منذ أيام قليلة صدمنا جميعا فى تفاصيل حادث فتاة المعادي التى راحت ضحية محاولة سرقة لحقيبتها. ما ورد من معلومات حول الواقعة مفجع بكل المقاييس، فالأب الذي وجد تجمهرا من المارة حول جثة فتاة ،بالتأكيد لم يكن يتوقع أنها ابنته، والحي الهادئ الراقي الذي وقعت فيه الجريمة، لم يخطر على بال قاطنيه أن ذلك سيحدث لإحدى بناتهم ،فماذا عن الحال إذن في الأحياء الشعبية والمناطق العشوائية؟! مشكورة توصلت أجهزة الأمن إلى الجناة في ساعات قليلة من حدوث الجريمة، ولكن ألم يكن الأولى أن يتم وضع كمائن أوحتى نشر أفراد أمن في المناطق المختلفة؛ حتى يرتدع الجناة ولا يقدموا على جرائمهم البشعة؟ وأين هي الدوريات الراكبة التي كانت تجوب الشوارع والأحياء،والتى كان قوامها أمين شرطة وموتوسيكل؟ حتى أن هذا المشهد ارتبط بالذاكرة على مر السنين وجسدته الأعمال الدرامية والسينمائية. نعلم أن هناك الكثير من الأعباء والمسئوليات والتحديات الكبيرة على أفراد الأمن أعانهم الله،ولكن قليلا من التواجد يجنبنا بالتأكيد كثيرا من الجرائم. السؤال الأهم في هذه القضية هو: من أين جاء الجناة بكل هذا الكم من القسوة والعنف في التعامل مع الضحية؟ فهم كانون يريدون اختطاف حقيبة اليد، ،لما علقت الحقيبة في السيارة تم سحل الفتاة دون رحمة في محاولة للهروب، وكان نتيجة ذلك أنها دهست تحت عجلات سيارة أخري،كان من الممكن أن ينزع أحدهم الحقيبة العالقة ويترك الفتاة، دون أن يتسبب في موتها بهذه الطريقة المفجعة،والأهم من ذلك هو أن اللص أصبح لايميز فالفتاة عمرها 25 عاما، فهل سيكون في حقيبتها ما يغري بالسرقة؟ خمسة وثمانون جنيها دفعت مريم حياتها من أجل أن لص يريد الحصول على المال بأية طريقة،وحسب اعترافات أحد الجناة كان بالحقيبة كروت فيزا خاصة بعمل الفتاة ،ومكياج وكريمات أخذهم هو إلى منزله،الغريب أن الجناة يتحدثون عن الجريمة بكل هدوء،دون أن تتحرك فيهم مشاعر التأثرأو الندم،وكأن من يتحدثون عنها ليست انسانا عزيزا وفلذة كبد أبوين ستظل لوعة وألم الفراق المر تعصر قلبيهما طيلة الحياة. من أين جاءت هذه النوعية من اللصوص الذين نفاجأ بهم بين الحين والآخر وبجرائمهم التي تدمي القلوب ؟ الجريمة بالتأكيد موجودة على مر السنين والمجرمون أيضا ،ولكن تزايد أعدادهم وبشاعة جرائمهم تجعلنا نتساءل عن الأسباب التي دفعت بهم دفعا إلى مسرح الأحداث ،ونستطيع القول: إن جملة من العوامل قد اجتمعت وأفرزت لنا هذه الظواهر الغريبة،فالمجتمع وكل أدوات التنشئة لم تعد تولى اهتماما كبيرا بتربية الأجيال على القيم وعلى الفرق بين الحلال والحرام ،حيث تراجع دور الأسرة التي انشغل الأبوان فيها بتوفير لقمة العيش؛ نظرا لضغوط الحياة الكثيرة ،والمدرسة أيضا لم تعد هي محور التنشئة والتربية كما كانت فى سابق العهد ،لأن المدرس الذى أصبح كل همه الحصول على أكبر قدر من الثروة من جراء الدروس الخصوصية ،لا يمكن أن يقدم شيئا لطلابه الذين يعتبرهم الدجاجة التى تبيض له ذهبا. ووسائل الإعلام التي انشغلت بقضايا لا تفيد المواطن وانصرف عنها الكثيرون لم تعد تقدم ذلك المحتوي الهادف الذي كان يرتقي بالإحساس، ويثري العقول،ناهيك عن أنها أصبحت تروج لنماذج للعنف والفتونة هي بعيدة كل البعد عن أن تكون قدوة. نحتاج إلى أن نفيق من غفوتنا عسي أن يرحمنا الله سبحانه وتعالي ونوقف هذا التدهور في القيم والأخلاق.