جاء قرار البنك المركزي برفع نسبة فوائد البنوك بالتزامن مع ارتفاع معدل التضخم، حيث رفع البنك الأهلي المصري سعر الفائدة على الشهادات البلاتينية، التي تعد أكبر وعاء ادخاري فى القطاع المصرفي ، من 16% إلى 20% لمدة عام ونصف، كما ارتفعت أسعار الفائدة على أموال المودعين في صندوق توفير البريد؛ لتبلغ 10.25%، وبلغ حجم الودائع والأموال المستثمرة لدى الهيئة نحو 184 مليار جنيه موزعة على منتجات الهيئة المختلفة، كما ارتفعت الفائدة على شهادات استثمار قناة السويس من 12 إلى 15.5%، والتي ستكلف موازنة الدولة نحو 2.2 مليار جنيه (133 مليون دولار) سنويًّا. يأتي ذلك في ظروف حالة من الركود في معظم مصادر الدخل القومي، سواء فيما يخص تحويلات المصريين في الخارج، أو عائد قناة السويس، بجانب الاستثمار، الأمر الذي دفع عددًا من الخبراء للحديث عن حجم الزيادة التي أقرتها البنوك، ومن أين سيتم توفير هذا الفارق، وتأثير ذلك على حجم الودائع. ما هو المشروع الذي سيحقق صافي أرباح 25%؟ الدكتور هاني توفيق، الخبير المصرفي، قال إن الاقتصاد المصري لا توجد به حلول خالية من الآثار الجانبية، حيث يقع متخذ القرار فى مأزق الموازنة أو المفاضلة بين الآليات المختلفة، لافتًا إلى أن رفع سعر الفائدة بالبنوك أدى إلى وقف التهافت على تخزين الدولار، بل وأدى إلى زيادة معدل تدفق العملة الصعبة للاستثمار (غير المباشر) من داخل البلاد وخارجها فى شكل ودائع بنكية تحصل على عائد غير مسبوق تاريخيًّا أو جغرافيًّا. وأوضح أنه عندما تمنح البنوك المودعين 20٪ عائدًا على ودائعهم، وتضع 2٪ أخرى بالبنك المركزي كاحتياطي، تصبح تكلفة التمويل على البنك 22٪، وبالتالى وجب على البنك أن يقرض المستثمرين استثمارًا مباشرًا فى أنشطة التصنيع أو السياحة أو الزراعة أو العقار بفائدة لا تقل عن 24- 25٪؛ حتى يحافظ على أرباحه الطبيعية. مشددًا على أن هذا الاستثمار المباشر هو الوسيلة الوحيدة لزيادة الإنتاج ورفع مستوى معيشة المواطن. وتساءل توفيق: ما هو المشروع الذي سوف يحقق لهؤلاء المستثمرين 25٪ صافي أرباح بعد الضرائب، ويكون خاليًا من المخاطر تمامًا؟ واقترح قفل باب الاكتتاب فورًا فى مثل هذه الشهادات، التى أربكت حسابات معظم البنوك، وستؤثر حتمًا بالسلب على الاستثمار (المباشر) والتشغيل، وتزيد من الركود الاقتصادى. تحذير من خفض السيولة وزيادة العجز في نفس السياق قال الدكتور رائد سلامة، الخبير الاقتصادي، إن زيادة سعر الفائدة ب 300 نقطة أساس أو 3% إن لم تكن لفترة محدودة جدًّا – وهذا أمر لا أحد يعلمه وتحكمه اعتبارات سياسية – ستؤدي إلى سحب الناس أموالهم من السوق والبورصة ووضعها في شكل إيداعات في البنوك؛ للاستفادة من سعر الفائدة العالي، بما سيؤدي إلى خفض السيولة المحلية. حيث إن الأجانب هم من يشترون الآن من البورصة، محذرًا من أنه إذا خفض المركزي سعر الفائدة في خلال ثلاثة أشهر على الأكثر، فإن هذا سيتسبب في تعميق بوادر حالة الركود التضخمي بالسوق، ما سيؤدي إلى زيادة العجز بالموازنة العامة؛ لأن الدولة ستضطر لدفع فوائد أعلى على الأذون والسندات بالجنيه المصري. وتابع "وهو ما يعني بالتبعية زيادة العجز المقدر بما لا يقل عن 40 مليار جنيه في أكثر التوقعات تفاؤلًا، بالإضافة إلى نحو 10 مليارات جنيه أخرى كفروق لتقييم الدولار بعد تعويم الجنيه، كما ستتضاعف قيمة العجز بالميزان التجاري؛ بسبب التعويم. وأكد أن أزمة الدولار لن تحلها إجراءات التعويم، وأن ما يقوم به المركزي حاليًّا من خفض سعر الجنيه Devaluation، وهو المصطلح العلمي الذي تتجنب الحكومة استخدامه؛ لما له من دلالات سياسية سيئة؛ لأن الحصيلة مهما كانت فهي محدودة قياسًا بالطلب على الدولار لأجل الاستيراد الذي يجب السيطرة عليه، من خلال منع بعض السلع المستوردة. لابد من تغيير الفكر الحكومي وأضاف سلامة أنه لا بد من تغيير الفكر الحكومي، ضاربًا مثلًا بتصدير البترول خامًا، ثم إعادة استيراده بعد التكرير، واصفًا هذا بالمصيبة الكبرى، مطالبًا الحكومة بتشييد مصنع لتكرير البترول، وأن تغير نمط الاقتصاد من استهلاكي ريعي إلى إنتاجي تنموي؛ للحفاظ على فائض القيمة ومنع تسربه للخارج ولتحقيق الاكتفاء الذاتي والتنمية المستقلة، من خلال ضخ أموال من السيولة المتوافرة بالجهاز المصرفي لمشروعات الطاقة، وتشغيل مصانع القطاع العام المتوقفة تمامًا. وحتى يتحقق كل ذلك، لا بد من الاهتمام السريع على كل المستويات من سياحة وتحويلات العاملين بالخارج، وخلق الأجواء المناسبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة (لا الأموال الساخنة). زيادة الحصيلة الدولارية فيما أكد أحمد نوح، رئيس لجنة التأمين والبنوك بالاتحاد المصرى للجمعيات المستثمرين، أن البنك ما هو إلا تاجر يبيع سلعة النقود، حيث إن ارتفاع سعر الفائدة من 16 إلى 20% وأكثر يرجع إلى محاولة البنوك الاستفادة الكبرى من المودعين لديها وجمع أكبر قدر من الدولارات، مشيرًا إلى أن البنك يستفيد أكثر من الفائدة الشهادات الاستثمارية بارتفاع الفوائد على القروض، وأن البنوك هي التى تتحمل مبالغ الفائدة التي تعطى للمودعين، وذلك خارج موازنة الدولة. وأضاف أن الدولة والبنوك تعملان على إغراء الناس وتطميعهم بارتفاع الفائدة؛ من أجل تحويل الدولارات بشراء الشهادات، وذلك بعد تحرير سعر الجنيه، وبالتالي أعطى ثقة للمودعين أو الناس بتغيير العملة من البنك، وجمع الأموال من المواطنين، وبالتالي هنا الدولة تكسب من اتجاهين: أخذ الأموال من المواطنين، بحيث أصبحت لديها حصيلة دولارية، والاتجاه الآخر تشغيل المصانع والتجار وذلك عن طريق القروض، وأوضح أنه بذلك ينخفض التضخم. وأكد أن البنوك مهما ارتفعت الفائدة عليها لا يعجز البنك، حيث يأخذ بسعر ويبيع بسعر أعلى عن طريق ارتفاع الفائدة على القروض، أي أن الفائدة المدينة تتزامن مع الفائدة الدائنة، لافتًا إلى أن العيب في ارتفاع الفائدة يعود على المقترض، حيث يرفع البنك الفائدة على المقترض لتعويض ارتفاع الفائدة على المودعين. أما عن زيادة فائدة دفتر توفير البريد إلى 10.25% فأكد أنه كان لا بد من ارتفاعها؛ حفاظًا على المودعين بالبريد، حتى لا يلجؤوا إلى البنوك، خاصة وأن هناك العديد من المواطنين الذين يقترضون من البريد، والبنوك تجمع حصيلة دولارية من الفائدة، وتغطيها الاعتمادات المستندية. رفع الفائدة وفر الدولار.. ومطالبة بضوابط على شرائه وعلى جانب آخر أكد سعيد توفيق، أستاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة عين شمس، أن رفع سعر الفائدة إلى 20% مؤقت لمدة لا تتجاوز العام والنصف، وأيضًا مؤقت لفائدة 16% لمدة ثلاثة أعوام، مع أمل انخفاض سعر الدولار، وعليه تنخفض الفائدة، مشيرًا إلى أن لدينا تضخمًا عاليًا جدًّا جراء رفع الفائدة، حيث إن إيداع مبلغ في البنك على سعر الفائدة السابق 12.5% يغطي البنك الفارق بينه وبين الجديد، ما يؤدي لزيادة معدل التضخم، مؤكدًا رغم ذلك أن ارتفاع سعر الفائدة في هذا التوقيت صحيح من الناحية العملية، ومن الناحية النظرية ووفقًا لنظرية العرض والطلب على الودائع والقروض هنا المعروض من كمية النقود لا يغطي الكمية المطلوبة منه، وبالتالي كان من اللازم ارتفاع الفوائد البنوك مع ارتفاع سعر الدولار. كما توقع توفيق أنه خلال عام ونصف أو عامين سيتراجع سعر الفائدة وينخفض، وأكد أن كثيرًا من المواطنين قاموا بتغيير الجنيه المصري إلى دولارات، وبالتالي هنا توفير عملة صعبة للدولة وجذب للدولار، وهو ما قوى المركز المالي، ونجحت البنوك إلى حد ما. أما عن قرار شراء الفرد بحد أقصى 300 دولار فهو غير صائب إطلاقًا، مطالبًا بوجود مستند رسمي للشراء، مثل السفر إلى الخارج، ووجود نظام يحدد هذا لعدم حدوث إشكالية. وعن رفع سعر الفائدة فى الوقت الحالي مع تعويم الجنيه أكد أنه ضرورة ملحة؛ لوجود السوق السوداء، وبالتالي فإن الفائض سيدخل فى خزينة الدولة، ولأنه لا يوجد عائد يغطي الفائدة بالبنوك أعطت فرصة لمدة ثلاثة أعوام، ورفعت البنوك معها فائدة القروض؛ حيث إنها السبيل الوحيد للتعويض، ولكن بشرط أن تخصص القروض للمشروعات الاستثمارية، وبالتالي تحدث هنا دورة تشغيل ونقدية ودخل قومي. مخاوف من تكرار سيناريو قناة السويس ونبه توفيق بأننا يجب أن نأخذ الحذر من مشكلة صندوق قناة السويس، حيث تم تجميع 64 مليار جنيه، ولم يتم تخصيصها فى مشروعات. متسائلًا: أين تتواجد هذه الأموال؟ ولم يتم توجيهها إلى قناة السويس؟ لافتًا إلى أن هذا يجبر الناس على التخوف، وهنا تتجه الدولة لطبع النقود لحل المشكلة، وهو حل خاطئ، ولا بد أن تكون خطة الحكومة هي توجيه هذه النقود للاستثمار، وأوضح أن هناك العديد من المصانع المغلقة، فلا بد من عودة تشغيلها بطاقتها باستثمارات جديدة، وهو ما يجب أن تقوم به الدولة.