مجازر مبارك وعصابته .. شكلوا لجانا شعبية للحفاظ على مؤسستكم.. مارسوا عملكم بمهنية وضمير وانحازوا إلى شعبكم ” . واللافت إن أيا من الزملاء بما في ذلك القيادات لم يكلف نفسه محاولة الاتصال بي، ولومن باب الفضول ، ليستوضح من شاهد عيان تفاصيل مجزرة الشوارع القريبة من ميدان التحرير .
وانطلقت إلى الأدوار المخصصة لتجهيز الصحيفة ” الماكنتوش ” و ” المطبعة ” . لكن أعداد العاملين كانت قليلة ربما بفعل الحالة الأمنية في البلاد . بل إن إدارة المؤسسة كانت بالأصل قد أغلقت مكتبات الكتب والصحف فضلا عن المركز الطبي (!). وعندما بلغت الأدوار من الخامس إلى السابع حيث مكاتب الكتاب والمحررين قابلني الزميل ” أسامة الرحيمى ” ورافقني . لكنه اشتبك في عراك مع شخص كان يتبعنى ويبلغ عن تحركي . وقد اتضح لاحقا انه أحد سائقي مدير الأمن بالمؤسسة ،وهو لواء شرطة سابق. وعندما بلغت منفردا الدور التاسع حيث مكاتب للإداريين أحاطت بي مجموعة من الأشخاص اعتدوا علي ، و اتهموني باننى ” إرهابي ” و ” مخرب ” . وبعض دقائق عصيبة امتدت يد رجل ضخم البنية لتخرجني من حصار المعتدين ، فيما تناهي إلي صوت الرجل :” تعالى .. المدير العام عايزك”. وفيما بعد ابلغني الزميل “أسامة” أن هاتفي المحمول كان مفتوحا على مكالمة معه وانه سمع رجلا يقول لحصار المعتدين :”ده فلان في المؤسسة ما يصحش “، فيجيبه صوت رجل آخر : ” دي تعليمات المدير العام ” .
و أعبر سريعا على اعتذار المدير العام لي وتسامحي إزاء المعتدين بوصفهم ” جنود أمن مركزي من عبد المأمور “ ،لأصل إلى اننى بعدها بأقل من ساعتين كنت مع الزميل ” أسامة ” و الزميل عاصم عبد الخالق ” مراسل الأهرام السابق في “واشنطن” . ووضع الأول مشروع بيان إلى الرأي العام من صحفيي “الأهرام ” يتضمن الانحياز لمطالب ثورة الشعب و أولها تنحى “مبارك” ونظامه و التبرؤ من سياسة تحرير “الأهرام ” و المطالبة ب “تشكيل مجلس تحرير نزيه يدير الجريدة مؤقتا و يشرف على تغطية الأحداث الجارية بشكل مهني صحيح “.وقد وقع على هذا البيان لاحقا نحو 60 صحفيا بالمؤسسة .
وصادف أن اتصل بي من بيروت الزميل الأستاذ ” إبراهيم الأمين ” رئيس تحرير صحيفة ” الأخبار “اللبنانية وأبلغته بما يحدث داخل “الأهرام “.وبعدها بدقائق كانت ” الجزيرة ” من قطر على الخط تذيع للعالم نبأ بيان صحفيي “الأهرام “. وفي اليوم التالي كان رئيس مجلس الإدارة ينشر بيانا في موضع بارز بالصفحة الأخيرة أصدره لتكذيب النبأ ، وينصح ” الجزيرة” بالتزام المهنية و يطالب بمراعاة ” المصالح العليا للبلاد ” . و اللافت أن أيا من وسائل الإعلام المصرية بما في ذلك الصحف الخاصة الكبرى التي تدعى الاستقلالية لم ينشر أي شئ عما يحدث في ” الأهرام” ، رغم إننا حرصنا على إرسال بيان الصحفيين المتمردين إليها . لكن الصدفة وحدها سمحت لنا بالرد على التكذيب الكاذب لرئيس مجلس الإدارة . فقد تقابلت في ميدان التحرير مع الزميل ” أيمن جمعة ” من قناة ” الجزيرة ” وقد بادرني بصوت مرتفع ” إحنا قناة السودان الفضائية ” حيث كانت السلطات قد أغلقت مكتب ” الجزيرة ” لمنعها من تغطية ما يجرى. والزميل “جمعة” وأنا كنا قد عملنا معا بقسم الشئون الخارجية بالأهرام المسائي في مطلع التسعينيات . وهكذا سجل معي تكذيبنا لتكذيب إدارة المؤسسة .و اضطررت آسفا إلى وصف الأداء الإعلامي لرئيس مجلس الإدارة إزاء الثورة وزملائه بأنه أشبه بأساليب وزير دعاية النازي ” جوزيف جوبلز”.
على مدى الأيام التالية كنت الحظ توافد المزيد من زملائي في “الأهرام” على ميدان التحرير ليروا كيف تولد مصر من جديد ،وقد اخذوا في التزايد بعد يوم الأربعاء الدامي ( موقعة الجمال والبغال ) 2 فبراير ،وحيث كانت ” الأهرام ” في اليوم التالي قد صدرت بعنوان رئيسي باللون الأحمر ” الملايين يخرجون تأييدا لمبارك”. وبحلول 7 فبراير كان العشرات من صحفيي “الأهرام” يشاركون بين نحو 120 زميلا من المؤسسات الصحفية القومية في توقيع بلاغ إلى النائب العام يطالب بمنع سفر رؤساء إدارة وتحرير هذه المؤسسات من السفر احترازيا ومنع خروج أية مستندات أو وثائق منها و التحقيق في مشروعية ثرواتهم ( يحمل رقم 83 لسنه 2011) .
وبحلول مساء يوم الخميس 10 فبراير كان نحو خمسمائة صحفي ب”الأهرام” يجتمعون في قاعة “محمد حسنين هيكل” بالمبنى القديم بناء على دعوة وزعتها قبل يومين من اجل مناقشة ديمقراطية متحضرة لسياسة تحرير الجريدة الأم والإصدارات خلال أيام الثورة وبحضور رئيس مجلس الإدارة و رؤساء التحرير . و في البداية لم يحضر رئيس مجلس الإدارة أو رؤساء التحرير . لكن بعد نحو الساعة من بداية الاجتماع الذي حمل انتقادات حادة لسياسة التحرير و للفساد وسوء الإدارة جاء رئيس مجلس الإدارة وحده ، وجلس على المنصة إلى جانب زميلنا الأستاذ “نادر العدلي” الذي تولى إدارة اللقاء. لكن قبل دقائق من حضوره كان مندوبا عنه يوزع على المجتمعين ورقة تحمل عنوان ” النقاط العشر : السياسة التحريرية لاصدرات مؤسسة الأهرام ” . وهي تحمل توقيع رئيس مجلس الإدارة ومن دون إشارة إلى تاريخها . ولما قرأت الورقة بدت لي بمثابة إعلان ولاء إلى جهاز أمنى ما ، وحيث أفاضت في الحديث عن الالتزام ب ” الأمن القومي المصري في مواجهة أية تهديدات خارجية أو داخلية ” . وخلت الورقة وقد خيل لي أنها كتبت داخل دبابة جيش من أية إشارة إلى القراء أو قواعد مهنية محددة أو تقديم رؤية نقدية لإهدار قواعد العمل الصحفي في المؤسسة على مدى عشرات السنين .
وقد استمع رئيس مجلس الإدارة إلى كلمات قاسية غاضبه تطالبه و رؤساء التحرير بالرحيل وتحملهم مسئولية انهيار المصداقية والتوزيع ،وتدعوهم إلى الكشف عما يتحصلون عليه من أموال من عوائد المؤسسة. وتناوب على هذه الكلمات زملاء تتنوع مشاربهم بما في ذلك قيادات صحفية وسطى. وحاول الرجل الدفاع عن نفسه فزعم انه كان يدعو في كتاباته إلى مطالب الثورة (!) . وقال انه غير نادم على أية كلمة كتبها . وأبدى استعداده لما اسماه بنقل السلطة في المؤسسة على نحو هادئ. واقترح أن نطرح عليه في اجتماع لاحق ” خريطة طريق لهذا الانتقال “.
ولما كنت لم أتحدث في حضوره خلال الاجتماع ، فقد طالبت بالتعقيب على كلمته . لكنه نهض متأهبا لمغادرة القاعة بدعوى ارتباطه بالتسجيل مع احدي القنوات الفضائية .واضطررت إلى الصراخ في وجهه كي يجلس ويستمع . و ذكرته بأنني نشرت رسالة مفتوحة إليه في نهاية شهر نوفمبر 2010 بعد التزوير الفاضح للانتخابات البرلمانية أطالبه بالاستقالة من الحزب الوطني و ادعوه لفتح حوار على صفحات “الأهرام” حول استقلاليه الجريدة ومهنيتها و حول عواقب الطريقة الاقصائيه التي أديرت بها الانتخابات على مستقبل البلاد ،وعلى أن تشارك في هذا الحوار كافية أطياف المجتمع بما في ذلك ” الإخوان”. وقلت إنني حزين للموقف الذي وضع نفسه فيه ..وإنني بعدما كنت أطالبه بالاستقالة من الحزب .. لا أرى الآن مدعاة لذلك . فليحتفظ بعضويته ويستقل من رئاسة مجلس إدارة المؤسسة ،وعلى الأقل احتراما لقانون الصحافة الذي وضعه نظام “مبارك” نفسه والذي ينص على استقلاله الصحف القومية عن جميع الأحزاب والسلطة التنفيذية.
وبعد إعلان تنحى “مبارك ” ، صدرت ” الأهرام ” يوم السبت 12 يناير 2011 بعنوان رئيسي ” الشعب اسقط النظام ” . وتوالت العناوين الرئيسية للصحيفة لاحقا على شاكله :” الفاسدون يتساقطون ” و ” لا عودة لأوضاع ما قبل 25 يناير ” ، فيما يغلى الصحفيون و الإداريون والعمال في المؤسسة متندرين من نشر هذه العناوين مقترنه باسم رئيسي الإدارة والتحرير نفسيهما على ” تويسه الجريدة في الصفحة الأولى . وهما طالما دافعا عن الاستبداد و تزوير الانتخابات ونافقا ” مبارك ” و أسرته ومعهم رموز الفساد .
و في يوم الأحد 13 فبراير كتبت بيانا بعنوان ” إعتذار وتوضيح من صحفيي الأهرام ” يكشف آليات السيطرة على الصحيفة والمؤسسة على مدى العقود السابقة من جانب حاكم فرد واسرته الحاكمه وحزبه ورجال اعماله واجهزة امنه ، و يفسر الانهيار المهني الاخلاقي كما يظهر في سياسة التحرير ( مرفق نص البيان) . وقد تمكن الزملاء في جمع 285 توقيعا من الصحفيين في المؤسسة على هذا البيان كدفعة أولى ، وذلك خلال اربع ساعات في يوم واحد . وطالبنا بنشر البيان في الصفحة الأولى ب “الاهرام” اليومي اعمالا لحقنا في التعبير عن رأي مخالف لرئيسي مجلسي الإدارة والتحرير ،وقد ظلا ينشران في الصفحة الأولى إلى حينه . لكن رئيس التحرير و مديريه رفضوا الاستجابه لمطلبنا . والطريف إنني تلقيت في الوقت نفسه عرضا من احد قيادات التحرير وهو زميل دفعه في كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1980 لأكتب افتتاحية الجريدة لليوم التالي . واجبته مندهشا:” كيف تريدني أن اكتبها .. وانا بالاصل ممنوع من نشر رأيي الشخصى بالأهرام الآن وعلى مدى سنوات .. و انتم تحظرون نشر رأي جماعي لمئات الصحفيين “.
وفي الوقت نفسه كان مئات الصحفيين يحضرون اجتماعا صاخبا بقاعة “هيكل ” غاب عنه رئيس مجلس الإدارة ورؤساء التحرير . فقط حضر احد مديري التحرير لبعض الوقت ،وكان غير موفقا في تعامله مع الجمع الغاضب. وقد برز خلال هذا الاجتماع تيار رئيسي يدعو للاسراع بالتغيير و بتنحى قيادة المؤسسة و البدء في فترة انتقالية بوجوه وسياسات جديدة تحاول استعادة ثقة القراء والشعب . لكن ظهرت اصوات تنطلق من تصفية حسابات شخصية أو تسعى لافساد مساعي التغيير أو من راكبي الموجه أو ممن تجري لهم حاليا في وسائل الإعلام ” عملية غيسل سمعة ” .
وعلى ايه حال فقد ارتفعت اصوات مظلومين في المؤسسة طالموا التزموا الصمت .فنظم عشرات من عمال شركة الورق وقفة احتجاجية أمام مبنى المؤسسة وفعل العاملين غير المعينين وقفات مماثلة ، وبعضهم جاوزت مدة خدمته عشر سنوات . وبدأ عاملون و ادرايون وصحفيون في الكشف عن وثائق تتعلق بوقائع فساد .
وفي كل ذلك تبقى العديد من الاسئلة المعلقة ، ومن بينها الدوافع التي تقف وراء تجاهل وسائل الإعلام المحلية وبخاصة الصحف الحزبية المعارضة و الخاصة لما يجري في “الأهرام ” و المؤسسات الصحفية القومية الأخرى . وقد أعاد هذا الموقف إلى ذاكرتي موقفا مماثلا من صحف خاصة كبرى رفضت أن تنشر رسالتى المفتوحة إلى رئيس مجلس إدارة المؤسسة قبل نحو ثلاثه اشهر . و إن كان يحسب ل ” العربي ” أنها تحلت بالجرأة ، و نشرت المقال / الرسالة في 12 ديسمبر الماضي ، بعدما كانت على موقع جريدة ” البديل ” الاكتروني منذ شهر نوفمبر .
وعلى كل اللأحوال لقد بدأت قصة جديدا لم يعرفها تاريخ ” الأهرام ” ، وفصولها لم تكتمل بعد.
(0) هذا هو عنوان الفصل الثالث من كتاب ” حرية على الهامش : في نقد أحوال الصحافة المصرية” الذي صدر لي في مطلع عام 2005 ، حيث كنت ممنوعا من العمل ودخول المؤسسة بناء على قرار عبثى ” كافكاوي ” من رئيس مجلس الإدارة والتحرير السابق . وهو الإجراء نفسه الذي جرى اتخاذه من قبل ضد الراحل “موسى جندي ” . فقد مات الرجل وهو محروما من العمل ودخول مؤسسته ومحاصرا في فرص النشر داخل بلده . بل ابلغتنى ابنته ” منى “مؤخرا أن إدارة ” الأهرام ” امتنعت عن تعليق نبأ وفاته في أدوار المؤسسة إلى حين مر موعد العزاء.
في 18 فبراير 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.