جفاف وإخلاء منازل.. هل يحمي السد العالي مصر من الفيضان    أسماء محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    ابنة الملحن محمد رحيم تعاني وعكة صحية وتخضع للرعاية الطبية    وزير قطاع الأعمال العام يشهد تكريم عدد من الشركات المصرية المشاركة في أعمال صيانة بشركة "كيما"    الإسكان تطلق منصة استقبال طلبات أصحاب الإيجار القديم للحصول على وحدات بديلة    «المشاط»: العلاقات المصرية الكورية تتجاوز التعاون الثنائي إلى تعزيز التكامل الإقليمي والنفاذ إلى عمق القارة الأفريقية والآسيوية    محافظ المنوفية: 87 مليون جنيه جملة مشروعات الخطة الاستثمارية الجديدة بمركزي تلا والشهداء    هند رشاد: "مستقبل مصر" يعكس رؤية القيادة السياسية لبناء الجمهورية الجديدة    لامين يامال على رأس قائمة منتخب إسبانيا لمواجهتي جورجيا وبلغاريا    «الداخلية» تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدي الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم لتحقيق أرباح غير مشروعة    ضبط (4124) قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    القبض على المتهمين في مشاجرة «أبناء العمومة» بالمنيا    خاص| ميمي جمال تكشف تفاصيل شخصيتها في فيلم "فيها إيه يعني"    محمد رمضان ينافس على جائزة Grammy Awards    الأمم المتحدة: الحديث عن منطقة آمنة في غزة مهزلة    طائرة مسيّرة إسرائيلية تلقي قنبلة صوتية قرب صياد لبناني في الناقورة    حزب العدل يعلن استعداده للانتخابات ويحذر من خطورة المال السياسي بانتخابات النواب    إدارة مسار تشدد على ضرورة الفوز أمام الأهلي.. وأنباء حول مصير عبد الرحمن عايد    محمد صلاح على موعد مع التاريخ في قمة ليفربول وتشيلسي بالبريميرليج    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    ترسل بيانات لحكم الفيديو.. فيفا يكشف عن الكرة الجديدة لكأس العالم 2026    مجلس الإدارة ينضم لاعتصام صحفيي الوفد    جامعة قناة السويس تواصل دعم الحرف اليدوية بمشاركتها في معرض تراثنا الدولي    الداخلية تفتتح مراكز تدريب للمرأة المعيلة ضمن مبادرة "كلنا واحد"    خلافات حول أولوية الحلاقة تنتهي بمقتل شاب طعنا على يد آخر بأكتوبر    تعرف على جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة لمكافحة جرائم السرقات    العفو الدولية: العدوان الوحشي على غزة أطلق مرحلة كارثية جديدة من النزوح القسري    الأونروا تنتصر قضائيا في أمريكا.. رفض دعوى عائلات الأسرى الإسرائيليين للمطالبة بتعويضات بمليار دولار    مخرج استنساخ: ميزانية الفيلم انعكست بشكل كبير علينا    غدا .. انطلاق مهرجان نقابة المهن التمثيلية بمسرح جراند نايل تاور    وزير الخارجية يلتقي سفراء الدول العربية المعتمدين لدى اليونسكو لدعم ترشيح خالد العنانى    احتفالية ضخمة للأوبرا في ذكرى انتصارات أكتوبر    126 عملية جراحية و103 مقياس سمع بمستشفى العريش العام خلال أسبوع    إجراءات وقائية تجنب طفلك عدوى القمل في المدارس    نجاح أول جراحة قلب مفتوح بالتدخل المحدود داخل مستشفى النصر في بورسعيد    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار مدرسة داخلية بجزيرة جاوة الإندونيسية إلى 7 قتلى    اليوم العالمى للابتسامة.. 3 أبراج البسمة مش بتفارق وشهم أبرزهم الجوزاء    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    حكم البيع الإلكترونى بعد الأذان لصلاة الجمعة.. الإفتاء تجيب    تعرف على سعر بنزين 92 اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    الداخلية تواصل ضرباتها ضد المخالفات بضبط 4124 قضية كهرباء و1429 بالمواصلات    محمد عواد يعود لقائمة الزمالك فى مواجهة غزل المحلة    «العمل» تحرر 6185 محضرًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 22 يومًا    استشاري تغذية علاجية: الأضرار المحتملة من اللبن تنحصر في حالتين فقط    الصين تدعو لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    الزمالك يختتم تدريباته اليوم استعدادًا لمواجهة غزل المحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 3-10-2025 في محافظة قنا    ليلى علوي تنهار من البكاء خلال مهرجان الإسكندرية.. اعرف التفاصيل    الفيضان قادم.. والحكومة تناشد الأهالي بإخلاء هذه المناطق فورا    «كوكا حطه في جيبه».. أحمد بلال ينتقد بيزيرا بعد مباراة القمة (فيديو)    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    الشرطة البريطانية تكشف هوية منفذ هجوم مانشستر بالقرب من كنيس يهودي    مواقيت الصلاة اليوم وموعد خطبة الجمعة 3-10-2025 في بني سويف    سورة الكهف يوم الجمعة: نور وطمأنينة وحماية من فتنة الدجال    بالصور.. مصرع طفلة وإصابة سيدتين في انهيار سقف منزل بالإسكندرية    مختار نوح: يجب محاسبة محمد حسان على دعواته للجهاد في سوريا    أتربة عالقة في الأجواء .. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025    «هيدوب في بوقك».. طريقة سهلة لعمل الليمون المخلل في البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارم يحيى يكتب عن : سلطة أمن الدولة على الصحافة المصرية
نشر في البديل يوم 27 - 01 - 2011

* عدد لا بأس به من مندوبي الصحف في وزارة الداخلية كرسوا تقاليد في العمل الصحفي كدعاية للوزارة و الوزير و رجاله
* إذا قدر لباحث أن يراجع أرشيفات الصحف فسوف يدهشه ماضي أسماء لامعة بعضها بدا كأنه يحتكر توكيل ” معارضة الرئيس ”
* من عجائب “دولة مبارك” البوليسية أن رئيس تحرير صحيفة أكبر حزب معارض كان رئيسا لتحرير مجلة ” الشرطة ”
* رؤساء تحرير ومجالس إدارات صحف مندوبين للداخلية .. والوزارة تسيطر علي اصدار الصحف الخاصة وتعين رؤساء التحرير
* أيادي الداخلية وأمن الدولة منحت الصحف عددا من كتاب الأعمدة و الرأي اللامعين عملوا أو ما زالوا مندوبين لديها
لو قدر لانتفاضة الشعب المصري أن تصل الى غايتها بإحداث التغيير الجذري الشامل و القطيعة مع نظام الاستبداد و الفساد، سيصبح من بين المهام المطروحة بإلحاح على قوى التغيير تفكيك أركان الدولة البوليسية التي أذاقت المواطنين الأهوال. وحينها سيصبح من الضرورة بمكان فتح ملف علاقة صحافتنا بوزارة الداخلية وفي القلب منها جهاز أمن الدولة الرهيب .
الآن ..و على هامش انتفاضة 25 يناير 2011 ثمة أسئلة عديدة تدور في أذهان قراء الصحف المطبوعة. ومن بينها تلك التغطية البائسة لصحافة تبدو في الأغلب مخلصة للدولة البوليسية بوجهها القبيح. وفي ذلك هي لا تخرج عن كونها أداة قمع معنوي تماما كأداة القمع المادي ممثلة في الشرطة وقنابلها المسيلة للدموع ورصاصها وهراواتها .وإن كان هذا لا ينفى عن عدد محدود من صحافتنا وصحفيينا انهم تصدوا بشجاعة بقدر ما استطاعوا على مدى السنوات الماضية لانتهاكات الشرطة وجهاز مباحث أمن الدولة ونشروا ما استطاعوا. وفي هذا السياق ، كان لكل من ” الأهالي ” و ” الشعب ” و ” البديل ” و”العربي” نصيب معلوم ، في مرحلة أو أخرى.
ولسنا هنا في وارد رصد وتحليل ما نشرته الصحف قومية و حزبية و خاصة بشأن الانتفاضة الشعبية . وهي في الأغلب الأعم انخرطت في حجب وتزييف المعلومات . وفي أضعف الإيمان المهنى عجزت عن نقل المطلب الجماهيري الأول للمتظاهرين ومنذ اللحظة الأولى : تنحى مبارك واسقاط نظام الحكم .
لسنا في وارد ذلك في هذه اللحظة التاريخية .فالصحف ستظل بصفحاتها وثائق أمام التاريخ تشهد على نفسها ، وعلى ما ارتكبته أيدى رؤساء تحرير و قيادات في صحف قومية وحزبية وخاصة . وبقدر ما هي شاهدة ايضا على انهيار مهنى وسقوط أخلاقي ، بل و تغييب العقل . وكل ما يهدف اليه هذا المقال هو مجرد المساهمة في طرح رؤوس موضوعات حول ضلع جديد في العلاقة الحرام بين صحافتنا وكل من الحاكم الفرد و عائلته و اتباعه و حزبه و طبقته.. وصولا الى جهاز أمنه.ولنبدأ من ماض قريب.
في سبتمبر الماضي فقط ( عام 2010) ، تعرضت زميلتي بجريدة ” الأهرام ” الاستاذ “شيرين المنيري ” و أخريات وأخرين الى الضرب والسحل في الشارع على أيدي الشرطة لمجرد المشاركة في وقفة احتجاجية سلمية محدودة في ميدان عابدين بقلب القاهرة . وقدمت الزميلة على اثرها بلاغا للنائب العام .فماذا كانت تغطية “الأهرام” التي تعمل بها ، و معها أكبر جريدة خاصة في البلد” المصري اليوم ” ؟ .لا شئ .. وراجعوا لتعلموا كيف تصرف زملاء المهنة الذين يعلمون و يمتلكون سلطة النشر . وراجعوا لتعلموا كيف صمت مجلس نقابة الصحفيين والنقيب.وبالطبع لم تكن هذه هي الواقعة الوحيدة . فهناك تراث طويل من تشويه المعلومات وحجبها فيما يتعلق بالتعامل الشرس وغير القانوني للشرطة مع الصحفيين ، ناهيك بالمواطنين البسطاء أصلا . و يحضرني هنا ان عددا من الصحفيين كنت من بينهم تقدموا في مارس 2003 ببلاغ الى النائب العام يطلبون التحقيق في اعتداء الشرطة على الصحفيين اثناء قيامهم بواجبهم المهنى في تغطية تفاعل المصريين مع الغزو الأمريكي للعراق .كما عرض الصحفيون على النائب العام المعين بقرار من رئيس الجمهورية التقدم بشهادات وصور تكشف تورط عملاء الأمن في حرق سيارة مطافئ بالقرب من المقر الرئيسي للحزب الحاكم على كورنيش النيل بالقاهرة .وهي الواقعة التي جرى استغلالها دعائيا على نطاق واسع لمحاولة إلصاق تهمة التخريب زورا بالمتظاهرين . فماذا كان مصير البلاغ ؟.. وكيف كانت تغطية صحفنا ومتابعتها له ؟. مرة أخرى لاشئ.. لا شئ مطلقا.
في صحافتنا هناك لغط قديم عن ” عملاء المباحث ” وسطوتهم و فرصهم في الترقي والوثوب الى مواقع القيادة . وبعض هذا اللغط قد يكون محض شائعات أو حتى منبئا برغبة البعض في اكتساب مكانة وسطوة، فيشيعون عن أنفسهم أنهم “رجال أمن الدولة” في صحفهم . لكن ما هو معلوم بالضرورة ان لدينا عددا لا بأس به من الزملاء من مندوبي الصحف في وزارة الداخلية كرسوا بمرور العقود المتوالية تقاليد في فهم العمل الصحفي بوصفه دعاية للوزارة و الوزير و رجاله ليس إلا . والى حد ان تستهلك قائمة أسماء الضباط وقادتهم ومعاونيهم معظم المساحة المحدودة المخصصة لنشر خبر عن جريمة تافهة في صحفنا. ولم يكن مستغربا في ظل العلاقة غير المهنية بين وزارة الداخلية ومندوبي صحافتنا على تنوع أشكال ملكيتها ان يعجز المتابع لها عن تذكر اسم صحفي واحد عمل مندوبا بوزارة الداخلية جرؤ في عمله المنشور أن يقدم تغطية متوازنة تعرض إلى جانب رواية أجهزة الأمن ما تراه المصادر الأخرى المعنية بالخبر من رواية مختلفة.
من بين مندوبي الصحف في وزارة الداخلية وهذا حال معظمهم إلا من رحم ربي سيجري تصعيد عدد ملحوظ كي يصبحوا من قيادات صحافتنا . ونكتفي هنا بالإشارة الى نموذجي : نقيب الصحفيين الأستاذ مكرم محمد أحمد الذي بدأ حياته المهنية في قسم الحوادث بجريدة ” الأهرام ” عام 1964 ،وانتقل لاحقا إلى مهام أخرى حتى تولى رئاسة مجلس إدارة دار ” الهلال” و تحرير مجلة ” المصور” من 1981 الى 2005.وكذا الأستاذ عبد الله حسن رئيس مجلس إدارة وتحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصدر الرئيسي للأنباء الرسمية في مصر . بل في أفق ” الأهرام ” نفسها يلوح طامح الى رئاسة تحرير الصحيفة الكبرى مدير تحرير بدأ حياته المهنية مندوبا بوزارة الداخلية ،ولا يزال بمثابة ناطق غير رسمي باسم جهاز مباحث امن دولتها.
لكن الأمر لا يتوقف على مندوبي الصحف في وزارة الداخلية من رجال أقسام الحوادث . فبامكان القارئ اللماح ان يتنبه الى جملة اسماء لامعة في صحافتنا ، يتولى من بينها عدد لا بأس به الآن رئاسة إدارة و تحرير صحف قومية وحزبية و خاصة .وقد ظل نشاطها في النشر الصحفي لسنوات يستند الى تقارير جهاز أمن الدولة في قضايا المعارضة اسلامية كانت ام يسارية . ومن بين هؤلاء رؤساء مجالس ادارة وتحرير صحف قومية مثل ( ع .ك) و ( م .أ) و ( ك .ج) و ( ح .ر ) وغيرهم ، فضلا عن رؤساء تحرير صحف خاصة مشهورة بانها مستقلة معارضة ، مثل ( ع . ح) و تلميذه ( إ. ع) وغيرهم. و إذا ما قدر لباحث في تاريخ الصحافة ان يراجع يوما ما أرشيفات الصحف والمجلات ، فسوف يدهش من ماضي أسماء لامعة في صحافتنا الآن. ولاشك أن البحث سيقوده حينها للتساؤل عن آليات اصطناع رموز صحفية معارضة ، حتى أن بعضها بدا وكأنه يحتكر توكيل ” معارضة الرئيس ” في فترة أو أخرى .
ولو عدنا بالذاكرة الى عقد السبعينيات عندما نشأت التعددية الحزبية المقيدة المريضة ، فان لدينا رواية بالغة الدلالة من الراحل الاستاذ “جلال الدين الحمامصي” عن إختيار أول رئيس تحرير لصحيفة حزبية معارضة في مصر.وقد صدرت عام 1977 ، وهي جريدة ” الأحرار” . ففي كتابه ” القربة المقطوعة ” الصادر عن دار الشروق اشار “الحمامصي” في روايته الى انه كان مرشحا لهذا الموقع . لكن رئيس الحزب إعتذر اليه ملمحا الى اعتراض جهة ما . وسرعان ما جرى اختيار بديل له هو الصحفي ” صلاح قبضايا ” . ولقد ظلت الصحيفة على عهدها في الدفاع غير المقدس عن الوزارة والوزير الى حد ان رئيس تحريرها الجديد الاستاذ ” عصام كامل ” يكتب في عدد 22 يناير 2011 مقالا مع صورة كبيرة للوزير ” حبيب العادلي ” تحت عنوان ” جئت يا عيدنا المجيد ” . وقد هاجم فيه بضرواة اختيار يوم عيد الشرطة ( 25 يناير ) للاحتجاج على الاستبداد في مصر .ويقول نصا :” إن الذين يخططون لهذا الاحتجاج يخططون لإرهاب الساهرين على أمننا ” .
بل انه من عجائب الدولة البوليسية وبخاصة في عهد “مبارك” ومعها معارضته “الديكورية” الرسمية المنتقاة بعناية ان رئيس تحرير صحيفة أكبر حزب معارض في البلد ” الوفد” كان في الوقت نفسه رئيسا لتحرير مجلة ” الشرطة ” التي تصدر عن وزارة الداخلية . وهو المرحوم الاستاذ ” سعيد عبد الخالق ” . و من يتصفح عدد واحدا من للمجلة ( عدد أغسطس 2010) سيدهش من اسماء كتابها اللامعين في سماء صحافتنا . وهم وفق الترتيب الأبجدي مع التقدير لمناصب رؤساء ومديري التحرير و الإدارة سابقين وحاليين : الاستاذه جمال الغيطاني و سناء البيسي و صلاح عيسى و صلاح منتصر و عبد العاطي محمد و فريدة الشوباشي و نعم الباز و مراد عز العرب و محمد رجب.
و لن يقتصر فضل أيادي وزارة الداخلية و جهاز أمن دولتها الرهيب على صحافتنا على عدد رؤساء مجالس ادارة وتحرير ، بل إنها منحت صحفنا عددا لا بأس به من كتاب الأعمدة و الرأي اللامعين ، وبخاصة ممن عملوا أو لا زالوا كمندوبين لديها . وعلى سبيل المثال فان لدينا الخبير البارز في شئون الجماعات الاسلامية والإخوان ” عبد الرحيم علي” ، وقد انتقل من مندوب لدى وزارة الداخلية في جريدة ” الأهالي” الناطقة بلسان حزب ” التجمع” المعارض الى واحد من كتاب الرأي البارزين في الصحف القومية ، بما في ذلك ” الأهرام “. وهناك ايضا الاستاذ “أحمد الخطيب” بجريدة ” المصري اليوم ” . وحتى جريدة “العربي ” الناصرية لم تخرج عن هذه القاعدة هي الأخرى ، فأصبح مندوبها لدى وزراة الداخلية الزميل ” صالح رجب” كاتب عامود. وراجعوا ما كتبه على مدى الاسابيع القليلة الماضية. وإن كان يمكن النظر الى هذا الأمر بوصفه نوعا من تعدد الآراء في ” العربي “. وللحقيقة فانه مجرد عامود واحد من بين عشرات الأعمدة المحترمة بحق التي تزخر بها الجريدة. وتحضرني هنا واقعة أظنها لاتنفصل عن هذا السياق. ففي عام 1990 توليت مسئولية قسم التحقيقات والتغطيات الإخبارية في جريدة ” مصر الفتاة ” ، وكان من الشباب الذي زاملني في القسم وقد تخرج للتو من الجامعة الاستاذ صالح رجب . ولما كان مشاركا في تغطية ميدانية لانتخابات مجلس الشعب عن دائرة الدقي ، فقد حمل الى الجريدة ذات يوم صورة تستأهل صحفيا بجدارة الصفحة الأولى . وكانت لسيارة شرطة زرقاء وعليها ” بوستر ” دعاية للوزيرة آمال عثمان مرشحة الحزب الحاكم . ولكن عندما علمت منه انه قام بنفسه بلصق ” البوستر “على السيارة وصورها ، مزقت الصورة فورا .و أوضحت له وللزملاء الحضور أن هذه جريمة مهنية غير مقبولة ،حتى ولو كانت مثل هذه الصورة صيدا ثمينا لصحيفة معارضة .
و في إطار الخبرة الذاتيه أيضا، يتعين ان أذكر هنا واقعة أخرى كاشفة لمدى نفوذ وزارة الداخلية على الصحف ، بما في ذلك أكبر صحيفة قومية . ففي نوفمبر 2002 ، نشرت ” الأهرام ” نعيا للمرحوم الاستاذ “مصطفي مشهور” مرشد الإخوان . وبعد طباعة الطبعة الأولى ، اتصل هاتفيا بالجريدة ضابط شرطة ، قال انه من ادارة الصحافة بالوزارة طالبا حذف صفة الفقيد ” مرشد الإخوان المسلمين ” . ولما كان المسئول السهران عن الطبعتين الثانية والثالثة وهو بمثابة رئيس تحرير ليلي قد تجادل مع الضابط في قانونيه الحذف بوصف النعي عقدا بين المؤسسة الصحفية و الناعي ، فسرعان ما تلقى هاتفا جاءه من خارج البلاد من رئيس مجلس الإدارة والتحرير يأمره بتنفيذ أوامر الضابط . ولقد كنت شاهدا شخصيا على هذه الواقعة، حينما كنت محررا مترجما بقسم الشئون العربية بالجريدة .
ولعل مثل هذه الواقعة تفتح ملف ادارة الصحافة في وزارة الداخلية وصلاحياتها . و ما جدوى وجودها بالأصل . علما بان هذه الإدارة يرأسها لواء و تخصص ضابطا مكلفا بكل مؤسسة صحفية في البلد . وعلما بأن هذه الإدارة ليست معنية بتقديم معلومات للصحفيين . فالوزارة بالأصل ليس لديها متحدث رسمي يمكن لأي صحفي يحترم مهنيته ان يلجأ اليه للتعليق على حادث ما أو بحثا عن معلومة اضافي يستكمل بها قصته الإخبارية . بل تكتفى الوزارة بإملاء دعايتها عبر مندوبيا وبياناتها المنسوبه الى ” مصدر أمني ” مجهل على الصحف ، كي تنشرها دون تمحيص أو استفهام ومناقشة.
في الدول البوليسية تظل هناك أيضا الغاز محيرة و حوادث مريبة لن تنفك طلاسمها إلا بذهاب النظم القمعية ، بل وبمراجعة جذرية لأسلوب عمل أجهزة الأمن لا بتغيير الوجوه فقط . وعلى سبيل المثال ، فان صحفيا يدعى ( س . ع) يعمل بالأصل في جريدة معارضة كان في عام 1997 بطل تحقيق بالأرقام والوثائق في مجلة تصدر عن مؤسسة سعودية مقرها لندن عن ثروة “أبناء الرئيس” . ووقتها جرى إعدام نسخ المجلة قبل ان تصل الى القراء و إغلاق مكتب المؤسسة في القاهرة .كما نظر النائب العام والقضاء في أمر الصحفي ومعه خمسة آخرين . الا انه كان لهذا الصحفي وضعا قانونيا مميزا في القضية عن الآخرين ، وحيث قال ان تشويها قد لحق بأصل التحقيق الذي كتبه . وبعد سنوات من تسوية الموضوع برمته تسوية مفاجئة غامضة و إعادة فتح المكتب ، كان الصحفي ذاته رئيسا لتحرير مطبوعة خاصة معارضة .و قال على سبيل التفاخر و بدون خجل لزميل يعمل معه إنه سيقيم في الإسكندرية عدة أيام في ضيافة فيلا تابعة للجهاز ( أمن الدولة ).
وبالأصل فإن لجهاز أمن الدولة الرهيب أياديه بيضاء كانت أم سوداء على تراخيص الصحف الخاصة و طباعة وتوزيع الصحف الصادرة بترخيص من خارج البلاد ، فضلا عن تراخيص مراسلة الصحفيين المصريين للصحف الأجنبية خارج البلاد إذا ما تقدموا بطلباتهم الى هيئة الاستعلامات. ففي كل الأحوال فان موافقة ” الجهات الأمنية ” ضرورة لازمة في اطار إجراءات معقدة لا تذكر نصوص القوانين تفاصيلها. و في دراسة قدمها المحامي الشهير الاستاذ عصام الإسلامبولي الى المؤتمر الرابع للصحفيين في فبراير عام 2004 قال انطلاقا من تجربة مماطلة سلطة الدولة في الموافقة على ترخيص ” الكرامة ” بوصفها جريدة خاصة أن جهتين أمنيتين تتحكمان فعليا في إجازة تراخيص الصحف ، بينهما بالطبع مباحث أمن الدولة . واستنادا الى مناقشة مع الاستاذ الاسلامبولي خرجت في كتاب اصدرته مطلع عام 2005 تحت عنوان ” حرية على الهامش :في نقد احوال الصحافة المصرية ” بنتيجة مفادها انه :” قد يستمر ارجاء هاتين الجهتين الامنيتين الموافقة على الترخيص لشهور وسنوات. و هو الارجاء الذي يتكفل في مناسبات عديدة بدفع طالبي الترخيص الى التسليم بشروط معينة قد تؤثر في اختيار قيادة الصحيفة والالتزام بخطوط رقابية معينة ” .
ومن حين لآخر يثور في الوسط الصحفي لغط حول دور جهاز مباحث أمن الدولة في انشاء ورعاية “صحف صفراء ” تورط بعضها في الاثارة الفضائحية و الفتنة الطائفية والنزعات الطائفية . و كان لافتا ان تجاوزات هذه الصحف يجرى توظيفها للهجوم على الصحافة الخاصة بوجه عام و تخويفها و لخفض هامش الحرية والنقد السياسي المتاح في الصحافة المصرية بوجه عام. وفي ذلك هناك روايات عديدة وشبكات من العلاقات المعقدة بين الصحف والصحفيين و الجهاز. و ربما قد يرى باحثون مستقبلا انه هناك حاجة ماسة لكتابة تاريخ هذا الجهاز مع الطائفية وعدم التسامح الديني ومنذ زمن ” البوليس السياسي “في عهد الملكية .
ولعل فيما سبق ما قد يفيد في قراءة غير غافلة لما تنشره صحفنا المصرية هذه الأيام عن انتفاضة الشعب المصري .وإن كان يتعين الاشارة الى ان مجموعة من الصحفيين كانت قد أسست في عام 2005 ” حركة صحفيون من أجل التغيير ” التي تشرفت بانتخابي أول منسق عام لها . وكان و البند الأول في البيان التأسيسي للحركة يتضمن المطالبة برفع يد أجهزة الأمن و الحزب الحاكم عن الصحافة . و قد نظمت الحركة في العام ذاته يوما كاملا عن المعتقلين في عهد مبارك تضمن قيام عدد من ذويهم برواية شهادات عن التعذيب وسنوات الإعتقال المديد. ولقد كان في نيه الحركة ان تعقد ندوة أخرى عن نفوذ جهاز الأمن في صحافتنا وتأثيرها على اختيار قياداتها . لكن لم يمهلها القدر، وتلك قصة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.