لم تكن ورش العمل التي نظمتها وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع منصة TripAdvisor مجرد لقاءات تقنية أو جلسات نقاش عابرة، بل جاءت كرسالة واضحة تؤكد أن الترويج السياحي لمصر بات يُدار بعقلية مختلفة، عقلية أكثر انفتاحًا على البيانات، وأكثر فهمًا لتجربة السائح، وأكثر استعدادًا ل«تجديد أدوات الخطاب السياحي». بدت الجلسات أقرب إلى منتدى تفكير جماعي حول مستقبل الترويج السياحي المصري، بعيدًا عن الإطار البروتوكولي التقليدي، حيث طُرحت الأسئلة الحقيقية المرتبطة بكيفية بناء صورة ذهنية معاصرة للمقصد المصري، تستند إلى الفهم والتحليل لا إلى التكرار. وخلال الفعاليات، برز دور وزير السياحة والآثار شريف فتحي، ليس فقط كمضيف للحدث، بل كمحرك رئيسي للنقاش، حاضرًا بتعليقاته الدقيقة، ومداخلاته المدروسة، وحرصه الواضح على تحويل ما يُطرح داخل القاعة إلى أفكار قابلة للتنفيذ على أرض الواقع. الوزير لم يكتفِ بالاستماع، بل فتح المجال أمام الصحفيين والمتخصصين للتفاعل مع الجلسات، داعيًا الإعلام السياحي إلى الاستفادة من هذه الورش ونقل مخرجاتها بوعي مهني يسهم في بناء صورة ذهنية حديثة للمقصد المصري، وهو طرح يعكس إدراكًا واضحًا لأهمية الدور المهني للإعلام في هذه المرحلة. كما تعامل وزير السياحة والآثار، مع الجلسات باعتبارها جزءًا من مسار أوسع لتحديث أدوات الترويج، وفتح نوافذ جديدة للتفكير، وهو ما انعكس في طبيعة النقاش المفتوح، وتعدد وجهات النظر، والجرأة في طرح أفكار غير تقليدية. اللافت في النقاشات أنها تجاوزت مفهوم «الترويج التقليدي» لتتطرق إلى جوهر التجربة السياحية نفسها: - كيف يرى السائح المقصد؟ - كيف تؤثر التقييمات الرقمية على قراره؟ - وكيف يمكن لمصر أن تقدم نفسها كوجهة متعددة التجارب، لا مجرد دولة آثار وشواطئ؟ هنا كان «التنوع» هو العنوان الأبرز، من السياحة الثقافية إلى التجارب المجتمعية، ومن الاستدامة إلى أنماط جديدة مثل السياحة الأدبية، بما يعكس إدراكًا حقيقيًا بأن السائح المعاصر يبحث عن تجربة يعيشها، لا مجرد مكان يزوره. المتحف المصري الكبير.. منارة علمية وثقافية وسياحية متكاملة وإذا كانت قاعات النقاش قد قدّمت الرؤية، فإن المتحف المصري الكبير قدّم الدليل العملي على إمكانية تحويل هذه الرؤية إلى واقع.. فالمتحف لم يكن مجرد مقر لاستضافة الفعاليات، بل شاهدًا حيًا على ما يمكن أن تكون عليه الإدارة الحديثة للمواقع الثقافية. جولة داخل أروقة المتحف على هامش المنتدى كشفت بوضوح حجم التطور في مستوى التنظيم، وسلاسة الحركة بين الزائرين، ونظافة المكان، ووضوح المسارات، بما يعكس عملًا مؤسسيًا دؤوبًا وقرارات مدروسة لتحسين تجربة الزيارة. المتحف اليوم لم يعد فقط صرحًا أثريًا يضم كنوز الحضارة المصرية، بل تحول إلى منارة علمية وثقافية وسياحية متكاملة، تقدم تجربة زيارة مدروسة بعناية، تليق بمكانة مصر وتاريخها. ويبرز في هذا السياق الجهد الكبير الذي يبذله الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، من خلال حرصه على التواجد الميداني المستمر، ومتابعة تفاصيل التشغيل ومسارات الزيارة لحظة بلحظة، في نموذج لإدارة قريبة من الأرض، تدرك أن التفاصيل الصغيرة هي ما يصنع الانطباع الكبير. اللافت أن ما طُرح داخل ورش العمل عن «تجربة السائح» و«إدارة السمعة» و«جودة الزيارة» يجد تجسيده العملي داخل المتحف نفسه، وكأن الرسالة واحدة: التطوير ليس شعارات، بل ممارسة يومية. في هذا التلاقي بين الحوار والتطبيق، يمكن قراءة ملامح مرحلة جديدة للسياحة المصرية، مرحلة تُدار بعقلية أكثر واقعية، وتُقدَّم بثقة أكبر، وتؤمن بأن مصر لا تحتاج إلى مبالغة في الترويج بقدر ما تحتاج إلى تقديم نفسها كما هي: غنية، متنوعة، وقادرة على إبهار من يزورها مرة بعد أخرى. هكذا يلتقي الفكر بالتنفيذ، وتلتقي الرؤية بالواقع، في مشهد يؤكد أن السياحة المصرية تسير بخطوات ثابتة نحو مرحلة أكثر نضجًا، عنوانها: تجربة أفضل.. إدارة أذكى.. ومقصد يستحق أن يُروى عنه.