هويتنا عبر اللغة، أداة رئيسة لتعزيز ثقافتنا، وتعضيد مناحي الفكر الوسطي، وتعظيم مقومات المعتقد، ناهيك عن فصاحةٍ، تزيد الوجدان نقاءً، وتزهر مكنون النفوس، الباحثة عن كل ما يترجم ماهية المشاعر الصادقة، ويرسخ تفسيرات قويمة، تجاه المفاهيم الأصيلة، ودلالاتها الرصينة، لتقوى منابع الإيجابية، وتزداد بوابات الإلهام، التي تغذي العقول، وتقدح الأذهان بأفكار تتسم بالابتكار في جل معانيها؛ ومن ثم تتشكل شخصية إنسان، يصبح حتمًا ذا عطاءٍ مستدام، كونه يحمل الخير بين جنباته. مؤسسة الأزهر الشريف تحمل على عاتقها رسالة، تعد من أسمى الرسالات وأجلها؛ إذ تحافظ عبر ما تقدمه من متنوع مناهجها على نقاء وبقاء وثراء اللغة العربية، في شتى أرجاء المعمورة، سواءً أكان ذلك بصورة مباشرة أم من خلال سفراء تشرفوا بأداء المهمة، وهنا نوقن مقدار وقدر الجهود المبذولة، نحو تنمية مجالات اللغة؛ لتصبح خالية من التحريف، أو التشويه، أو اللحن، أو الخطأ؛ ومن ثم تزداد التعبيرات الدقيقة، التي تصون متلون المعرفة الشرعية والعربية ومتونها، وتضيف للتراث اللغوي لأمتنا قاطبة. حفاظ المؤسسة الأزهرية على اللغة العربية، يقوم على استراتيجيات مبتكرة ومرنة، في آن واحد؛ إذ تواكب تغيرات هذا العصر ومفرداته، الذي باتت التقنية تؤدي مهام من المستحيل أن تقوم بها الطرائق التقليدية حينئذ؛ ومن ثم سعى علماء الأزهر الشريف، إلى منابر الإعلام بمختلف توجهاته؛ ليرسخوا مبادئ اللغة العربية الفصحى، في سياقات تطرب الآذان، وتتقبلها الأفهام، وتصغى لدلالاتها الأذهان؛ فكان الانتشار ممنهج، ما بين شاشات مرئية، وإذاعات مسموعة، عبر أحاديث تتسم بدقة الكلم، ورصانة التعبير، وبلاغة المعنى، وقوة البيان؛ كي تصل الرسالة، وتحقق المنشود في خضم سياقها المبين. في ضوء تغير الاهتمامات، ولهفة الولوج للمنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي سريعة الانتشار، عبر الشبكة الدولية للمعلومات، لم يتأخر الأزهر الشريف عن تقديم محتواه الثري، والشامل، من خلال الخبراء والمتخصصين المعتمدين؛ بغية إكساب خبراتٍ مربية، في إطار تفرعات العقيدة، وألوانها الضامنة لتسيير حياة هادئة، هانئة، مفعمة بالرضا، وطاعة الرحمن - جل في علاه -، كما تزداد ثقافة المتلقي؛ إذ يمتلك قدرًا من غورها، يصون فكره من كل مشوب، ويحصنه من تموج شائعاتٍ مغرضة، لا تهدأ وتيرتها. الأزهر النبراس لم يتوقف عن مطبوعات ورقية، تركت أثرًا طيبًا في القلوب؛ ومن ثم هناك روافد تخرج لنا نفيس الكتب، ومتلون الإصدارات الحاملة للغة العربية الفصحى، الجامعة بين أمرين، أولهما لغة البيان الجاذب للأذهان، ودقة التعبير المغذية للفكر القويم، وساحة الإعداد والجاهزية، كانت أيضًا محض اهتمام المؤسسة صاحبة الرسالة السامية، من خلال تأهيل وتدريب من يقوم بتعليم اللغة للناطقين بالعربية وبغيرها، ناهيك عن كُتّاب وهبوا حياتهم ورحلة مداد العلم؛ من أجل ترسيخ الاهتمام بلغتنا الجميلة، ويضاف لكل هؤلاء من يعتلون منابر الدعوة، ومجالسها في أماكنها، وعبر وسائل التواصل والاتصال المعاصرة. المنهج الأزهري وفق آليات تجديده، يؤكد على ثوابت لا انفكاك عنها، يأتي في مقدمتها صون أصول اللغة، كونها صورة معبرة عن حضارة الأمة، بل، تحفظ تراثها، وتؤكد على فحوى الهوية، وتزيد من أطر الترابط الموحد للشعوب بمختلف الأقطار، لتصنع وحدة لا يفك عقدها، ولا يبلى نسيج مكونها، ولا ينال منها المغرضون، في مشارق الأرض ومغاربها، إنها لغة مستقلة متفردة، يحق لها أن تسود، وتتبوأ الريادة، وهذا ليس من قبيل التحيز، أو المحاباة؛ لكنه من دواعي الإنصاف، المنسدل من ماهية العدل والحق. أزهر اللغة العربية يبعث برسالة تحمل بلاغة الكلم؛ إذ يؤكد عبر جهوده المضنية على أن اللغة العربية مناطها، قلب إنسان يؤمن بهويته، وقوميته، ويحافظ، ويصون حضارته المتجذرة، ولديه نوازع ومقومات، الولاء والانتماء لوطنه، ويمتلك جسرًا فكريًا، يخلق على امتداده القوة والتأثير، أبد الدهر.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. ____ أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر