أدبيات الجماعة تزخر بعشرات الفتاوى التحريضية ضد المسيحيين المصريين لم تتبرأ منها القيادات حتى الآن مرشد الإخوان قرر أن يصبح وصيًّا على الأقباط فخلع تواضروس الثانى من الكرسى البابوى فى خطبته ب«رابعة العدوية» بعيدا عن حديث الدم والقتل والتحريض على حرق البلد، دفاعا عن شرعية زائفة غرقت فى فيضان 30 يونيو، فإن الظهور المسرحى لمرشد الإخوان المسلمين، فى اعتصام مؤيدى «الرئيس المعزول»، بإشارة رابعة العداوية، إنما يحمل دلالة فادحة لذهنية أبناء حسن البنا الظلامية، عن الآخر المصرى، بمسلميه وأقباطه. ببساطة الإخوان ينفون عن غير المنتمين لجماعتهم وأفكارها، صفة الإسلام من الأساس. ذلك على المستوى العقائدى.. هم فقط المسلمون الموحدون أو «الربانيون»، حسبما يصفون بعضهم البعض. أما على المستوى الوطنى، فهم لا يعترفون بحدود، ولا سيادة، ولا ثوابت مجتمعية أو خصوصية ثقافية. الأرض كلها جزء من الخلافة الإسلامية التى يسعون لإحيائها تحت لواء السيفين والمصحف والشعار الأكثر دعوة على الجهاد «وأعدوا». ومن ثم حين دعتهم البراجماتية السياسية، للاتشاح بثوب الوطنية، طمعا فى كرسى الحكم، نفوا عن غير الإخوان جنسيتهم المصرية، واعتبروا معارضيهم، جزءا من أعداء الدولة المصرية، التى لم يكن يتردد محمد مرسى، طيلة عام مضى، فى منح مساحات من ترابها تارة للسودان، وتارة ثانية لقطر، وثالثة لحماس. بينما يتفرد الأقباط دوما، عن المسلمين، فى مصر، وفق رؤية الإخوان، بهتانا وزورا، بأنهم خطر على الدولة الإخوانية من ناحية، وعدو تاريخى للمشروع الإسلامى من ناحية أخرى. وعليه قرر المرشد أن يكون وصيا على الأقباط، الذين هم فى العقلية الإخوانية، مجرد أهل ذمة يحق انتزاع الجزية منهم، معلنا خلع البابا تواضروس الثانى، من كرسى مرقس الرسول، خلال كلمته التحريضية أول من أمس فى رابعة العدوية، مؤكدا أن بابا الأقباط لا يمثلهم (تواضروس لا يمثل المسيحيين)، لمجرد أن الأخير انحاز للثورة الشعبية ضد فاشية الإخوان. المبكى فى الأمر أن كلام المرشد فى رابعة العدوية، لم يشعل الإرهاب الإخوانى تجاه عموم المصريين الثائرين فحسب، وإنما أدى كذلك لجريمة طائفية بشعة، باستهداف مسلحين قسا فى العريش، حيث أنزلوه من سيارته، قبل أن يصوبوا فوهات بنادقهم الآلية ببشاعة تجاهه، فأردوه قتيلاً فى الحال. ولا يبدو حديث المرشد الكريه تجاه الأقباط ورمزهم الدينى الأكبر، لأى متابع للشأن الإخوانى، أو مدقق جيد فى أدبياتهم، عبر نحو 84 عاما ماضية، هى عمر جماعة الإخوان المسلمين، مفاجأة بأى حال من الأحوال، الأمر لا يتعدى كونه حلقة جديدة فى مسلسل العداء الإخوانى لشركاء الوطن. وتكفى هنا الإشارة إلى الفتوى الصادرة، عن مفتى الجماعة، وعضو مكتب إرشادها، الدكتور عبد الرحمن البر، قبيل ساعات قليلة من عيد القيامة المجيد الأخير، التى حرم فيها صراحة تهنئة الأقباط بالعيد، زعما بأنه يخالف تعاليم الإسلام، لينسف تسامح الجماعة المصطنع تجاه الأقباط فى أوقات الانتخابات، أو التودد للغرب المسيحى، ويتذكر الجميع وجهها العابس المناور بلا أى عمليات تجميل. إن فتوى البر وغيرها لتضاف إلى سجل بغيض ضد الأقباط، حافل بتصريحات ومواقف قيادات الجماعة وكوادرها، فى أكثر من مناسبة وأزمة منذ وصولهم إلى الحكم وحتى ثورة المصريين عليهم. فالدكتور محمد البلتاجى لم يتردد فى كل المظاهرات المناوئة للإخوان، فى اتهام الأقباط بأنهم يمثلون 60% من وقودها. بينما لم يتردد، عصام الحداد، مساعد الرئيس المعزول، فى الادعاء فى رسالة للإعلام الغربى أن فتنة الاعتداء على الكاتدرائية أشعلها الأقباط، مع أنهم كانوا المعتدى عليهم. على مدار تاريخ الإخوان، زخرت كتاباتهم وأقول قادتهم الكبار بفتاوى تحريض ضد الأقباط، كما أن الكتائب والأسر السرية للجماعة، وجلسات وضوح الرؤية التى تنظمها لشبابها، فى الأوقات العصيبة، لا تصنف المصرى القبطى إلا فى خانة العدو، بينما لم تخرج علينا أى قيادة حالية أو راحلة لتعتذر عن تلك الفتاوى، أو لتقدم مراجعة فكرية لها، لتظل شاهدة على طائفية الجماعة. المرشد المؤسس حسن البنا، حسب كتاب «الكنيسة المصرية.. توازنات الدين والدولة»، للباحث فى شؤون المواطنة هانى لبيب، حرم الاستعانة بأهل الكتاب فى أى أمور تخص الولاية العامة، ناهيك بالآراء التكفيرية لسيد قطب، الذى لم يفرق بين دعاة العلمانية، التى تعبر عن جاهلية المجتمع فى أبشع صورها، وبين المسيحية التى يتهمها بالشرك، بينما تفرد المرشد الخامس للإخوان الحاج مصطفى مشهور، بالجهر بلا تردد، أن على الأقباط دفع الجزية عوضا عن عدم التحاقهم بالجيش، الذى يجب أن يظل جيشا مسلما، لأنه لو حارب دولة مسيحية فربما انحاز المسيحيون الذين فى صفوفه إلى جيش الأعداء. لكن مفتى الجماعة السابق الشيخ محمد عبد الله الخطيب، أضاف ما هو أخطر على كلام مشهور، فى فتواه المنشورة فى مجلة الدعوة، وفى عدد من كتب الجماعة، عن حكم بناء الكنائس فى دار الإسلام، فيقول بلا أى خجل «الحكم على ثلاثة أقسام: الأول بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها كالمعادى والعاشر من رمضان وحلوان. هذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة. والثانى ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا.. فهذه أيضا لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها. وبعض العلماء المسلمين قال بوجوب الهدم لأنها بلاد مملوكة للمسلمين. والقسم الثالث ما فتح صلحا بين المسلمين وبين سكانها. والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس وبيع على ما هى عليه فى وقت الفتح ومنع بناء وإعادة ما هدم منها». من فتاوى الخطيب التحريضية ضد الأقباط أيضا، أن الجار غير المسلم ليس له نفس حقوق الجار المسلم، ولا يجوز أى مسلم «إعزاز غير المسلم»، وإذا ما قام غير المسلم بإلقاء السلام على المسلمين، فلا يجوز الرد عليه إلا بكلمة «وعليكم». وفى كتابه «فتاوى حول الدين والدنيا»، يقول، حسب بحث للباحث فى شؤون المواطنة، سامح فوزى، إن خادمة البيت المسلم يجب أن تكون «مسلمة»، ووصف من لا ترتدى غطاء رأس (حجاب) بإحدى ضحايا الغزو الصليبى، وأن دعاوى تحديد النسل تأتى فى إطار مؤامرة على المسلمين لضرب قواهم البشرية، زاعما تقديم الجوائز لغير المسلمين لمن تنجب أطفالا أكثر من غيرها، بل إن المرأة المسلمة التى تضطرها الظروف إلى وجوب خضوعها لرعاية صحية لا بد أن تعرض على طبيب مسلم، دون غيره، وإذا ما تزوج المسلم من «نصرانية.. فعليه أن يبذل مزيدا من جرعات التربية الدينية لطفله، حتى ينجو من عثرات أمه»، بينما أفتى ذات مرة بعدم جواز دفن غير المسلم فى مقابر المسلمين حتى لا يتأذى المسلمون بعذابه. الشيخ يوسف القرضاوى، صاحب الجذور الإخوانية، الذى يشار إليه باعتباره الرمز الدينى الأعلى فى دولة الخلافة الإخوانية، اعتبر فى كتابه «غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى» أن من صور تسامح الإسلام قبول تولى الذمى وزارة التنفيذ لا وزارة التفويض التى يعهد إليها تدبير الأمور السياسية والاقتصادية والدينية كالإمامة ورئاسة الدولة وقيادة الجيش والقضاء بين المسلمين. كما أن مجلة الدعوة الإخوانية حرصت فى معظم أعدادها طيلة سنوات التسعينيات على اتهام البابا شنودة الثالث بإشعال الفتنة الطائفية فى مصر. وحسب الباحث فى شؤون المواطنة، هانى لبيب، فإن بعض القيادات الإخوانية وعدد من الكوادر الصغيرة ليس لديهم أى معرفة من الأساس بالأقباط وتاريخهم ولا بالكنيسة ودورها الوطنى، والعديد منهم لا يفرق بين المسيحى المصرى والمسيحى الأمريكى أو الإنجليزى، وبالتالى يتم النظر إلى المسيحى المصرى كتابع للغرب المستبد، ويتم توجيه كل آيات الغضب تجاهه بنفس المنطق. وبالتالى فإن موقف الإخوان من المسيحيين المصريين يحكمه الطائفية النصوصية والفكرية، من خلال تفسيرهم للنصوص الدينية بما يدعم الطائفية، فضلاً عن تديينهم المجال السياسى، وإضفاء «المقدس» على الشأن العام. معتبرا أن الطرح الذى يتبناه الإخوان بضرورة أن تخضع الأقلية للأغلبية، هو منطق فاسد لا يرنو إلا لتمكين الديكتاتورية. تلك كانت عينة بسيطة من طائفية الإخوان تجاه جزء أصيل من نسيج مصر الوطنى، فعن أى شرعية يتحدثون؟!