بالتأكيد هى إشكالية كبرى سوف تواجه الرئيس القادم حال قدومه من داخل تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، تتعلق بتوزيع ولاءاته، جرَّاء قَسَمه على السمع والطاعة بين يَدَى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بموجب إعطائه بيعةً فى رقبته ليس بمقدوره النكوث عنها، ولا يجوز له التحلل منها، ويزداد التشابُك تعقيدًا كَوْن الجماعة تنظيمًا دوليًّا، ترتبط سياسياته العامة واستراتيجياته بفروعه فى مختلف دول العالم، وبين اليمين الدستورية التى يؤديها الرئيس المنتخب قبل أن يبدأ فى تسلم مهامه الرئاسية، على احترام الدستور والقانون فيما يتعلق بالمحافظة على سلامة الوطن والنظام الجمهورى ورعاية مصالح الشعب المصرى. "أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جنديًا مخلصًا فى جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع فى العُسر واليُسر والمنشَط والمَكره إلا فى معصية الله، وعلى أثَرةٍ علىَّ، وعلى ألا أنازع الأمرَ أهلَه، وعلى أن أبذل جهدى ومالى ودمى فى سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والله على ما أقول وكيل"، "فمَن نكث فإنما ينكثُ على نفسِهِ ومَن أوفى بما عاهد عليه اللهَ فسيؤتيه أجرًا عظيمًا"". على ما تضمَّنته البيعة السابقة، أقسم الدكتور محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين لرئاسة الجمهورية، وكذلك أقسم كل قيادات الإخوان، وكل مَن وصل إلى درجة "أخ عامل" من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أمام المرشد العام، وهم يقدمون البيعة بين يديه التى تضمنت عشرة أركان وهى: الفَهْم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوَّة والثقة. وهذه البيعة بأركانها العشرة تعنى إعطاء العهد من المبايع على السمع والطاعة للإمام (المرشد العام) فى غير معصية، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعدم منازعته الأمرَ، وهو ما ينعى تفويض الأمور إليه والقبول بما يقول والسمع والطاعة له. وحول أزمة الولاءات بين القسم والبيعة، يقول ثروت الخرباوى القيادى الإخوانى السابق، وأحد الذين أعطَوُا البيعة للمرشد الرابع للجماعة محمد حامد أبو النصر: إذا جاء رئيس الجمهورية من داخل جماعة الإخوان المسلمين، فإنه طبقًا للمعايير الإخوانية سوف يسقط فى أزمة تعدد الولاءات، موضحًا أنه حينما نص الإعلان الدستورى فيما يتعلق بشروط الترشح لانتخابات الرئاسة بألا يكون المرشح للرئاسة أو أحد من أبويه قد حمل جنسية أجنبية، فإنه كان يقصد من وراء ذلك أن يكون الولاء الوحيد لمصر فقط؛ لأنه من الممكن أن يحدث انحياز نفسى لولاء آخر غير الولاء لمصر، ومن هنا نفهم هذا النص فيما يتعلق بالانتقاء العرقى الذى نص على الإعلان الدستورى، وأضاف القيادى الإخوانى السابق أن المرشح إذا كان ينتمى لحزب سياسى مدنى فلا توجد إشكالية؛ لأن الأحزاب المدنية ليس لها عقائد أو أيديولوجيات، وكذلك إذا كان المرشح ينتمى إلى حركة سياسية أو حتى إسلامية محلية، فهنا لا توجد إشكالية؛ لأنه لا يوجد خروج بالأفكار عن النطاق المحلى، كما لا يوجد فيها قسم ولا بيعة، أما حينما يكون الرئيس من جماعة الإخوان المسلمين، وهى تنظيم دولى؛ حيث توجد فروع لجماعة الإخوان المسلمين حوالى 88 دولة من دول العالم، ومن ثم فإن الشخص الذى يترشح لرئاسة الجمهورية هو شخص أقسم بالولاء للمرشد ولجماعة الإخوان المسلمين على ما عداها من ولاءات؛ باعتبار أن الإسلام هو الدولة الأسمى؛ لأن نظرة الإخوان للقوميات نظرة مرتبطة بمفهوم الإسلام، حيث يستدلون بأحاديث النبى، صلى الله عليه وسلم، فى غير مواضعها، فيما يتعلق بالولاء الأسمى للجماعة التى يريدون أن تصل بهم إلى دولة الخلافة الإسلامية، وأستاذية العالم، ومن ثم فالولاء للجماعة أقوى من الولاء للبلد، وإذا تعارضت مصالح الجماعة مع مصالح مصر، فالأوْلى أن يقدم مصالح الجماعة، وهذا المعنى المستفاد من البيعة للمرشد والجماعة، مشيرًا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تمارس أفكارها من أجل تحقيق الولاء الأكبر للإسلام، فإذا ما حدث تناقُضٌ بين مصلحة مصر وبلد آخر فإن الولاء فى النهاية لمصلحة التنظيم الدولى، على اعتبار أن دولة الإخوان المسلمين المستقبلية هى دولة أكبر من حدود الوطن "مصر"، التى هى مجرد مرحلة للوصول إلى إقامة دولة كبرى هى دولة "الخلافة الإسلامية"، ومن ثم يقدم الولاء الأكبر على الولاء الأصغر، وأكد الخرباوى أن الرئيس إذا كان منتميًا تنظيميًا وليس فكريًا فقط لجماعة الإخوان المسلمين، فإنه لا يستطيع أن يُبرم أمرًا من دون موافقة المرشد العام للجماعة ومكتب الإرشاد، وقد أعلنوا هم عن ذلك صراحة، حينما قالوا: إننا نؤيد مؤسسة تقوم على إدارة شئون البلاد، فمكتب الإرشاد هو الذى يقرر ترشيح مَن يراه ويؤيده، وهذا المرشح أقسم على البيعة، وهى قيد فى رقبته أمام المرشد ومكتب الإرشاد، ولا يستطيع أحد أن يحرره منها. وأكد مختار نوح القطب الإخوانى المنشق أننا نمر بمرحلة اللعب بالألفاظ ليس من إدارة الإخوان فقط، وإنما أيضًا من الكثيرين الذين نتوسَّم فيهم الدقة فى اللفظ، والمصداقية فى التعبير، فعلى سبيل المثال لا يوجد شىء اسمه الاستقالة من جماعة الإخوان المسلمين، وليس هناك تعبير أدبى ولا لائحى اسمه الاستقالة من جماعة الإخوان المسلمين؛ ذلك أن البيعة لا نهاية لها، لا بالوفاة ولا بالاستقالة، ولا حتى بالفصل من الجماعة، فهى بيعة أدبية وفقًا لأدبيات الجماعة، وتشمل البيعة جميع أركان التعامل النفسى والمادى، من حيث إنها تبدأ بالفهم كعمل عقلى، وتنتهى بالثقة بالقيادة والسمع والطاعة، وشدد القيادى الإخوانى السابق على أنه لا توجد من حالات إنهاء البيعة إلا حالة واحدة، وهى "التحلُّل من الارتباط بالجماعة مطلقًا من جانب العضو"، أما الجماعة فلا تعرف أدبياتها فصل الفرد، وإنما تعرف التعامل معه فى حالة المخالفة على أنه خارج التنظيم، ولكنه حامل للفكر، وتظل البيعة حول رقبته حتى يلتزم هو بها، أما الجماعة فلا تحرمه من نعمة البيعة!، وفقًا لأدبيات الجماعة، وعلى هذا رفض الإمام حسن البنا فصل الكثيرين من الجماعة، على الرغم من تقديم الشكاوى بشأنهم والتحقيق معهم، وهذا ثابت فى كتاب حسن البنا الذى يعبر عن ذلك "مذكرات الدعوة والداعية"، وكشف القيادى الإخوانى السابق أنه إذا جاء رئيس الجمهورية من جماعة الإخوان المسلمين فإن فى رقبته بيعةً لا يستطيع التحلل منها، موضحًا أن كلمة "استقالة" التى تُستخدَم فى تقريب هذا الاستقلال إلى العقول، فهى مجرد مداعبات فكرية، فإما أن يترك الشخص التنظيم بوسائله وأهدافه، وإما أن يكون داخل التنظيم حتى لو أعلن ألف استقالة، ومن ثَمَّ المفروض أن يتمسك مرشح جماعة الإخوان المسلمين ببيعته، وأن يجاهر الناس بصدق مشاعره وانتمائه، لا أن يدور حول هذا المعنى كسبًا للأصوات. وأضاف نوح أن هذا هو رأيه الشخصى، مطالبًا المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أن يسامحه عليه، وأن يراجع "مذاكرات الدعوة والداعية" للإمام حسن البنا؛ فالجماعة ليست شركة إدارية، والبيعة ليست عقدًا بين العضو وبين صاحب العمل؛ فالجماعة هى رسالة خاصة يقوم بها مجموعة من الأفراد، لا يستقيلون ممن أخذوه ورتبوه على أنفسهم، ولا يستقلون عنه، فهم أشبه بمجموعة من الناس اتفقوا على أن يخوضوا الصحراء، وأمَّروا عليهم أحدهم، فيكون الخارج عن هذه المجموعة هالك ولا شك!، وفقًا لأدبيات هذه الجماعة. ووصف عبد الرحيم على المتخصص فى شئون الجماعات الإسلامية وصول مرشح جماعة الإخوان المسلمين إلى مقعد الرئاسة بالكارثة الحقيقية، موضحًا أن ولاءه الأول والأخير سوف يكون للمرشد العام ومكتب الإرشاد الذى منحه أصواته، ورشحه للانتخابات، وأنفق على حملته الانتخابية، باعتباره مرشح الجماعة، مضيفًا أنه طبقًا لعقيدة التنظيم الإخوانى الدينية، فإن المرشد العام هو الذى يحكم مصر شعبًا وحكومةً، وأوضح أن إشكالية جماعة الإخوان المسلمين تكمن فى كوْنها تنظيمًا دوليًا، ومن ثم له شبكة من العلاقات الدولية، ويريد أن يكسب أرضية وسمعة فى معظم دول العالم، وهذه لابد أن يقابلها عطاء على مستوى القرار السياسى فى البلدان التى تحكمها، وهذا قد يدفعها إلى التورط فى قرارات سياسية، من أجل الحصول على اعتراف بها من أمريكا وغيرها، كما أن القضية الفِلَسطينية لن ينظر لها فى ضوء المحددات المصرية، ولكنها سوف ترتبط بقرارات وسياسات التنظيم العالمى لجماعة الإخوان المسلمين، متوقعًا أن تخوض مصر حروبًا ومعارك مع دول وجهات عديدة ترتبط بعلاقات ومصالح وتحالفات التنظيم الدولى للإخوان، وأكد على أن اللعبة كلها سوف تكون فى يد المرشد ومكتب الإرشاد، محددًا أن علاقة رئيس الجمهورية "الإخوانى" بهما هى علاقة السفلى بالعلوى، مثل ارتباط العبد بسيده، لا يملك اتخاذ قرار، بل ستُصنع القرارات داخل مكتب الإرشاد. وأوضح الدكتور كمال الهلباوى القيادى الإخوانى المستقيل أن البيعة تكون لله ورسوله، وليست لشخص المرشد العام أو الجماعة، وكذلك اليمين الدستورية التى يؤديها الرئيس المنتخَب لرئاسة الجمهورية تكون أيضًا لله ورسوله، ومن ثم فلا يوجد تعارض أو تناقض بين القسم على احترام الدستور والقانون، وبين قسم البيعة حال مجىء رئيس الجمهورية من داخل جماعة الإخوان المسلمين، وأكد المتحدث السابق باسم جماعة المسلمين فى الغرب أن رئيس الجمهورية مسئول مسئولية كاملة أمام البرلمان، وليس مكتب الإرشاد، موضحًا أن البيعة لجماعة الإخوان المسلمين لا تتنافى مع ذلك؛ لأن الجماعة جزء من الوطن الذى هو مصر، ومصر جزء من الأمة العربية، والأمة العربية جزء من الأمة الإسلامية، ومن ثم فنحن إزاء اتساع المسئولية مع اتساع الدوائر، ومن ثم فالرئيس إذا كان إخوانيًا فإنه ينتقل من المسئولية الصغرى التى تخص الجماعة أو حزب "الحرية والعدالة" إلى مسئوليته الكبرى التى تتمثل فى الوطن التى تستدعى الالتزامات العامة أمام الدستور والقانون والشعب والبرلمان، وليس أمام المرشد ومكتب الإرشاد، اللذين يقتصر دورُهما على إدارة شئون الجماعة، ولا يجاوزها بأى حال من الأحوال إلى إدارة شئون البلاد، والتدخل فى قرارات الرئاسة. وفى شأن متصل نفى الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق وجود أى تعارض بين البيعة والولاء والحب والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وبين اليمين الدستورية التى يؤديها الرئيس إذا جاء من بين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، موضحًا أن ارتباطه بالتنظيم وحبه له سوف يكون دافعًا له على تطبيق النموذج الإخوانى لمصلحة مصر، بل تطبيق هذا النموذج فى كل بلدان العالم التى يوجد للجماعة أتباع وفروع فيها. وعلق الدكتور محمد الجوادى المؤرخ السياسى على أن ازدواجية الولاءات لا تسبب أية إشكاليات حال فوز مرشح الإخوان، أو غيرها من التيارات الأخرى بمنصب الرئاسة، واستبعد أن يكون الرئيس القادم من داخل جماعة الإخوان المسلمين.