بدأت دور العرض المصرية في عرض فيلم "أوسكار عودة الماموث" قصة أحمد حليم، وسيناريو وحوار مصطفى عسكر وحامد الشراب، ومن إخراج هشام الرشيدي، وبطولة أحمد صلاح حسني، وهنادي مهنا، ومحمد ثروت، والساحر السعودي أحمد البايض، ومحمود عبدالمغني. يقدم صناع فيلم أوسكار عودة الماموث محاولة جديدة في عالم الخيال العلمي، الذي قلما يطرق الصُناع بابه في السينما المصرية، حيث تعتمد القصة بشكل أساسي على بناء مشاهد طويلة كاملة وأماكن تصوير بالمؤثرات VFX. تدور أحداث الفيلم حول خروج بعض الكائنات المنقرضة المٌخلقة جينيا في مختبرات أجنبية عن السيطرة، ومحاولة تعقب أثرها من قبل الشركة المُصنعة لها، مما يدفعهم لخلق الفوضى في شوارع القاهرة، وتتقاطع مع ذلك قصة إنسانية لأب وطفلته، مما يخلق مزيج من المشاعر والأحداث المشوقة. -أنسنة الصراع حاول كُتاب العمل أنسنة قصة الصراع بين جهات أجنبية وداخلية وبين الكائنات المنقرضة، من خلال أكثر من عامل متشابكة فيما بينهم، الأول قصة الطفلة التي تفتقد الصديق بعد انفصال والدها ووالدتها، والثاني محاولة إعادة بناء العلاقة بين الأب والطفلة، والثالث إظهار الفرق بين البيئة المسالمة في تشكيل شخصية أي كائن حي حتى وإن كان حيوان منقرض وبين البيئة الموحشة التي تصنع كائن هدفه التدمير. هذه المحاولة من الكٌتاب نحو أنسنة الصراع داخل الفيلم، هي التي خلقت قوة حقيقية للقصة، ليس هدفها الإبهار البصري، وإنما رواية قصة بصرية تتمتع بمقومات جذابة ومشوقة وفي نفس الوقت بها معاني إنسانية يتعلق بها المشاهد، خاصة وإن كان طفلا، حيث يدعم العمل فكرة التعامل بعطف مع الحيوانات، وذلك ما قالته شخصية الطبيبة "هنادي مهنا". كما أن الكائنات نفسها لم تُقدَّم كشرّ مطلق، بل كضحايا تم العبث بطبيعتها، هذه النظرة الأخلاقية نحو "الوحش" تنقل الفيلم من مجرد مطاردة بصرية إلى مساحة من التأمل في تأثير الإنسان على الطبيعة، سواء من خلال التكنولوجيا أو الإهمال العاطفي. والفيلم، في جوهره، ليس فقط عن كائنات منقرضة تعود للحياة، بل عن فقدان العلاقات وضرورة ترميمها، وعن كيف يمكن للعاطفة أن تنتصر حتى وسط عالم مهدد بالفوضى. -كائنات منقرضة في وسط البلد من مميزات العمل أنه لم ينجر نحو المبالغة في الإبهار البصري وخلق عالم كامل من الخيال، بل وضع الخيال في قالب من الواقع، من خلال توظيف أماكن معروفة بصريا للجمهور، مثل منطقة وسط البلد وشوارعها وجراش العتبة، ليكون مقرا للصراع الرئيسي والأقوى بين الشخصيات، واللافت أن الفيلم لم يسقط في فخ استنساخ التجارب الغربية، بل حاول أن يقدم هوية بصرية لها علاقة بالمكان "القاهرة" والشخصيات، مع بعض اللمسات التي تُشير إلى محاولات متقدمة في تصميم الصوت والمونتاج، خاصة في المشاهد التي تجمع بين البشر والكائنات الضخمة. يمثل الفيلم خطوة جريئة في استخدام المؤثرات البصرية ضمن إنتاج مصري، وقد وُظفت هذه المؤثرات بشكل ذكي لخدمة السرد، دون أن تطغى عليه أو تصبح بديلاً عن الدراما، ونجح المخرج هشام الرشيدي في خلق توازن بصري بين مشاهد الأكشن والمطاردات وبين اللحظات الإنسانية الهادئة. ومن أهم مميزات الفيلم الأداء الكوميدي للفنان محمد ثروت، الذي يضيف إلى الشخصية لمسات شكلية ولزمات كلامية تعبر كُليا عن الشخصية التي يقدمها، كما أن لديه القدرة على خلق الكوميديا من المشهد على الرغم من عدم وجود ممثلين آخرين كوميديين في العمل، إلا أنه "يفرش" للإفيه بشكل جيد بمفرده ويمنحه وجودا داخل الحوار. أما عن هيكل الفيلم، من الملاحظ أن هناك حرصًا واضحًا على بناء تصاعدي للأحداث، يبدأ من لحظات درامية داخلية تمر بحالة من الترقب والهدوء، ثم تتطور تدريجيًا إلى مشاهد المطاردة والتشويق، حتى نصل إلى ذروة الصراع في الثلث الأخير، وهذا التصاعد تم تنظيمه بشكل متماسك إلى حد كبير، على الرغم من وجود بعض البطء في منتصف الفيلم، الذي ربما فُسِّر كمحاولة لإتاحة مساحة لتطور العلاقات بين الشخصيات، وتوضيح أزمة الطفلة، التي ترتبط بجوهر الفيلم. يُعد فيلم أوسكار عودة الماموث مغامرة سينمائية محفوفة بالمخاطر، خاصة أنه يدخل منطقة غير مطروقة كثيرًا في السينما المصرية، وهي منطقة أفلام الخيال العلمي التي تتطلب أدوات إنتاجية وتقنية عالية، لكن الرهان على القصة الإنسانية، والأداء المتزن، واستخدام المؤثرات لخدمة الفكرة، جعل من التجربة عملًا يستحق التقدير، حتى لو شابها بعض التردد في بعض اللحظات السردية. وهذا الفيلم هو التجربة الإخراجية الثانية لهشام الرشيدي في هذا النوع السينمائي، حيث سبق ذلك تقديم فيلم ماكو، الذي لم يلقَ نجاحا كبيرا في شباك التذاكر المصري، ولكن فيلم أوسكار عودة الماموث يعد تجربة أكثر نضجا وجودة من الفيلم السابق على مستوى القصة.