مع حلول عيد الأضحى المبارك سؤال يتبادر في أذهان الناس خاصة مع تفشي فيروس كورونا المستجد واصابة الكثيرين به وارتفاع تكلفة العلاج .. هل يجوز إخراج ثمن الأضحية لعلاج المرضى المصابين بفيروس كورونا وحول هذا الأمر يحدثنا فضيلة الأستاذ الدكتور حمدي سعد وكيل كلية الشريعة للدراسات العليا والبحوث في حديث اعلامى للمنظمة العالمية لخريجى الأزهر بالغربية. يقول فضيلته.. في البداية نتقدم بأرق التهاني للأمة الإسلامية جميعا بمناسبة هذه الأيام المباركة وقرب حلول عيد الأضحى المبارك سائلين المولى عز وجل أن يعيده على الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات ، وبمناسبة هذا العيد المبارك وما يعانيه العالم من أزمة كورونا تثار العديد من التساؤلات ، والتي منها ، ما فضل الأضحية ؟ وهل يجوز التبرع بثمنها لعلاج مصابي كرورنا؟ومن ثم نحاول الإجابة على هذه التساؤلات بإيجاز فيما يلي : أولا : فضل الأضحية ومكانتها : الأضحية اسم لما يذبح من الأنعام يوم الأضحى وأيام التشريق تقربا إلى الله تعالى واقتداءا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والذبح لله تعالى من أفضل العبادات وأعظمها أجرًا وآية ذلك قول الله عز وجل : ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]، ويقصد بالنسك هنا الذبح ، وقد جعله الله تبارك وتعالى فيصلًا بين الحق والباطل، الإسلام والكفر، التوحيد والشرك، كما يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله – في تفسيره لهذه الآية: أن الله تعالى يأمر نبيه بأن يبين للمشركين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه: أنه مخالف لهم في ذلك؛وأن صلاته ونسكه لله تعالى وحده امتثالا لقوله تعالى ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1 - 3]. وتأمل معي قول الله تعالى ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ﴾ [الأنعام: 162]؛ حيث خص رب العزة سبحانه هاتين العبادتين: الصلاة والذبح من بين سائر العبادات؛ " بما يدل على شرفهما وعظيم فضلهما ودلالتهما على محبة الله تعالى والإخلاص له لما فيهما من تقرب العبد لله بقلبه وجوارحه وماله . ومن ثم فالأضحية لها فضل كبير وثواب عظيم عند الله تعالى كيف لا وهي شعيرة من شعائر الإسلام ، قال تعالى : (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون) [الحج: 36]. وهي أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد لله تعالى يوم النحر لما روى عن السيدة عائشة -رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا} رواه ابن ماجة والترمذي. و ما روي عن زيد بن أرقم قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة، قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة.) رواه الإمام أحمد وابن ماجه . وقام بها النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركها طيلة حياته فلقد روى أنس -رضي الله عنه- {أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا، وَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى، وَكَبَّرَ.} وماهو الرأي السائد لدى أهل العلم والفتوى؟ و الرأي السائد لدى أهل العلم والفتوى أنه لا يقوم غير الأُضْحِيَّة من الصدقات مقامها، حتى لو تصدق إنسان بشاة حية أو بقيمتها فى أيام النحر لم يكن ذلك مُغنيا له عن الأُضْحِيَّة، لأن الأضحبة شعيرة تعلقت بإراقة الدم، والأصل أن الأمر الشرعى إذا تعلق بفعل معين لا يقوم غيره مقامه كالصلاة والصوم، بخلاف الزكاة. ، ، قال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) الحج 37 إذا ما معنى ومدلول الأضحية نحب أن نتعرف على هذا الأمر.. الأضحية فيها معنيان الأول: التقرب إلى الله بإراقة الدماء. ، والثاني: التصدق باللحم، أما الصدقة ففيها معنى واحد فقط. - ولأن فتح باب التصدق بأثمان الأضاحي سيؤدى حتمًا على توالى الأيام إلى ترك الناس هذه الشعيرة الدينية والإخلال بالتعبد بها وبالتأسي برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في فعلها والإخلال بحكمة تشريعها كما سيؤدى في المستقبل وفى الظروف العادية إلى كساد أثمان الأضاحي كسادًا فاحشًا يضر المنتجين وكثيرًا من التجار ثانيا : المفاضلة بين الأضحية ومعالجة المصابين بكورونا : وفي ظل أمة كورونا الحالية التي يعاني منها العالم كله قد يثار تساؤل عن مدى جواز التبرع بثمن الأضحية لعلاج المصابين بهذا المرض والواقع أن هذا التساؤل له وجهه واعتبار والإجابة عليه تتطلب مراعاة مايلي : أولا : إن أمكن الجمع بين الأمرين بحيث يستطيع الشخص الأضحية والتبرع لعلاج هذا الداء فهذا بالطبع أفضل وأولى . ثانيا : إن لم يمكن الجمع بينهما فهنا يحدث التزاحم بين الأضحية والتبرع بثمنها لعلاج فيروس كورونا وفي هذه الحالية يقدم الأولى عملا بقول الله تعالى { فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17، 18] ، وقوله- تعالى: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: 145] ، ولا شك أن حاجة الناس للوقاية والعلاج من فيروس كورونا، تقدم على الأضحية عند التزاحم إعمالا لفقه الأولويات الذي يعرفه العز بن عبد السلام بأنه: {المواظبة على أفضل الأعمال فأفضلها بحيث لا يضيع بذلك ما هو أولى بالتقديم منه}. ووفقا لضوابط ومعايير فقه الموازنات والأولويات التي أقرها الفقهاء ، فإنه عند التزاحم، وعدم القدرة على الجمع بين الصدقة لمواجهة الفيروس وبين الأضحية. فإن الأولوية والأفضلية للصدقة على المحتاجين لمواجهة هذا الفيروس تحقيقا للمصلحة الأعظم، فالقاعدة أنه حال اجتماع المصالح، فإن أمكن تحصيلها جميعا عملنا على هذا ، وإن تعذر تحصيل الجميع فإننا نعمل على تحصيل الأصلح فالأصلح ، والأفضل فالأفضل ، مع ملاحظة أنه قد يختلف في التفاوت والتساوي ( في هذا المعنى قواعد الأحكام ج 1 ص 19 ) . وفي ضوء ذلك فإن الأضحية مصلحة، لكن التصدق بثمنها على المحتاجين والفقراء من أبناء الوطن الواحد للوقاية والعلاج من الفيروس مصلحة أعظم لما فيه من حفظ الأنفس من الهلاك والحفاظ على أمن واستقرار البلاد . وهل هناك ضوابط في تقديم الصدقة لمواجهة الأوبئة؟ و يستند تقديم الصدقة لمواجهة الأوبئة مثل فيروس كورونا على الأضحية إلى ضابط الأولوية للعبادة متعدية النفع وأصل هذا الضابط قاعدة: {المتعدي أفضل من القاصر}،أي أن العبادة والعمل المتعدي نفعه وفائدته للغير، وللأمة أفضل من العمل الذي يقتصر نفعه على صاحبه، ولا شك أن مواجهة الفيروس فائدة يتعدى نفعها إلى المجتمع كله ، بل والعالم أجمع، بينما الأضحية طعام نفعه قاصر على من حصله. قال العلامة السيوطي الشافعي في "الأشباه والنظائر" (ص: 144، ط. دار الكتب العلمية): [القاعدة العشرون: المتعدي أفضل من القاصر...،) مع الأخذ في الاعتبار أن صدقة التطوع قد تقدم على غيرها من العبادات متى وجدت حالة الضرورة إليها بأن كان المحتاج في حالة ضرورة فتصبح الصدقة عليه أولى من عبادة التطوع ولو كانت الحج وليس من الأضحية فقط ، ففي مواهب الجليل: سئل مالك عن الحج والصدقة أيهما أحب إليك؟ فقال: الحج، إلا أن تكون سنة مجاعة. انتهى. وقال الإمام الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" (2/ 242، ط. دار البشائر الإسلامية):(قال أبو حنيفة: الصدقة أفضل من حجة تطوع، وهو قول الثوري، وعبيد الله بن الحسن. ) وقال الإمام ابن تيمية كما في الاختيارات: وأما إذا كان له أقارب محاويج، فالصدقة عليهم أفضل، وكذا إذا كان هناك قوم مضطرون إلى نفقته، فأما إذا كان كلاهما تطوعاً، فالحج أفضل، لأنه عبادة بدنية مالية، وكذا الأضحية والعقيقة أفضل من الصدقة بقيمة ذلك. , وقال في وجوب الصدقة عند النوائب في إطعام الجوعى وكسوة العراة: وَيَجِبُ الْإِعْطَاءُ فِي النَّائِبَةِ, وَيَجِبُ إطْعَامُ الْجَائِعِ وَكُسْوَةُ الْعَارِي فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ .. اه . وما يقول بعض العلماء إن تقديم سد حاجات المحتاجين وإعطاء المعوزين على التطوع بالحج أو العمرة ينيل فاعلها ثواب الأمرين معًا... وإلى هذا المعنى ذهب جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية الأجلاء رحمهم الله تعالى بما لا يتسع المقام لذكره. وماذا عن رأي جمهور الفقهاء ودار الإفتاء المصرية؟ وبناء على وفي ضوء ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ودار الإفتاء المصرية .. فإن في مساعدة الفقراء والمحتاجين في علاج فيروس كورونا فائدة أعظم ومصلحة أشمل من الأضحية بالرغم من فضلها وثوابها الكبير السابق الإشارة إليه إن لم يمكن الجمع بينهما ، وختاما كل عام وأنتم بحير وتقبل الله تلى منا ومنكم صالح الأعمال ونسأل الله العلي العظيم أن يحفظ بلدنا مصر من كل مكروه وسوء وأن يجعلها أمنا أمانا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.