في حرب الظل الدائرة على منصات التواصل، برزت خلال الأيام الماضية حملة رقمية منسقة استهدفت السعودية، لم تكن عفوية ولا منفصلة عن سياق الصراع الإقليمي، تشابك غير معتاد بين لجان المجلس الانتقالي الجنوبي وحسابات إسرائيلية كشف عن تنسيق رقمي يخدم مشروعًا سياسيًا محددًا، ويعيد رسم ملامح الصراع من ساحة الميدان إلى ساحة التغريد. وفي تطور لافت على صعيد الحروب الرقمية في المنطقة، رُصدت حملة إلكترونية منسقة استهدفت السعودية، اتسمت بدرجة عالية من التنظيم والتشابك غير المسبوق بين أطراف يفترض أنها متباعدة سياسيًا وجغرافيًا، الحملة قادتها لجان وحسابات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، بالتوازي مع نشاط مكثف لحسابات إسرائيلية وأخرى مؤيدة لها، في مشهد يعكس تقاطعًا واضحًا في الخطاب والأهداف. الحملة، التي شهدت أكثر من 24 ألف تفاعل، شارك فيها ما يزيد عن سبعة آلاف حساب، لم تكن تعبيرًا عفويًا عن مواقف فردية، بل بدت كعملية رقمية مخططة بعناية، اعتمدت على تضخيم السرديات، وتوحيد الرسائل، وتبادل الأدوار بين مجموعات مختلفة داخل الشبكة الرقمية. خريطة الحملة الرقمية وتشكل الكتل تحليل شبكة التفاعلات المرتبطة بالحملة أظهر بوضوح تشكل كتلتين رئيسيتين داخل الفضاء الرقمي، الكتلة الأولى ضمت الحسابات واللجان التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وشكلت النواة الأساسية للحملة، فيما ضمت الكتلة الثانية الحسابات الإسرائيلية والحسابات المؤيدة لها، والتي لعبت دورًا داعمًا ومضخمًا للمحتوى المعادي للسعودية. الأهم في هذا السياق لم يكن وجود الكتلتين بحد ذاته، بل حجم الترابط والتشابك بينهما، فقد كشفت البيانات عن تفاعلات متبادلة ومنظمة، شملت إعادة النشر، والتعليق المتقاطع، وتضخيم المحتوى نفسه عبر مجموعات مختلفة، بما يشير إلى تنسيق غير مباشر على الأقل، إن لم يكن توافقًا في الأهداف. المجلس الانتقالي يتهم السعودية بصيغ متشابها بالنظر إلى مضمون الخطاب الذي تبنته حسابات المجلس الانتقالي ولجانه الرقمية، يلاحظ اعتماد واضح على أسلوب الإغراق الرقمي، من خلال تكرار نفس الكلمات والاتهامات بصيغ متشابهة، في محاولة لفرض سردية واحدة على النقاش العام. الخطاب ركز على اتهام السعودية بالتخادم مع أطراف متناقضة، شملت الحوثيين، وجماعة الإخوان، وحتى تنظيم القاعدة، في تناقض واضح يعكس طبيعة الخطاب الدعائي أكثر من كونه طرحًا سياسيًا متماسكًا. هذا التناقض لم يكن عائقًا أمام الحملة، بل استُخدم كأداة لإرباك المتلقي وبث أكبر قدر ممكن من الشكوك. كما لوحظ استخدام صور موحدة ونصوص متشابهة في عدد كبير من التغريدات والمنشورات، وهو أسلوب شائع في الحملات المنسقة، يهدف إلى خلق انطباع زائف بوجود إجماع شعبي واسع، ودمج الحسابات الحقيقية مع الحسابات المُدارة ضمن اللجان الإلكترونية. خطاب التصعيد إلى جانب نشاط اللجان، لعبت الحسابات المركزية المحسوبة على قيادات المجلس الانتقالي دورًا محوريًا في توجيه الخطاب، هذه الحسابات ركزت بشكل أساسي على رفض أي تحركات سياسية أو عسكرية لا تخدم مشروع الانفصال، ووصفت أي تغيير في الموقف السعودي باعتباره انسحابًا أو استسلامًا. في هذا الإطار، برز تفاعل بعض الشخصيات الإعلامية المرتبطة بالمجلس الانتقالي مع محتوى صادر عن حسابات إسرائيلية هاجمت السعودية بشكل مباشر، في مؤشر إضافي على التداخل بين الخطابين، وتجاوز الخطوط التقليدية للتحالفات المعلنة. الدور الإسرائيلي في الجانب الآخر من الحملة، نشطت الحسابات الإسرائيلية والمؤيدة لها بشكل متزامن، مستهدفة التحركات السعودية ومواقفها الإقليمية، مع إبداء دعم واضح للمشروع الانفصالي في اليمن. هذا الدعم لم يكن مباشرًا فقط عبر الخطاب، بل تجسد في تضخيم المحتوى الصادر عن لجان المجلس الانتقالي، ومنحه مدى انتشار أوسع. التزامن في التوقيت، وتشابه الرسائل، والتفاعل المتبادل بين الحسابات، يعكس نمطًا من العمل المشترك، حيث أدت كل مجموعة دورًا تكميليًا للأخرى، بما يخدم هدفًا سياسيًا محددًا، يتمثل في الضغط على السعودية وتشويه دورها في الملف اليمني. حملة منظمة مجمل المؤشرات الرقمية والتحليلية تقود إلى استنتاج واضح، مفاده أن ما جرى لم يكن تفاعلًا عفويًا أو موجة غضب إلكترونية عابرة، بل حملة رقمية متداخلة ذات أهداف محددة، الحملة سعت إلى إعادة تشكيل السردية المتعلقة بالدور السعودي في اليمن، وإضعاف موقفها الإقليمي، بالتوازي مع الترويج لمشروع الانفصال كخيار بديل. هذا النوع من الحملات يعكس تطورًا في أدوات الصراع السياسي، حيث لم تعد المعارك تُخاض فقط على الأرض أو في قاعات التفاوض، بل بات الفضاء الرقمي ساحة مركزية لتصفية الحسابات وبناء التصورات وتوجيه الرأي العام. تكشف الحملة الرقمية التي استهدفت السعودية عن نموذج متقدم من التنسيق غير المعلن بين أطراف مختلفة، جمعتها مصلحة مشتركة رغم التباين الظاهري في الخلفيات والانتماءات، التقاء لجان المجلس الانتقالي الجنوبي مع حسابات إسرائيلية ومؤيدة لها في خطاب واحد وسردية متقاربة، يعكس طبيعة المرحلة الراهنة، التي تشهد تداخلًا متزايدًا بين الحروب الرقمية والمشاريع السياسية الانفصالية.