أكد مجمع البحوث الإسلامية في مصر أن على مسلمي سويسرا التعامل بحكمة وعقلانية، وعدم التصادم مع حكومتهم حال تم إقرار قانون يحظر بناء المآذن، معتبراً أن بناء المآذن "شكل من أشكال الفن المعماري.. لا يندرج ضمن ثوابت أو أصول الدين الإسلامي". وكان استفتاء شعبي مقرر إجراؤه في سويسرا أواخر نوفمبر الجاري على مقترح يدعو إلى حظر بناء مآذن جديدة، وتظهر أحدث استطلاعات للرأي أجريت أن 53% من السويسريين يعارضون الحظر، بينما يؤيده 35%، وبقي 12. من جهته أكد الشيخ علي عبد الباقي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن قيام سويسرا بمنع بناء المآذن أمر لا يؤثر على وضع مساجد المسلمين. وأضاف موضحا رأيه: "شرع المسجد كمكان للصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم حينما بنى مسجدا بناه من جذوع النخل ومن العريش، ولم يكن هناك وقتها مآذن ولا فنون معمارية وقباب وخلافه، ولم تبن مئذنة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم". واستطرد قائلا: "الفن المعماري الإسلامي هو الذي أضاف هذا الشكل المعماري (المئذنة)، ورأى أن يكون المؤذن في أعلى مكان ليصل صوت الأذان للجميع، وعليه فالمئذنة هي شكل للفن المعماري، وليست من أركان الإسلام، وإن عدم بناء المآذن أو إلغاءها لا يؤثر في صحة الصلاة بالمسجد، ولا يعد أمرا إسلاميا ثابتا يجب التنازع حوله مع الحكومة السويسرية". ولفت إلى وجود مساجد عديدة بلا مآذن في مصر والدول العربية، وأن ذلك لا يؤثر على الصلاة بها. وطالب الأمين العام للمجمع مسلمي سويسرا بالانصياع لقانون حظر بناء المآذن حال تم إقراره، مؤكدا أن "لكل دولة قوانينها، وعلى مواطنيها أن يحترموا أي قانون يفرض ما دام لا يمس أمرا عقديا ثابتا خاصة أن ما تنوي سويسرا استبعاده -وهو المآذن- ليس من العقيدة الإسلامية". وجاءت المبادرة الداعية إلى حظر بناء المآذن في عام 2007 من طرف سياسيين ينتمون إلى حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، والاتحاد الديمقراطي الفيدرالي (حزب مسيحي صغير)، وحصلت خلال فترة وجيزة على 115 ألف توقيع. ولاقت هذه المبادرة، التي تقرر إجراء استفتاء بشأنها في 29-11-2009، معارضة شديدة من أوساط عديدة في سويسرا؛ فقد دعا إلى رفضها كل من مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في سويسرا، ومنظمة الاتحاد السويسري للجاليات اليهودية، (أكبر جماعة يهودية سويسرية)، ومجلس الشيوخ، ومجلس النواب السويسريين، والمجلس السويسري للأديان. ويتيح الدستور في سويسرا لأي مجموعة من المواطنين إطلاق مبادرات شعبية لإدخال تعديلات عليه، أو إلغاء قانون سبق للبرلمان إقراره، أو تقديم مقترحات جديدة، من خلال جمع 100 ألف توقيع خلال 18 شهرا، وتسليمها للحكومة لعرضها للاستفتاء العام. من جهته طالب الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو المجمع، مسلمي سويسرا بقبول قانون حظر بناء المآذن حال تم إقراره، ورأى أن المآذن "ليست مما يدعو إليه الشرع.. وأن فكرة إنشائها قامت على أساس أن صوت المؤذن يستحب أن يصل إلى أقصى مدى". وقال عثمان ملخصا رأيه: "إذا اضطر المسلمون لعدم بناء مئذنة فذلك أمر لا ينتقص من أداء الشعائر الإسلامية وبخاصة الصلاة، ويكفي أنه إذا سمحت الدول الغربية للجاليات الإسلامية أن تذيع الأذان في أوقات الصلاة فهذا شيء عظيم". وأضاف: "أما إذا لم تسمح الدول الغربية بالمآذن أو بالأذان مطلقا فليبحث أفراد الجالية الإسلامية عن وسيلة أخرى لنشر أوقات الصلاة بينهم، والتواصل بين أفراد الجالية المتقاربين في الأماكن كفيل بأن يتعرف أفراد الجالية على أوقات صلاة الجماعة". واختتم كلامه قائلا: "القاعدة في كل هذا هي أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، أي أن ما لا نستطيع إدراك معظمه لا يصح أن نتركه كله؛ وهذا هو السلوك الذي يحسن اتباعه في البيئات الغربية حتى نتجنب الصدام بين قوانين الدولة وقراراتها وبين المواطن المسلم في هذه البلاد". من جهته، اعتبر الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو المجمع أن حكمة الدعوة في البلاد الغربية "تقتضي إقامة المساجد بالشروط التي توفرها الأجهزة المحلية في هذه المدن، فإذا كان جهاز المدينة في سويسرا يقضي بأنه لا مساجد إلا بلا مآذن فليكن". وأضاف أنه "لا ينبغي أن يحدث خلاف بين الجالية الإسلامية في سويسرا والحكومة السويسرية من جراء أشياء لا تعد ثوابت أو أصولا في الدين نفسه". وتساءل قائلا: "ماذا لو خلا المسجد من المئذنة؟ صحيح أن هناك تعسفا من بعض الفئات من أهل هذه البلاد في رفض المآذن ويجب -إن كانوا علمانيين فعلا وأحرارا فعلا، ويعملون على احترام العقائد- أن يحترموا إقامة المسلمين مئذنة في مساجدهم، لكن إذا حدث خلاف فعلى المسلمين ألا يتمسكوا بأمور تؤدي لمشاكل بعيدا عن الأصول". واعتبر الدكتور بيومي أن الفئة في الشعب السويسري التي لا تريد مآذن "مخطئة؛ لأنها تعارض الحرية التي ينادون بها، كما أن المسلمين مخطئون إذا تمسكوا بهذه الأشياء وأقاموا نزاعات حولها، وعلى المسلمين دائما في هذه البلاد أن يلجئوا إلى الحكمة حتى يكونوا صورة معبرة عن حقيقة الإسلام". وشدد قائلا: "يجب أن نراعي الحكمة في الوجود الإسلامي بالغرب فنتمسك بالثوابت ولا نتنازع من أجل الفرعيات". ويعيش في سويسرا -التي تقع في منطقة جبال الألب- أكثر من 300 ألف مسلم، أي حوالي 4% من السكان، وبها مئات المساجد، عدد قليل جدا منها له مآذن، وأدت المطالبات ببناء المزيد من المآذن إلى حملة تدعو إلى حظرها. وتصاعدت حدة الجدل حول البناء مؤخرا في سويسرا؛ حيث بدأ اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف مؤخرا في نشر ملصقات في شوارع المدينة تدعو لرفض الحظر، والتصويت عليه خلال الاستفتاء ردا على ملصقات حزب الشعب التي تدعو إلى الموافقة على فرض الحظر. وتنظم المراكز الإسلامية في جنيف في السابع من نوفمبر الجاري يوما مفتوحا للسويسريين من غير المسلمين في إطار حملة مضادة لتحركات حزب الشعب لحشد أصوات مؤيدة لمبادرته، مؤكدين أن بناء المآذن يأتي في إطار الحريات الدينية التي ينص عليها دستور البلاد. كما شهدت الأيام القليلة الماضية انقسامات في صفوف معسكر اليمين السويسري الداعي إلى فرض الحظر؛ حيث أعرب "أولي ماور" وزير الدفاع والرئيس السابق لحزب الشعب عن رفضه لدعوة الحظر، معتبرا أن "حظر بناء المآذن لا يحل أية مشكلة، وأن المواجهة بين ثقافتين مختلفتين تماما تقتضي إرساء قواعد للتعايش وليس للمواجهة". وحذر بيتر شبوهلر، النائب في مجلس النواب عن حزب اتحاد الوسط الديمقراطي الذي شارك في الدعوة إلى الحظر في البداية، من المقاطعات الاقتصادية المحتملة لسويسرا في حال التصويت بنعم على المبادرة.