لغتنا العربية هي لغة القرآن الكريم.. أي انها روحنا وروح الأمة العربية.. وحياة هذه اللغة هي حياة لنا.. فهي لغتنا القومية.. والتي تم اهمالها في حياتنا وخاصة في الإعلام المرئي والمسموع.. بل ووصل الأمر في بعض القنوات ان تخاطب جماهيرها بالعامية.. وهي قضية علي جانب كبير من الاهمية بل لنقل انها كل الأهمية.. فجميع دول العالم تعتز بلغاتها وتهتم بها.. فعلي سبيل المثال دولة اليابان لا يمكن ان تجد فيها لافتة في شارع أو مكان أو مطعم مكتوبة بغير اليابانية.. وفي الإعلام لا يتحدثون إلا باليابانية.. حتي الأفلام الانجليزية الأصل يتم دبلجتها أي نطقها بلغة أهل البلد.. وكذلك البرامج التليفزيونية.. نفس الموضوع يتكرر في ألمانيا بالأفلام والبرامج.. لا لغة تعلو فوق اللغة الألمانية ولو في الشارع مع الأجانب هناك.. تجد نفس الموضوع في معظم دول العالم مثل إيطاليا وغيرها. هنا في مصر الرائدة فالحرب علي اللغة العربية يقودها ابناء جلدتنا.. واتذكر ان قامت الإذاعة المصرية في فترة سابقة ومن خلال البرنامج العام بعمل حملة لإحياء اللغة العربية في الإعلام.. وما إن بدأت الحملة حتي توقفت في نفس الساعة.. لأسباب مبهمة.. ولم اجد إجابة من المسئولين عن سبب توقف هذه الحملة.. اما عن الحديث باللهجة العامية فحدث ولا حرج.. وصل الأمر بالبعض ان ظهر في الإعلام المصري مطالبا بالحديث باللغة الهيروغليفية القديمة.. واليوم أعرض هذا الموضوع الهام لنا ولمستقبلنا وهو اللغة العربية في الإعلام المصري والذي من المفروض ان يكون هو القائد للإعلام العربي. فاللغة كما يعرفها د. سلطان بن بلغيث استاذ علم الاجتماع بالجزائر هي عملة أبدية أزلية متداولة بين الناس. وإذا كانت الدول تنشيء القوانين وتسن التشريعات لحماية العملة من التزوير فمن باب أولي ان تصان اللغة من التدنيس والتدليس حتي لا يتعرض العلم والفكر الذي تحمله إلي الإفلاس. واللغة العربية باعتبارها مكوناً ارتكازياً من مكونات الثقافة العربية وعنوان هوية المجتمع العربي الإسلامي وقناة ايصال وتواصل بين الاجيال تنقل آثار الأجداد إلي الابناء وتحفظ أمجاد الابناء للاحفاد تعتبر ضرورة لبناء مهارات التواصل الإنساني وهي محورية واساسية في منظومة الثقافة لارتباطها بجملة مكونات من فكر وابداع وتربية وتراث وقيم المجتمع العربي الإسلامي. مع ما تمتاز به هذه الحقبة من تفجر عام في تكنولوجيا الإعلام والاتصال استحال بموجبها العالم إلي قرية صغيرة يسعي فيها الاقوياء تكنولوجيا وإعلاميا إلي فرض لغتهم علي الآخرين يجدر بنا التساؤل عن واقع استخدام اللغة العربية في وسائلنا الإعلامية المرئية قبل الحديث عن آفاقها المتوقعة في ظل التحولات المتهافتة علي جميع الأصعدة محليا واقليميا وكونيا. إذا كانت اللغة تعني حسب تعريف ابن جني لها: "مجموعة اصوات يعبر بها كل قوم عن اغراضهم". فهل يكفي رجل الإعلام ان يظهر علي الشاشة ويتحدث حتي يفهمه الجمهور؟ ذلك ان كثيرا من وسائل الإعلام المرئية كانت تعتقد واهمة ان الجمهور يفهم رسائلها. في حين ان العكس هو الصحيح وعليه فهمها. اختلفت لغة وسائل الإعلام فإنها تخضع لحقيقة بسيطة وهي: الوضوح. الدقة. والمباشرة. في حديثه عن وظيفة التليفزيون في المجتمع. يحذر الباحث "رينيه شنكر" من مغبة انحراف التليفزيون عن دوره واسهامه في فساد الذوق اللغوي حيث يقول: علي التليفزيون ان يأخذ بعين الاعتبار انه وسيلة ترفيه. بالإضافة إلي غايات أخري انه في هذا المجال وفي المجالات الأخري يخترع لغة محادثة غير طبيعية. تؤثر حتما في سلامة اللغة الكلاسيكية التي نتعلمها في المدارس. اللغة في التليفزيون تتعرض يوميا لموجات من التشوية والتحريف والواقع ان لغة التليفزيون في شتي البرامج والأفلام تخترق حرمة اللغة الخاصة التي يكونها كل انسان لنفسه وتتكون فيه من خلال عائلته وبيئته وطنه والامثلة عديدة في افلامنا ومسلسلاتنا وبرامجنا. الحقيقة ان لا يطلب من رجل الإعلام ان يتحدث إلي الجمهور بلغة سيبويه بأن يبالغ في التقعر والفصحي وإنما ما يطلب منه هو احترام قواعد اللغة والمعايير المنظمة لها. مما يضفي علي اسلوبه مسحة من الاناقة والجمالية. وينأي به عن الاسفاف والرداءة والقصور وعليه يجدر بمن يتصدي لمهنة الإعلام ان يحسن التقدير في ابلاغ رسالته إلي الجمهور بحيث يوصل محتواها إلي المتلقي دون التجني علي اللغة تطرفا أو قصوراً. غير ان هذا لا يعني ان في إمكان محبي اللغة العربية وهم كثرة كما نعتقد في طول العالم العربي وعرضه. السكوت دائما عن تلك المجزرة الأخري التي تنحر اللغة العربية في كل ساعة ودقيقة علي الشاشات الصغيرة وفي معظمها ان لم يكن في مجملها أو عن تلك المجزرة الأخري التي تطاول ابسط المعلومات وبعض البديهي منها في برامج عدة يتحدث فيها مقدموها أو المشاركون في تمثيل حلقاتها بلغة ذات أداء سييء أو منحرف كما في كلام مقدمة أحد برامج الأطفال علي الشاشة وقد كنا في الماضي ونحن اطفال نتعلم من التليفزيون والإذاعة الحديث باللغة العربية. يقينا ان هذه العجالة لا يمكنها ان تحصي اخطاء تعد بالمئات في كل يوم من نصب الفاعل إلي جر المفعول به إلي اعتبار كل كلمة حالا او تمييزاً إلي رفع المضاف اليه. ناهيك بالكوارث التي تحل بالمبتدأ والخبر ما إلي ذلك.. ويصبح الخطر أكثر عندما نعلم ان مجتمعاتنا تكثر فيها نسبة الأمية وتقل فيها نسبة القراءة والاطلاع وفي غياب التثقيف والترفيه الغالب يظل التليفزيون القبلة شبه الوحيدة التي تمتص وقت فراغ المشاهد. الفضائيات الدخيلة يجدر بنا في هذا المقام الإشارة إلي دور الكثير من الفضائيات المحسوبة علي العربية وخاصة المصرية التي مازالت تحاول جاهدة ان تكتم ما تبقي من انفاس اللغة العربية لترديها ذبيحة علي سطورها المشبوهة والتي باتت لا تمت اليها بصلة. وحينما تموت لغتنا لن يصلي أحد عليها الجنازة ولا الوحشة إذ الصلاة لا تجوز إلا باللغة العربية!! فرغم الوعي بالحاجة إلي إهمية تجديد الصيغ الإعلامية وجعلها متناسبة مع التطور التقني المهول لوسائل الاتصال وتنوعها فإن الوعي باللغة لا يختلف عن الوعي بالحرية أو الوعي بالآخر. قد أشارت احدي الدراسات التي حاولت رصد دور بعض البرامج التي تبثها بعض الإذاعات والتليفزيونات العربية في تلبية احتياجات الاطفال إلي ان: اللهجة العامية هي الغالبة علي البرامج الموجهة للطفل يليها استخدام لهجة تجمع بين الفصحي والعامية. مما يشير إلي ان برامج الاطفال لا تسهم بدورها المفروض في الارتقاء بالمستوي اللغوي للاطفال وفي دراسة اجريت علي عينة من الشباب الجامعي حول دور الفضائيات العربية في نشر الثقافة العربية. ذكر نسبة "45" من المبحوثين ان القنوات الفضائية العريبة أدت إلي تخريب الذوق اللغوي العربي من خلال استعمال العامية الفجة. ومسلسل الاخطاء اللغوية الشائعة والمتكررة والتوظيف السيئ لأسماء البرامج إضافة إلي ضعف مستوي مقدميها. في ذلك بيان كاف علي ان وضع اللغة العربية علي شاشات الفضائيات العربية غير مريح ولا يبعث علي الأمل إلا ما ندر حيث نجد بين الحين والآخر محاولات تثلج الصدور لكنها تتسم بالظرفية وتفتقد عامل الاستمرار ومن امثلة البرامج التي ساهمت في التعريف بالكثير من قضايا اللغة والأدب العربيين. نذكر برنامج افتح يا سمسم. مدينة القواعد. لغتنا الجميلة. كلمات ودلالات. فرسان الشعر.. الخ من البرامج التي صالت بالمشاهد وجالت في بحر اللغة العربية وشواطئها الجميلة. ولعل هذه المبادرات الخلاقة تستدعي الإشادة والتنويه وتستنهض هممنا للمطالبة بمزيد من المشاريع الانتاجية بغرض سد الثغرات وتجاوز النقائص وهو أمر يتطلب تظافر الجهود الغيورة علي اللغة العربية رسمية كانت أو شعبية إضافة إلي التنسيق المحكم بين الفضائيات العربية وتوحيد جهودها الإعلامية خدمة للهدف المشترك وهو النهوض بالثقافة العربية وجعلها مواكبة للتحولات ومواجهة للتحديات التي يفرضها عصر العولمة. الإعلام سلاح ذو حدين. فإذا كان بالمستوي المطلوب لغة وأداء اصبح مدرسة لتعليم اللغة وهذا يعني ان وسائل الإعلام قادرة علي تربية الملكات اللغوية ورعايتها وتنميتها مما ينعكس ايجابا علي الإعلام نفسه أما إذا تردي الإعلام إلي مستوي من الإسفاف فإن ذلك نذير شؤم علي تحوله إلي مستنقع آسن. يوشك ان يطال المجتمع بأسره ولا تسلم اللغة من عواقبه المؤذية. من الطبيعي ان يؤدي هجر اللغة إلي هجر الثقافة والقيم المرتبطة بها وبذلك يتأسس فراغ لغوي وثقافي تتدفق اللغات والثقافات الاجنبية إلي ملئه إن قتل الفكر جريمة أشد من قتل الجسد انه يرد الانسان مجرد كائن دون هوية ان الشعوب تنهار ان لم تكن محصنة من داخلها لا من حولها. لمواجهة عصر ثورة الاتصالات والمواصلات والسماء المفتوحة كان لابد من الرجوع إلي اللغة العربية بوصفها بوتقة الانصهار العربي والوجداني والفكري لأمة عربية واحدة فاللغة العربية هي التي تصنع وحدة الفكر والعقل واستعمال الفصحي لغة الإعلام ليس مطلبا عسير المنال. فلغة الإعلام هي الفصحي السهلة المبسطة في مستواها العملي.. والمرونة والعمق وهي الخصائص التي تجعلها تنبض بالحياة الأمينة للمعاني والأفكار والاتساع للالفاظ والتعبيرات الجديدة التي يحكم بصلاحيتها الاستعمال والذوق والشيوع. يحسن بنا الإقرار بأن اللغة العربية لم تنل حقها في وسائل الإعلام المرئية. فعلي الرغم من أن عدد القنوات الفضائية المصرية والعربية يزيد عن 192 قناة حكومية وخاصة عامة ومتخصصة إلا ان البرامج التي تقدم بالفصحي قليلة وأغلبها سييء التنفيذ والإخراج ويغيب فيه الاهتمام بجماليات اللغة العربية ويفتقد عنصر التشويق الإعلامي أما معظم البرامج والمحتويات الأخري فإنها أكثر ميلا إلي توظيف العاميات المحلية واللهجات الممزوجة بالألفاظ الاجنبية فما عدا بعض المسلسلات التاريخية والاخبار وبعض الحصص الخاصة نجد ان العامية تسرح وتمرح وتقدم إلي الجمهور علي انها لغة العصر والغريب ان هذه العدوي تسللت إلي بعض البرامج الثقافية التي بدأت تتحدث بالعامية نزولا عن رغبة الجمهور الذي كان المفروض ان يرتقي هو بنفسه إلي مستوي فهم هذا الخطاب. معركة العولمة من المؤسف ان نخوض نحن العرب معركة العولمة بدون اللغة العربية الفصحي التي تقف في الخطوط الدفاعية الأولي للذود عن الهوية والانتماء العربي الإسلامي. ورغم حالة الغموض التي يسبح فيها الوضع العربي عموما فقد وضع د. سلطان بن غيث بعض الاقتراحات التي يمكن ان تساهم إلي جانب غيرها من الرؤي في إعادة المياة إلي مجاريها وجعل اللغة العربية رافدا من روافد النهضة العربية المنشودة. استغلال الرسالة الإعلامية للفضائيات العربية بما يخدم اللغة العربية ويساهم في الارتقاء بها من خلال ضبط النشاط التليفزيوني واخضاعه للسياسة التربوية الشاملة. انتاج المصطلحات العربية وترويجها إعلاميا والمتابعة لأنشطة المجامع اللغوية ومراكز التعريب وتوظيف جديدها إعلاميا حتي تجد هذه المفاهيم طريقها للذيوع الجماهيري وتكون اللغة العربية أكثر مواكبة للتطور المعرفي والتقني للحضارة المعاصرة ونعفي المستعملين والناطقين بالعربية من توظيف لألفاظ اجنبية للتعبير عن هذه المنتجات الحديثة. نقل الوعي باللغة من مستوي النخبة إلي مستوي الجماهير وذلك ليس معناه النزول باللغة العربية إلي دركات الاسفاف والابتذال بل التخلص من لغة الدواوين علي المستوي الإعلامي لتصبح اللغة العربية لغة تفكير إعلامي وعلمي تتكيف مع التحولات وتفي بغرض واقع الحال. وتحتفظ بأصالتها وقوتها بحيث تؤدي الغرض وتنقل المعني بجزالة التعبير وسلامة الاسلوب. استثمار الثورة الإعلامية. ومن خلالها موجة البث الفضائي العربي في تعزيز الوحدة العربية الإسلامية والعمل علي إعادة الانسجام للنسيج اللغوي وتجنب الدعوات الرامية إلي توسيع هوة الخلاف العربي من خلال تمزيق النسيج اللغوي إلي مجموعة من اللهجات المتنافرة التي تبث الفرقة أكثر مما تجمع الشمل العربي. تنمية القدرات اللغوية لدي المذيعين وتنقية الفضائيات من شوائب الخطأ اللغوي ومما لا شك فيه ان التزام القائمين علي الإعلام بقواعد اللغة من شأنه ان يضبط التطور اللغوي ويضعه في مجراه الصحيح مثل النهر تدفقا ونماء ودون ذلك فإن اللغة مهددة بالتحول إلي مجموعة من البرك الآسنة التي تشوه اللغة وتجعلها عرضة للأمراض والأوبئة.