لا تشبه سمر غيرها من النساء في استقبال الصباح، إذ تبدأ يومها بطريقة لا تخطر على بال أحد، فقبل أن تخطو خارج منزلها، عليها أن تخوض روتينًا مؤلمًا يبدأ بكمادات طبية لإزالة الخلايا الجافة حول عينها، ثم تركيب عين صناعية كاملة (تحتوى على جفن وعين وحاجب) بديلة عن عينها الطبيعية المفقودة مع النظارة المخصصة لذلك، قبل أن تحاول إخفاء آثار الحروق الباقية بواسطة الماكياج، وهذه ليست مشاهد من فيلم، بل واقع تعيشه يوميًا سمر مسعد فودة بعد أن ألقى زوجها السابق مادة «الأسيد» على وجهها عقابًا لها على خطبتها بعد طلاقها منه. ◄ عين صناعية وكمادات وماكياج.. تفاصيل يوميات امرأة معنفة ◄ 10 سنوات سجناً لا تكفي لردع مرتكبي «جرائم الأسيد» ■ سمر فودة وفقًا لهذه الحالة وغيرها من الحالات المشابهة قدّم المجلس القومي للمرأة حملة دعم نفسى واجتماعى وقانونى خلال تكريم المخرجة آية الله يوسف عن فيلمها «سمر قبل آخر صورة»، وهو شريط وثائقى مدته 90 دقيقة يتناول رحلة سمر خلال فترة تعافيها نفسيًا وبدنيًا من أثر الحرق ب«ماء النار» الذى ألقاه عليها زوجها السابق. ◄ 8 سنوات معاناة مخرجة الفيلم سردت قصة الفيلم: «هذا الحادث دمر سمر تمامًا وسبّب لها إصاباتٍ عميقة وشوّه وجهها بالكامل، حتى أنها فقدت إحدى عينيها، وحاولت العلاج داخل وخارج مصر لفترات طويلة رغم أنها فتاة من أسرة متوسطة الحال، فمهما كان الشخص مقتدرًا، فكلفة العلاج فوق أى احتمال، لأن العمليات الجراحية لا تنتهى، حيث رافقتها فى توثيق هذه الرحلة الطويلة لمدة ثمانى سنوات، وقررت سمر أن تساعد غيرها من النساء اللاتى تعرفت عليهن فى نفس ظروفها ووجدتهن محلك سر، فأخبرتهن بطرق علاج ورشحت لهن أطباء متخصصين فى هذه الحالات». وتابعت: «بعد انتهاء التصوير معهن وسرد قصصهن على لسانهن فى شكل دردشة مع بطلة الفيلم، سافرن إلى دبى حيث يوجد المستشفى الذى يجرى فيه تركيب العين الصناعية، لأن إجراء العملية لم يكن متاحًا فى مصر وقتذاك، وفى الوقت ذاته باشرت سمر عملًا جديدًا لتدّبر تكاليف العملية مع غيرها من الفتيات، فالفيلم عبارة عن معايشة تحمل الأمل ويقدم سمر كنموذج يُحتذى به كناجية وليس كضحية، فهى لم تستسلم لحالها ولم ترضخ للانكسار بل حاولت أن تساعد غيرها وتكون عضوًا فاعلًا فى المجتمع». ◄ تغيير الصورة النمطية وتوضح المخرجة: «تعمدتُ إظهار وجوه بطلات الفيلم دون إخفاء حتى يتوقف الناس عن توجيه الانتقاد لهن ويتمكنوا من رؤيتهن من الداخل، بالتالى تغيير الصورة الذهنية عن أمثال هؤلاء الضحايا بعد مشاهدة الفيلم، فالهدف هو استغلال فكرة الفيلم فى إطلاق حملة لتغيير الصورة النمطية عن الضحية واختيار شريك العمر والتربية السليمة للأبناء، كما أن السفارة الهولندية بالقاهرة بالتعاون مع مؤسسة تدوين استندتا إلى الفيلم وأطلقتا حملة: «لا للعنف بهجمات الأسيد»، وهذا ما تبناه أيضًا مكتب شكاوى المرأة التابع للمجلس القومى للمرأة وتقدم لمجلس النواب باقتراح بتعديل القانون، فأطلق المجلس حملة لمواجهة هذا النوع من العنف ضد المرأة وأسباب انتشار هذه الظاهرة، لأن هناك سهولة فى الحصول على المواد الحارقة، وللأسف الحد الأقصى للعقوبة الموقعة على الجانى فى مثل هذه الجرائم هى السجن 10 سنوات فقط». ■ آية الله يوسف ◄ اقرأ أيضًا | استشارية أسرية: الحب والحماية والمحادثة هي أعمدة السعادة الزوجية ◄ نصف مليون حالة وبحسب مخرجة الفيلم، رصد مستشفى «أهل مصر» 500 ألف حالة إصابة بحروق سنويًا دون توضيح نسبة حالات حروق الأسيد، لكنه رقم كبير، حيث يعانى الضحايا من تشوهات جسدية وعاهات مستديمة وأزمات نفسية تستمر طول العمر. وأكدت النائبة أميرة العادلي، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين: من حسن حظ سمر أنها وجدت الدعم من صانعة الفيلم والمجلس القومى للمرأة، وهو ما لم يتوافر لضحايا أخريات أصبن بنفس الحروق نتيجة تعرضهن للعنف، داعية إلى تشديد عقوبة الجانى، فقانون العقوبات ينص فى مادتيه 240 و241 على أن عقوبة الإيذاء بالحروق تصل للسجن المشدد من 5 إلى 10 سنوات فى حالة سبق الإصرار والترصد، وفى حالة الوفاة تصل للإعدام، وقد لا يكون ذلك كافيًا فهناك حاجة لتغليظ عقوبة الاعتداء على الفتيات بمادة حمض الأسيد الحارقة وتشجيع الضحايا على سرعة الإبلاغ عن هذه الجريمة، لأن أغلب حوادث العنف تحدث من قبل الزوج أو الأب والشقيق أو الخطيب أو أحد الأقارب، مع ضرورة تشديد الرقابة على بيع وحيازة مادة الأسيد لمنع وصولها ليد شخص غير مسئول يستخدمها فى إيذاء الآخرين. ◄ زواج بالإكراه وتحكي سمر قصتها المؤثرة ل«آخرساعة»، حيث قالت: «تزوجت فى عام 2013 زواجًا تقليديًا، وبمجرد إتمام الزواج دبت بيننا المشكلات منذ اليوم الأول، فقد أخذ يلومنى ويعاقبنى على رفضى له لمدة ثلاث سنوات، ما دفعه إلى الإصرار على الزواج منى من باب العناد وليس بدافع الحب، ليثبت لى أنه استطاع فى النهاية أن ينتصر بإجبارى على الزواج منه، وبحكم صلة القرابة بيننا كانت هناك محاولات كثيرة من الأهل لإتمام الزواج». تتابع: «بعد انقضاء شهر العسل بدأ يلجأ للضرب والإهانة عقابًا لى على اعتراضى فى السابق على الزواج منه، ثم سافر إلى إحدى دول الخليج ولحقت به بعد شهر، وهناك فوجئت بتوفير سكن لى فى بيت للطالبات، وطلب منى العمل لأسدد إيجاره، فعدت بعد شهر واحد إلى مصر، وبعد مرور خمسة أشهر عاد بعد فصله من العمل وحرمانه من الدخول إلى هذا البلد الخليجى نهائيًا، وظل بلا عمل ودخل فى دائرة شرب الخمور والسهر مع أصدقائه خارج المنزل رافضًا كل محاولات تدخل والده لإيجاد عمل له بحجة رغبته فى العمل بالخارج». ◄ تهديد بالتشويه تتابع: «كان شخصا اتكاليًا يريد ممن حوله تحمل مسئوليته، لأنه كان ابنا مدللًا وحيدًا لأختين أكبر منه، فاعتاد حل مشاكله دون مجادلة من أحد، لذلك تزوجنا فى منزل والده، لأنه ليس لديه مورد رزق ثابت، وعندما زادت المشاكل بيننا ووصلنا لمرحلة استحالة استمرار العشرة وفشلت كل محاولات دعمه فى أن يكون شخصًا مسئولًا، رجعت لبيت أهلى، وبعد محاولات صلح وافق والدى بالإقامة فى منزله حتى يكون مطمئنًا علىّ، وبعد شهرين قرّر والدى تأجير شقة ودفع مقدم شهرين لتحفيزه على بدء حياة جديدة، لكنه رفض العمل وخيرنى بين العودة لمنزل والده وأن يصرف الأخير عليه، وأن أعمل وأنفق أنا عليه، فتشاجرنا وغادر المنزل حيث كان يقضى بالأربعة أيام مع أصدقائه لتعاطى المخدرات، فطلبت الطلاق فهددنى إذا صممتُ على الانفصال وقال لى (مش هخليكى تعرفى ترتبطى بحد تانى غيرى وهشوهك مش هتقدرى ترتبطى بحد تانى)». ◄ 10 سنوات سجنًا وأضافت: «طاردني فى كل مكان واستطاع أن يقتحم المنزل وسرقه، فحررت محضرًا ضده، وقبلت بالتنازل عن المحضر مقابل الطلاق منه وإبرائه، ولم ينته الأمر بالنسبة له، فكان آملًا فى عودتى إليه، لكنه صُدِم بعد إعلان خطبتى لشخص آخر، فانتظرنى فى الشارع يوم عيد ميلاد والدى حيث كنت عائدة برفقة شقيقتى وكان جالسًا على الرصيف، وعندما وصلنا أمامه وقف وقال لى (ألف مبروك) وألقى مادة الأسيد الحارقة على وجهى وذراع شقيقتى، فتم إصدار قرار فورى بضبطه وإحضاره، وبعد عام ونصف حُكم عليه بالسجن 10 سنوات». ◄ تغليظ العقوبة من جانبها، تقول أمل عبدالمنعم مديرة مكتب شكاوى المرأة: طالب المجلس القومي للمرأة بتغليظ عقوبة جريمة هجمات الأسيد (حمض الكبريتيك أو المواد الحارقة المشابهة)، إذ لا يوجد فى القانون المصرى نص قانونى محدد يتناول بشكل خاص هذا الأمر كجريمة مستقلة ضد النساء، وانطلاقًا من مسئولية مكتب شكاوى المرأة الذى يمثل بيتا حقيقيا لكل نساء مصر ممن يعانين من مشكلات تتعلق بأى شكل من أشكال التمييز ضدهن أو تعرضهن للعنف أو أى ممارسات تتعارض ومبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذى كفله الدستور، وذلك من خلال رصد المشكلات التى تواجه المرأة على أرض الواقع وتوفير وتقديم كافة سبل الحماية والدعم للمرأة المصرية، والمساهمة فى خلق بيئة اجتماعية وتشريعية آمنة لها تتمتع فيها بكافة حقوقها القانونية والدستورية، حيث يضم مكتب الشكاوى 70 محاميًا وأخصائيًا اجتماعيًا ونفسيًا مدربًا و600 محامٍ متطوع فى 27 فرعًا للمكتب على مستوى الجمهورية، حيث تقدم الشكوى من قبل صاحبة المصلحة شخصيًا أو من نائب عنها بموجب توكيل رسمى وأصل تحقيق الشخصية. وتوضح: لوحظ أن أغلب الشكاوى الواردة تمثل إشكاليات الأحوال الشخصية بمختلف أشكالها وبلغت نسبتها حوالى 71.32% من إجمالى الشكاوى، من خلال تلقى شكاوى المرأة وتقديم استشارات قانونية، وإتاحة تمثيلها أمام القضاء، والمساعدة فى تنفيذ الأحكام التى يتم الوصول إليها، وإحالتها إلى الجهات المختصة وفقًا لنتيجة دراسة الحالة، ومتابعة هذه الحالات عن طريق اجتماعات دورية مع الشركاء، ورفع المشكلات التى تواجه المرأة من واقع الشكاوى الواردة للمكتب لصناع القرار لإجراء التعديلات التشريعية اللازمة لتلافى الثغرات القانونية التى تحول دون حصول المرأة على حقوقها المختلفة من خلال إنشاء قاعدة بيانات حول الشكاوى المختلفة وبيان مدى تكرارها.