هل تعرفون مستر عبده؟ مستر عبده هو مدرس الرياضة لابنة صديقتي، طالبة الإعدادية بإحدي مدارس شبرا والذي يطالبها هي وبقية الطالبات بأخذ درس خصوصي عنده، بجانب الدرس العمومي للمدرسة، حتي تنجح. أما أنا فقد سألتها متعجبة: ولماذا ينادونه مستر عبده.. ألا يدرس الرياضة باللغة العربية.. فاندفعت تشرح لي ما غاب عني وفي عينيها قدر من اللوم لأنني علي ما يبدو تفوتني "بديهيات" الزمن الحالي. قالت صديقتي: دلوقتي كل المدرسين والمدرسات يطلبون من التلاميذ والتلميذات النداء عليهم بلقب مستر أو مس، وقبل أن افتح فمي اندفعت تؤكد "حكاية الأستاذ والأبلة دي كانت زمان فغير مستر عبده فيه مستر محمود ومستر صبحي ومس نيفين ومس فاطمة إلخ"... تركتها مشمأنطة قبل أن أتوجه في اليوم التالي إلي كلية الإعلام بجامعة القاهرة الكائنة في آخر الحرم الجامعي (بلا أي لافتة تسهل عليك الطريق). كانت الدعوة من الدكتورة نجوي كامل وكيلة الكلية والأمينة العامة لمؤتمر بعنوان "الإعلام واللغة العربية" لحضور مائدة مستديرة حول "اللغة والنوع الاجتماعي" شارك في إدارتها د. صفوت العالم أستاذ العلاقات العامة بالكلية وانضمت إليها د. ليلي عبدالمجيد العميدة ورئيس هذا المؤتمر الذي استمر لثلاثة أيام فتح فيها كل ملفات علاقتنا باللغة العربية لغتنا الجميلة سابقًا وأتأسف لهذه الجملة لأن ما قاله المشاركون في هذا المؤتمر الذي عقد تحت شعار "لغتنا هويتنا" وما طرحوه من دراسات وملاحظات ووقائع يحتاج إلي ما هو أكبر بكثير من الأيام الثلاثة. بل لعلي لا أكون مبالغة إذا ما قلت إن هذا العنوان "الإعلام واللغة العربية" يستحق أن يتحول لهم ثابت مستمر يتبناه بالطبع الإعلام المصري الذي أخذ القدر الأوفر من اللوم والعتاب لعلاقته السيئة باللغة التي تمثل أحد البنود الرئيسية لمكوناته. ولم يكن المقصود هو الإعلام المسموع والمرئي فقط، وإنما المقروء أولاً باعتباره الأصل، فحالة لغتنا "تصعب علي الكافر" كما يقال، وموضوع مستر عبده ومس نيفين ما هو إلا جزء من نتيجة هذه الحالة، التي تصل بنا إلي التملص منها أي لغتنا مستعيرين أردية الآخرين، بدون أن نتذكر أن هذا لم يحدث أثناء فترة الاستعمار الإنجليزي لمصر التي تواجد فيها مدرسون إنجليز يحملون لقب "مستر" عن حق، فهم كانوا يدرسون الإنجليزية وهذه مفرداتها. أما مستر عبده وغيره.. فهو إحساس متأخر بالدونية، مع ذلك فليس هذا بيت القصيد في المسألة، وإنما جزء صغير منها، مؤثر ربما بشكل شخصي علي كاتبة هذه السطور لكن التأثير الأهم هو ما يخص برنامج المؤتمر الذي وضعته لجنة علمية من كبار خبراء وأساتذة الإعلام بهذه الكلية الأم وفي مقدمتهم الدكتور محمود خليل المستشار العلمي للمؤتمر الذي أقيم تحت رعاية د. حسام كامل رئيس جامعة القاهرة تحت مسمي المؤتمر العلمي الثاني. ولا أدري هل هو المؤتمر العلمي الثاني للجامعة كلها أم كلية الإعلام وحدها، ولكن المائدة حافلة بكل الموضوعات المهمة مثل الإعلام العربي بين هيمنة اللغات الأجنبية واللهجات المحلية، وتحت هذا العنوان يطرح د. محمد حسن عبدالعزيز أستاذ علم اللغة بكلية دار علوم القاهرة مشاهد من الإعلانات في الصحف المصرية باللغة الإنجليزية وتأثيرها في حياتنا اللغوية والاجتماعية، خاصة الإعلانات عن مدارس اللغات الأجنبية. وهو أمر لم يكن موجودًا أو معهودًا من قبل، وهي إعلانات تصدر من معلنين تتلبسهم روح الاستعلاء علي عامة المصريين الذين ينبغي أن يخاطبوهم بلغتهم القومية، مؤكدًا علي دور الإعلان الكبير في تشكيل اتجاهاتنا وقراراتنا، ودراسة أخري للدكتور مصطفي صلاح قطب، بكلية دار العلوم قسم علوم اللغة حول الألفاظ الأجنبية في الصحافة المصرية، مع التطبيق علي جريدتي "الأهرام" و"الشروق". نلاحظ فيه أن أغلب الألفاظ الأجنبية دخلت إلينا من اللغتين الإنجليزية والفرنسية وأن الكلمات العامة التي نفذت إلينا منهما هي الأكثر تكرارًا من الكلمات العلمية والطبية والسياسية، فالمجالات العامة أوسع وأكثر انتشارًا واستعمالاً للألفاظ الأجنبية من الكلمات العلمية والطبية والسياسية بالرغم من دقة الأخيرة. لكنها لغة الصحافة التي توجه كلامها لكل فئات المجتمع، ومن هذا إلي مناقشة دور الإعلام في الحفاظ علي اللغات الأم وحيث تحدث د. سامي الشريف خبير الإعلام المعروف في دراسته حول دور الفضائيات العربية فيما يخص اللغة الفصحي.. وهل دعمتها.. أم هددتها متخذًا من الانتشار الشديد للهجات العربية العامية والدارجة أساسًا للبحث عن الذاتية وتكبير دور المجتمعات المحلية، مما أثر سلبيا علي مستوي اللغة الفصحي وجعلها تتراجع في أوساط الشباب ومن دونهم. وفي هذا تأتي دراسة أخري للدكتورة سمية عرفات مدرسة الإعلام بجامعة بنها التي تحذر من استخدام البرامج للغة العامية بأسلوب يشوه اللغة الأم لدي الطفل الذي أجمعت دراسات عديدة علي أنه أكثر الفئات العمرية وقوعًا تحت تأثير التليفزيون وهو ما أكده د. عبدالحميد مدكور أستاذ الفلسفة الإسلامية بدار العلوم في ورقته البحثية عن دور الإعلام المرئي ومسئوليته تجاه لغة النشء. دراسات وأبحاث مهمة وقيمة، أغلبها يضع الكرة في ملعب الإعلام، والإعلام التليفزيوني تحديدًا لأنه الأكثر تأثيرًا، يشبهه بعض المفكرين بحالة من السحر تنتاب الملايين من المشاهدين له سواء من الأطفال أو غيرهم وفي هذا كثير من عدم التوازن بين المواطن (المشاهد) وبين هذه الوسيلة الإعلامية، وخلل قد يصل إلي حد الهيمنة، خاصة في حالة الاتجاه نحو القنوات المتخصصة، كما لاحظت د. مروي ياسين المدرس بكلية الإعلام بالجامعة الحديثة، وحيث تخاطب القنوات المتخصصة جمهوراً نوعياً وفئوياً كالطفل، والمرأة والشباب. ونضيف إليها محبي الرياضة أو السينما أو الأخبار إلخ، من هنا يأتي إغراق المشاهد في مضامين متخصصة (وفقًا لنوعية القناة) عامل مؤثر علي الثقافة اللغوية وعلي نمو اللغة نفسها وهو ما يبدو واضحًا في قنوات الكوميديا وما تحمله من أعمال ونصوص وأساليب للأداء تدخل اللغة طرفًا أساسياً فيه، هناك أيضًا مناقشة ساخنة حول الواقع الراهن للغة العربية، الفصحي في برامج الإعلام الجماهيري وأخيرًا اللغة والدراما، أي لغة المسلسلات والأفلام.. وهذه لا يمكن أن تكون مسئولية الإعلام وإنما المجتمع.. ذلك الوعاء الهائل الذي ينبع منه كل شيء.. ونقيضه.. نعم الإعلام مسئول.. ولكنه ليس وحده.