فى المعارك الكبرى؛ لم يقدر شىء على هزيمة المحاربين الأقوياء سوى أن تأتيهم السهام من رجالهم لا من الأعداء.. وهذا بالضبط ما يحدث الآن فى وزارة الثقافة.. وملف إغلاق بيوت الثقافة المثير للجدل وحديث الوزير المليء بالمغالطات. يمكننا النظر للصورة من زاوية أوسع؛ لفهم أبعادها ومعرفة ما يرتبه مسئولون فى وزارة الثقافة. الدولة فى معركة شرسة ضد التطرف والإرهاب منذ عقد وأكثر؛ لكن وزير الثقافة قرر أن يضرب النار على أقدامنا جميعًا. واسمح لى أن أفاجئك؛ ليس «الغلق» الآن هو القضية ولا سر الأزمة. ولكنّ «المسئولين فى وزارة الثقافة» يسكنون التفاصيل بل ويرتبون الأوراق. أضمن لك فى السطور القادمة الكثير من المفاجآت. فى محاولة الإجابة عن سؤال: من المستفيد مما يحدث الآن فى «هيئة قصور الثقافة»؟! الوزير لا يقول الحقيقة يوم الاثنين (26 مايو)؛ خرج علينا د. أحمد هنو، وزير الثقافة فى فيديو «مسجل» على الصفحة الرسمية لوزارة الثقافة ومجلس الوزراء ليكشف لنا ما يحدث من وجهة نظره ،وقال نصًا: «لا نية لغلق قصور الثقافة فى الأقاليم.. ولكنها إعادة لتدبر الأمر وتنسيق الفعال منها ورفع كفاءته وتطويره». يبدو أن هناك من يتعاملون داخل الوزارة مع ملف مهم بمنطق «نكتة نجاح الموجي» التى تقول: «واحد أفندى لبس الطربوش بالمقلوب.. ولما سألوه عن السبب.. قال لهم: عشان لما حد يضربنى على قفايا أشوفه»! السؤال هنا لماذا لا يخبرنا الوزير بالحقيقة؟ فما حدث على أرض الواقع عكس ذلك تمامًا. بحسب مصادر فى وزارة الثقافة فقد طلب اللواء خالد اللبان، مساعد وزير الثقافة لشئون رئاسة هيئة قصور الثقافة، عن العاملين فى عدد من بيوت الثقافة بالأقاليم وعددها 123 بيتًا ومكتبة عامة بالأقاليم بتقديم طلبات نقل فى أبريل. تبع ذلك الطلب الشفوى، قرار إدارى من الهيئة بتاريخ 5 مايو، وبتوقيع رئيس الهيئة يكلف خلاله «رؤساء الأقاليم باتخاذ الإجراءات القانوينة اللازمة نحو توزيع العاملين المتواجدين بالبيوت والمكتبات الثقافية المؤجرة والتى تقرر إخلاؤها بناء على موافقة مجلس إدارة الهيئة بجلسة 324» وهى الجلسة التى انعقدت بتاريخ 5 مارس الماضى. كما صدر أمر مكتبى من فرع ثقافة بنى سويف، بتاريخ 8 مايو «بناء على تعليمات وزير الثقافة» ب«إخلاء جميع المواقع التابعة للفرع والمؤجرة خلال أسبوع». و«على من يرغب من العاملين بهذه المواقع الانتداب لمصلحة أخرى التقدم بطلب للنقل لأى موقع آخر». يعنى ببساطة نحن أمام قرار تم الترتيب له فى مارس، فى مساحة من التعتيم الإعلامى أو حتى التوضيح. إلى أن احتج المثقفون قبل شهر. فظهر علينا الوزير ليقول أن شيئا لم يحدث ولا نية للغلق! إيه العمل يا وزير؟! بجانب التعامل الإعلامى «غير الرصين» من وزير الثقافة مع الأزمة؛ هناك مصيبة أكبر تؤكد أن الوزير يعمل ضد نفسه وضد «رؤية الدولة». فى حين قال مصدر مقرب من الوزير أن الدكتور هنو يحاول الترويج فى كثير من لقاءاته ومكالماته بأن «القرار ليس قراره»، وتصوير نفسه أنه مجرد منفذ لسياسات ليس هو من صاغها. بالطبع لا نعتبر هذا الكلام «حقيقة».. لأننا لا نتصور أن د.هنو يحاول النجاة بنفسه وتوريط الدولة التى تواجه كل أشكال التطرف منذ عقد وأكثر فى أنها هى من «تغلق ثلث القوة الفاعلة من بيوت الثقافة»! مفاجأة كبرى.. وكارثة أكبر على طريقة تريندات السوشيال ميديا، يمكننا القول: «والآن مع المفاجأة الكبرى». توقفنا عند جملة فى حديث وزير الثقافة خلال وجوده لمناقشة طلبات الإحاطة ضده مع لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب.. الوزير قال إن «عملية تطوير البيوت والقصور الثقافية على مستوى الجمهورية تتطلب توفير بين 7 إلى 8 مليارات جنيه».. كلام جميل جدا. ولكن هذا يقودنا إلى بيت ثقافة منوف، والموصى بغلقه رغم كون مقره ملكًا لوزارة الثقافة وليس «شقة مؤجرة»، وقد تم إخطار العاملين بضرورة إخلائه وتسليم عهدته، لولا الحملة التى قادها المثقفون على صفحات التواصل الاجتماعى وفى الفضائيات والصحف.. الأزمة أنه نفس المكان الذى تم تطويره فى 2023، بإجمالى نفقات 140 ألف جنيه، ثم جاء قرار إغلاقه بعد عام ونصف العام. الواقع أن بيت ثقافة منوف ليس الحالة الوحيدة ضمن قائمة ال123 بيتًا الموصى بغلقها بعد التطوير. والكارثة الحقيقية أن 23 بيتًا من القائمة تم تطويرها خلال عامى 2023 و2024. ثم تقرر غلقها فى 2025 حسب مصادر بالهئية العامة لقصور الثقافة! لغز «بسيونى»! كل الخيوط والتواريخ تقودنا إلى اسم مهم هو «عمرو بسيونى».. مفتاح حل العقدة وفهم الصورة بكل تفاصيلها. من يوليو 2023 حتى يوليو 2024؛ تولى «بسيونى» مهام رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة. وخلال تلك الفترة أعاد تأهيل وصيانة 23 بيت ثقافة فى الأقاليم.. وبالفعل تم افتتاح كثير منها خلال تلك الفترة. وفى سبتمبر 2024 انتدب وزير الثقافة «بسيونى» لمنصب الوكيل الدائم للوزارة، أى أنه أصبح الرجل الثاني.. وما المشكلة.. الرجل أدى مهمته وتمت ترقيته؟! اللغز أن «بسيونى» الذى طور هو نفسه من أوصى بغلق ما تم تطويره! نحن الآن أمام خيارين؛ كلاهما مر.. إما أن وزير الثقافة يعلم تلك التفاصيل واستكمل إجراءات الغلق.. أو أنه لا يعلم ما يفعله «وكيله الدائم» وهذه كارثة أخرى. تراجع وهمى حتى الآن؛ تشير كل تصريحات الوزير إلى التراجع عن قرارات غلق بيوت الثقافة، بعد رفض المثقفين الحاسم. «روزاليوسف» تواصلت مع 16 من العاملين فى البيوت التى تقرر إخلاؤها (فضلوا عدم ذكر أسمائهم خوفًا من التعرض لأى مشكلات) لنسألهم عن وجود أى مستجدات تخص قرارات نقلهم لمواقع وبيوت أخرى؛ لكن 13 منهم أجمعوا على وجود تجميد لأى قرارات تخص رجوعهم إلى أماكنهم. فى إشارة إلى أنهم الآن ليسوا على قوة تلك البيوت المنقولين منها وفى الوقت نفسه لم يتم تسكينهم فى أماكن أخرى. فيما تم تسكين 3 منهم فى أقرب بيت ثقافة ولم يعودوا للبيوت التى تقرر إغلاقها. فهل معنى ذلك أن تصريحات الوزير تهدف لتهدئة الهجوم عليه لا لحل الأزمة فعليا؟! استقيموا.. أحيانًا.. يضل المسئول طريقه وهو أمر «غير مقبول» فى ملف بأهمية الثقافة. لكن فى لحظة تشوش الرؤية؛ فالرجوع إلى أصول الأشياء «ضرورة». وبالعودة لما قاله الوزير المؤسس والمثقف الكبير «ثروت عكاشة» فى مذكراته «مذكراتى فى السياسة والثقافة» تحدث عن فكرة إنشاء هيئة قصور الثقافة أو الثقافة الجماهيرية.. قائلا: «لا ازدهار لثقافة قومية إلا إذا عبرت عن فئات المجتمع المختلفة فى المدينة والقرية على السواء». مع مرور السنوات والأزمات.. لم تعد «ثقافة» ولا حتى «جماهيرية».. وهى مشكلة تقتضى إعادة «الدور الغائب» لا القضاء على ما تبقى منه.. لو تعاملنا بمنطق وزير الثقافة فى قرارات غلق مقرات ثقافية ل«غياب التأثير».. فسنجد أنفسنا بعد أيام أمام طرح يطالب بغلق وزارة الثقافة وللسبب نفسه.. فاستقيموا! 3