هل فقد البعض منا مشاعره الإنسانية؟ وهل انتزعت الرحمة من القلوب وأصبحت الفظاظة والجحود والقسوة عنوانا؟ ..سؤال نطرحه دائما كلما اندهشنا وصدمنا في وقائع بعض الحوادث التي تدمي القلوب لبشاعتها. قبل يومين تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا لفيديو يقوم فيه شابان بالتنمر على رجل مسن ثم يلقيانه، بلا رحمة، بإحدى الترع، وكما قيل فإن الرجل مريض نفسي والواقعة دارت أحداثها في محافظة سوهاج ،وأن أجهزة الأمن ألقت القبض على الشابين،اللذين قام أحدهما بقذف الرجل في الترعة، بينما كان الآخر يقوم بالتصوير. لست أعلم ما هو السبب وراء هذا التصرف الأحمق، ولكني أكاد أجزم أن الدافع ربما يكون من باب التسلية و"الشقاوة". مؤكد أنهم سيقولون ذلك.الغريب أن من قام بهذا الفعل المشين شابان في مقتبل العمر ولم تأخذهما شفقة ولا رحمة بالرجل الضعيف، والأغرب أيضا أن يحدث ذلك في إحدى محافظات الصعيد المعروف عن أهلها الشهامة والرجولة والمروءة. ماذا حدث لأخلاق المصريين؟ بالتأكيد فإن الجريمة تحدث على مر العصور، كما أن الأخلاق السيئة والسلوك الشائن موجودان أيضا من بين صفات بعض البشر،ولكن ولأن هذه التصرفات زادت عن حدها ،وأصبحنا نفاجأ كل فترة بحادث يعكس تدهورا كبيرا في قيمنا الأخلاقية ،ومع الصفات الأصيلة للشعب المصري ،فإن ذلك يدفعنا للبحث عن أسباب ما وصلنا إليه، والغوص في أعماق النفس البشرية التي تقدم على مثل هذه التصرفات. في حياتنا اليومية نشاهد تصرفات وسلوكيات مصغرة مماثلة وقريبة الشبه من هذه الجريمة،فلم يعد على سبيل المثال احترام الكبير أمرا ذا أهمية بالنسبة للبعض،ففي وسائل المواصلات اعتدنا مشهد وقوف سيدة أو رجل في عمر آباء شاب أو فتاة يجلسان على مقاعدهم ،دون الالتفات إلى هذا الرجل أو تلك السيدة اللذين لا تقوى أقدامهما على حملهما،المعاملة الفظة والغليظة من جانب بعض سائقي الميكروباص مع كبار السن ،هي أيضا حالة تستوجب الرصد لما تعكسه من تدني المستوى الأخلاقي والشعور الإنساني. في الماضي القريب جدا وأثناء ذروة جائحة كورونا سمعنا عن أبناء رفضوا تسلم جثة أمهم ودفنها خوفا من العدوى، وآخرين تركوها بمفردها وهي تئن تحت وطأة الإصابة بضيق التنفس وتركوا المفتاح للجيران خوفا من العدوى أيضا وحكايات وقصص أخرى طالت القريب والبعيد. وفي الأسباب يمكن القول: إن غياب دور المدرسة والمسجد في التربية والتنشئة ،قد أثر كثيرا على منظومة القيم والأخلاق، وفتح الباب أمام التمادي في سلوكيات مشينة وألفاظ فاحشة،دون أن يرتدع أحد ودون أن يعرف "العيب" وحدود السلوك الصحيح من عدمه،ولمَ لا والمعلم الذي تخرجت على يديه أجيال تحلوا بالخلق القويم ،أصبح أسيرا للمادة تحكمه الحسابات والرصيد قبل أن يكون قدوة ومثلا للطلاب؟ ومع تراجع دور الأسرة أيضا بحكم انشغال الوالدين أو تفشي ظاهرة الخلافات الأسرية وزيادة معدلات الطلاق،أصبحت الأسرة لا تؤثر بما يحقق تقويم الخلل في السلوك أولًا بأول. مطلوب من كل الجهات المعنية بعملية التربية والتنشئة استعادة دورها ،ووضع خطط مستقبلية لنشر القيم الإيجابية في المجتمع قبل أن ينخر سوس التردي الأخلاقي جسد المجتمع ونصبح على ما فعلنا نادمين.