إشكالية منهجية في تربية الإخوان، تنعكس بقوة علي سلوكهم المأزوم في الوقت الراهن، بعد الإطاحة بهم في ثورة شعبية عارمة في 30 يونيه 2013 م. هذه الإشكالية تتمثل في حالة الإنغلاق الفكري التي وضعهم فيها حسن البنا مؤسس الجماعة . فقد سجنهم داخل الجماعة سلوكاً وأفكاراً. فمن حيث السلوك صنف لهم الناس في ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمي معاهد، أو محايد، أو محارب. ولكل حكمه في ميزان الإسلام، وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات ويكون الولاء أو العداء. وطبيعي وفقاً لهذا التوصيف أن تنحصر العلاقة في المسلم المجاهد دون غيره من بين الأصناف الستة، يكون له الولاء، ولغيره البراء والعداء. ثم يضيق عليهم الدائرة فيطالبهم بمقاطعة المحاكم الأهلية وكل قضاء غير اسلامي، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض الفكرة الإسلامية الإخوانية مقاطعة تامة. ومن الواضح هنا أن المقصود ليست الفكرة الإسلامية علي إطلاقها، وإنما يقصد الفكرة الإسلامية كما يفهمها الإخوان، والمقاطعة تكون ابتداءًا لمن لم يتعامل معها إصلاً. ويزيد علي ذلك بأن يتخلوا عن صلتهم بأي هيئة أو جماعة لا يكون الإتصال بها في مصلحة الفكرة، أي: الإخوانية وبخاصة إذا أُمروا بذلك. حتي ولو كانت اسلامية لأم المحك هنا هو خدمة مصلحة الجماعة لا خدمة الإسلام. ثم يفرض عليهم نوعاً من العزلة الإختيارية الجيتو بالعمل علي إحياء العادات الإسلامية وإماتة العادات الأعجمية في كل مظاهر الحياة، ومن ذلك التحية واللغة والتاريخ والزي والأثاث، ومواعيد العمل والراحة، والطعام والشراب، والقدوم والإنصراف، والحزن والسرور.. الخ. والعبرة هنا هي إيجاد نوع من التميز بينهم وبين غيرهم من المسلمين لأنه ليس هناك ما يسمي عادات اسلامية بالمعني التعبدي. ثم تمتد العزلة إلي المجال الإقتصادي فلا يحرص الإخواني علي الوظيفة الحكومية، ولا يرفضها إذا أتيحت له، ولا يتخلي عنها إلا إذا تعارضت مع واجبات الدعوة الإخوانية. وأن يحرص علي العمل الحر مهما كانت مواهبه العلمية، وأن يكون له عملاً إقتصادياً مهما كان غنياً. وأن يخدم الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الإقتصادية الإسلامية، وأن يحرص علي القرش فلا يقع في يد غير اسلامية مهما كانت الأحوال، وألا يلبس أو يأكل إلا من صنع الوطن الإسلامي بالمفهوم الإخواني عن الوطن، وهو وطن العقيدة لا وطن الحدود الجغرافية. واعتقد أن الشخصيات الإعتبارية أو المعنوية ليست محلاً لهذا الوصف إلا باعتبار العاملين بها، ولما كان الإسلام الإخواني له مواصفات خاصة تختلف عن اسلام غيرهم، باعتبار أن إيمانهم يختلف عن إيمان غيرهم، ، فإطلاق وصف الإسلامية علي المصنوعات والمنشآت الإقتصادية يقصد من وراءه تلك التي يعمل بها أو يديرها الإخوان دون غيرهم. هذا في مجال العزلة السلوكية. أما العزلة الفكرية فتتمثل في قصر المطالعة علي رسائل الإخوان وجرائدهم ومجلاتهم ونحوها ، وأن يُكَوِّن الإخواني مكتبة خاصة به مهما كانت صغيرة، وأن يتبحر في علمه وفنه إن كان من أهل الإختصاص، وأن يلم بالشؤون الإسلامية العامة إلماماً يمكنه من تصورها والحكم عليها حكماً يتفق مع مقتضيات الفكرة الإخوانية. وأن يدرس السيرة النبوية المطهرة، وتاريخ السلف بقدر ما يتسع له وقته. أما ما عدا ذلك من أفكار وابداعات في مجالات العلوم والفنون فلا لزوم له. وتتضح ملامح هذه العزلة السلوكية والفكرية فيما أورده البنا في كتابه الرسائل حين يقول: ' وأُريد بالتجرد: أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المباديء والأشخاص، لأنها أسمي الفِكَر وأجمعها وأعلاها '. ومن المعروف أن التجرد هو أحد الأركان العشرة للبيعة الإخوانية التي يقتضي الإيمان بها النهوض بما تقدم باعتباره لبنة قوية في البناء التي يجب النهوض بواجب أداءها.