لم يكن الطريق الإقليمى مسرحاً لدراما مفتعلة، ولا كانت السيارة تحمل نذر شؤم.. كانت تمضى فقط، كما تمضى الحكايات العادية التى لا يتوقف عندها أحد.. سوزوكي صغيرة، محملة بأجساد أنهكها اليوم، وبأحلام لم تمنح فرصة الدفاع عن نفسها. اقرأ أيضا| بالأسماء.. مصرع وإصابة 15 شخصاً في حادث تصادم بالطريق الإقليمي فى ثانية واحدة، انقلبت الرحلة إلى نهاية.. لم ينقلب الحديد وحده، بل انقلبت المعاني.. اشتعلت النار حيث كان يجب أن يبقى الأمان، وتحول الدخان إلى شاهد أعمى على 7 أرواح غادرت دفعة واحدة، بينهم فتيات، دون وصية أخيرة أو وداع، هكذا هو حال السيارة الميكروباص التى كانت تحمل براعم فى مقتبل العمر أكبرهم 16 عاماً عقب عودتهم من عملهم فى أحد المزارع على طريق الضبعة، حيث مسقط رأسهم قرية معصرة صاوي بمركز طامية بالفيوم، ولقى ال 7 مصرعهم متفحمين، بينما يرقد 6 آخرين فى حالات حرجة داخل مستشفى 6 أكتوبر المركزي. اقرأ أيضا| بالصور.. مصرع 7 أشخاص في انقلاب سيارة واشتعال النيران بها بأكتوبر «ياسمين نادي فودة» كانت واحدة من هؤلاء.. اسمها الآن يقرأ ببطء، لكن حياتها كانت سريعة ومليئة.. خرجت من بيتها وهى تظن أن الغياب مؤقت، وأن العودة مسألة وقت.. لم تكن تعرف أن الطريق سيقرر عنها، وأن الاسم سيكتب لاحقاً فى خانة «الضحايا». إلى جوارها، توقفت حكايات مصطفى رمضان شعيرة، ومحمود محمد محمد درويش، وأحمد سيد عزت، وأحمد محمد حنفى، وحسن محمود أحمد صاوي.. 6 رجال لم يجمعهم سوى المصادفة، وفرقتهم النيران.. لكل واحد منهم بيت ينتظر، ومكالمة لم تجر، وخطوة ناقصة فى مشوار العمر.. 7 أشخاص لم يمنحوا حتى فرصة النجاة.. الموت جاء مباشراً، بلا إنذار، وبقسوة لا تعرف التدرج. فى المشهد المقابل، داخل مستشفى 6 أكتوبر المركزي، كانت الحياة تحاول ترميم ما يمكن ترميمه.. السائق عماد أحمد ميزار عبد القادر نجا جسده، لكن روحه ستبقى معلقة فى لحظة الانقلاب. ياسمين خالد عبد الوهاب من قرية دوار جبلة، منال رمضان مبروك محمد، زياد عصام أحمد علي، مصطفى وائل فتحى، مصطفى سيد محمد طايع، أحمد عمرو شديد على، أسماء خرجت من النار، لكنها لم تخرج من المشهد. أجساد مثقلة بالكدمات، وذاكرة لن تنسى رائحة الاحتراق ولا صراخ اللحظة الأولى. رجال الإسعاف نقلوا المصابين والجثامين، لكنهم لم ينقلوا الأسئلة.. لماذا احترقت السيارة كيف انقلبت؟ ومن المسؤول؟. التحقيقات ستجيب قانونياً، والكاميرات ستروي ما التقطته العدسات الباردة.. لكن الحقيقة الإنسانية ستظل عصية، أن الطريق لا يقتل وحده.. بل يختبر هشاشتنا أمام ثانية طائشة. على الأسفلت اختفت آثار الدم، وبقيت الفاجعة، وفى البيوت ستظل الأسماء تنادي دون رد، وتبقى الصور شاهدة على أن هؤلاء لم يكونوا خبراً عاجلاً، بل بشراً كانوا فى طريقهم ولم يصلوا أبداً.