كان المشهد أثناء الثورة يفوق الخيال، كان الحب هو الذي يجمع الشعب المصري في نضاله لإسقاط مبارك ورجاله، حيث كان الجميع علي قلب رجل واحد لا فرق بين مسلم أو مسيحي، يساري أو ليبرالي، الجميع يعشق تراب مصر، يتقاسمون الخبز والماء ويتعانقون كلما لاحت في الأفق بوادر النصر وكان قداس الأقباط في ميدان التحرير يعانق صلوات المسلمين، وانبهر أوباما بمشهد الأقباط وهم يصبون الماء علي أيدي المسلمين للوضوء وبخشوع المسلمين وهم يشاركون الأقباط ترانيمهم، زعماء العالم صرحوا بأن المصريين يعلمون العالم معني الثورة. وفي المشهدالثاني المصريون يتكلمون عن مشروع ممر التنمية الذي ينقذ المصريين من كابوس الازدحام والتقاتل والتوتر الي رحابة الإبداع والعودة لتفجير الطاقات من خلال مدينة زويل العلمية وزراعة الملايين من اراضي السودان بالقمح، والثورة تنجح في رفع الغطاء عن كنوز مصر العباقرة الذين توافدوا بحماس الثوار وعظمة الفراعنة يقدمون آلاف الاختراعات والأفكارالتي تضع مصر علي قمة النهضة في سنوات قليلة وترسم ملامح دولة كبري. وهكذا بدت الصورة أمام صناع القرار في العالم، شعب يبعث من جديد وفي يديه أسرار التقدم والعلوم وسلاحه الحب والتفاني في عشق تراب الوطن، والخطر إعادة بناء مصر رمسيس ومحمد علي ومصر عبد الناصر، بناء مصر التي يحلم بها كل مصري عندمايردد مصرام الدنيا وعندما ينشد لها بلادي بلادي لك حبي وفؤادي. وكان االمشهد الآخر في أجهزة الاستخبارات الأمريكيةوالغربية وأفراد العصابة الصهيونية، كان الفزع والحزن لأن مصر القوية قادمة والخطر يهدد إسرائيل التي يردد كل رئيس أمريكي أنه يلتزم بحماية آمنها وتفوقها علي جميع العرب، وخير جند الله لن يكونوا حماة لدولة العصابة والقدس لن تكون عاصمة لإسرائيل وأموال النفط يمكنها أن تسحب من البنوك الغربية كي تستثمر في بلاد النهضة الجديدة والأخطر ان تلك النهضة تصنعها وحدة أسطورية بين شعب الفراعنة الذي يقدم شبابه أروحهم وهم يبتسمون فداء لأحلامهم بوطن عظيم. لم تحزن إسرائيل في تاريخها مثلما حزنت لمشاهد التحريروالعرب يهتفون في بلادهم للثوار ولم يشاهد قادتها كابوسًا أفزعهم مثل هتاف الجيش والشعب إيد واحدة. ولكن إذا كان المصريون قد تسلحوا بالحب والوحدة لإنجاح ثورتهم وإذا كانت تلك هي الوصفة السحرية القاطرة تقدمهم، فإن الكراهية هي أقصرالطرق لضرب هذا الكابوس المرعب الذي يثبت أقدامه الثقيلة فوق قلب إسرائيل. اسرار المصريين كانت التقارير الإسرائيلية والأمريكية والأوربية تفتش في عقول وقلوب وأسرارالمصريين طوال عهد مبارك، كانت منظمات الدعم تعلم عدد القبائل وخلافاتها في صعيد مصر وعدد الكنائس والمسيحيين وأعمالهم ووظائفهم ومظالمهم، وتعرف أسماء المتطرفين إسلاميًا وقبطيًا يساريًا وسلفيا وجميع المعلومات التي تشرح المجتمع المصري ومخاوفه وهواجسه. وكان أعضاء من منظمات كير والعون والمعونة الأمريكية وغيرهم يوظفون عناصر من الموساد الإسرائيلي لدخول البيوت المصرية والأزقة والحارات يحصلون علي جميع المعلومات مقابل ألف جنيه للأسرة بوصفه قرضًا لتربية الدواجن، إذن جاء وقت إخراج الملفات واستخدامها بطرق مباشرة وغير مباشرة لصناعة الكراهية وتدمير الثورة قبل فوات الأوان. وبدأت الصحف الأمريكية تحذر من الربيع الإسلامي الذي يهدد وجود الأقباط والمرأة والحريات الدينية والأقليات وبدو سيناء والبنوك والاستثمارات والفنون والمسرح والسينما وتحرك إعلام مبارك الذي يخشي من صعود الإسلاميين، ينفذ سيناريو إرهاب المصريين من خلال التركيز علي العناصرالأكثر تطرفا وفوجئ المصريون بسيل من تصريحات عناصر محددة، حتي ظن الناس أن قنوات التليفزيون قد أفلست ولم تعد تري سوي هؤلاء وفي المقابل انطلقت تصريحات مضادة علي القنوات ذاتها لمتطرفين أقباط وقدموا صورة أخري حتي ظن الناس انهم خدعوا في الأقباط وان الفضائيات قد كشفت الصورة الحقيقية لهم، ولأن رجل الأعمال نجيب ساويرس، هو الأكثر شهرة بين الأقباط علي الإطلاق لما يملكه من أموال وأدوات تأثير من فضائيات وشركات اتصالات وصحف، فقد لعب الرجل دورا رئيسًا في صناعة الكراهية بين أفراد الشعب المصري وبدأ خطوات مذهلة لم يتوقعها أحد، أولها محاولة القضاء علي حزب الوفد باعتباره أعرق حزب ليبرالي في البلاد، قدم المال وأغري القيادات وقسم الحزب قبل الانتخابات ونجح في إجبار الوفد علي الخروج من التحالف الديمقراطي الذي كان يضم 65حزبا، كانت تتحرك بروح الثورة من توافق واتفاق حول الأهداف الكبري ولكن الرجل بأمواله وإعلامه فتت الوفد والتحالف ونثر كما من بذور الكراهية علي المشهد السياسي، لتخرج قيادات من الوفد تخون قيادات من الوفد وقيادات من التحالف لتخون قيادات من التحالف، واستمرالرجل في لعب دور مرعب في تنفيذ سيناريو الكراهية بنشر رسومه التي تسخر من المحجبات والملتحين وبهجومه علي كل ما هو إسلامي وبالطبع كان ضمن مهام الرجل تخريب العلاقة بين الثورة ودول الجوار فزعم دون دليل أن السعودية وقطر والإمارات قدموا أمولا للإخوان والسلفيين وفشل في تقديم أي دليل ولكن ضربته القاسية والتي قسمت المجتمع كانت في انتخابات مجلس الشعب، عندما أصر الرجل علي إدخال الكنيسة ورجال الدين الأقباط بوصفهم أطرافًا في الدعوة لتحالفه لان به مرشحين أقباطا، فخرج الأقباط خلفه في المرحلة الأولي قبل كشف مصيبته التي أصاب بها المجتمع وعندماحاول التحالف تقديم نموذج لقائمة وطنية من مسلمين وأقباط في دائرة شبرا، أصر الرجل علي تدمير التجربة علي وجه التحديد وشاهدنا كيف تم الاستيلاءعلي صناديق الاقتراع والاعتداءعلي القضاة، ثم كانت قنواته تزرع الفتنة والكراهية كل ثانية كي يتوقف المصريون عن الحب الذي يدمي قلب إسرائيل، وبالتوازي مع ساويرس، كان هناك حمقي من المتطرفين الإسلاميين، يذرعون كراهية أخري لضرب مشاهد التحرير فبدلا من مشهد يد القبطي التي تصب الماء للملتحي كي يتوضأ، استبدل هؤلاء الجناة المجهولين حتي الآن المشهد بأيدٍ تهدم الكنائس في حلوان وأسوان وتقطع الاذن في قنا، وهذه الافعال كانت لاستبدال الصورة الذهنية التي ترسخت في أذهان العالم عن ثورة المصريين وضمن سياسة صناعة الكراهية التي تم إقرارها في مراكز الاستخبارات ونفذت بأيدٍ إسلامية وقبطية، ضرب الوحدة بين عنصري الأمة إذن قد تحققت، وأصبح للثورة ميدانان، التحرير للمسلمين وماسبيرو للأقباط وبدلا من مبادئ ومطالب وزعامات واحدة، أصبح لكل من الفريقين ثقافته وهواجسه من الآخر حتي ظن الأقباط أن الجيش المصري يتواطا مع الإخوان وأنه استباح دم مسيحيي ماسبيرو بينما لم يطلق رصاصاته علي مسلمي التحرير. لأن صناعة الكراهية هي ثقافة وإذا ما انطلقت لا تعرف حدودا او فواصل فقد نجح رجال الاستخبارات الصهاينة والأمريكان في تسريبها إلي مفاصل جميع القوي السياسية، فكما انقسم الوفد وخسرت مصر حزبا ليبراليا عريقا، خسر الإخوان بتمرد شبابهم وتشكيلهم حزب التيار المصري الذي تفرغت عناصره لمهاجمة الجماعة وهم يغترفون من ثقافة الكراهية التي تقدم الآخر عدوًا وتقدم السياسة والثورة فرصة ومغنمًا وليس فكرة ومعني وانقسم التجمع وتمت إهانة رئيسه رفعت السعيد الذي كان رمزا للحزب وتفتت الأحزاب اليسارية لستة أحزاب. روح الثورة ولأن صناعة الكراهية تستهدف ضرب أي مكسب للثورة وتقوم علي تشويه كل من يقترب او يحاول اعادة روح الثورة، فلم يكن غريبًا ان يتفتت شباب الثورة إلي أكثر من مائة ائتلاف، ولم يكن غريبًا أن يخون الثوار بعضهم بعضا كما فعل الشيوعيون في اتحاد شباب الثورة عندما اعتبروا كل عضو غير شيوعي أو لا يتفق معهم في الاتحاد خائنا وعميلا وشاهدنا البيانات والبيانات المضادة بين الأطراف المتصارعة حيث اعتبر كل من يرفض العنف ضد الداخلية متخاذلا وكل من يرفض اهانة المشير عميلا وامتدت صناعة الكراهية لتشمل حركة الإخوان المسلمين، فقط لأنها شاركت في العملية الانتخابية وحصدت أغلبية، وكان مشهد الجمعة قبل الماضي الذي رفع فيه بعض المتظاهرين الأحذية في وجوه شباب الإخوان وبصقوا عليهم وحاولوا اقتحام مجلس الشعب الذي جاء أعضاءه بموافقة 30 مليون مصري، أيضا لأن الأغلبية به للتيار الإسلامي، وأنتجت صناعة الكراهية انقساما مذهلا ومرعبا بين التيار الإسلامي صاحب الأغلبية والتيارات الأخري التي شاركت في الثورة. والصناعة العلمية والممنهجة للكراهية تجلت أعظم صورها في استغلال أطفال وشباب الشوارع وشباب الألتراس وتلقينهم جملا صغيرة مثل تحالف الإخوان والعسكر وسرقة الثورة واعتبارهم أعداء يجب التخلص منهم ومن أدواتهم في الأمن والجيش والبرلمان، وتم فتح مخيمات الاشتراكيين الثوريين لأطفال الشوارع ورعايتهم وشحنهم بكراهية الأطراف الثلاثة الجيش والأمن والإخوان، حتي اعتقد هؤلاء الشباب والصبية أنهم في حرب مقدسة لتحرير مصر والوصول للسلطة بعد التخلص من الثلاثي الذي تفرغ قادة الحركات الثورية لإشاعة الكراهية ضدهم. ثقافة الكراهية واعتمدت ثقافة الكراهية علي تعميق فكرة الكرامة والثأر عند الصبية والشباب، مستغلين في ذلك أخطاء الأجهزة الأمنية التي لا تتعلم من اخطائها، فكلما وقع عنف ولو بسيطا من رجل أمن كلما تم حشد الشباب للثأر واسترداد الكرامة عبرشحنات الكراهية التي لا تترك فرصة للمراجعة. ولان ثقافة الكراهية تقوم عليها أجهزة عالية التدريب فانها لن تتوقف عند حدود فهي تأتي عبر الفضائيات ومن خلال تصريحات نجوم الفضائيات الذين احترفوا الهجوم علي خصومهم السياسيين كما أدمنوا لعبة المزايدة علي كل شيء واذا فشلوا في تقديم الأدلة والاسانيد لجأوا للحكم بالنيات فإذا أعلن خصومهم إيمانهم بالديمقراطية فان هذا للاستهلاك لأنهم ينون الانقلاب عليها بعد وصولهم للحكم، وإذا طالبوا بالاستناد إلي صناديق الاقتراع فإن الثورة سرقت وإذا طالبوا بتنفيذ الجدول الزمني لتسليم السلطة فإنهم متواطئون مع المجلس العسكري. وعلي الرغم من الوعي الفطري لدي الشعب المصري، فإن صناع الكراهية نجحوا في خداعهم وإدخالهم في دوامة الكراهية والتشكيك، وتوقفوا تماما عن مناقشة مشاريعهم الكبري واختفي من الفضائيات عباقرة مصر الذين صنعوا طائرة بدون طيار في أقل من ستة أشهر لتحتل المشهد الذين يعملون لصالح إعدام روح الثورة بوعي أو بدون وعي.