هاشم ونعينع يحييان ذكرى وفاة عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق بالشرقية    القبطية الأرثوذكسية تستضيف اجتماعات رؤساء الكنائس الشرقية بالعباسية    قفزة في سعر الذهب مع بداية التعاملات الصباحية اليوم الجمعة    وزير الإسكان: قرارات إزالة مخالفات بناء بالساحل الشمالي وبني سويف الجديدة    البورصة المصرية تنفض غبار الخسائر.. الارتفاعات تسيطر على تداولات ختام الأسبوع.. وكيف أثر إعادة التعامل بأسهم "القلعة" على المؤشرات؟    للتوصل إلى هدنة شاملة في غزة، رسائل مصرية قوية للعالم    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على مدينة غزة    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    "حماس" توضح للفصائل الفلسطينية موقفها من المفاوضات مع إسرائيل    نشوب حريق بمصفاة نفط روسية بعد هجوم أوكراني بالمسيرات    حماس: لن نترك الأسرى الفلسطينيين ضحية للاحتلال الإسرائيلي    بعد التأهل لنهائي قاري.. رئيس أتالانتا: من يريد جاسبريني يدفع المال وهدفنا كان عدم الهبوط    نهضة بركان يبدأ بيع تذاكر مواجهة الزمالك في نهائي الكونفدرالية    تاو يتوج بجائزة أفضل لاعب من اتحاد دول جنوب إفريقيا    ذهاب نهائي الكونفدرالية، نهضة بركان يعلن طرح تذاكر مباراة الزمالك    تحرير 1419 مخالفة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    خلافات أسرية.. تفاصيل التحقيق مع المتهم لشروعه في قتل زوجته طعنًا بالعمرانية    14 عرضا في مهرجان المسرح بجامعة قناة السويس (صور)    تركي آل الشيخ يعلن عرض فيلم "زهايمر" ل عادل إمام بالسعودية 16 مايو    رسالة قاسية من علاء مبارك ليوسف زيدان بسبب والدته    «القابضة للمياه»: ندوة لتوعية السيدات بأهمية الترشيد وتأثيره على المجتمع    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    أول مشاركة للفلاحين بندوة اتحاد القبائل الإثنين المقبل    رئيس الحكومة اللبنانية يبحث مع هنية جهود وقف إطلاق النار في غزة    التعليم: 30% من أسئلة امتحانات الثانوية العامة للمستويات البسيطة    نشوب حريق داخل ميناء الشركة القومية للأسمنت بالقاهرة    القاهرة الأزهرية: انتهاء امتحانات النقل بدون رصد أي شكاوى أو حالات غش    بالتفاصيل، تشغيل قطارات جديدة بدءا من هذا الموعد    البصل يبدأ من 5 جنيهات.. ننشر أسعار الخضروات اليوم 10 مايو في سوق العبور    التنمية المحلية: تلقينا 9 آلاف طلب تصالح في مخالفات البناء خلال أول 48 ساعة    فصل متمرد.. تغير المناخ تكشف تأثير تقلبات الطقس على الزراعات    تشييع جثمان والدة الفنانة يسرا اللوزي من مسجد عمر مكرم ظهر اليوم    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    حفل زفافها على البلوجر محمد فرج أشعل السوشيال ميديا.. من هي لينا الطهطاوي؟ (صور)    صلاة الجمعة.. عبادة مباركة ومناسبة للتلاحم الاجتماعي،    دعاء يوم الجمعة لسعة الرزق وفك الكرب.. «اللهم احفظ أبناءنا واعصمهم من الفتن»    الصحة: أضرار كارثية على الأسنان نتيجة التدخين    أسعار اللحوم الحمراء في منافذ «الزراعة» ومحلات الجزارة.. البلدي بكام    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    موعد صلاة الجنازة على جثمان عقيد شرطة لقى مصرعه بببنى سويف    طبق الأسبوع| مطبخ الشيف رانيا الفار تقدم طريقة عمل «البريوش»    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    عبد الرحمن مجدي: أطمح في الاحتراف.. وأطالب جماهير الإسماعيلي بهذا الأمر    نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة اليوم 10-5-2024.. جدول مواعيد الصلاة بمدن مصر    أعداء الأسرة والحياة l «الإرهابية» من تهديد الأوطان إلى السعى لتدمير الأسرة    إصابة 5 أشخاص نتيجة تعرضهم لحالة اشتباه تسمم غذائي بأسوان    ما حكم كفارة اليمين الكذب.. الإفتاء تجيب    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    خالد الجندي: مفيش حاجة اسمها الأعمال بالنيات بين البشر (فيديو)    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُني على خمس فقط (فيديو)    فريدة سيف النصر تكشف عن الهجوم التي تعرضت له بعد خلعها الحجاب وهل تعرضت للسحر    رد فعل صادم من محامي الشحات بسبب بيان بيراميدز في قضية الشيبي    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    آية عاطف ترسم بصمتها في مجال الكيمياء الصيدلانية وتحصد إنجازات علمية وجوائز دولية    4 شهداء جراء قصف الاحتلال لمنزل في محيط مسجد التوبة بمخيم جباليا    مجلس جامعة مصر التكنولوجية يقترح إنشاء ثلاث برامج جديدة    «الكفتة الكدابة» وجبة اقتصادية خالية من اللحمة.. تعرف على أغرب أطباق أهل دمياط    «أنهى حياة عائلته وانتح ر».. أب يقتل 12 شخصًا في العراق (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. زكي سالم يكتب: فؤاد زكريا وآخر مقالاته
نشر في الدستور الأصلي يوم 19 - 03 - 2010

قصة رفض الأهرام نشر مقاله قبل رحيله بشهرين كتب أن المآذن فقدت وظيفتها العملية منذ عهد بعيد في العالم الإسلامي
فسر حظر الحكومة السويسرية للمآذن لأن صوت مكبرات الصوت مرتفع إلي حد مزعج أقلق راحة السكان في دائرة واسعة
آمن بأن ما حدث في يوليو 1952 هو انقلاب عسكري حرم مصر من التطور الطبيعي للمرحلة الليبرالية وأرسي قواعد حكم فردي استبدادي
بعد انتصار أكتوبر كتب الدكتور فؤاد مقالا يرد فيه علي ما قاله شيخ الأزهر د. عبد الحليم محمود عن دور الملائكة في نصر أكتوبر
فؤاد زكريا وآخر مقالاته
يشاء السميع العليم أن أقترب من أستاذي الجليل الدكتور فؤاد زكريا في سنواته الأخيرة. فبعدما تعلمت الكثير من كتبه القيمة، وترجماته المهمة، ومقالاته المتنوعة، ها أنا أجلس إليه ليملي علي مقالاته الأخيرة، وبعد أن نتناقش في موضوع المقال، ونتفق أحيانا، ونختلف في أحيان أخري، أرسل مقال مفكرنا الكبير إلي صحيفة الأهرام، فلا ينشر! من يصدق هذا؟! هذه الصحيفة العريقة التي تنشر كل يوم مقالات عديدة، معظمها بلا أي قيمة علي الإطلاق، ترفض نشر مقالات ثقافية لفؤاد زكريا! من يصدق هذا؟! إنه حقا عصر مبارك.
وثمة تفاصيل حول هذا الموضوع العجيب - في زمن العجائب هذا - إذ في العام الماضي أراد الدكتور فؤاد زكريا، أن يرسل نداء إلي السلطة الفلسطينية، فدعاني وأملي علي مقاله، وتناقشنا فيه، ثم طلب مني أن أرسل المقال للسيد ياسين في الأهرام، ومعه الخطاب التالي: -
أخي العزيز الأستاذ - السيد ياسين:
أرسل إليك هذا المقال راجيا أن تسلمه إلي أحد المسئولين عن النشر في الأهرام، ولكن ليس إلي الدكتور حسن أبو طالب، الذي سبق أن أرسلت إليه مقالين قبل ستة أشهر، ولكنه لم ينشر أيًا منهما منذ ذلك الحين. ولو كان لدي هذا الرجل ذوق أو أدب لقدم لي علي الأقل تفسيرا لأسباب عدم النشر، ولكنه تجاهلني تجاهلا تاما، مما جعلني أشعر بالإهانة، وأقرر ألا أتعامل مع الأهرام في المستقبل. ولولا أنني واثق من أن هذا المقال يخدم القضية الفلسطينية لما كتبته أصلا.
ودمت لأخيك فؤاد زكريا.
وبعدما تسلم السيد ياسين المقال، لم يُنشر! وسألني الدكتور فؤاد: إذا كان المقال قد وصل إلي ياسين، فلماذا لم يُنشر؟ ولم أجد جوابا! فأعطاني رقم تليفون صديقه السيد ياسين لسؤاله عن المقال، فطلبته أكثر من مرة، حتي وصلت إليه، واستمر حديثنا التليفوني فترة طويلة جدا، كان خلالها الأستاذ سيد يقول لي كلاما عجيبا عن قواعد، وأصول النشر في صحيفة الأهرام العريقة! وأنا أحاول أن أنبهه إلي أننا نتحدث عن واحد من أكبر مفكرينا، إن لم يكن أكبرهم جميعا، وأن أي اختلاف في الرأي حول ما يقوله لا معني له، لكنه في النهاية أكد لي أن المقال لن ينشر! فاتصلت بالدكتور فؤاد، ورجوته أن يسمح لي بنشر مقاله، ضمن الزاوية التي اكتبها بالدستور، فوافق مشكورًا.
وكثيرًا ما كنت أطلب من الدكتور فؤاد أن يسمح لي بتقديم مقالاته إلي صحيفة الدستور، أو إلي أي صحيفة أخري يختارها لوصول أفكاره، لكنه من جيل كان يري أن الأهرام هي الصحيفة الأهم، والجديرة بمقالاته، وكنت أقول: إن أهم المقالات التي تنشر في الصحف المصرية اليوم، لا تنشر في الأهرام.
وقد سألت أحد كبار الكتاب بالأهرام عن رأيه في الطريقة المناسبة لنشر مقالات الدكتور فؤاد زكريا بالأهرام، وذكرنا أسماء: د. عبدالمنعم سعيد، وأسامة سرايا، وفاروق جويدة، وباقي المسئولين عن صفحات الرأي والثقافة والفكر والأدب، وفي النهاية لم نجد شخصا واحدا نثق في أنه سيهتم بصدق بمقالات مفكر عملاق كفؤاد زكريا!
وهذا جعلني أتذكر قصة حكاها لنا في ندوة أستاذنا العظيم نجيب محفوظ، الصديق الذي اختفي منذ سنوات، الصحفي رضا هلال، إذ قال: إن مسئول صفحات الرأي في الأهرام اتصل بالدكتور فؤاد زكريا، وطلب منه أن يكتب مقالا أسبوعيا في الأهرام، فكان رد الدكتور فؤاد إنه يرحب بذلك، ولكنه تساءل: أليس من الواجب، وطبقا للأصول أن يتصل به الأستاذ إبراهيم نافع رئيس التحرير، ويطلب منه ذلك؟ فتردد الرجل قليلا، ثم قال: حاضر، سأقول له. وعندما أخبر إبراهيم نافع بما قاله الدكتور فؤاد، أشاح نافع بيده. وانتهي الموضوع!
مقال عن الموسيقي الكلاسيكية
ومما يمتاز به مفكرنا الكبير، اهتمامه الأصيل بفن الموسيقي، خاصة الموسيقي الكلاسيكية، التي كان يستمع إليها كثيرًا، فالعلاقة بين الفلسفة والموسيقي علاقة قديمة جدا، منذ فيثاغورث، وأفلاطون، والفارابي، وحتي شوبنهور، ونيتشه. وقد كان الدكتور فؤاد يقول لي: إن هذه الموسيقي نفعته كثيرًا طوال حياته، وأنها أنقذته من شرور كثيرة!
وقد ألف الدكتور فؤاد زكريا ثلاثة كتب عن فن الموسيقي، وهي: «التعبير الموسيقي» و«ريتشارد فاجنر» و«مع الموسيقي، ذكريات ودراسات»، كما ترجم كتاب «الفيلسوف وفن الموسيقي» تأليف: جوليوس بورتنوي.
ومنذ بضعة أشهر اتصل بي الدكتور فؤاد، ودعاني لكي يملي علي مقالا بعنوان: «محنة الموسيقي الكلاسيكية في البرنامج الموسيقي». وطلب مني أن أرسل المقال لصلاح سالم المسئول عن صفحة الفكر بالأهرام، فأرسلته، وحادثه الرجل تليفونيا دون سابق معرفة، فرحب بأي مقال للدكتور فؤاد زكريا، ولكنه ذكر أشياء خاصة بالصحيفة تؤدي إلي تأخر النشر لفترة طويلة!
وحين كنت أسأل الدكتور فؤاد عن رغبته في كتابة مقال جديد، كان يقول لي: عندما يُنشر المقال السابق أولا. وأخيرا ظهر المقال، وكتب عنه د.خالد منتصر، فأخذت مقاله إلي الدكتور فؤاد الذي طلب مني أن أشكره بالنيابة عنه، فأرسلت إليه رسالة شكر علي بريده الإلكتروني. وقد عبر لي د. جلال أمين عن سعادته بمقال فؤاد زكريا الذي أخذنا مما نحن فيه، وهو يحدثنا عن موسيقي العصور الوسطي، وموسيقي عصر النهضة الأوروبية، فقلت له: إن هذا الجانب مهمل تماما في ثقافتنا المعاصرة، فوافقني، وقال إنه يفكر في كتابة مقال يرحب فيه بمقال فؤاد زكريا.
ثم جاء هذا المقال الأخير عن مشكلة حظر بناء المآذن في سويسرا، وقد تناقشت مع الدكتور فؤاد طويلا حول هذا المقال، ثم أرسلته إلي صفحة الفكر بالأهرام منذ نحو شهرين، ولم يتسن للدكتور فؤاد زكريا أن يراه منشورًا!
كتب الدكتور فؤاد زكريا
يعود الفضل في علاقتي بالدكتور فؤاد زكريا إلي أستاذي النبيل الدكتور عاطف العراقي، والذي أشرف علي رسالتي للماجستير والدكتوراه، فبعدما حضر الدكتور عاطف العراقي - مرات عدة - إلي ندوات أستاذنا العظيم نجيب محفوظ، اقترح أن ندعو الدكتور فؤاد، وفي ندوة يوم الأحد «بفندق شبرد» كان حضور الدكتور فؤاد، وحواره مع الأستاذ نجيب جميلا جدا، حتي أن الأستاذ عبر عن سعادته بحضوره، وطلب منه أن يكرر الحضور مع الدكتور العراقي.
وفي السنوات الأخيرة قام الدكتور عاطف العراقي بجهد خارق في إعادة نشر كل كتب الدكتور فؤاد زكريا، وكل ما ترجمه، بالإضافة إلي مقالاته المهمة، خاصة أن بعض كتبه، ومقالاته القيمة كادت أن تفقد نهائيا بعدما اختفت تماما من المكتبات!
وهذا الجهد الكبير قام به الدكتور عاطف العراقي، بالنيابة عن مؤسسات ثقافية لا تقوم بواجبها في الحفاظ علي تراث كبار مفكرينا، الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الفكر والثقافة! أما كان يجب علي وزارة الثقافة، أو هيئة الكتاب، أو المجلس الأعلي للثقافة، أو أي جهة أخري أن يسعوا لنشر النور المتدفق من كتب فؤاد زكريا وترجماته البديعة؟! وكيف لا يقدرون قيمة ما كتبه الدكتور فؤاد زكريا، وأهميته للثقافة العربية؟!
وقد اهتم الدكتور فؤاد زكريا بتقديم أعلام الفكر الغربي للثقافة العربية من خلال كتبه النقدية العميقة عن: «نتشة» و«سبينوزا» و«هربرت ماركيوز»، ودراسته القيمة عن الاستشراق، بالإضافة إلي ترجمته لجمهورية أفلاطون. مع دراسة تفصيلية، ونقدية للأفكار المطروحة في هذا العمل الكبير، وترجمته للتساعية الرابعة لأفلوطين.
وله مجموعة من الدراسات الأكاديمية، والكتب الفلسفية المتخصصه، مثل: «نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان» و«آفاق الفلسفة»، وترجمته لكتب:
«نشأة الفلسفة العلمية تأليف: هانز ريشنباخ»، والمنطق وفلسفة العلوم تأليف: بول موي، و«حكمة الغرب» تأليف: برتراند راسل، و«العقل والثورة» تأليف: هربرت ماركيوز، و«الفلسفة الإنجليزية في مائة عام» تأليف: رودلف متس، و«عصر الأيديولوجية» تأليف: هنري أيكن، و» الفن والمجتمع عبر التاريخ «تأليف: أرنولد هاوزر»، وعلم الاجتماع «تأليف: موريس جنزبرج»، والفلسفة أنواعها ومشكلاتها «تأليف: هنتر ميد».
وثمة كتب أخري تتحاور مع مشاكل الواقع الآني، وتناقش أزمات العقل العربي،
مثل: «العرب والنموذج الأمريكي» و«الإنسان والحضارة في العصر الصناعي» و«آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة» و«الثقافة العربية وأزمة الخليج».
مفكر جسور
لم يحصر الدكتور فؤاد زكريا نفسه في نطاق البحث الفلسفي الأكاديمي فحسب، ولا في حدود ترجمة أهم كتب الحضارة الغربية فقط، علي أهمية هذا الدور، وذاك العمل، فقد كان يؤمن بدور الفلسفة في التعامل مع مشكلات الحياة اليومية، ودور الفيلسوف والمفكر في مواجهة علل مجتمعه، وآفات عصره.
ومن ثم فقد عبر الدكتور فؤاد زكريا عن رأيه بصراحة في أمور كثيرة في حياتنا، وناقش بعقليته التحليلية النقدية الدقيقة، الكثير من أمورنا اليومية، ومشاكلنا الفكرية، وأوضاعنا السياسية.
فقد رأي فيما حدث في يوليو 1952م. أنه انقلاب عسكري حرم مصر من التطور الطبيعي للمرحلة الليبرالية، وأرسي قواعد حكم فردي استبدادي. وكما هاجم الدكتور فؤاد زكريا نظم الحكم العسكرية الديكتاتورية، كذلك هاجم نظم الحكم القبلية المستبدة، فثمة أقلية حاكمة لا تطبق عليها القوانين، بينما عامة الشعب توضع لها قوانين صارمة للسيطرة عليها وردعها.
وقد حارب الدكتور فؤاد زكريا كل ملامح الطغيان، وكل أشكال الاستبداد الذي يحرم العقل من الحرية اللازمة للإبداع والتطور. كما اهتم بقضية حقوق الإنسان في عالمنا العربي، إذ كتب في كتابه «الصحوة الإسلامية في ميزان العقل»: «علي حين أن المسار العام لحركة حقوق الإنسان علي المستوي العالمي، يتجه إلي المطالبة بالمزيد، والانتقال من الحقوق السلبية إلي الإيجابية، ومن إقرار حقوق الفرد إلي تأكيد الحقوق الجماعية، فإن خط التطور في العالم العربي، خلال النصف الثاني من القرن العشرين كان خطا هابطا بحدة».
وهذا المفكر الجسور لم يمالئ جماهير الشعب، ولم يخش من الوقوف في مواجهة مع الرأي العام، فبعد انتصار 1973م. كتب الدكتور فؤاد مقالا مهما في الأهرام بعنوان «معركتنا والتفكير العقلي»، وكان يرد فيه علي ما قاله شيخ الأزهر د. عبد الحليم محمود عن دور الملائكة في نصر أكتوبر، فكان تساؤل فؤاد زكريا: إذا كنا أحرزنا أخيرا انتصارا رائعا علي أعدائنا، فلماذا تنسبون هذا النصر للملائكة؟!
وكذلك فند الدكتور فؤاد كثيرًا من مقولات الشيخ الشعراوي، صاحب الجماهيرية الكاسحة، وذهب إلي دار الحكمة لمناظرة الشيخ محمد الغزالي أمام جماهير غالبيتها العظمي تميل إلي وجهة نظر الشيخ. فالدكتور فؤاد زكريا يعبر بإخلاص عن الحق كما يراه، ويشرح بوضوح وجهة نظره، ويقول بشجاعة كلمته مهما اختلف مع أصحاب النفوذ، أو أصحاب السلطان، أو جماهير الشعب.
وقد أصدر الدكتور فؤاد كتابا مهما، أصبح فيما بعد واحدا من أشهر كتبه، وهو: «كم عمر الغضب»، وفيه رد قوي، وتفنيد دقيق لما كتبه الصحفي الأشهر محمد حسنين هيكل في كتابه عن السادات «خريف الغضب».
التفكير العلمي
هذا عنوان كتاب من أهم كتب الدكتور فؤاد زكريا، وهو جدير بأن يدرس، ويقرر علي جميع الطلاب في كل كليات الجامعات المصرية، لأنه يقدم لشبابنا أهم ما ينقصهم في تعليمهم المتردي، وأهم ما ينقصنا في حياتنا اليومية، وهو أسلوب التفكير العلمي، والذي يهب الإنسان القدرة علي ممارسة النقد العقلاني، وقد أصبح ضرورة في عصر الإنترنت والسماوات المفتوحة، كما أن التفكير العلمي ينمي قدرات الفكر الحر والإبداع الخلاق.
ويقول الدكتور فؤاد زكريا عن التفكير العلمي: «هو ذلك النوع من التفكير المنظم، الذي يمكن أن نستخدمه في شئون حياتنا اليومية، أو في النشاط الذي نبذله حين نمارس أعمالنا المهنية المعتادة، أو في علاقتنا مع الناس، ومع العالم المحيط بنا». وهذا الأسلوب من التفكير المنطقي المنظم، هو الذي يمكن أن يشكل في صاحبه «العقلية العلمية»، أوالنظرة العلمية لكل أمر من أمور الحياة.
مرض عربي اسمه الطاعة
في كتابه «خطاب إلي العقل العربي»، كتب: «لو تساءل المرء عن الصفة الأخلاقية التي يراد من الإنسان العربي أن يتحلي بها في جميع مراحل عمره، وفي جميع الميادين التي يتعامل معها خلال حياته الخاصة والعامة، لكانت هذه الصفة، علي الأرجح، هي الطاعة».
فالأنظمة الديكتاتورية في عالمنا العربي لا تريد من المواطن إلا أن يكون «مطيعا» لأوامر الحاكم. ومجتمعاتنا تتبع النظام الأبوي أو «البطريركي»، ومن ثم يعتاد المواطن من صغره علي احترام مبدأ الطاعة، سواء في داخل العائلة، أو في المدرسة، أو في مواقع العمل، أو في أي مكان، وفي كل أمر من أمور حياته.
وفي النهاية يقول الدكتور فؤاد: «علي أنك حين تطيع، لا تكون ذاتك، بل تمحو فرديتك، وتستسلم لغيرك. وأكاد أقول إن أعظم إنجازات الإنسان لم تتحقق إلا علي أيدي أولئك الذين رفضوا أن يكونوا مطيعين.... إن كل شيء عظيم أنجزته البشرية كان مقترنا بقدر من التمرد، ومن الخروج علي مبدأ الطاعة».
الإسلام والعقل
إذا بحث أي شاب في شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» عن معلومات أو مقالات عن الدكتور فؤاد زكريا، سيجد الكثير من الهجوم الحاد علي مفكرنا الكبير، لماذا؟ ثمة أسباب عدة لذلك، لعل أهمها هو هذه الصفة التي يوصف بها الكثير من كتابنا ومثقفينا، وهي «علماني»! وللأسف تختلط في أذهان كثيرة معني الكلمة، وتحمل مضامين بعيدة تماما عن حقيقة معناها.
ولنتوقف عند ما كتبه الدكتور محمود رجب، وهو كما يراه الدكتور فؤاد، أفضل تلاميذه، وأقربهم إليه، فقد كتب: «الحق أن فؤاد زكريا يدعو إلي علمانية متصالحة مع الإسلام، ودون أن يستبعد أحدهما الآخر، وربما كان ذلك هو السبب وراء إعجابه الشديد بالزعيم مصطفي النحاس... فقد كان علمانيا حقيقيا ومسلما ورعا في آن واحد».
ويؤكد الدكتور فؤاد زكريا علي قيمة العقل، ودوره في الإصلاح الفكري والاجتماعي والسياسي، دون أن يفتئت علي دور الدين في حياة الناس، ويبدوا هذا واضحا من خلال كتبه جميعا، خاصة هذه الكتب الثلاثة: «الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة.» و«الصحوة الإسلامية في ميزان العقل». و«خطاب إلي العقل العربي» والذي يقول فيه: «الإسلام وحي مباشر، والقرآن هو كلمة الله الحرفية التي لا يتناولها تغيير ولا تبديل». ومن ثم فالمشكلة ليست في الإسلام، ولكن في فهم الإسلام، ويظهر ذلك بوضوح من طريقة تفسير البعض للنصوص الدينية تفسيرا متزمتا يعيق حركة التقدم الحضاري، وفكرة التقدم هذه تعد من الأفكار الرئيسة في رؤية الدكتور فؤاد، ولذلك أصدرت الدكتورة نجاح محسن كتابا كاملا لدراستها، وجاء تحت عنوان: «فكرة التقدم عند فؤاد زكريا».
هذه الضجة الكبري علام؟
منذ أن صدر قرار الحكومة السويسرية بحظر بناء المآذن، بُناء علي استفتاء أقرت فيه أغلبية شعبية هذا الحظر، ثارت ثائرة العالم الإسلامي من أقصاه إلي أقصاه، ورأوا في ذلك خرقا للدستور السويسري الذي ينص علي حرية الاعتقاد. كما رأوا فيه مظهرًا من مظاهر الاضطهاد الغربي للإسلام والمسلمين، وذهب البعض إلي حد المطالبة برفع شكوي أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
ولو نظرنا إلي الأمر نظرة واقعية لتبين لنا أن المآذن فقدت وظيفتها العملية منذ عهد بعيد حتي في العالم الإسلامي. ففيما مضي كان المؤذن يصعد درجات سلم المئذنة، والتي قد يصل عددها إلي مائة درجة، حتي يصل إلي شرفة المئذنة، ويؤدي الأذان خمس مرات يوميًا.
وكلما ازدادت المئذنة ارتفاعا وصل صوته إلي مدي أوسع. ولكنه اليوم يظل قابعا في مكانه، ويضع مكبرا للصوت في أعلي المئذنة، ويرفع الصوت كما يشاء، وبهذا تكون المئذنة قد فقدت وظيفتها العملية تماما. وهي في ذلك أشبه بمهنة «المسحراتي» الذي كان فيما مضي ينبه الناس - علي دقات طبلته الصغيرة - فردا فردا إلي مواعيد السحور والإمساك، بينما أصبح اليوم بلا أي وظيفة عملية سوي أن يذكرنا بذلك الجو الخاص الذي تتسم به أمسيات شهر رمضان الكريم.
كما أن المئذنة لم تعد لها سوي وظيفة تراثية وتاريخية. ومن الناحية الاقتصادية فإن المئذنة تتكلف مبالغ طائلة، وقد تفوق ما يتكلفه بناء المسجد نفسه، ومن الممكن استخدام هذه المبالغ في مساعدة المسلمين المحتاجين في كل أرجاء العالم الإسلامي.
وهكذا يتبين لنا أن المسألة أبسط بكثير مما صورت به، ولو كانت الحكومة السويسرية تقصد اضطهاد الإسلام والمسلمين لكان قرارها هو حظر بناء المساجد وليس المآذن فقط.
والسؤال الذي لم يطرحه أحد هو: لماذا تذكرت الحكومة السويسرية الآن فقط أن المآذن ينبغي حظرها مع أن المساجد قد ظلت موجودة فيها منذ سنين طويلة؟ والرد الذي أرجحه للإجابة عن هذا السؤال، هو أن صوت مكبرات الصوت في المآذن مرتفع إلي حد مزعج، وقد أقلق راحة السكان في دائرة واسعة حولها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.