ليست مجرد سيارات تُطلق صافرات إنذار، بل تاريخ من العطاء والعمل الإنساني، فمنذ عقود يقف الإسعاف المصري فى الصفوف الأولى، شاهدًا على لحظات الألم والنجاة، وسندًا لكل محتاج. واليوم، ومع الحفاظ على هذا الإرث العريق، تبدأ هيئة الإسعاف فصلاً جديداً من التحديث والتطوير، تدخل فيه بقوة إلى عصر الرقمنة، حيث التكنولوجيا تدعم سرعة الاستجابة، والدقة تلتقى بالإنسانية، لتبقى دائماً حاضرة بقوة، أكثر ذكاء وكفاءة، ومواكبة لنبض العصر. مرور 123 عامًا على إنشاء مرفق الإسعاف، لم يكن مناسبة عادية، بل خطوة نحو مزيد من تطوير واحد من أهم مرافق الدولة، عبر إطلاق مقر جديد لهيئة الإسعاف المصرية في منطقة حدائق أكتوبر، فى احتفالية حضرها الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، والدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس الوزراء وزير الصحة، وتخللها افتتاح المقر المقام على مساحة 8 أفدنة، ويضم أحدث أنظمة الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي. الدكتور عمرو رشيد، رئيس هيئة الإسعاف المصرية قال ل«آخر ساعة» إن الاحتفالية لم تكن مجرد استعراض لتاريخ الهيئة العريق، بل كانت أيضًا بوابة للتطلعات المستقبلية، مشيرًا إلى أن هيئة الإسعاف تمتلك اليوم أكثر من 3200 سيارة، تُعد من الأحدث عالميًا، ومجهزة كوحدات رعاية مركزة متنقلة، تعكس ما وصلت إليه مصر من تطور فى هذا المجال الحيوي. وأوضح أن الرسالة الأساسية من هذه الفعالية التأكيد على التزام الدولة بتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، من خلال توسيع البنية التحتية، والاستثمار فى التكنولوجيا، وتطوير الكوادر البشرية العاملة فى الهيئة. ◄ عربات تجرها الخيول أشار رشيد إلى أن مصر كانت من أوائل الدول التى أنشأت خدمة إسعاف منظمة، حيث بدأ المرفق فى عام 1902 بمبنى «كوم الدكة» بالإسكندرية، وهو مبنى تراثى عريق، كان شاهدًا على النشأة الأولى للإسعاف المصرى على يد الجاليات الأجنبية، قبل أن تتولى مصر قيادة المرفق بسواعد وطنية. وتمتلك الهيئة اليوم مقتنيات نادرة من التاريخ الإسعافي، تضم قطعا أثرية، من بينها عربات إسعاف كانت تجرها الدواب، وموتوسيكلات إسعاف يعود عمرها لأكثر من 100 عام، وعجلات يدوية مزودة بنقالات، وصور نادرة وجداريات توثق مشوار الهيئة الممتد عبر أكثر من قرن. وكان شكل الاتصال بخدمات الإسعاف فى الماضى بسيطًا للغاية، حيث كانت البلاغات تُسجل ورقيًا وتعتمد كليًا على العنصر البشري. ومع تطور الزمن، سعت الهيئة إلى تحديث بنيتها التحتية فنيًا وتكنولوجيًا، وصولًا إلى امتلاكها اليوم لنظام ال CAD العالمي، الذى يسجل التوقيتات والمكالمات، ويتتبع حركة سيارات الإسعاف لحظيًا، مع قاعدة بيانات رقمية محكمة تحوى تاريخ جميع البلاغات والحالات. كما تم تدشين أول مركز حكومى لتلقى البلاغات «كول سنتر» على أعلى المعايير العالمية، يضم 186 مقعدًا، وتديره الهيئة داخليًا بدلًا من الاعتماد على شركات خارجية، بعد أن أصبحت من الجهات الأعلى تلقيًا لبلاغات الاستغاثة فى مصر، والتى تفوق 80 ألف مكالمة يوميًا، نسبة كبيرة منها بلاغات كاذبة. وفي إطار بناء القدرات البشرية، أنشأت الهيئة مركزًا قوميًا للتدريب، حاصلًا على شهادة الأيزو واعتمادات دولية من جمعية القلب الأمريكية وعدد من الهيئات الأوروبية، ويقوم المركز بتدريب العاملين داخل الهيئة على أحدث البرامج الخاصة بالإسعافات الأولية، فضلًا عن تقديمه تدريبات للجهات الخارجية، ونشره الثقافة الإسعافية فى المجتمع عبر تدريب عشرات الآلاف من الطلاب فى المدارس والجامعات دون أى مقابل. ◄ «إسعفني» وضمن خطة التحول الرقمي، أطلقت الهيئة تطبيق «إسعفني»، القائم على فلسفة أن «الثانية تفرق»، يتيح التطبيق تلقى البلاغات غير الطارئة مثل طلبات نقل المرضى أو الحالات المزمنة، ما يخفف الضغط عن الرقم الساخن 123، المخصص للحالات الطارئة. ويتوافر التطبيق حاليًا فى 13 محافظة كمرحلة أولى تشمل بعض مناطق الدلتا والصعيد، على أن يتم تعميمه لاحقًا، ويمكن لأى مواطن تحميل التطبيق بسهولة والتسجيل عليه، بما يُمكنه من طلب الإسعاف فى الحالات التى لا تستدعى الاستجابة الفورية. كما تم تزويد سيارات الإسعاف فى بعض المحافظات، مثل أكتوبر، بأجهزة تابلت ذكية، ليتلقى المسعفون البلاغات مباشرة، ويتم تسجيل بيانات المريض رقميًا وتوجيه الحالة إلى أقرب مستشفى. وفي سابقة هى الأولى من نوعها، أكد رشيد تدشين أول ثلاثة لنشات إسعاف بحري، من أصل ستة تم بناؤها وتجهيزها بأعلى المواصفات الطبية والملاحية، ومن المقرر أن تدخل الخدمة خلال الفترة المقبلة، لتدعم الإسعاف النهري. ◄ مصير المقر القديم وبشأن المقر القديم لهيئة الإسعاف بشارع البحر الأعظم بمحافظة الجيزة، أوضح رئيس الهيئة أنه كان يُعد مقرًا مؤقتًا، لكنه لا يزال يتمتع بأهمية استراتيجية، كونه يضم غرفة القيادة والتحكم لإقليم القاهرة الكبرى، ويدير أسطول سيارات الإسعاف بالقاهرةوالجيزة والقليوبية.. كما يحتوى المقر على مرسى لنقل الإسعاف النهرى ويخدم المناطق المحاذية للنيل من الجيزة حتى حلوان، ويجرى تطويره بشكل دورى للحفاظ على دوره كمحور دعم للمنظومة الإسعافية بالعاصمة. ورغم هذا التحول الرقمي، فإن الخط الساخن 123 سيظل مستمرًا فى تقديم خدماته، جنبًا إلى جنب مع التطبيق الرقمي، لضمان تغطية جميع الشرائح والفئات، سواء من يتعامل مع التكنولوجيا أو يفضل الاتصال الهاتفى.