يتعاملون وكأنهم ملائكة لا يجوز ان ينتقدهم احد.. وخاصة من أعوانهم واتباعهم وأعضاء جماعتهم.. فإن كنت واحداً من هؤلاء واقدمت علي أي نقد كان جزاؤك التحقيق ثم الايقاف واخيراً الفصل والطرد من جنة الاخوان بتهمة مخالفة اوامر وقرارات مكتب الارشاد او المرشد، اما اذا كنت خارج الجماعة وأحد منتقديها فإنك لن تتعرض للفصل لأنك لست عضوا بها ولكنك ستتعرض للصق العديد من التهم التي يحفظها قادة الاخوان ويدخرونها لخصومهم فاما ان تكون علمانيا معاديا للاسلام واما تكون احد فلول النظام السابق. الديكتاتورية شعار رفعه الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين عقب ثورة يناير في التعامل مع معارضيه ومنتقديه من اعضاء جماعته نفسها والتحقيق والفصل والطرد هي وسائل رئيس جمهورية الاخوان في النيل ممن تسول له نفسه مخالفة أوامره وعدم تطبيقه للمبدأ الاخواني المعروف السمع والطاعة في المكره والمنشط لأوامر وقرارات المرشد العام. واذا كانت الديكتاتورية واتباع أسلوب الاقصاء لاعضاء الجماعة المخالفين والمعارضين هي آلية يتم التعامل بها داخل مكتب الارشاد فان اكثر ما يقلق البعض ان تنسحب تلك الآلية علي الجميع في حال وصول الاخوان للحكم، بحيث يتم التعامل مع الشعب المصري بنفس الطريقة والآلية التي يتعامل بها بديع مع أعضاء جماعته، فيحيل للتحقيق من يخالف في الرأي، ويجبر جموع المصريين علي تطبيق مبدأ السمع والطاعة دون مناقشة او معارضة او نقد. تخوف البعض من ديكتاتورية الاخوان وله ما يبرره من تعامل "بديع" من أعضاء جماعته عقب الثورة، ما زاد من قلق الكثيرين أن يتم اعادة انتاج حكم النظام البائد في صورة "اسلامية" بحيث يتم استبدال الحزب الوطني بحزب الحرية والعدالة الذي وافقت علي تأسيسه امس الاول لجنة شئون الاحزاب. دلائل الديكتاتورية التي مارسها بديع داخل جمهورية الاخوان عقب الثورة متعددة، حيث تم احالة ستة اعضاء من الجماعة للتحقيق لمخالفتهم اوامر بديع بتهمة افشاء اسرار الجماعة الي بعض منهم. احالة الاعضاء الستة للتحقيق زاد من مخاوف القبضة الحديدية في حالة اذا ما وصلت الجماعة للحكم فعلاً. واذا استعرضنا الحالات الست نجد ان الحالة الاولي كانت لثلاثة من شباب الجماعة وهم احمد اسامة المتحدث الاعلامي لحملة دعم الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح لرئاسة الجمهورية ومحمد جمال منسق الحملة في محافظة المنيا، ومعاذ عبد الكريم عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة والذين تم التحقيق معهم بعد اعلان دعمهم لأبو الفتوح حيث جري استدعاؤهم للمكاتب الادارية كل في محافظته للتحقيق والزامهم بمبدأ السمع والطاعة وامرهم بعدم دعم أبو الفتوح بحجة أن الجماعة ليس لها مرشح للرئاسة، الامر الذي رفضه الشباب الثلاثة الذين اعلنوا انهم مقتنعون بكاريزما أبو الفتوح ووسطيته وتبنيه لرؤية اصلاحية معتدلة لقيادة مصر خلال الفترة المقبلة. وهو ما أكده محمد جمال الذي اشار الي أن لجنة التحقيق طالبته بعدم تأييد أبو الفتوح فقال لهم "أنا مقتنع به وتأييدي له ليست له علاقة بمبدأ السمع والطاعة وهو نفس الموقف الذي اتخذه احمد أسامة الذي فجر مفاجأة بقوله ان عدداً من قيادات واعضاء مجلس شوري الجماعة يؤيدون أبو الفتوح للرئاسة، ما دفع "بديع" لاستكمال التحقيق مع الجميع وهو ما حدث ايضا مع معاذ عبد الكريم الذي تمت احالته للتحقيق بزعم مخالفته لتعليمات القيادات. اما رابع الحالات التي تم استدعاؤها للتحقيق فهو عبد الجليل الشرنوبي رئيس تحرير موقع "اخوان اون لاين" الذي قدم استقالته من منصبه الاسبوع الماضي وقام بتسريب استقالته الي عدد من المواقع الالكترونية، ما اعتبره "بديع" بمثابة إفشاء أسرار الجماعة، خاصة بعد تصريحات الشرنوبي لوسائل الاعلام التي اكد فيها ان الجماعة استغنت عن عدد من الاعلاميين عقب الثورة. خامس الحالات هي حالة اسلام لطيف احد شباب الاخوان الذي صرح الخميس الماضي بأن قيادات مكتب ارشاد الجماعة امرت شباب الاخوان بالانسحاب جمعة الغضب وموقعة الجمل علي احدي القنوات الفضائية ما كان سبباً في استدعائه للتحقيق. سادس تلك الحالات هي حالة صبحي صالح القيادي الاخواني الذي تم استدعاؤه للتحقيق علي إثر تصريحاته المثيرة للجدل الاسبوع المنقضي والتي اكد فيها ان فئة غير مسلمة "تجلس علي الرصيف" خلال مناظرته مع الاعلامي خالد منتصر ببرنامج "العاشرة مساء" وقوله انه لا يعترف بالمسلم الليبرالي او العلماني، وفتواه بأن من يهاجمه يهاجم الاسلام، كما صرح صالح بأن الشاب الاخواني لا يتزوج الا فتاة اخوانية ومن يخالف ذلك فهو شاب "فلوطة" ما استفز الدكتور عصام العريان عضو مكتب الارشاد فراح يؤكد أن تصريحات صالح تخصه ولا تعبر عن الجماعة. لم تشهد جمهورية "بديع" احالة ستة من اعضاء الجماعة للتحقيق عقب الثورة وحسب، بل ان اداء بديع "المستبد" ادي الي استقالة قياديين بارزين محسوبين علي التيار الاصلاحي بالجماعة، حيث قدم الدكتور ابراهيم الزعفراني، عضو مجلس شوري الجماعة استقالته في شهر ابريل الماضي بعد 45 عاما من العمل التنظيمي داخل الجماعة اعتراضاً علي ما اسماه تجاهل مجلس شوري الاسكندرية دعوته وعدم الرد علي مذكرته التي قدمها للطعن في انتخابات مكتب الارشاد التي جرت في يناير الماضي واعتراضا علي عدم فصل حزب الحرية والعدالة عن العمل الدعوي والتربوي والاجتماعي للجماعة وقال في مذكرته ان مكتب الارشاد قام بتعيين وكيل المؤسسين الدكتور محمد مرسي، وهو ما اعتبره دليلاً علي تبعية الحزب للتنظيم، واكد الزعفراني في اسباب استقالته ان منع افراد التنظيم من تكوين احزاب غير حزب الحرية والعدالة او الاشتراك في احزاب اخري كان ضمن اهم اسباب استقالته، مؤكداً ان ذلك يحرم افراد الجماعة من الاندماج في المجتمع ويبقيهم علي عزلتهم التي لازمتهم قبل الثورة. والغريب أن بديع قبل استقالة الزعفراني بصدر رحب ولم يتصل احد من اعضاء مكتب الارشاد بالزعفراني ليثنيه عن استقالته باستثناء العريان. اما ثاني الاستقالات التي شهدتها الجماعة عقب الثورة بسبب الممارسات المستبدة لبديع فكانت استقالة القيادي الاخواني هيثم ابو خليل الشهر الماضي علي خلفية ما اسماه عدم اتخاذ اجراءات صارمة وحاسمة ضد اعضاء مكتب الارشاد الذين حضروا مقابلة سرية مع اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق للتفاوض علي انهاء الثورة، وعقد صفقة مع سليمان مقابل السماح للجماعة بانشاء حزب سياسي وجمعية أهلية، مؤكداً ان الجماعة تتعامل مع المخالفين كالصابئين الذين تركوا الدين والملة. وأكد أبو خليل في استقالته ايضا ان الجماعة عقدت صفقة مع النظام السابق في الانتخابات البرلمانية عام 2005 لتحصل علي 88 مقعداً مقابل السماح للنظام بالتزوير في دوائر اخري مشيراً الي أن صبحي صالح نفسه عرض علي الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب "المنحل" ان يعطيه صوته لرئاسة المجلس رغم ترشح صالح امامه في عام 2005 علي رئاسة المجلس، واختتم ابو خليل استقالته بقوله "ان الولاء داخل الجماعة للتنظيم والافراد وليس الولاء للامة" وهو نفس ما حدث مع كل من المهندس خالد داوود وحامد دفراوي لاعتراضهما علي انتخابات مكتب الارشاد. ديكتاتورية بديع ومن معه في حكومة مكتب الارشاد بدأت قبل الثورة بعام تقريباً اثناء اجراء انتخابات اعضاء مكتب الارشاد حينما تم اقصاء القياديين الدكتور محمد حبيب نائب المرشد السابق والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب ارشاد الجماعة السابق من عضوية المكتب ضمن سيناريو نفذته مجموعة بديع والدكتور محمود عزت نائب المرشد الحالي للاطاحة برموز التيار الاصلاحي الذين يسببون صداعاً في رأس التيار القطبي داخل الجماعة والذي يتزعمه عزت وبديع. من جانبه اكد هيثم أبو خليل القيادي الاخواني والمحسوب علي جبهة المعارضة الاخوانية ان الجماعة تنقصها لائحة جزاءات عادلة وهيئة قضائية تقوم بدور محاسبة من يتجاوز اللائحة ما ادي الي غياب الشفافية في التحقيقات الداخلية. اما الدكتور نبيل عبد الفتاح الخبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فيؤكد انه لا يمكن فهم ما يحدث داخل مكتب الارشاد ازاء من لا ينصاعون للقرارات التي تصدر من قمة التنظيم مرجعاً ذلك لفكرة الطاعة العمياء التي يتم الزام الاعضاء بها وتحديداً بحق المرشد، وقال الجماعة استمرت لعقود طويلة في انتهاج العمل السري وفكرة الطاعة والثبات عند الحق.. واضاف: التربية الاخوانية الكلاسيكية لم تكن في يوم من الايام ديمقراطية، وكانت تحكم علاقة العضو داخل الجماعة بالمرشد ما يمكن تسميته العلاقة الابوية السياسية والدينية معاً، ولذلك فان الجماعة ستأخذ وقتاً طويلاً من إرث الابوية السياسية الي تشكيل ثقافة ديمقراطية تقوم علي المشاركة السياسية الكاملة، بحيث تسمح لاعضاء الجماعة إبداء الرأي في العلن دون الخوف من الجهات التنظيمية الاعلي. واستبعد عبد الفتاح ان يقبل الشعب المصري فكرة استبدال مبارك بجماعة دينية ديكتاتورية مثل الاخوان لافتاً الي أن شباب الطبقة الوسطي جرب معني الحرية والديمقراطية ولن يسمح بديكتاتورية اي تيار ديني ان تحكمه.