«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خبراء عرب: حظر المآذن يهدِّد "الحياد" و"المبادئ" و"الإندماج"!
نشر في المصريون يوم 03 - 11 - 2009

حذّر خبراء عرب متخصصون في السياسة والدبلوماسية والقانون الدولي والإعلام والترجمة، من الآثار السلبية التي يُمكن أن تَطال سويسرا، دولة الحياد والنزاهة والديمقراطية وحقوق الإنسان، إذا ما تمّ تمرير قانون حظر بناء المآذن بالموافقة على المبادرة، التي أطلقها يمينيون متشدِّدون، والمقرّر التصويت عليها يوم 29 نوفمبر الجاري، معتبرين أنها "تفتح الباب مجدّدا لتصاعُد حدّة الكراهية ضدّ الإسلام والمسلمين، وهو ما من شأنه أن يذهب بمُكتسبات الإندماج والتعايُش الإيجابي، التي حقّقها المسلمون وتتباهى بها أوروبا على امتداد العقود الماضية".
وكان سياسيون سويسريون ينتمون إلى حزب الشعب السويسري (يمين متشدّد) وإلى حزب مسيحي صغير مُحافظ، أطلقوا في غرّة مايو 2007 مبادرة تدعو إلى حظر بناء المآذن في سويسرا، بدعوى أنها "تهدِّد الأمن والسِّلم الاجتماعي ولا تتناسب مع القِيم الديمقراطية والليبرالية التي تتمتّع بها سويسرا".
ويسمح الدستور السويسري بالاستفتاء الشعبي لتعديل بعض موادِّه، لكنه يرهن ذلك بجمع 100 ألف توقيع، وهو ما استطاع أصحاب المبادرة إنجازه بجمعهم 113 ألف توقيع. وفي 29 نوفمبر الجاري 2009، سيجري في سويسرا استفتاء شعبي على المبادرة (لتضمين/ رفض إضافة) مادّة في الدستور تحظُر بناء المآذن.
ولاقت المبادرة معارضة شديدة من أوساط عديدة (رسمية وشعبية) في سويسرا، حيث أعلنت الحكومة تمسّكها بحق المسلمين في بناء المآذن، كما توافقت على رفض المبادرة آراء كل من: مجلس الشيوخ وكبار الأحزاب والجمعيات والهيئات السويسرية وأساقفة سويسرا، وهو ما قوبل بترحيب شديد من مسلمي سويسرا، كما انتقدت منظمة العفو الدولية سعْي اليمين لحظر المآذن، وأثبتت استطلاعات الرأي أن غالبية السويسريين يرفضون المبادرة، انطلاقا من حِرصهم على أن تظلّ سويسرا بلد المبادِئ والأصول.
غير أن هذا الرّفض الرسمي والشعبي لا ينفي وجود بعض التخوّفات لدى البعض من أن تكون هذه المآذن بِداية للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية(!)، فيما يرى البعض الآخر أن الأقلية المسيحية في البلدان الإسلامية لا يتم التعامل معها بالمِثل وبنفس الأريحية! وفي محاولة منا لرصد وِجهات نظر بعض المراقبين والمتابعين للقضية من بعض البلدان العربية والإسلامية، أجرت swissinfo.ch استطلاع الرأي التالي.
مسلمو سويسرا والاندماج الإيجابي
في البداية، أعلن الدكتور عبد الله الأشعل، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصرية لشؤون القانون الدولي والمعاهدات والتّخطيط السياسي، رفْضه للمبادرة لكونها "دعوة للتحرّش بمسلمي سويسرا وعدوانا على حقوقهم التي كفلها القانون الدولي في إقامة شعائرهم الدينية"، مرحِّبا بانضمامه "للحملة الدولية للدفاع عن حقوق المسلمين في سويسرا"، ومثمنا "الموقف الرسمي السويسري الرافض للمبادرة والمؤيِّد لحقوق المسلمين".
وقال الأشعل، الخبير في القانون الدولي في تصريحات خاصة ل swissinfo.ch: "أخطر ما في المبادرة أنها (إن نجحت)، قد تكون بداية لحملة موسعة من اليمين المتطرّف في أوروبا كلها للانتقاص والاعتداء على حقوق الأقليات المسلمة، كما أنها تردُّنا إلى سنين مضَت، كان يشعر فيها مسلمو أوربا بأنهم مضطَهدون وغُرباء في الديار التي قضوا فيها عقودا طويلة"، مشدِّدا على أن "فشلها سيعزِّز المبادئ والقِيم التي تتباهى بها سويسرا منذ دهْر طويل، كما أنه سيقضي على الفِتنة في مهدِها".
وحول تقييمه لاهتمام الوسط الدبلوماسي العربي والإسلامي بالقضية، قال الأشعل: "للأسف، لا يوجد أدنى اهتمام بهذه القضية، وكأن الأمر لا يعنيهم، رغم أهميته وتأثيره المباشِر على المسلمين، ليس في سويسرا وحدها، وإنما في سائر البلاد الأوروبية"، معتبِرا أن "العالم العربي والإسلامي، بمنظومتيْه، الإعلامية والدبلوماسية، باتا يعتبران حملات الاضطهاد والتضييق والتحرّش التي تتعرض لها الأقليات المسلمة، أمرا عاديًا يحدث كل يوم ولا يستحق كل هذه الضجة!"، منتقدًا توجّه "بعض دول أوروبا نحو تمكين اليمين المتشدِّد، الذي يميل لمُعاداة المسلمين ومضايقتهم وسلبهم حقوقهم، التي اعترفت بها القوانين والأعراف الدولية المعمول بها في المنظمات والمؤسسات الدولية".
وطالب الأشعل "الأقليات المسلمة في أوروبا ببذل أقصى الجهد لتصحيح الصورة السيِّئة التي ضخّمتها وسائل الإعلام بالغرب، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وأن تحرص على تقديم صورة صحيحة وبيضاء للإسلام، وأن يكونوا مِثالا يحتذى في الاندماج الإيجابي مع البلدان التي تعيش فيها"، مؤكّدا على أهمية "اللّجوء للقانون والدستور للحصول على حقِّها وعدم السعي لمعاداة البلاد التي تعيش فيها، وأن تعتبر نفسها جزءً لا يتجزّأ من المجتمع الغربي".
المبادرة تضُر بالحياد السويسري!
مُتفقا مع الأشعل، يرى الكاتب والمحلل السياسي المصري سعد عبد المجيد أنه "إذا كان من حق الدول والمجتمعات أن تسُوغ القوانين المتناسبة مع أحوالها، فإن المجتمع السويسري متعدِّد اللغات والثقافات، وبما أنه اختار لنفسه سياسة الحياد واحترام حقوق الجميع، فإن قانون حظر المآذن لن يكون مُتناسباً مع أوضاع الحياد ومواصفات المجتمع المتعدِّد الألوان والثقافات".
وقال عبد المجيد، المقيم في تركيا منذ قُرابة ربع قرن في تصريحات خاصة ل swissinfo.ch: "الوسط الإعلامي في تركيا يُولي اهتمامًا واضحًا بكل القضايا المتعلِّقة بالمسلمين في أوروبا، لأن الجالية التركية أكبر الجاليات الإسلامية في المجتمعات الأوروبية، وهي تقريباً عصب الحياة التجارية في سويسرا، على ما رأيت قبل 35 عاماً"، موضِّحا أن "الإعلام التركي عامة يُولي الاهتمام بالقضايا التي تصنّف على أنها مواقف عنصرية ضدّ الإنسان كإنسان، بغض النظر عن دينه وعِرقه ولونه".
وأشار عبد المجيد إلى أن هذا الموضوع "لم يأخذ الاهتمام اللاّزم من المواطنين بتركيا، بسبب الثقة في أن مثل هذه المبادرات لن تلقى قبولا على مستوى التطبيق في الواقع العملي، كما أن الحكومة التركية تحرِص على عدم إشعال الملفّات في مرحلة التفاوض الرّسمي مع الإتحاد الأوروبي، على الرغم من أن سويسرا ليست عضوا في الإتحاد"! معتبرًا أن "شبكات الأخبار التلفزيونية، وهي كثيرة، تمثِّل مصدرا مهمّا في الوقوف على المعلومات الخاصة بالموضوعات المحلية والعالمية، فضلا عن الصحف المتخصِّصة في القضايا الإسلامية بتركيا مثل: وقت وتركيا وزمان ويني آسيا ويني شفق وميللي غازته، إضافة إلى بعض المواقع الإلكترونية، وفي مقدِّمتها swissinfo، الذي أولى الملف اهتمامًا كبيرًا وعالَجه بطريقة مهنِية ومتوازنة".
وحول تحفّظات ومخاوف بعض السويسريين من "المطالبة مستقبَلا بتطبيق الشريعة" أو دعوى بعضهم "عدم المعاملة بالمثل للأقلية المسيحية في البلدان الإسلامية"، بيّن عبد المجيد أن "مطالبة مسلمي سويسرا بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليهم، حق من الحقوق الدِّينية، وهم في ذلك لا يختلِفون عن تطبيق أحكام الدِّين المسيحي على الأقلية المسيحية في دول الشرق، وكذا يهود الشرق"، مشيرًا إلى أن "تطبيق الشريعة في جوانب الأحوال الشخصية والاجتماعية والدِّينية، حق مكفول للإنسان أيًا كان دينه، ولا يجب الاعتداء عليه، طالما كان عدد المسلمين في الدولة في وضع الأقلية، لأن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ينُصّان على احترام هذه الحقوق"، واستدرك قائلا: "غير أن المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحُكم والسياسة والاقتصاد في مثل تلك المجتمعات غير الإسلامية، ضرْب من الهراء والخروج عن العقل والمنطِق".
وبخصوص مسألة أريحية الأقليات المسيحية في الشرق، قال سعد: "طِبقاً لِما رأيت بعيْني ومن خلال تجربتي الشخصية عبْر تِجوالي في الكثير من البلاد في الشرق والغرب، فضلا عن كوني من مصر التي يعيش بها أكبر تجمّع مسيحي في الشرق الإسلامي، لا أعتقد بوجود شخصية مسلمة بدرجة وزير أو نائبه أو لِواء ومدير بالشرطة وبالجيش وبالوزارات السيادية في أوروبا (16 مليون مسلم) وأمريكا (7 ملايين مسلم)، بل إن الشيء الذي لا يلتفِت إليه الكثيرون، هو أن العالم المسيحي كله لديه بابا واحد (كاثوليك وبروتستانت)، بينما يوجد في مصر "بابا" ثانٍ للأرثوذكسية، وهي ظاهرة تنفرِد بها مصر الإسلامية وحدها. فهل هناك تسامُح واحترام لشريحة من المجتمع تمثل 10-12%، كما هو الحال بمصر؟!".
"الإسلاموفوبيا" والجهْل بالإسلام!
ومن ناحيته، أوضح محمد جمال عرفة، الكاتب والمحلِّل السياسي المصري أن "مبادرة حظر المآذن في سويسرا، تأتي في سياق حملة كراهية للإسلام عمومًا في أوروبا، وهي لا تختلف من بلد إلى آخر، وإن كانت تتصاعد في دولة وتقِل في أخرى، لكن المفاجأة أن تجري المطالبة بها في سويسرا، الدولة المعروفة بأنها بلد الحياد!"، مستدركًا بأنه "في ظِل العولمة وأوروبا الموحدة، من الطبيعي أن تنتقِل الأفكار اليمينية المتطرِّفة من أوروبا إلى سويسرا، خاصة وأنها ملاصِقة لألمانيا، معقل النازيين الجُدد واليمين المتطرف".
وقال عرفة، المهتم بملف الأقليات المسلمة بأوروبا في تصريحات خاصة ل swissinfo: "المشكلة، أن استفتاء كهذا يُمكن أن ينجح في حِصار ارتفاع المآذن، لو حشد له اليمينيون المتشدِّدون الأصوات، بينما هناك سويسريون آخرون محايِدون لا يهتمّون بهذا الاستفتاء ويغيبون عنه"، مشيرًا إلى أنه "لو تمّت الموافقة على مثل هذا الاستفتاء، فستكون لها آثار سلبية على تعايُش المسلمين في سويسرا، رغم أنهم يشكِّلون ثاني ديانة في البلاد بعد المسيحية، كما أن نجاح المبادرة سيؤثِّر على صورة البلاد، التي عُرفت بالحياد والاستقلالية، ويُضرَب بها المثل في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان".
وأضاف عرفة: "للأسف، لم أجد اهتمامًا بالأمر في مَن حولي، باستثناء قلّة تتابع ما تنشره بعض المواقع الإسلامية نقلا عن وكالات أنباء غربية، كما أن أخبار سويسرا بعيدة نِسبيًا عن العالم العربي، رغم أن تِعداد المسلمين بها يتجاوز 300 ألف"، موضحًا أن "مَن يسمع بالمبادرة لا يستغرِب، لكون سويسرا في النهاية ضِمن أوروبا، التي تشهد موجة من الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين"، مشيرًا إلى أن "بداية التعرّف على القضية، جاء عبْر وكالات أنباء عالمية نَشرت خبرا قصيرا، ومنذ ذلك الحين، بدأت متابعة الملف عبْر موقع swissinfo.ch وبعض المواقع الإسلامية التي لها مراسلون في أوروبا".
وكشف أن "ما يقوله بعض السويسريين من أن بناء المآذن مقدِّمة للمطالبة بالشريعة الإسلامية، هو نتيجة الجهْل بالإسلام ووليد مخاوف لا أصْل لها، نجمت عن ترويج متطرّفين مسيحيين لمقُولات كاذِبة عن الإسلام ونشْر تصوّرات خاطئة بأن الإسلام والشريعة ما هو إلا: قطع أيادي وارتداء نقاب والزواج من أربعة ورفض عمل المرأة وغيرها من الأباطيل"، معتبرًا أن "المهمّ، هو توضيح الأمر وبيان حقيقة الإسلام وجمال الشريعة، والقيام بحملة دِعائية سِلمية في سويسرا للتعريف بالإسلام بمُنتهى البساطة".
واختتم عرفة بقوله: "أما ما يُقال عن أن الأقليات المسيحية لا تعامَل بالمثل في البلدان الإسلامية، مع التركيز على السعودية كمِثال، فهو يستهدف بدوره إثارة المُشكلات أمام بناء المآذن في سويسرا، وقد جاءت المُطالبة به بعد قِيادة التيار المتطرّف في الفاتيكان، خصوصًا البابا الحالي بنديكيت ونائبه (توران) لهذه الفكرة، لحدّ مطالبة توران السعودية ببناء كنائس في مكة، مقابل بناء مساجد في أوروبا وتحريضه الدول الأوروبية على رفض بناء المساجد، إلا مقابل بناء الكنائس في مكة، وهو يعلم خصوصية مكة كما يعلم صعوبة بناء مساجد في مقرّ الفاتيكان!".
النافذة الأولى والأهم
متّفقًا مع ما ذهب إليه عرفة، يرى حسام تمام، الباحث المتخصِّص في شؤون الحركات الإسلامية، أن "القسم العربي في موقع swissinfo.ch الإخباري الرسمي، كان هو النافذة الأولى والأهم التي تناولت قضية مبادرة حظر المآذن وأن منهجية الموقع وأسلوبه في تغطية القضية كانت مسؤولة كثيراً عن الهدوء الذي قُوبِلت به المسألة، وخاصة أن الغالبية العُظمى من المنابِر الإعلامية العربية اعتمدت اعتماداً شِبه تام على ما نقلته «سويس إنفو».
وقال تمام في تصريح خاص ل swissinfo.ch: "كان الموقِع دقيقاً في التغطية التي قدّمها للحدث. فالمبادرة ليست رسمية، بل تأتي من بعض المنتمين للتيار اليميني المتشدّد، والمتابعة الخبرية تؤكِّد باستمرار أن الموقف الرّسمي، بل الشعبي العام، ضدّ المبادرة"؛ مذكرا بأن "الموقع لم يتردّد إبّان أزمة الرسوم الدنمركية في نشر تقرير يحسِم موقف الحكومة الفدرالية الرّافض للرسوم بعنوان لا لُبس فيه: «إثارة مشاعِر المسلمين.. أمر غير مقبول».
اليوم المئذنة وغدا المسجد!
فيما أكّدت أماني ماجد، رئيسة القسم الدِّيني المناوب بجريدة الأهرام أن "معركة المآذن في سويسرا، ما هي إلا حلقة جديدة في مسلسل كراهية الغرب للإسلام، والذي لن تُكتَب له نهاية، طالما ظلّت أوضاع المسلمين، داخليا أو خارجيا، على هذا النحو، بحيث أصبح الإرهاب لصِيقا للإسلام"، مشيرة إلى أن "المؤسسة الدِّينية في مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف، لم تحرِّك ساكِنا إزاء هذه القضية، على الرغم من كونه يمثِّل المرجعية الدِّينية السُنية الأكبر في العالم!".
وقالت أماني ماجد، مسؤولة الملف الإسلامي بجريدة "الشروق" المستقلة في تصريحات خاصة ل swissinfo: "اليمين المتطرِّف في سويسرا الذي يقود المبادرة المسمومة، يستند في دعواه إلى دعاوى شيوخ التطرّف، التي يبرزها الإعلام الغربي والتي تدعو إلى تغطية وجه المرأة بالكامل وعزلها في البيت، فضلا عن صور بن لادن والظواهري واختزال الإسلام في اللّحى والجلباب وتصوير الإسلام على أنه دِين إرهاب".
وأضافت السيدة ماجد: "الغريب أن وسائل الإعلام العربية، المقروءة أو المسموعة أو المرئية، لم تتفاعَل مع المبادرة بالشكل المطلوب، بينما أثارتها بعض المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت على استحياء شديد، ولم يهتم بالموضوع بالشكل الواجب، سوى موقع swissinfo، الذي قدّم تغطية إعلامية شامِلة ومتميِّزة، جعلت المواقع الأخرى تعتمِد عليه اعتمادًا أساسيًا"، معتبرة أن وسائل الإعلام انشغلت بقضاياها الداخلية عن الاهتمام بحَملة الشروع في اغتيال المآذن ومنع إقامتها في بقية الدول الغربية، فاليوم المئذنة وغدًا المسجد!".
واستطردت قائلة: "من خلال متابعتي للقضية كإحدى المتخصِّصات في المجال الدِّيني، لاحظت عدم الاكتِراث بالأمر برمّته من بعض رجال الدِّين، حيث يرى بعضهم أن "المآذن" قضية داخلية في سويسرا يجب عدم التدخل فيها، بينما يرى البعض الآخر أن الأزهر يجِب أن يتبنّى تلك الهموم، مقارنا بين تجاوُب بعض المؤسسات الدِّينية في بعض الدول العربية مع القضية، بينما تراجع الحديث عنها في مصر".
واعتبرت السيدة ماجد أن "تخوّف بعض السويسريين من المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، أمر بعيد تمامًا عن أهداف الجالية المسلمة في سويسرا، التي توصَف بأنها مسالِمة وهادئة. أما قضية الأقلية المسيحية، فهي ورقة الضّغط التي يستخدِمها اليمين المتشدِّد في الغرب عند اللّزوم، نتيجة انسِداد قنوات التفاهم بين المسلمين والمسيحيين في مُعظم البلدان، فضلا عن الأيادي الخفِية لأقباط المهجر، التي تحرِّك الأقلية الداخلية"، مؤكِّدة أن "الأقلية المسيحية تعامَل بأريحية شديدة داخل الدول الإسلامية، لكن الصورة الإعلامية يتِم تشويهها لحاجة في نفس يعقوب!".
مئذنة جامع محمد الأمين تتوسط صليبين يعلوان كاتدرائية سان جورج المارونية في وسط العاصمة اللبنانية بيروت ( صورة التقطت يوم 17 سبتمبر 2006) مطلوب: هدوء فاعل لا انفِعال!
ومن جهتها، علقت أمل عيتاني، الباحثة والمترجمة بمركز الزيتونة للدراسات والبحوث بلبنان على المبادرة بقولها: "اليمين هو اليمين في كل القضايا، يسعى إلى التمايز من خلال التطرّف في كل شيء، وهم (اليمينيون) يحاولون اللّعب على حالة الإسلاموفوبيا التي تسود أوروبا حالياً، من أجل تمرير هذا المشروع. وللأسف، الكثير من المشاكل التي يواجِهها المسلمون في العالم الغربي، سببها عدم وجود فهْم صحيح للإسلام، إذ دائما ما يرتبط في أذهانهم بالتطرّف والإرهاب والعُنف وظلم المرأة وغيرها من الكليشيهات والتّهم المعلّبة".
وفي تصريحات خاصة ل swissinfo.ch، أوضحت السيدة عيتاني، المتخصصة في متابعة ما يُكتب عن الإسلام باللغة الإنجليزية في الصحف والمواقع وأحدث الدراسات والأبحاث الأكاديمية، أن "اليمين المتطرف - حتى في غياب الإسلام - كان سيجِد قضيةً ما يؤرق بها المجتمع، وأعتقد أن العِلاج يكون بسعي مسلمي أوروبا - بدعم من مسلمي العالم - إلى إعطاء صورة مشرقة للإسلام، دون الوقوع في الخطإ السابق المتمثل في التظاهرات وحرق الأعلام والدعوات للمقاطعة...، نحن بحاجة إلى الهدوء الفاعل لا للانفعال".
وقالت السيدة عيتاني: "في الوسط الذي أعمل فيه، مر الخبر كغيره من الأخبار، وتمّ تصنيفه في إطار المُضايقات المستمرّة، التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا، وكان ردّ الفعل هو الاستِنكار، لكن الكثيرين أصبحوا يشعُرون بالحاجة إلى الفعل لا الانفِعال ولا موضوع الشجب، كما حصل في الدنمرك حول الرسوم، جاء بمفعول سَلبي، فلم يستطع المسلمون تحسين صورة الإسلام، وكانت معظمها ردّات فعل آنية لم تُؤت ثمارها ولم تساعد مسلمي الغرب على تقديم وجه مُشرق يدحض ما يروّج تُجاههم"، مضيفة أن "من أكثر المصادر متابعة للموضوع بعد موقع swissinfo على الإنترنت، كان موقع (إسلام أون لاين) وموقع "محيط الإخباري".
واختتمت عيتاني بقولها أن: "رفض السويسريين لمبادرة حظر بناء المآذن، سيُثبت صورة سويسرا في أذهان العالم العربي والإسلامي كبلد للحريات والمبادئ والأصول، كما أنها فرصة ذهبية للمسلمين ليحسِّنوا صورتهم ويقدِّموا نموذجا مُشرقا عن الإسلام في سويسرا ويعزِّزوا اندِماجهم في المجتمع ويقدِّموا أنفسهم بكل الوسائل السِّلمية والفِكرية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية المتاحة، على أنهم شريحة فاعلة وجزء لا يتجزّأ من المجتمع السويسري، وليس كطفرة خارجة عن هذا المجتمع".
الكاتب والباحث المصري الدكتور مجدي سعيد. لم تحظر دولة مسلمة أبراج الكنائس!
ومن ناحيته، استهلّ الكاتب والباحث المصري الدكتور مجدي سعيد حديثه قائلا: "أودّ أن أنَوِّه في البداية إلى أن المآذن من وجهة النظر الدِّينية، هي ثقافة إسلامية درج الناس عليها، لكن إذا نظرنا إلى الموضوع في عُمقه، فإن المآذن هنا ليست إلا رمزا للوجود الإسلامي في سويسرا، والحساسية هنا ليست من المئذنة بقدر ما هي من الوجود"، مُعتبرا أنه "إذا كان اليَمينيون قد بدؤوا اليوم بالمِئذنة، فلن يكفيهم الأمر وسيعملون خُطوة خطوة على تضييق الخِناق وتعسير سُبل العيْش على مسلمي سويسرا، خاصة ذوي الأصول المهاجِرة، حتى يضطرّوهم للمغادرة خوفا على أرواحهم وأعراضهم، وليست مروة الشربيني منهم ببعيد!".
وأضاف سعيد في تصريحات خاصة ل swissinfo: "أعمل في وسط إعلامي ذو خلفية إسلامية، وهو موقِع إسلام أون لاين، وبالطبع هناك اهتمام بهذا الموضوع، ونحن بصدد اهتمام أكبَر به، حيث يجري التنسيق لنشر ترجمة كتاب حول الموضوع لعدد من الباحثين السويسريين، حرّره الباحث باتريك آني، الذي استضافه الموقع لوضع تصوّر مُشترك لتناوُل موضوعي للقضية"، مشيرًا إلى أن "ردّا فعليا لم يكُن عصبِيا، لكنه لا يخفي القلق. فقد اعتدنا على تصاعُد مظاهر العنصرية في أوروبا في السنوات الأخيرة والقلق من تصاعُد تلك المظاهر أكثر من مجرّد حظر مآذن، وهناك رغبة في تناوُل الأمور بشكل عَقلاني. فبقدر ما نشجِّع الاندِماج الإيجابي للمسلمين في بلدانهم، بقدْر ما ندعَم حِفاظهم على هُويّتهم وحقوقهم وحريتهم".
واختتم سعيد بالتقليل من أهمية "الحُجج التي يُسوِّقها اليمينيون للتّخويف والترويع من وُجود المسلمين بالأساس في المجتمع السويسري. فالأمر كما قلت، جزء من صِناعة الإسلاموفوبيا، ويعلم هؤلاء أن هذا الكلام مجاف للحقيقة. أما فيما يخص الأقباط، فالأمر مجاف للحقيقة، فالأقباط مثلا في مصر على اختلاف طوائفهم (أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت)، لديهم كنائسهم وأديرتهم مُنذ آلاف السنين وتزداد يوما بعد يوم، ولم يقل أحد يوما بحظْر أبراج تلك الكنائس أو منعها من دقّ أجراسها".
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.