عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فساد المصريين يتجاوز الرُّكب!

منذ بضع سنوات وقف النائب د. زكريا عزمى تحت قبة البرلمان ليعلن أن "الفساد فى المحليات وصل للركب"!.. مرت السنون لكن لم ينس المصريون الكلمة!.. فقد كانت أول اعتراف صريح ومباشر من مسئول رسمى بالدولة - وهذا سبب التمسك بها - بأن الفساد فى أحد القطاعات "الرسمية" بات لا يحتمل!.. لا يستطيع المرء أن يسير فيه دون أن تبتل ساقاه مما علق بهما من رشوة ومحسوبية!
وأصبحت "الركبة" - التى أطلقها عزمى - هى المعيار الشعبى لقياس الفساد!.. وتجاوز المعيار "المحليات" إلى باقى القطاعات!
لكن خلال هذه الفترة لم تظهر دراسة علمية حقيقية حول "الفساد" وتقاطعاته!.. لم تظهر دراسة "متخصصة" تقول لنا هل لازال الفساد رابضا عند مستوى "الركبة" أم أنه تجاوزها إلى مناطق أخرى؟! أم أن الدولة نجحت خلال هذه الفترة فى تجفيف منابعه!
والأهم بالتأكيد هو كيف يرى المصريون - أنفسهم - هذا الفساد؟.. كيف يعبرون عنه؟.. كيف يشرحونه ويحللونه؟.. وما هى رؤيتهم الحاكمة لقيم النزاهة والشفافية والفساد؟
من هذا الجانب تكتسب الدراسة - الصادرة عن وزارة الدولة للتنمية الإدارية والتى أعدها "كباحث رئيسى" عالم الاجتماع الكبير د. أحمد زايد عن الأطر الثقافية الحاكمة لسلوك المصريين واختياراتهم - أهميتها وهى دراسة لقيم "النزاهة" والشفافية" و"الفساد" داخل المجتمع المصرى.
من الخصخصة إلى المحسوبية!
سطور صادمة واجهتنا بها الدراسة منذ البداية لكنها بالتأكيد ذات دلالة جوهرية.. فبحسب نتائجها المتحصلة من دراسات الحالة والاستطلاع زاد الفساد بنسبة 38.6 ٪ فى المجتمع المصرى، بينما يرى 9.1 ٪ من المصريين أن الفساد ظل كما هو، بينما يرى7.3 ٪ أن الفساد قد قل!
وترصد الدراسة أن هناك تقريبا شبه اتفاق على أن "الفساد" يشمل السرقة والنهب ويتجه "الاستخدام الشعبى" إلى ربط الكلمة دائما ب"الكبار" بمعنى أصحاب السلطة!
فالعقل الشعبى يرى أن الفساد ينتشر بين فئة واحدة فى المجتمع، هم أصحاب المناصب الكبرى، ومع اشتداد الأزمات المجتمعية يلجأ عامة الناس إلى الحديث عن سرقة موارد الدولة، كما يسود استخدام الكلمة بمعنى بيع الأصول، أى "الخصخصة" ونهب موارد الدولة!
وتتمثل مؤشرات الفساد فى المجتمع المصرى - وفقا لعينة البحث - فى "المحسوبية" و"الواسطة" حيث يرى 87.4 ٪ أنهما زادتا بشكل ملحوظ فى حين يرى10.5 ٪ أن المحسوبية والواسطة ظلتا كما هما فى السنوات الخمس الماضية، فيما يعتقد 2 ٪ أن المحسوبية والواسطة قلتا خلال تلك الفترة!.. أى أن القناعة السائدة هى انتشارهما فى شتى مناحى الحياة!
وهى وجهة نظر تنتشر بصورة أكبر بين سكان الحضر عنها فى المناطق الريفية حيث يرى 98.6 ٪من أهالى الحضر أن الواسطة والمحسوبية أصبحت هى السائدة مقابل 85.8 ٪ من أهالى الريف. وكذلك تتزايد هذه النظرة بين الشباب فى الفئة العمرية الأقل من35 سنة، حيث تصل القناعة بهذا الأمر بينهم إلى 90.1 ٪ وتقل فى الفئة العمرية " 35 – 45 " إلى نسبة 88.7 ٪ !
ويرى 82.9 ٪ أن المحسوبية منتشرة بدرجة كبيرة و 14.3 ٪ يرون أنها منتشرة بدرجة متوسطة وصغيرة، أى أن 99.2 ٪ من أفراد العينة مقتنعون بأن المحسوبية منتشرة فى المجتمع بدرجات تتراوح بين الدرجة الكبيرة والمتوسطة والصغيرة!
لكن الصادم بالفعل هو أن المجتمع أصبح يتعامل مع الظاهرة، وكأنها أمر واقع، إذ يرى 98.7 ٪ أنهم لا يستطيعون قضاء مصالحهم دون اللجوء للواسطة، بينما يرى 10.3 ٪ فقط أنها ليست ضرورية!
الفساد الحكومى وعدالة الدولة!
وسط القناعة المتزايدة لدى المصريين بزيادة نسبة الفساد بوجه عام، والمحسوبية بوجه خاص، كان من الطبيعى أن نستشعر مكمن الخطورة وراء إعلان 26.4 ٪ أنهم لجأوا بالفعل إلى تقديم "الرشاوى" لإنهاء مصالحهم الحكومية!.. وهى نتيجة لا يمكن فهمها بصورة أكبر إلا عندما نعلم أن 49.9 ٪ من المصريين لا يرون فى قبول الرشوة ما يعيق أو يوصم الموظف الحكومى! وأن 42.9 ٪ منهم يرى الموظف الجيد هو من ينجز مهامه بدقة، 42.4 ٪ أنه من يعامل الجمهور باحترام، و 41 ٪ "منضبط"، بينما لم يهتم بصفة أنه الذى لا يقبل "الرشوة"سوى 51.1 ٪ فقط!
لزيادة الإحساس بارتفاع نسبة الفساد وجه آخر عكسته نتائج الدراسة يتمثل فى رؤية المصريين بصفة عامة لعدالة الدولة.. فهناك تصورات لدى 40.8 ٪ أن الدولة غير عادلة، فى مقابل 47.1 ٪ اعتبروا أن الدولة "عادلة إلى حد ما" و 12.1 ٪ رأوها عادلة جدا.
وترجع أسباب عدم عدالة الدولة إلى انحيازها لفئات بعينها بنسبة 66.5 ٪ .. وبنسبة 42.5 ٪ إلى أنها لا تقدم خدمات جيدة للفقراء، وبنسبةر 31.1 ٪ إلى أنها لا تطبق القانون!
أما أكثر الفئات التى يراها المصريون تأخذ حقا أكبر من حقها، فهى على الترتيب رجال الأعمال ثم المسئولون ثم رجال الشرطة ثم القضاة، فالإعلاميون، وأساتذة الجامعة.
ورغم أن هناك إحساسا لدى قطاع كبير من المصريين بعدم المساواة إلا أن هناك فى المقابل حالة من التخاذل فى المطالبة بالحق، حيث أعرب 50.4 ٪ عن أنهم يفوضون أمرهم لله، و 40.4 ٪ يقدمون طلبات حول هذا الأمر، و 12.3 ٪ يبحثون عن واسطة، و 5.8 ٪ يدفعون رشوة!
المصالح الشخصية!
يرتبط الفساد بعلاقة طردية بزيادة إعلاء المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.. فمع التطورات الاقتصادية والتكنولوجية الحادثة، تسود كثيرا من المجتمعات القيم الفردية، حيث يقل بالتبعية الاهتمام بالمصلحة العامة، وتشير البيانات إلى تغليب الشخصية المصرية المصلحة الخاصة بنسبة 38.9 ٪ مقابل 9.8 ٪ يفضلون المصلحة الشخصية مع المصلحة العامة، و 6.3 ٪ فقط يهتمون بالمصلحة العامة، مقابل المصلحة الشخصية!
وتلعب الظروف الاقتصادية دورا محوريا فى تفضيل المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة "حوالى 81 ٪ من المصريين"، فيما يرى 25.1 ٪ عدم جدوى الاهتمام من حيث الأصل بالمصلحة العامة! حيث تسود لدى المواطن حالة من اليأس والإحباط تفرضها أزمة الثقة بين المواطن والدولة!
ويرى 12.5 ٪ أن أحد أسباب تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة هو ضعف الانتماء، بينما يحمل 4.4 ٪ غياب المشروع القومى مسئولية تغليب المصلحة الشخصية وتغييب المصلحة العامة!
وبصورة إجمالية يمكن استخلاص سيادة النزعة الفردية على المجتمع وانتشار سلوك اللامبالاة بالشأن العام، والانغلاق على الذات.. وهى صفات من شأنها أن تعكس ضعف المجتمع وهشاشته، إذا ما واجه الأزمات الكبيرة، ويظل الفرد أسيرا لنظرته الضيقة ومنغلقا على نفسه دون الاهتمام بالشأن العام!
وتنبه الدراسة إلى أن وجود الفقر وتزايده من الأسباب الرئيسية لتقليل الاهتمام بالمصلحة العامة.. إذ يشعر المواطن فى داخله أن مجمل السياسات الاجتماعية لا تعبر عنه، ولا تستجيب لاحتياجاته، وتجعل المواطن فى النهاية يفقد الثقة فى كل ما حوله، ويحس أنه لا أهمية له فى وطنه!
وعلى الجانب الآخر تفرض الأوضاع الاقتصادية والفقر على المواطن أن يلجأ إلى الحلول الفردية بعيدا عن الدولة التى لا تستطيع أن تقدم حلولا كافية لمشكلاته! يميل 48.1 ٪ من المصريين إلى القول "يالا نفسى".. أى أن نصف المجتمع يعانى من سيادة الروح الفردية والانعزال عن الاهتمام بالقضايا العامة.. وكلها من الأسباب التى تجعل المواطن منغلقا على ذاته، وتظل دائرة مشاركته مرتبطة بالدرجة التى يحقق فيها مصلحته الشخصية.. والمهم أن يحقق الفرد مصالحه وأهدافه دون النظر إلى مصالح الآخرين، مادام يشعر أن السياسات الاقتصادية لا توجه إليه، بل هى موجهة إلى فئات محددة فى المجتمع!
وتشير البيانات إلى أن 42.15 ٪ من المصريين لم يكن لديهم أى شكل من أشكال المشاركة المجتمعية، مقابل 57.9 ٪ كانت لديهم مشاركات بدرجات مختلفة!.. فهم يعتقدون "حوالى 40 ٪ " أن الدولة لا تهتم بمصالحهم، ولا تعبر عنهم، وأن همومهم ومشكلاتهم لم تنل القدر الكافى من الاهتمام.. ويرى 59.8 ٪ من المصريين أن الدولة تهتم بهم بنسب متفاوتة، فى مقابل فئات اجتماعية وسياسية تحصل على انحياز الدولة، وهم أصحاب النفوذ " 70.4 ٪ " ورجال الأعمال " 55.2 ٪ " .
ويعتقد أغلب المصريين أن الدولة توفر كافة أشكال الحماية والدعم لرجال الأعمال.. ويحققون من وراء ذلك الكثير من المكاسب والمصالح بينما يمثل أصحاب المحسوبية النصيب التالى بين الفئات التى تحصل على دعم الدولة، بنسبة 34.5 ٪ ثم يليهم "التجار" بنسبة 6.9 ٪ !
تقاطعات هذه الصورة تمثل بدورها أرضية داعمة للفساد.. فكل فرد فى المجتمع يعيش منعزلا ويبحث عن تحقيق مصالحه الشخصية ولا يهتم بمصالح الآخرين.. ويظل مقتنعا أن الدولة منحازة لغيره..ويتولد لديه إحساس باليأس والإحباط والظلم إلى فترات طويلة!
ويسألونك عن "النزاهة "!
هل نحن شعب يفتقر إلى النزاهة؟!.. هل غابت عنا قيم الأمانة والعدل ؟!
بحسب زايد، فإن هناك نتيجة مهمة انتهت إليها الدراسة، مفادها أن أفراد المجتمع المصرى لديهم ميل عام إلى ضرورة إعلاء قيمة النزاهة لدى الإنسان، وذلك من خلال التأكيد على ضرورة توافر فضيلة الإيمان بنسبة51.7 ٪ ، يليها الأمانة بنسبة 44.3 ٪ ، ثم الضمير بنسبة 36.4 ٪ ، والصدق بنسبة 30 ٪ .
وبالتالى لازالت النظرة لدينا أن الشخص المؤمن هو الشخص الفاضل تتصدر قائمة الأولويات.. وفى ضوء هذه النتيجة يمكن الاقتراب أكثر من القيم الحاكمة للنزاهة، وهى الاتساق "عدم التناقض" والعدل والأمانة.
فقيمة الاتساق "عدم التناقض"، تعنى أن يقول الشخص ما يفعل، ويفعل ما يقول.. أى أنه لا توجد ازدواجية بين القول والفعل لديه.. لكن هل هذا يمكن مشاهدته بشكل كبير داخل المجتمع المصرى ؟
تؤكد الدراسة أن المجتمع المصرى يعانى من ازدواجية شديدة!.. فيرى 88.4 ٪ أن المصريين يعانون من التناقض بين القول والفعل، وترجع أسباب هذا التناقض إلى كل من النفاق والكذب بنسبة 54.7 ٪ والخوف على المصلحة بنسبة 53.6 ٪ ، والفهلوة والمكسب السريع بنسبة12.4 ٪ ، وأخيرا الخيانة بنسبة 11.7 ٪ .
أما الفئات الأكثر تناقضا، فهم رجال السياسة بنسبة 83.1 ٪ ثم رجال الشرطة بنسبة 73.2 ٪ ، ثم رجال الدين بنسبة 43 ٪ ، ورجال القضاء بنسبة 38.4 ٪ ويرجع 84.9 ٪ من المصريين ارتفاع نسبة التناقض بين شريحة رجال الدين إلى أن تدينهم شكلى ومظهرى، ويرى 17.3 ٪ منهم أن إغراءات الحياة قوية، الأمر الذى يجعل الاتساق بين أقوالهم وأفعالهم منخفضا.
يتوازى مع عدم الاتساق "أو الازدواجية" تزايد الإحساس لدى المصريين بالظلم.. فيذهب 49.7 ٪ إلى أنهم مظلومون بالفعل، وحقهم مهضوم فى المجتمع !
وترتفع هذه النسبة فى بعض الأحيان إلى 63.8 ٪ .. وأن أكثر المصريين شعورا بالظلم وضياع الحق هم أهل الريف بنسبة 50.2 ٪ ، والذكور بنسبة 51.2 ٪ والشباب فى الفئة العمرية 34 : 18 بنسبة 52.5 ٪ ، ثم "الأميين" بنسبة 52.9 ٪ .
وبحسب الدراسة فإن أسباب الشعور بالظلم تختلف من فئة إلى أخرى وفقا للظروف والبيئة والنوع والسن ومستوى التعليم.
فأسباب شعور أهل الريف بالظلم يرجع إلى ضعف الأجور، وعدم إحساسهم بالأهمية، أو عدم توافر الظروف الملائمة لحياة كريمة ؟
بينما يشعر الذكور بالظلم بسبب ضعف الأجور بنسبة 48.4 ٪ ، فى مقابل 34.6 ٪ بالنسبة للإناث.
فى حين تشعر الإناث بالظلم بسبب عدم إحساسهن بالأهمية بنسبة 35.3 ٪ مقابل 24.2 ٪ للذكور.. ويشعر الشباب " 18 : 34 " بالظلم بسبب عدم إحساسهم بالأهمية.. ويشعر "الأميون" بالظلم بسبب ضعف الأجور.
أما عن التعرض الفعلى للظلم ولو لمرة واحدة، فيؤكد 46.4 ٪ أنهم تعرضوا بالفعل للظلم وأنهم خسروا حقوقهم فى مقابل 53.6 ٪ .
رغم الانخفاض "النسبى" لمن تعرضوا للظلم مقارنة بمن لم يتعرضوا لهذا الظلم، إلا أن نسبة من تعرضوا للظلم تكاد تتفق مع نسبة شعور الفرد بالظلم داخل المجتمع المصرى "49.7 ٪ " .
ويقر 75.1 ٪ بسيادة الظلم، بينما يقر 24.9 ٪ بسيادة العدل، وأكثر الأفراد إقرارا بانتشار الظلم هم الحضريون، والإناث، وذوو المؤهلات المتوسطة، وأيد 63.7 ٪ فكرة انخفاض المساواة والعدل، مقابل 14.4 ٪ أكدوا أن العدل قد ازداد.
وأرجع 76.1 ٪ تراجع المساواة إلى زيادة الفروق بين الأغنياء والفقراء، وانتشار المحسوبية لدى 43.9 ٪ ، وقلة الوازع الدينى عند 28.1 ٪ ، وعدم نزاهة القضاء لدى 3.7 ٪ ، وأن الفقراء أكثر الناس تعرضا للظلم فى المجتمع المصرى عند 83.3 ٪ ، يليهم الشباب بنسبة 39.8 ٪ ، والمرأة بنسبة 12.3 ٪ ، ثم موظفى الحكومة بنسبة 11.5 ٪ ثم كبار السن بنسبة 8.9 ٪ ، وأخيرا الأطفال بنسبة 4.3 ٪ لكن هناك فى المقابل إحساسا عند بعض الفئات بوجود اتجاهات لعدم المساواة، وهى على الترتيب - أى الفئات االناقصة الحقوق - : التمييز بين الأغنياء والفقراء بنسبة 92.8 ٪ والتمييز بين المتعلمين والأميين بنسبة 85.5 ٪ ، والتمييز بين كبار السن وصغار السن بنسبة 55.6 ٪ ، والتمييز بين الذكور والإناث بنسبة 4.3 ٪ ، والتمييز بين المسلمين والمسيحيين بنسبة 32.1 ٪ .
ولهذه النتيجة مدلول واضح فى أن الإحساس بوجود فروق بين المسلمين والمسيحيين يتراجع إلى نهاية القائمة مقارنة بباقى النتائج.. فالإحساس بوجود فارق تمييزى مثلا بين الأغنياء والفقراء يفوقه بثلاثة أضعاف تقريبا، وهى نتيجة تعكس حجم الترابط والروح الوطنية داخل المجتمع المصرى.
الشفافية.. والله أعلم !
يرى العديد من المصريين أن هناك حلقة اتصال غائبة بين الفرد والحكومة.. وحلقة الاتصال الغائبة، وفقا لهذا التصور هى الشفافية.. وعدم الشفافية هنا يعنى تعمد الدولة حجب المعلومات عن المواطنين باعتبارها المسئولة عن إتاحة هذه المعلومات، أو أنها تصدر فى المقابل عددا من المعلومات غير المنطقية، أو إتاحتها بعد أن تصبح عديمة القيمة.. والعديد من الدراسات - بحسب زايد - أوضح تدنى المعرفة والمشاركة السياسية للمواطنين.. خاصة أن مفهوم "الشفافية" يرتبط بصورة رئيسية بقدرة المواطن على تفسير وفهم المعلومات الحكومية بشكل صحيح، وهذه القدرة تتطلب وجود سمات خاصة بمستويات التعليم ونوعيته، ومن ثم تنخفض هذه القدرة فى حالة ارتفاع "الأمية" ونوعية التعليم، والقدرة على فهم وتفسير المعلومات.
لكن بشكل مباشر يرى 43.1 ٪ من المصريين أن المسئولين الحكوميين لا يتحدثون بصراحة، بينما يرى 41.4 ٪ أن المسئولين الحكوميين أحيانا يتحدثون بصراحة، وهو ما يعكس تدنى حجم الثقة فى التصريحات الحكومية، والتى لا تتجاوز 15.5 ٪ من حجم العينة محل الدراسة !
وتشير البيانات إلى أن المعلومات الاقتصادية من أكثر البيانات التى تخفيها الحكومة، ولا تتحدث عنها بصراحة كافية.. ويؤيد 52 ٪ من المصريين هذا الرأى، يلى ذلك البيانات المتعلقة بالفساد بنسبة 45٪، حيث يرون أن الحكومة تحاول إخفاءها دائما!
ورغم عدم ثقة المصريين فى شفافية الحكومة وتعاملها مع البيانات، إلا أنهم يقدرون محاولات الحكومة لإتاحة البيانات، حيث يرى 93 ٪ أن ما تقوم به الحكومة لتسهيل الحصول على البيانات يعد خطوة مفيدة !
وينقسم المصريون من حيث مدى الثقة فى الحكومة نفسها، حيث يثق بها 50.4 ٪ بينما لا يثق بها 49.6 ٪ .. وترتفع نسبة الثقة بين الريفيين إلى 57.7 ٪ مقارنة بنسبة 40.4 ٪ بين الحضريين، وتنخفض بين الشباب إلى 42.2 ٪ ، بينما ترتفع بين الفئة العمرية " 35 - 45 " سنة إلى 54.1 ٪ وترتفع بين من هم أكبر من 54 سنة إلى 57.6 ٪ .
وهو ما يرجعه المصريون إلى عدم وفاء الحكومة بوعودها، وذلك بنسبة 68 ٪ ، وعدم اهتمامها بالفقراء بنسبة 46 ٪ ، وانحيازها لرجال الأعمال بنسبة 22 ٪ وعدم تصديها للفساد بنفس النسبة تقريبا !
من الفساد إلى الفساد !
بدت الحلقة متصلة إذن.. تدور بصورة أساسية حول كيفية تفاعل الحكومة مع الفساد وكيف تواجهه.. كيف تجهضه، وكيف تقع فريسة له !
وفى كل الأحوال يرتبط مقدار اكتساب الحكومة لتأييد الجماهير بمقدار تصديها للفساد.. فإذا تزايد الإحساس لدى المواطن بتهاون الحكومة فى حقه، تزايدت بالتبعية الروح السلبية.. وضعفت فى المقابل الروح الجماعية.. وانتشرت اللامبالاة والأمراض الاجتماعية.
ولاشك كذلك أننا أمام دراسة - رغم خطورة ما نبهت إليه - إلا أنها بمثابة "ناقوس" مهم للتنبيه وإثارة أجهزة الدولة، والقطاعات العامة والهيئات الدينية والمدنية لوضع حلول جذرية، قبل أن تصبح الكارثة كارثتين.. وقبل أن يتحول المجتمع إلى مستنقع يتجاوز غُرر رءوسنا.. فهل من سامع؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.