37.7% من المصريين يرون أن أخلاق وسلوكيات المواطنين أصبحت سيئة جداً الشباب: أزمة الأخلاق نتيجة طبيعية لسنوات من الجهل والفقر والبطالة د.شوقى عبد اللطيف: عدم الخوف من الله أهم أسباب سوء الأخلاق أستاذة علم نفس سلوكى : نحتاج إلى صحوة لاستعادة أخلاقنا.. ولا مانع من إطلاق "عام الأخلاق" "الأخلاق كالأرزاق .. الناس فيها بين غنى وفقير" مقولة حقيقية تعبر بدقة عما وصل إليه مجتمعنا الذى كان مشهورا لسنوات طويلة بحسن الخلق والترابط والشهامة، ولكننا للأسف أصبحنا نعانى من " فقر الأخلاق " في السنوات الأخيرة وأصبح السؤال الذي يشغل كثيرين هو: "أين ذهبت أخلاقنا؟"، فلم يعد مجتمعنا يحافظ على الثوابت التى نشأنا وتربينا عليها واعتدنا على تنفيذها بدون تفكير، ومجرد جولة بسيطة فى الشوارع وسوف تلفت انتباهك لكم اللامبالاة وانعدام الرحمة وسيادة شعار "وأنا مالي"، ولذلك قررنا فتح ملف أخلاق المصريين في السطور التالية .. استطلاع رأى رصد استطلاع رأى لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء رؤية المواطنين حول مستوى الأخلاق وسلوكيات المجتمع بعنوان "رأى المصريين فى بعض سلوكيات المجتمع المصرى"، والذى قارن بين رؤية المصريين لأخلاق وسلوكيات المجتمع حالياً، وبين رؤيتهم لما كان عليه الحال قبل ثورة 25 يناير 2011"، أوضح الاستطلاع أن المصريين يرون تراجعاً فى احترام كبار السن داخل المجتمع حالياً، حيث كان 34% يرونها ظاهرة منتشرة بشكل كبير فى عام 2011، مقارنة ب21% فقط حالياً، كما تراجع الحرص على وجود علاقات طيبة مع جيران السكن إلى 16%، مقارنة ب20% سابقاً، وأشار"الاستطلاع" إلى رؤية المصريين تراجع إتقان المواطنين للعمل، حيث إن 15% فقط يرونها منتشرة بشكل كبير، مقارنة ب25% خلال 2011، وكذلك وجود تراجع فى احترام آراء الآخرين، حيث يرى 16% فقط أن هذا الأمر منتشر بشكل كبير، مقارنة ب26% خلال الاستطلاع السابق. وعن التزام المواطنين بالقواعد والقوانين، شهد الاستطلاع تراجعاً، حيث إن 15% يرون أنها منتشرة بشكل كبير، مقارنة ب17% فى الاستطلاع السابق، بينما يرى 41% أنها غير موجودة، فيما كانت تلك النسبة فى الاستطلاع السابق 32%، وانتهى الاستطلاع إلى رؤية 37.7% من المصريين أن أخلاق وسلوكيات المواطنين حالياً سيئة وسيئة جداً، فيما رأى 32.9% منهم أنها مقبولة، و14.1% فقط أنها جيدة وجيدة جداً. وعن رؤية المشاركين فى الاستطلاع حول اتجاه تغير أخلاقيات وسلوكيات المجتمع خلال المرحلة الراهنة، يرى أغلبهم بنسبة 61.9% أنها تتغير للأسوأ، بينما يرى 22.2% أنها تتغير للأحسن، و2.4% يرون أنها لا تتغير من الأساس. ولفت الاستطلاع إلى أن أكثر من يرون وجود اتجاه سيئ فى الأخلاق والسلوكيات كانوا من أصحاب المستوى الاقتصادى الأعلى بالعينة، والحاصلين على مؤهل جامعى، وأصحاب الشريحة العمرية من 18 عاماً حتى أقل من 30 سنة. وأوضح أن أكثر السلوكيات التى يرى المشاركون فى الاستطلاع أننا نحتاج إلى تغييرها للأحسن كانت الاحترام بين الناس بنسبة 11.9%، ثم تعزيز روح الترابط والتعاون بين الناس وبعضهم بنسبة 8.4%، ثم مواجهة التحرش والمعاكسات والاغتصاب ب6.4%، والالتزام بالدين والرجوع إلى الله ب4.8%، وصولاً لتزكية صفات الصدق والأمانة ومراعاة الضمير ب4.2%، وعدم استخدام الشتائم والألفاظ النابية ب3.3%. واحتل "القضاء على البلطجية والخناقات فى الشوارع"، المرتبة السابعة من حيث السلوكيات التى نحتاج تغييرها للأحسن، ثم التصدى لتعاطى المخدرات والحشيش، وعدم احترام القوانين والالتزام بها، بينما رأى 1.9% من المشاركين بالعينة أنه لا توجد سلوكيات وأخلاقيات تحتاج للتغيير للأفضل. رأى الشباب وعن رأى بعض الشباب فى أسباب معاناتنا فى السنوات الأخيرة من وجود أزمة أخلاق، تؤكد هبة سليمان 30 سنة "مهندسة معمارية" : بالفعل نعانى من أزمة أخلاق حقيقية، لكنها بالتأكيد ليست وليدة أعوام قليلة سابقة، لكنها النتيجة الطبيعية لسنوات طويلة من الفقر والجهل والبطالة، فسوء الأخلاق يظهر بسبب الاحتياج والجوع وعدم الوعى وكلها أمور موجودة فى المجتمع المصرى من قديم الأزل، لكن مع زيادة عدد السكان وتراجع المستوى الاقتصادى للكثيرين بدأت هذه المساوئ تظهر بشكل ملحوظ، وأعتقد أنه على الدولة أن تدرك مدى خطورة هذا التدهور الواضح فى الأخلاق، وأن نسعى لحل الأزمة قبل أن نصل لمرحلة نندم عليها. بينما يوضح رامز ملاك 32 سنة "صيدلى" أن الظروف والتغيرات التى حدثت للمجتمع خلال الأعوام الماضية وتحديدا بعد ثورة 25 يناير ساهمت بشكل كبير فى خروج السلوكيات السيئة على السطح، وانتشرت ثقافة "أن الصوت العالى هو صوت الحق"، وبالتالى أصبح الكثيرون يسيرون على نهج الصوت العالى والانفعال والخناق على اعتبار أنها الوسيلة الأسهل لتحقيق أى مطلب، ومنذ ذلك الحين أصبحنا نعيش فى مجتمع فوضوى وعشوائى لا يطيق بعضه بعضا. ويشاركه فى الرأى محمود عصام 27 سنة "محامٍ" حيث يرى أن الخلل الذى حدث للمجتمع المصرى أفقده الكثير من سماته، فأصبح من النادر جدا أن تجد شابا يسرع للوقوف فى المواصلات ليجلس كبار السن، أو حتى فى الشارع قليلا ما تجد شابا يهتم بمساعدة رجل أو امرأة مسنة فى حمل أشياء ثقيلة أو مساعدته فى عبور الطريق حتى عند تعرض أى شخص لمشكلة مثل سرقة أو تحرش أو غير ذلك، أصبح من المستحيل أن تجد من يقف ويتدخل، ويؤكد أن التعامل بمبدأ "وأنا مالى" تسبب فى حالة ملموسة من الفتور فى المجتمع الذى كان نموذجا يحتذى به فى الترابط والجدعنة والشهامة. بينما تؤكد سهام أبو العلا 34 سنة "موظفة بأحد البنوك" أن الوضع الاقتصادى من ارتفاع شديد للأسعار وغلاء المعيشة وشعور المواطن بمشاكل اقتصادية كثيرة تسبب بشكل كبير فى حالة الغضب والعصبية التى أصبحت من أهم سمات مجتمعنا، الأمر الذى أدى إلى سوء الأخلاق بشكل ملحوظ. وعلى الجانب الآخر تقول سارة فؤاد 28 سنة "مدرسة لغة إنجليزية": إنه مهما كنا نعانى فى المجتمع من مشاكل، فالأخلاق والتربية ليس لها علاقة بتلك المشاكل، وليس من المنطقى أن نعلق سوء السلوك والأخلاق على شماعة الظروف والأوضاع، فتربية الأسرة لأولادها لا تحتاج إلى مال، وتعويد الطفل منذ صغره على الأدب والذوق والتعامل مع الكبار باحترام، وغير ذلك لا يرتبط بالمستوى الاجتماعى، والدليل على ذلك أننا نقابل الكثير من الأشخاص الذين يتصفون بحسن الخلق، وهم ينتمون لمستوى اجتماعى ومادى بسيط، فى حين أننا قد نتعامل مع أشخاص ينتمون لمستوى اجتماعى ومادى عالٍ جدا، لكنهم للأسف لم يتعلموا معنى الأخلاق والأصول، وطالب بضرورة أن نبدأ بأنفسنا وأن يهتم الآباء والأمهات بتربية أبنائهم بما يرضى الله حتى نستعيد أخلاقنا وسلوكياتنا المصرية الأصيلة. صحوة لاستعادة أخلاقنا وعن أسباب أزمة الأخلاق التى نعانى منها حاليا فى المجتمع تؤكد د.رحاب العوضى- أستاذ علم النفس السلوكى- أن ما نشهده حاليا من تغير واضح فى سلوكيات الشعب المصرى ظهر بعد أحداث 25 يناير التى أصبح بعدها "البقاء للأقوى" وساهمت بصورة كبيرة فى افتقاد الشباب للقدوة المحترمة، فلم يعد الإعلام يقدم سوى السلبيات، ولم يعد أفراد المجتمع يتعاملون باحترام ورقى، فكل من يبحث عن حقه يتعامل بقوة "الذراع" وكأنها الوسيلة الوحيدة للحصول على الحقوق. وتضيف: تبدلت المفاهيم وأصبحت كل مصادر اكتساب الفرد للأخلاق بها خلل، فالأسرة لم تعد تقوم بدورها التربوى كما يجب، والمدرسة كذلك، والحال نفسه لشيوخ المساجد الذين افتقدوا كثيرا من أرصدتهم لدى الناس خصوصا بعد فترة حكم الإخوان وظهور التناقض بين القول والفعل، وبالتالى حدث خلل فى ثقة المصريين ببعض رجال الدين وما يصدر عنهم من أقوال. وتشير إلى أنه بالإضافة إلى كل ما سبق، أصبح الإعلام هو المصدر الأساسى الذى يستقى منه الفرد السلوكيات والتصرفات، فأصبح نموذج البلطجى والفهلوى هو المسيطر وانتشرت أقذر الألفاظ والشتائم وانعدم الضمير والذوق العام وأصبحنا نعانى فسادا أخلاقيا شديدا. وفى نهاية حديثها تطالب د.رحاب الدولة بصحوة سريعة والاهتمام بالأخلاق من خلال إعداد برنامج متكامل لإعادة نشر الأخلاق والسلوكيات المحمودة والتى نفتقدها، ولامانع من إطلاق عام للأخلاق لتكثيف الاهتمام والتوعية بأهمية استعادة أخلاقنا المصرية الأصيلة، وكذلك علينا وضع مناهج دقيقة لمادة "الأخلاق" التى سمعنا عنها كثيرا ولم تخرج للنور، وأن يقوم بتدريسها أساتذة على أعلى مستوى نستطيع من خلالهم وضع الطلاب على الطريق الصحيح للتحلى بالأخلاق الحميدة.
عدم الخوف من الله وعن رأى الدين فى أزمة الأخلاق يؤكد د.شوقى عبد اللطيف- وكيل أول وزارة الأوقاف-: أننا نعانى من أزمة أخلاقية ازدادت شدتها بعد ثورة 25 يناير، بزعم أن الثورة ما هى إلا ثورة على كل شىء حتى على الدين والقيم والمبادئ والأخلاقيات، وهذا أمر فى شدة الخطورة يمثل انحرافا بالأمة عن هدى السماء وعن طريق الحق، وهذا بلا شك يؤدى إلى الأزمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التى نجنيها الآن. وعن أهم أسباب الأزمة الأخلاقية يشير وكيل أول وزارة الأوقاف إلى أن عدم الخوف من الله تعالى هو السبب الأول والأساسى لما نعانيه الآن من سوء أخلاق، فالرسول- عليه أفضل الصلاة والسلام- يقول: " إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت"، بمعنى أنك إن لم تخف من الله فافعل أى شىء دون تفكير .. ويشير إلى أن بقية الأسباب تتمثل فى الأسرة فإذا كان الأب مستقيما والأم تخاف ربها لربيا أولادهما على الفضيلة والأخلاق، وهذا ما كان يحدث فى عصر رسولنا الكريم، فانشغال الأب عن أبنائه وتركهم دون تربية بحجة العمل، وكذلك الأم التى أصبح شغلها الشاغل متابعة المسلسلات التافهة يعد تقصيرا فى حق الأبناء. ويضيف د.شوقى : أن المؤسسات الاجتماعية والتعليمية عليها عبء كبير فى هذا الأمر، فتعامل المدارس مع مادة التربية الدينية على اعتبار أنها "تأدية واجب" أمر سيئ للغاية، بالإضافة إلى أن القيادات التربوية لا تقوم بدورها المطلوب، بل أصبح المعلم نموذجا سيئا لا يصح أن يحتذى به فى كثير من الأحيان، وقد يدخن أمام الطلاب أو يتلفظ بأسوأ الشتائم، كما أصبح الدور الأساسى للإعلام هو عرض الأفلام والمسلسلات الخليعة التى تبث لنا السموم من خلال نشر أفكار البلطجة والفهلوة وسوء الخلق. وعن كيفية السيطرة على هذه الأزمة يقول د.شوقى: أن الأسرة عليها العبء الأكبر فى الالتفات لأبنائها وتربيتهم على الأسس والمبادئ والقيم الصحيحة التى تربينا عليها منذ طفولتنا، ويليها المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات فى حاجة ماسة للاهتمام بالتربية قبل التعليم، ثم يأتى دور الإعلام الذى يحتاج كل العاملين فيه أن "يتقوا الله" فيما يبث من مواد مختلفة، وأقول لأصحاب القنوات التليفزيونية: إن الله تعالى سوف يحاسبهم على كل حرف يقدمونه لنا ولشبابنا، وأخيرا لا أنكر أن المؤسسات الدينية عليها دور هام فى تنفيذ خطاب دينى شامل ومتكامل يغرس فى النفوس معنى حسن الخلق اقتداءً برسولنا الكريم وتنفيذا لأوامر ديننا الحنيف.