بعد أعوام من التحركات السرية والعلنية لحكومة الاحتلال الإسرائيلي في القارة السمراء، في محاولة لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الإفريقية، بدأ الكيان الصهيوني، في الفترة الأخيرة، في الكشف، بكل وضوح، عن أهداف هذه التحركات، مؤكدًا أن خطته الأساسية المستقبلية هي تحويل الدول الإفريقية إلى عامل مساعد للكيان الصهيوني في المحافل الدولية. وعقد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اجتماعا استثنائيا مع سفراء بلاده في دول إفريقيا، بهدف تفعيل نتائج الزيارة التي أجراها نتنياهو في يوليو 2016 إلى عدد من الدول بالقارة السمراء، طالبًا العمل على تحويل الدول الإفريقية إلى أغلبية تلقائية لصالح إسرائيل في الأممالمتحدة. وطبقاً لموقع "إن. أر. جي" الصهيوني أشار رئيس وزراء الاحتلال خلال اجتماعه بالسفراء إلى أن هناك 54 دولة بالقارة، وفي حال نجحوا في تغيير طبيعة عملية التصويت التي تجري بالأممالمتحدة، فإن الكيان الصهيوني سيستطيع أن يمتلك أغلبية تلقائية تصوت لصالحه. ومن بين الأدوات التي يعتمد عليها الكيان الصهيوني، بحسب نتنياهو، محاولة التأثير بكل الطرق بما في ذلك على الصعيد الاجتماعي والإعلامي وغير ذلك، مشيرًا إلى استخدام التكنولوجيا الصهيونية لتطوير العلاقات مع دول عديدة حول العالم، لكن نوه الموقع الصهيوني إلى أن عددًا من السفراء الذين شاركوا بالاجتماع، علقوا على رؤية نتنياهو. وأشار السفراء إلى أن تغيير طبيعة التصويت داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة أمر صعب المنال وغير قابل للحدوث، مطالبين بضخ مزيد من الاستثمار الإسرائيلي في القارة السمراء، قائلين حسب الموقع: «غالبية الدول الإفريقية لا تمتلك مصلحة من أي نوع في تغيير مواقفها لصالح إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية أو موقف آخر مناهض لإسرائيل، وربما يكون ضخ استثمارات حيوية لا يمكن لدول القارة التفريط فيها هو العامل المساعد لتحقيق الهدف». وزار الرئيس الإسرائيلي في يوليو الماضي عددًا من الدول الإفريقية بدأها بأوغندا ثم كينيا ورواندا لينتهي به المطاف في إثيوبيا، حتى إنه جمع عددا كبيرا من قادة الدول الإفريقية للقائهم دفعة واحدة، وطلبت إسرائيل من هذه الدول منحها صفة "دولة مراقب" في الاتحاد الإفريقي على غرار دول وكيانات كبرى كالهند والصين وتركيا والبرازيل واليابان، والاتحاد الأوروبي. الزيارة الصهيونية، التي وصفها نتنياهو بالتاريخية، والتي رفعت شعار "إسرائيل تعود إلى إفريقيا، وإفريقيا تعود إلى إسرائيل"، نبّهت 4 دول إفريقية ذات ثقل كبير في الاتحاد الإفريقي للمخططات الصهيونية السرية، والتي يبدو أن الدول العربية غافلة عنها، حتى انتقلت تلك المخططات من السرية إلى العلنية. لا يمكن وصف هذه الخطط الإسرائيلية المستقبلية بأقل من أنها بالغة الخطورة وتحمل في طياتها الكثير من الدلائل والمعاني، حيث تعمد نتنياهو الإعلان عن تحويل الإستراتيجية الصهيونية إلى واقع عملي، من خلال تطوير منظومة العلاقات على جميع المستويات مع الدول التي يعمل بها سفراء الاحتلال، بحيث يمتد التأثير الصهيوني إلى غالبية المؤسسات ومراكز القرار والمرافق الحيوية في القارة. وترجع محاولة الكيان الصهيوني إلى توطيد علاقاته بالقارة الإفريقية منذ خمسينات القرن، بيد أنها تضررت بعد حروب مصر وسوريا مع إسرائيل في ستينات وسبعينات القرن الماضي، إذ أدت الضغوط العربية إلى مقاطعة 35 دولة إفريقية للاحتلال، لكن العلاقات الإسرائيلية مع الدول الإفريقية بدت تعود واحدة تلو الأخرى بعد توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية كامب ديفيد في العام 1978، وبدأت بعض الدول الإفريقية في إعادة علاقاتها مع إسرائيل بشكل فردي. ومنذ ذلك الحين، وإسرائيل تخطط لتنفيذ المشاريع والاتفاقيات مع الدول الإفريقية وتعد دورات تدريبية خاصة للأفارقة في الأراضي المحتلة، وتقدم لهم المنح الدراسية، وتنظم الدورات للقيادات الشعبية والعمالية لتعزيز العلاقات بين المنظمات العمالية اليهودية، والمنظمات الإفريقية، وتشير الإحصاءات التي نشرها مركز التعاون الدولي التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية إلى أن عدد الأفارقة الذين تلقوا تدريبهم بالأراضي المحتلة نحو (24636) إفريقيا منذ قيام الكيان الصهيوني وحتى عام 2007. وجاء على لسان يهوذا باز، مدير المعهد الآسيوي الإفريقي التابع للهستدروت، أن هناك 3 رؤساء حكومة و40 وزيرا و150 من أعضاء البرلمانات و100 محاضر، و400 من مديري التعاونيات، و350 من رؤساء النقابات العمالية، و37 من أمناء الاتحادات الثقافية في إفريقيا ممن درسوا فى الأراضي المحتلة، وأصبحوا من أكثر المؤيدين للكيان الصهيوني. وتأتي التحركات الإسرائيلية في وقت يرى صناع القرار في دولة الاحتلال أنه مناسب للتمدد بإفريقيا في ظل انهيار كبير لمنظومة النظام العربي، فالعراق وسوريا منشغلان في حروب ضد الإرهاب وأزمات سياسية متكررة، كما تنشغل دول الخليج بحرب اليمن والصراع مع طهران، وليس الحال بأفضل في ليبيا ومصر والسودان والصومال، أما الجامعة العربية فهي بعيدة كل البعد عن القارة السمراء، وعندما انعقدت القمة العربية الإفريقية في أواخر العام الماضي، تحولت إلى ساحة للصراع العربي، وانتقال مشكلة الصحراء الغربية بالمغرب بين المملكة والجزائر إلى القمة، ووقوف الدول الخليجية في صف الرباط.