فى موسم لم يعرف الهدوء يومًا واحدًا، وسط جدول متقلب، وقرارات مثيرة، وانسحابات مفاجئة، وصراعات خارج الخطوط أشبه بمعارك إعلامية وإدارية، خرج الأهلى كعادته من بين كل ذلك بوجه المنتصر. تُوّج بالدرع الأغلى، لا لأنه فقط الأفضل فنيًا، بل لأنه الأقوى ذهنيًا والأكثر ثباتًا فى وقت اهتزّت فيه أرض الكرة المصرية تحت أقدام الجميع. موسم بلا ملامح.. إلا وجه الأهلي حين انطلقت منافسات الموسم الكروى 2024–2025، لم يكن أحد يتوقع أننا بصدد واحد من أكثر المواسم فوضوية وصعوبة فى تاريخ الكرة المصرية مواعيد مؤجلة وأندية تهدد بالانسحاب وقرارات تغيرت ثم عادت ثم تغيرت مرة أخرى كل شيء بدا هشًا كل شيء كان قابلًا للانفجار فى أى لحظة. فى هذا المشهد المرتبك، وقف الأهلى ثابتًا لا يتحرك إلا داخل المستطيل الأخضر يتعامل مع كل أزمة بهدوء ويدير كل ضغوط الموسم بتوازن يحسد عليه لم يدخل فى صدامات جانبية لم يلهث وراء الميكروفونات بل ركز فقط على هدف واحد «اللقب». رغم أن «المظالم» كانت سمة هذا الموسم حيث شهد موجات من الاعتراضات والانسحابات من عدد من الأندية، اعتراضًا على قرارات التحكيم أو ترتيب المباريات، فإن موقف الأهلى لم يكن فوضويًا أو انفعاليًا. انسحابه من مواجهة الزمالك فى الدور الثانى جاء كخطوة مدروسة، اتخذها النادى بعد رفض طلبه الرسمى بتعيين طاقم تحكيم أجنبى لقمة حساسة، مؤكدًا أن موقفه لا يستهدف التصعيد؛ بل الدفاع عن مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص. رفض الأهلى خوض المباراة كان رسالة احتجاج مؤسسى، نابعة من رؤية واضحة بأن حماية المنظومة لا تعنى الصمت على ما يراه إخلالًا بشروط المنافسة النزيهة. ومع ذلك، ظل النادى متمسكًا ببقية مشاركاته، واحترم كل قرارات المسابقة، فى توازن دقيق بين الدفاع عن حقوقه وبين احترامه للمنظومة. فريق يعرف كيف يربح حتى وهو يُستنزف الاستثنائية فى هذا الموسم لم تكن فى أجوائه فقط؛ بل فى كل ما تحمله الأهلى من أعباء. الفريق لعب أكثر من أى نادٍ مصرى، سواء على المستوى المحلى أو القارى أو الدولى ورغم كل هذا، لم يُظهر لحظة ضعف، الإجهاد طبيعى والغيابات مستمرة والضغوط لا تتوقف؟ ورغم ذلك، الأهلى لا يعرف إلا طريقًا واحدًا هو الانتصار. مدربه تغيّر، والصفقات تأخرت والجدل أحاط بكل كبيرة وصغيرة، لكن الفريق ظل واقفًا، وكأن فى قميصه الأحمر سر لا يعرفه إلا من تربّى داخله. الشخصية التى صنعت الفارق ربما يتفوق البعض فنيًا فى مباراة، وربما يتفوق آخر بدنيًا فى مواجهة، لكن البطولة تُمنح دائمًا لمن يملك الشخصية. والأهلى لا يملك فقط شخصية البطل، بل شخصية المؤسسة لا يهتز، لا ينفعل، لا يشتت تركيزه. يخطط، ينفذ، يصبر، ويعرف جيدًا أن اللحظة الحاسمة ستأتى لا محالة هذا ما فعله الفريق هذا الموسم فلم يتأثر بأى ضجيج خارجى، ولم يسمح لخلافات الآخرين أن تفسد تركيزه، وحين تاهت ملامح البطولة وسط الصراعات، أعادها الأهلى إلى نصابها بمنتهى الهدوء. غرفة ملابس من ذهب بعيدًا عن المستطيل الأخضر، تكمن قوة الأهلى فى مكان آخر وهو غرفة الملابس فريق يملك قادة حقيقيين يعرفون معنى قميص الأهلى، يحمون اللاعبين الشبان، ويصنعون بيئة قادرة على تجاوز أى أزمة لا مكان للأنانية، لا وقت للدراما، الكل يعمل من أجل الشعار. وهذا ما جعل الفريق يمر بلحظات حرجة خلال الموسم دون أن تظهر على أدائه أو نتائجه. التتويج المستحق.. والرسالة الأقوى حين وقف اللاعبون بعد الفوز الأخير يحتفلون، لم تكن فرحتهم فقط بدرع جديد، بل بانتصار على موسم حاول أن يخرج الجميع عن المسار. الرسالة كانت واضحة يمكنك أن تلعب فى ظروف سيئة، لكن لا تفقد هويتك يمكنك أن تختلف، لكن لا تفرط فى مبادئك يمكنك أن تُستفز، لكن لا تفقد تركيزك هذا هو الأهلي. بطولة تُضاف إلى التاريخ.. وتُثبت أن الأهلى ليس مجرد فريق. هذا اللقب لا يُضاف فقط إلى قائمة بطولات الأهلى، بل إلى تاريخه كمؤسسة تعرف كيف تتعامل مع الضغط، وتواجه التحديات، وتصنع النجاح فى زمن الفوضى. هو تتويج لمسيرة نادٍ لا يتوقف عند أزمة، ولا يخشى موسمًا مشتعلًا، ولا يتأثر بغياب لاعب أو مدرب. هو تتويج لثقافة انتصار تُبنى منذ أكثر من 100 عام. فى النهاية، لن يذكر التاريخ الصراعات، ولا التهديدات، ولا البيانات، بل سيتوقف فقط أمام اسم البطل. وسيظل اسم الأهلى مكتوبًا بحروف ذهبية فى صفحة جديدة من مجد لا ينتهى.