حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



:-

◄وفاة عمر التلمسانى عام 1986 أدت إلى انهيار سد التوازن بين جيل النظام الخاص وجيل الوسط فى جماعة الإخوان
◄قدم جيل الوسط عرضاً مسرحياً فى نقابة المهندسين فأفتى الشيخ عبدالله الخطيب مفتى الإخوان بمخالفة المسرحية لتعاليم الإسلام
◄استدعانى الأستاذ مأمون الهضيبى إلى منزله بعد علمه أننا سنتقدم بتأسيس «الوسط».. وكان اللقاء عنيفاً وصادماً
◄بعد اعتقال أبوالعلا ماضى.. فعلت الجماعة معى كل الأفاعيل لكنها وجدت أمامها كل الطرق مسدودة
◄لا يملك «الوسط» ترف الاختيار فى التراجع إلى الخلف خطوة واحدة أو أن يحيد عن طريقه السلمى القانونى
◄حاول الأستاذ مصطفى مشهور إقناعى بالتراجع.. فسألته: لماذا تم اختيارك مرشدا فى المقابر؟
◄ سألت أبوالعلا ماضى قبل التقدم إلى لجنة الأحزاب فى يناير 1996.. هل عندك احتمال للتراجع؟.. فرد: «ولا واحد فى المليون»
◄ الدكتور محمد سليم العوا رفض محاولة الإخوان إقناعه بعدم الطعن على رفض الحزب أمام المحكمة
◄ قال لى الأستاذ مهدى عاكف فى زيارة للسجن.. ارجع فى استقالتك من الجماعة.. وقول للأربعة الكبار عاكف هيطلع يضربكم بالجزمة وبعدها أقنعنا مفكراً بحجم الدكتور المسيرى أن يكون معنا
◄هل يمكن أن تتخيل أنهم رفضوا أوراق الحزب فى إحدى المرات بعد أن تحججت اللجنة بأن نوع الخط كان صغيراً ولم تسطع قراءة الأوراق؟
◄قررنا عدم دعوة قيادات الإخوان فى أى ندوة بعد أن قال مأمون الهضيبى لأسماء محترمة مثل عصمت سيف الدولة وإسماعيل صبرى عبدالله وسعيد النجار وعبدالخالق الشناوى: «كل واحد يتكلم على أده.. وأنتم وراكم كم واحد عشان تتكلموا أصلاً»
◄قامت أجهزة الأمن بتهديد خليل بسطا عجيبى أحد المؤسسين وزملاء آخرين
◄صورة الحزب تغيرت من كونه انشقاقا عن الإخوان إلى الحزب الذى يقدم حلا لمعضلة تاريخية
◄سعينا لاجتذاب الرموز الوطنية الصالحة مثل الدكتور عبدالوهاب المسيرى والدكتور عبدالجليل مصطفى وفكرى الجزار
لماذا كل هذه الضجة حول تأسيس حزب جديد هو حزب الوسط؟ ولماذا ترفض الحكومة الوسط؟ لماذا رفضته فى أول مرة عام 1996م؟ ثم الثانية والثالثة والرابعة التى صدرت منذ أيام؟ لماذا لم تغير الحكومة موقفها خلال ثلاثة عشر عاماً؟ هل الوسط عدو للنظام أم خطر؟ وعلى جانب آخر، لماذا يهاجم الإخوان الوسط، ويحاربونه بمناسبة وبغير مناسبة؟ هل يخشى الإخوان من الوسط؟ ألم تكفِ ثلاثة عشر عاماً لأن ينسى الإخوان موضوع الوسط برمته ويهتموا بأنفسهم؟ وهل الوسط لو حصل على رخصة قانونية، سيمثل تهديداً فعلياً وحقيقياً على الإخوان المسلمين؟ وعلى جانبٍ ثالث، هل الوسط يتعامل مع الحكومة بهدف ضرب الإخوان؟ أم أن الوسط واجهة للإخوان للضحك على الحكومة؟ وبين هذا وذاك، ألم ييأس مؤسسو الوسط؟ وهل يعقل أن يظلوا ثلاثة عشر عاماً يحاولون..! أين اليأس؟ وأين الإحباط؟ ولماذا يزداد عدد مؤسسيهم فى كل مرة، وتتطور برامجهم فى كل مرة، ويحظون بالقبول أكثر فى كل مرة، ويمثلون ضغطاً فى كل مرة، على الحكومة وعلى الإخوان؟ هذه الأسئلة هى التى نُوَاجَه بها كل يوم من المهتمين بشأن الوسط هى أسئلة قديمة جديدة، ولا أعتقد أنها ستنتهى يوماً، فهى مستمرة دائماً، وسنظل نواجه بها، بل ونرحب بها لأنها أسئلة هامة وجادة وكاشفة، والإجابات عليها تجلى صورة الوسط يوماً بعد يوم، فتبدو أشد وضوحاً ولمعاناً.
والحقيقة أن تحرير المسألة على حد التعبير الفقهى الأصولى يستوجب توصيف حركة الوسط، وتكييفها التكييف السياسى والحركى الصحيح، وهذا هو المدخل الأوفق لبحث مسألة الوسط، فالوسط حين بدأ فى تقديم أوراقه فى يناير 1996م إلى لجنة الأحزاب السياسية، وكان معظم مؤسسيه أعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين آنذاك، بل كانوا يحتلون مواقع قيادية فى الجماعة، الوسط آنذاك لم يكن رد فعل لموقف هنا أو هناك، ولم يكن ترجمة لخلاف شخصى بين المؤسسين، وقادة الجماعة، كما أنه لم يكن حركة جس نبض للدولة، سرعان ما يعقبها تراجع، كما أنه كذلك لم يكن حركة انفعالية لحظية، تترجم غضباً كان قد ملأ المؤسسين حتى بلغ منهم الحناجر، لم يكن الوسط هذا ولا ذاك، وإنما الوسط كان حركة تمرد حقيقية بدأت ربما ليس سراً قبل عشر سنوات من هذا التاريخ، أى منذ عام 1986م!
كان عام 1986م الذى توفى فيه الأستاذ عمر التلمسانى عليه رحمة الله، لا بشخصه فقط، ولكن بعقله وثقافته وانفتاحه على الدنيا وعلاقته الحسنة بكل الناس وحكمته المعروفة وإحداثه أكبر حالة توازن فى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين على الإطلاق، بين شباب فتى قوى، يحب دينه ووطنه، ويريد أن يصنع شيئاً للمستقبل، ومنفتح على كل الناس، يسمى جيل الوسط، وبين جيل آخر سبقه زمنياً، تربى فى النظام الخاص، ثم استكمل تربيته فى السجون والمعتقلات، فخرج منغلقاً على نفسه متوجساً لمن حوله، مصنفاً الناس إما منه وإما عليه، يكره الأنظمة الحاكمة كلها بسبب ما كان بينه وبين نظام عبدالناصر، ويفرض علينا جيل الوسط هذا الكره لكل نظام حاكم، يصنف كل المختلفين مع الإخوان من اليساريين والناصريين والليبراليين أعداء للإسلام، ويفرض علينا أن نتبنى هذا التصنيف، جيل جامد فكرياً، متصلب حركياً، رافض لأى تجديد أو اجتهاد، متخندق بأفكار سيد قطب والمودودى دون غيرهما، متقولب داخل تعليمات النظام الخاص من أيام عبدالرحمن السندى رحمه الله، مؤسس هذا النظام، بإذن من حسن البنا، ثم ما لبث البنا نفسه أن ندم على ذلك ندماً شديداً، وتمنى لو كان هذا النظام نسياً منسياً.
جيل الوسط تفاعل وتواصل
وفى المقابل كان جيل الوسط الذى نشأ وتربى على الاحتكاك والتفاعل والتواصل، منذ نعومة أظفاره، فى الاتحادات الطلابية ثم النقابات المهنية ونوادى أعضاء هيئة التدريس والجمعيات والمؤسسات الخيرية والشوارع والنوادى والمساجد والأسفار التى امتدت إلى الدول العربية ودول أوروبا وأمريكا، كان هذا الجيل وبحق متمرداً على الجمود والانغلاق والتصلب والتقولب والعزلة، رافضا الانضواء داخل هذا الضيق الخانق المميت.
كان جيل الوسط ونحن فى القلب منه يرى أنه لا مبرر لاستمرار العداوات التاريخية التى لن يجنى من ورائها الوطن شيئاً، كما أنه لا مبرر لكره أى نظام حاكم لمجرد أنه نظام حاكم، كما كان يرى أن اليساريين والناصريين والليبراليين وغيرهم، هم وطنيون يخدمون وطنهم ويتفانون لرفعته من خلال رؤيتهم التى لهم كل الحق فى اعتناقها، كما كان جيل الوسط وهذا هو الأهم يرى أنه لا ينبغى فرض فهمه للإسلام الذى هو فى النهاية فهم بشرى، من يتفق أو يختلف معه، فإنما يتفق أو يختلف مع فهم بشرى مثله، أما جيل النظام الخاص، فكان يرى ولا يزال، أن فهمه للإسلام هو الإسلام ذاته، وبالتالى فإن من يختلف معه، فهو يختلف مع الإسلام كدين، حتى وإن كان هذا المخالف، عضواً بجماعته حتى الأمس القريب، وهذا ما حدث معنا بالضبط كوسط، حين اختلفنا واستقلنا من الجماعة، كتبوا فينا رسالة اسمها الفوائد من الشدائد، تقررت على الأسر الإخوانية، وكان أهم ما ورد بها حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): «من شذ عن الجماعة فقد شذ إلى النار»، وحديثه أيضاً: «إن كان به خيراً فسيلحقه الله بنا»، وقول الله عز وجل: «وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم»، بما مفاده ومؤداه أن مجموعة الوسط هى أولاً: ليس فيها خير لأنها لم تلحق بجماعة الإخوان، وثانياً: هى مجموعة قد تولت، وثالثاً: هى فى النار لأنها قد شذت عن الجماعة!! ومازالت تلك الرسالة مقررة على الأسر الإخوانية، لم ترفع بعد، رحم الله كاتبها وغفر له.
بوفاة الأستاذ عمر التلمسانى فى مايو 1986م، انهار سد التوازن المنيع الذى كان يحجز بين الجيلين، جيل الوسط وجيل النظام الخاص، وعاد الأستاذ مصطفى مشهور ومن معه مثل الأستاذ محمد مهدى عاكف من ألمانيا، وظهر على السطح الدكتور محمود عزت وغيره من جيل 1965م، وبدأت المواجهة بين هذا الجيل القديم الذى يرى أنه لابد من وقف تمدد جيل الوسط وتحجيمه حفاظاً على ثوابت الجماعة. فكان اختيار الأستاذ حامد أبوالنصر مرشداً عاماً خصيصاً لتوافر أهم شرطين فيه رحمه الله، الأول أنه كان بعيداً عن الأحداث تماماً، والثانى أنه كان مريضاً لا يستطيع ممارسة عمله كمرشد، وكان اختياره على النحو المعروف للكافة بعيداً عن أى إجراءات لائحية أو حتى عرفية، وأديرت الجماعة عشر سنوات كاملة من خلف ظهره.
وهكذا مرت عشر سنوات من عام 1986م إلى عام 1996م، كانت المواجهة تحدث يومياً بين الجيلين، أو بين المدرستين، أو بين الفكرتين، كان الخلاف بيننا ممتداً ومتسعاً، ليشمل تقريباً كل شىء، فهو يبدأ من رأينا فى الديمقراطية التى نراها أفضل السبل والوسائل البشرية للحكم، ويرونها هم مرادفة لكلمة الكفر، لأنها تعنى حكم الشعب، فى حين أن الحكم لله، ولا تنتهى برأينا فى الفن والمسرح والموسيقى التى نراها من أهم الوسائل فى الترفيه والتثقيف والرقى بوعى الشعوب، فى حين يرونها هم مخالفة لتعاليم الإسلام، فتصدر الفتوى من الشيخ عبدالله الخطيب، مفتى الجماعة ورئيس قسم التربية فيها، بوقف عرض مسرحية بنقابة المهندسين، كان قد قام بتمثيلها وأدائها مجموعة من جيل الوسط الموهوبين، بزعم مخالفة المسرحية لتعاليم الإسلام.
كنا نعقد الندوات والمؤتمرات، ندعو فيها المفكرين الوطنيين المحترمين أمثال المرحوم الدكتور عصمت سيف الدولة والدكتور إسماعيل صبرى عبدالله والمهندس عبدالخالق الشناوى والدكتور سعيد النجار، وغيرهم ممن نتلمس فيهم العلم، والفكر، والوطنية، فكان الأستاذ المرحوم مأمون الهضيبى يفاجئ هذه الأسماء الثقيلة الوزن والقيمة والقامة بقوله لهم «كل واحد يتكلم على أده» «إنتم وراكم كم واحد عشان تتكلموا أصلاً»، «أنا بمثل أكبر تيار شعبى فى مصر»، فإذا بهؤلاء الأفذاذ يخرجون منسحبين من قاعة نقابة المهندسين فى عام 1992م، وإذا بأعضاء مجلس النقابة الذين هم جيل الوسط فى موقفٍ لا يحسدون عليه فيقررون فض الندوة، وعدم دعوة أحد من قيادات الإخوان مستقبلاً، تجنباً لتكرار مثل تلك الفضائح.
نفس الأمر حدث معى فى عام 1993م حين بدأت مع زملائى فى لجنة الشباب بنقابة المحامين حواراً وطنياً واسعاً بين شباب القوى الوطنية، ممن لا يزيد عمره على 35 عاماً، شارك فيه الشيوعيون والناصريون والوفديون والحزب الوطنى واللجنة الماسكونية وأسقفية الشباب وجمعية الصعيد والإخوان المسلمون والجماعة الإسلامية والجهاد، على مدى ثلاثة أسابيع، على تسع جلسات، بفندق رمسيس هيلتون، فى حوارات عن المشاركة السياسية والشباب والعنف والمرأة والتعليم والفن وغير ذلك، أذكر أننى حينها استدعيت إلى مكتب الإرشاد، ووبخنى المرحوم المستشار مأمون الهضيبى توبيخاً شديداً لأنه لم يكن يوافق على هذا المنتدى، وكيف يتم أصلاً دون علمه أو موافقته.
كانت فكرة الحوارات والندوات وتطوير الأفكار مرفوضة كلية عند قيادة الإخوان، وكنا نراها ضرورة حتمية، كان كل اهتمام القيادة هو زيادة الأفراد، وكان اهتمامنا هو نوعية الأفراد، كنا دائماً ندخل معهم فى حوارات مستفيضة حول ما فائدة أن نكون آلافاً مؤلفة ولكن بلا عقل، وكانوا يُصِّرُون على ذلك، كنا نشير لهم على أفراد الأمن المركزى الذين تخطوا المليون عسكرى ويسمعون الأوامر والتعليمات وينفذونها بغير عقل، ما فائدة أن نكون أمثالهم، فكانوا يسكتون، ربما لأن هذا هو النموذج الذى يعجبهم..!
كان الخلاف بين الجيلين مستمراً، بيد أن أبرز تجلياته كان وثيقة الوفاق الوطنى الشهيرة، التى أُعدت بمعرفة القوى السياسية مجتمعة، ورفضت جماعة الإخوان المسلمين التوقيع عليها، فى حين أن جيل الوسط ممثلاً فى لجنة التنسيق للنقابات المهنية وافقت عليها بالمخالفة للجماعة وقام بالتوقيع المهندس أبوالعلا ماضى، عضو مجلس شورى الإخوان آنذاك، والمستقيل من الجماعة تماماً فيما بعد فى عام 1996م..
كانت السنوات العشر من 1986م إلى 1996م كافية تماماً لأن تتبلور عند جيل الوسط قناعة تامة بأنهم شىء، وجيل النظام الخاص شىء آخر، وأنه من المستحيل أن يلتقى البحران، هذا عذب فرات، وذاك ملح أجاج..
سرية الإعداد
من هنا فقد كان الإعداد لتأسيس حزب الوسط فى يناير 1996م، من حيث صياغة البرنامج وإعداد اللائحة، وعمل توكيلات من المؤسسين، إعداداً سرياً للغاية، كنا نفعل ذلك بمعزل وبمنأى عن جهتين: الأولى مباحث أمن الدولة، والثانية قيادة الجماعة، ونجحنا بالفعل، وفوجئ الاثنان بنا بعد أن تقدمنا بيومين، من صفحات الجرائد، وحدث أكبر ارتباك داخل جهاز مباحث أمن الدولة، اعتقل على أثره وكيل المؤسسين المهندس أبوالعلا ماضى وآخرون، واتهموا بأظرف وألطف تهمة فى التاريخ، وهى محاولة تأسيس حزب سياسى، كما حدث أكبر ارتباك داخل جماعة الإخوان المسلمين، استدعيت على أثره إلى منزل الأستاذ مأمون الهضيبى عليه رحمة الله، وكان لقاءً عنيفاً وصادماً، خرج منه الأستاذ مأمون بذكائه المعروف عنه بنتيجة مؤداها، أن ما فعلناه ليس حركة انفعالية، ولا خلافاً لحظياً، وإنما هو تمرد بمعنى الكلمة، تمرد له جذوره وتاريخه وأسبابه، التى لا يمكن معالجتها أو احتواؤها أو حتى تهدئتها، رأى ذلك الأستاذ مأمون فى عينى وفى كلماتى وفى انفعالاتى، فأطرق برأسه، وانتهى آخر لقاء بيننا على هذا النحو، وهذا ما يفسر أنه رحمه الله كان أشد المناوئين للوسط!
أذكر أننى قبل أن نتقدم بطلبنا إلى لجنة الأحزاب السياسية فى يناير 1996م بيوم واحد مررت على المهندس أبوالعلا ماضى، وسألته سؤالاً واضحاً ومحدداً، قلت له: هل عندك أى احتمال للتراجع عن فكرة حزب الوسط حين تكتشف قيادة الجماعة ما نفعله؟ فرد علىَّ بنبرة أشد قوةً وصراحةً ووضوحاً قائلاً: ولا واحد فى المليون! «دى هتبقى طلقة انطلقت ولا يمكن لأحد أن يعيدها»! هنا هدأت نفسى وزالت أى شكوك أو مخاوف كانت تساورنى، لأننى كنت نفسياً وفكرياً وعقلياً، قد وصلت إلى استحالة العشرة بينى وبين أفكار النظام الخاص. بيد أن محاولات قيادة الجماعة لم تهدأ، إذ بعد اعتقال المهندس أبوالعلا لم يكن أمام الجماعة إلا أنا، ففعلت معى الأفاعيل، فتارة تأمر بمقاطعتى، وتارةٍ ترسل إلىَّ المراسيل، وتارة تطالبنى بالامتناع عن الطعن على قرار لجنة الأحزاب السياسية برفض الوسط، وكانت قيادة الجماعة تجد أمامها كل الطرق مسدودة فى كل مرة، وحتى تتأكد من ذلك كلفت الأستاذ صلاح عبدالمقصود بزيارتى فى منزلى فى محاولة أخيرة لإثنائى عن موقفى، إلا أنه لم يصل معى إلى شىء، وخرج بذات النتيجة، وهنا اضطرت الجماعة لسلوك سبيل آخر، ولكنها ندمت عليه، إذ كلفت الأستاذ المرحوم إبراهيم شرف سكرتير مكتب الإرشاد، بزيارة الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا فى منزله ليلاً، ليطلب منه، بصفته محامى حزب الوسط، أن يمتنع عن الطعن على قرار لجنة الأحزاب السياسية أمام محكمة الأحزاب، فإذا بالدكتور العوا يرفض هذا الحوار ابتداءً، ويلقن المرحوم إبراهيم شرف درساً بليغاً، مفاده أن صاحب الصفة الذى حرر توكيلاً قضائياً للدكتور العوا هو المهندس أبوالعلا ماضى، وأنه لا أحد يملك التراجع عن الطعن إلا صاحبه، فعاد المرحوم إبراهيم شرف هو الآخر وقد سد أمامه آخر باب كان يعتقد أنه مفتوح، ولما علمت بنبأ تلك المحاولة قمت لفورى مع الدكتور رفيق حبيب بتحرير توكيلين قضائيين إضافيين للدكتور العوا، ليكون الطعن لا من المهندس أبوالعلا وحده، ولكن منى ورفيق حبيب إلى جواره، فوصلت رسالتى للإخوان قوية صريحة.. عنيدة.. أنه لا تراجع.
وما بين التهديد والوعيد، فوجئت باتصال تليفونى من المرحوم الأستاذ مصطفى مشهور، وكان ذلك فى رمضان الذى توافق مع شهر يناير 1996م، وطلب منى أن أمر عليه بمقره بالمنيل، فذهبت إليه فكان على عادته معى طيباً ودوداً، إذ كانت العلاقة بيننا على المستوى الانسانى علاقة طيبة حسنة، وقد بدأ رحمه الله اللقاء بأسلوبه الرقيق العاطفى المعروف عنه، من ضرورة الحب والأخوة ووحدة الجماعة والالتزام بالصف، وغير ذلك من المعانى التى كان دائماً يرددها، ثم أعقب ذلك بالحديث عن الوسط، وأنه فوجئ بما فعلناه، وأن هذا لا يصح، وأنه ينبغى التراجع عن تلك الخطوة من جانبنا، وبدلاً من أن يسمع رحمه الله منى ردا على ما أثاره، فوجئ بأننى أسأله سؤالا آخر لا علاقة له بالموضوع الذى استدعانى من أجله، بل إنه السؤال الوحيد الذى لم يجرؤ أحد من الإخوان عليه، على الرغم من أن معظم الإخوان كانوا يتهامسون به سراً داخل اجتماعاتهم المغلقة داخل مصر وخارجها، قلت له تعلم يا أستاذ مصطفى مقدار حبى لك، وارتباطى الانسانى بك، وحرصى على ألا «تزعل منى» فهل تعدنى بألا «تزعل منى» إذا سألتك هذا السؤال؟ فقال أعدك بذلك، فقلت له: لماذا تم اختيارك مرشداً بهذا الشكل المخالف للائحة بالمقابر أثناء دفن الأستاذ حامد أبوالنصر بقرار منفرد، وإعلان منفرد من الأستاذ مأمون الهضيبى ودون اتباع أى إجراءات؟ وقبل أن انتهى من السؤال لاحظت عليه تغيراً شديداً فى وجهه، فبادرته قائلاً: حضرتك وعدتنى «ماتزعلش»، فتنفس طويلاً وبدأ فى الإجابة عن السؤال ملتفتاً عن وجهى وناظراً إلى شباك الحجرة، وأخذ يسرد لى وقائع منذ الستينيات والسبعينيات، أهمها لقاء الإسماعيلية بين الرئيس السادات والأستاذ عمر التلمسانى، وأن الأستاذ عمر كان يستعين به دائماً، وتفاصيل كثيرة حدثت منذ تاريخ طويل، فقلت له «حضرتك ماجوبتش على السؤال» فكرر جزءاً من إجابته السابقة فقلت له للمرة الثانية: «برده حضرتك ماجاوبتش على السؤال»، فأجابنى بصوت مرتفع قائلاً: «والله أنا فوجئت باللى عمله الأخ مأمون»، فإذا بى أنسى نفسى كعادتى السيئة دائماً ويعلو صوتى دون أن أقصد قائلاً: «وفين اللوائح وفين القوانين اللى بنطالب غيرنا الالتزام بها» فرد قائلاً: «يا أخى الفاضل إن الله هو الذى يختار لهذا الجماعة، لقد اختار الله لهذه الجماعة حسن البنا ثم اختار لها حسن الهضيبى ثم اختار لها عمر التلمسانى ثم حامد أبوالنصر ثم العبد الفقير (يقصد نفسه)، إن الله يختار لهذه الجماعة»، فإذا بى وقد ارتفع صوتى إلى حدٍ لا يليق «هل الله يختار مرشدى الجماعة فقط، وهل حسنى مبارك جاء على غير اختيار الله، وصدام حسين من خلف اختيار الله، وحافظ الأسد رغماً عن اختيار الله؟ حاشا لله، وتعالى الله عن كل ذلك، هل يصح القول بهذا يا أستاذ مصطفى، إن الكون كله يسير بإرادة الله، ومن إرادة الله، أن يمتحن البشر فيعطيهم حق الاختيار، بين الحق والباطل، وبين الصحيح والخطأ، واختيارك تم خطأ فكيف تنسبه إلى الله؟»، فأطرق ساكتاً، وإذا بى أجد نفسى واقفاً وأقول له سلام عليكم، ثم أتوجه إلى بيتى لأكتب استقالتى من الجماعة وأرسلها إليه بعد أيام، لتكون أول استقالة مكتوبة بخط اليد فى تاريخ الإخوان الحديث.
وعبثاً حاول الأستاذ مصطفى، كعادته، بكل الطرق أن يرسل إلى من أحبهم من الإخوان لإثنائى عن الاستقالة، ولكن الطرق جميعها كانت مسدودة أمامهم، فالاستقالة كانت كاشفة عن حالة الانفصال التام بين واحدٍ من جيل الوسط وبين الجماعة، ولم تكن منشئة لواقعة جديدة يمكن علاجها أو احتواؤها.
ومن الطرائف فى هذا المقام أن أذكر واقعة زيارتى لسجن طرة واجتماعى فى حجرة الزيارة بالمهندس أبوالعلا ماضى، والأستاذ محمد عاكف، والدكتور رشاد البيومى، والدكتور عبدالحميد الغزالى أستاذ الاقتصاد، والدكتور جمال عبدالهادى أستاذ التاريخ الإسلامى، وجميعهم كانوا محبوسين على ذمة القضية، وكانت تربطنى بالأستاذ عاكف علاقة روحية وانسانية، فإذا به أول ما رآنى يبادرنى بقوله «إنت استقلت ليه، روح ارجع فى استقالتك، وأقعد على قلبهم وقول للأربعة الكبار عاكف هيطلع يضربكم بالجزمة، لأنكم بتخربوا الجماعة»، وكان يقصد بالأربعة الكبار، الأستاذ مصطفى مشهور والأستاذ مأمون الهضيبى والشيخ الخطيب والحاج أحمد حسنين، فابتسمت فى وجهه وقلت له ربنا يطلعك بالسلامة ياأستاذ عاكف، ولكن بعد أن قضى الأستاذ عاكف ثلاث سنوات فى السجن، وخرج فى عام 1999م فوجئنا به وقد كلف من هؤلاء الأربعة بالمرور على الإخوان بالقاهرة والمحافظات فى مهمة واحدة ووحيدة، وهى شتم وتجريح الوسط ومؤسسيه وتسفيههم، وادعاء أنه هو كان صاحب فكرة الوسط من أساسها، ثم عاد عنها بعد أن تاب وندم واستغفر واعتذر للجماعة التى قبلت العذر!.. فسبحان مغير الأحوال ومقلب القلوب ومالك الملك والملكوت.
لم يكن الوسط بالمعنى السابق تمرداً على جماعة الإخوان فقط، ولكنه أيضاً كان تمرداً وبحق على قواعد اللعبة السياسية والأمنية، فحار بشأنه النظام الحاكم، وحارت بشأنه الأجهزة الأمنية، وحارت بشأنه كذلك عقول المسئولين فى الدولة، فقد اتهمونا فى بداية الأمر-ووفقاً لنظرية المؤامرة- أننا أعددنا مع الإخوان خطة، للحصول على رخصة، ثم يدخل الإخوان بعد ذلك الحزب، ثم عادوا عن تلك النظرية لما وجدوه ولاحظوه وتنصتوا عليه فى اجتماعاتنا واجتماعات الإخوان من استفحال الخلاف والشقاق بيننا وبين الإخوان، فاتهمونا ثانياً بأننا لن نستطيع ضبط العلاقات الانسانية والأخوية بيننا وبين كثير من شباب الإخوان من جيل الوسط، إذ سرعان ما سيحدث بيننا التئام ووئام فى مستقبل الأيام فنصبح كياناً واحداً مرة أخرى، وإما أن يأتوا هم إلى الوسط، وبذلك يسيطر الإخوان على الوسط، أو أن نذهب نحن إلى الإخوان فيرتمى الوسط فى حضن الإخوان، وبالطبع أول تلك الأسماء هو اسم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، إلا أنهم سرعان ما عادوا عن تلك النظرية مرة أخرى لما لاحظوه من اتساع الخلاف الفكرى والفقهى والسياسى بين مجموعة الوسط التى تطورت أفكارها يوماً بعد يوم، وبين من بقى من جيل الوسط داخل جماعة الإخوان، الذى استسلم لأوضاع الإخوان البائسة، بعد أن تجرد من كل سلطاته واختصاصاته ومسئولياته فى الجماعة، بل إن بعضهم أصبح يعانى من تجرؤ الصغار عليه بصورة متعمدة، وكأن قيادة الجماعة تدفع بهؤلاء الصغار للنيل منهم. وطبعاً فى مقدمة هؤلاء الضحايا، الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور إبراهيم الزعفرانى وغيرهما، وهكذا حار أمر النظام، والأمن، والمسئولين، فى حركة الوسط، وكلما صنفونا فى اتجاه، عادوا عن ذلك، وصنفونا فى اتجاه آخر. الجديد فقط، أنهم فى السنوات الأخيرة كانوا يخافون من فكرة الوسط إذا انتشرت، لأنها تمثل حلاً تاريخياً لدمج الإسلاميين فى السلطة، وقبول الإسلاميين بقواعد اللعبة السياسية، فى حالة أشبه بحالة حزب العدالة والتنمية فى تركيا، بل إننى لا أضيف جديداً إن قلت إنه منذ عام 2004م وحتى الآن وصورة حزب الوسط فى أذهان صانعى القرار فى مصر، قد تغيرت من كونها صورة الحزب المنشق عن جماعة الإخوان، وهو ما كان يسهل التعامل معه أمنياً، إلى صورة الحزب الذى يقدم حلاً لمعضلة تاريخية كالعدالة والتنمية فى تركيا، بما يستوجب التعامل معه سياسياً لا أمنياً، وهو أمر مفتقد لدى النظام الحاكم، لذلك فقد فوجئنا فى محاولة التأسيس الثالثة فى عام 2005م داخل محكمة الأحزاب، بأن محامى الحكومة يقدم عدد ستة إلغاءات لتوكيلات المهندس أبوالعلا ماضى صادرة من ستة أقباط، طالباً على أثر ذلك، رفض الوسط لأنه بذلك أصبح حزباً طائفياً يضم مسلمين فقط، أذهلتنا تلك المفاجأة ذهولاً منقطع النظير، إذ إن معنى ذلك أن هؤلاء الستة الأقباط، المتباعدة أماكنهم، قد جىء بهم وتم الضغط عليهم وذهبوا إلى الشهر العقارى وألغوا توكيلاتهم وسلمت إلى جهة ما، ثم إلى لجنة الأحزاب السياسية، ثم إلى هيئة قضايا الدولة، ثم إلى محكمة الأحزاب، وكل تلك الخطوات قد تمت فى سرية تامة ودون علمنا.
الطغوط على المؤسسين
وفعلاً وبعد انتهاء جلسة المحكمة توجهت لفورى إلى أحد هؤلاء المؤسسين واسمه خليل بسطا عجايبى، فحكى لى كيف تم تهديده فى مباحث أمن الدولة وزملائه من المؤسسين إلى أن ألغوا توكيلاتهم، وهكذا تمت باقى الخطوات، حتى قدمت تلك الإلغاءات لمحكمة الأحزاب. نفس الأمر حدث بالضبط من قبل جماعة الإخوان، ولكن قبل هذا التاريخ بسنوات، فقد جىء بالمؤسسين الأوائل لحزب الوسط فى عام 1996م فرداً فرداً إلى مكتب الإرشاد بالمنيل، ومورس عليهم من الضغوط ما لا يستطيعون له دفعاً، انتهت بإلغائهم توكيل المهندس أبوالعلا ماضى، ومنهم على ما أذكر الدكتور جمال حشمت النائب السابق والأستاذ صلاح عبدالمقصود عضو مجلس نقابة الصحفيين وغيرهما.
وربما يكون من المتصور أن نواجه حرباً من النظام الحاكم، كالاعتقال والإحالة إلى المحكمة العسكرية كما حدث مع المهندس أبوالعلا ماضى، ورفض الحزب الضغط على المؤسسين الأقباط لإلغاء توكيلاتهم، وذلك لشعور النظام الحاكم، الوهمى أو الحقيقى، بأننا خطر عليه، وربما يكون من المتصور أيضاً، أن نواجه حرباً شعواء من قيادة الإخوان المسلمين، تتمثل فى المقاطعة، ونعتنا ووصفنا بأشد النعوت والأوصاف الشرعية، والضغط على المؤسسين كذلك لإلغاء توكيلاتهم، لشعور الإخوان، الحقيقى أو الوهمى، أننا خطر عليهم.
قد يتصور هذا من النظام الحاكم منفرداً، وقد يتصور ذاك من الإخوان منفردين، ولكن من غير المتصور على الإطلاق هو أن يجتمع الاثنان فى لحظة واحدة وفى مكان واحد، وبسيف واحد، على ذبح الوسط، على النحو الذى تم يوم 28/6/1996م، حيث تقدم اثنان من المحامين الإخوان، وهما الأستاذ مختار نوح والمرحوم الأستاذ مأمون ميسر، إلى محكمة الأحزاب بعدد 46 إلغاء توكيل من 46 مؤسسا، منضمين إلى محامى الحكومة، بعد التنسيق معه، مطالبين برفض الوسط!!
لا يمكن أن نتصور هذا الذى حدث إلا إذا استصحبنا معنا المعنى الأصيل الذى ورد بصدر هذا المقال، أو هذه القصة، أو الحكاية، وهو أن الوسط يمثل حركة تمرد حقيقية، ليس على جماعة الإخوان فقط، ولكن على قواعد اللعبة الأمنية والسياسية والفكرية.
كانت اجتهادات الوسط المتمرد تتطور وتنضج يوماً بعد يوم، وكان كل من الإخوان والنظام، يقذفوننا بالاتهامات فور كل تطور، إلا أنهما سرعان ما يتراجعان، أحدهما أو كلاهما، إما بأن يسير وراءنا كالإخوان، أو أن يواجهنا مواجهة جديدة كالنظام، فحين بدأنا مشروعنا عام 1996م ثم عام 1999م تحت شعار حزب مدنى ذى مرجعية إسلامية، ارتبك النظام، واستصدر حكماً قضائياً من محكمة الأحزاب برفضنا، بحيثيات للمستشار جودت الملط لن ينساها له التاريخ، إذ رأى سيادته أن الوسط مخطئ فى برنامجه الذى ينص على أن الأمة مصدر السلطات، فالصحيح وفقاً لرأى سيادته وحيثياته أن الحكومة هى مصدر السلطات!! وبعد صدور هذا الحكم بأيام أصدر الرئيس مبارك قراراً بتعيين المستشار الملط رئيساً للجهاز المركزى للمحاسبات.. ومازال.. وانتهى الحال بالنظام إلى تعديل الدستور «حتة واحدة»، من أجل التضييق أكثر وأكثر على الوسط، أما الإخوان فقد هاجموا هذا الشعار فى بادئ الأمر بقولهم إن كلمة مدنى تعنى علمانيا، ثم سرعان ما أعلنوا فى عام 2005م أنهم يرغبون فى تأسيس حزب مدنى ذى مرجعية إسلامية!
بيد أن الأفكار والاجتهادات التى تبناها الوسط واستعصت على الاثنين، هى فكرة تولى المرأة والقبطى جميع المناصب بما فيها منصب رئيس الدولة، والإشادة بهذا الاجتهاد من قبل هيئة مفوضى الدولة بتقريرها المكتوب من المستشار فريد نزيه تناغو فى 2005م ضمن الإشادة بغيره من الاجتهادات، فاضطرت الدولة لمواجهة ذلك بالضغط على محكمة الأحزاب التى تضم نصف أعضائها من غير القضاة لإصدار حكم باطل ومعدوم برئاسة المستشار سيد نوفل برفض حزب الوسط، لأن الحزب لم يستكمل عدد المؤسسين من 50 مؤسساً إلى 1000 مؤسس وفقاً لتشريع جديد صدر أثناء نظر الدعوى، فى مخالفة فجة لقاعدة عدم سريان القانون بأثر رجعى، رحم الله المستشار سيد نوفل الذى أخطأ هذا الخطأ الكبير، أما الإخوان، فقد قرروا مواجهة تلك الاجتهادات بطرح برنامج لهم دون التقدم به إلى لجنة الأحزاب السياسية، فى محاولة أشبه بالتنافس بين سيارتين على أولوية المرور من خلال مساحة محدودة، بيد أن قائد سيارة الإخوان كان يسير بها إلى الخلف دون أن يدرى! فقد أنتج برنامج الإخوان الجديد المنافس، لجنة من العلماء لها حق إقرار أو عدم إقرار القوانين التى تخرج عن مجلس الشعب! كما حظر برنامج الإخوان على المرأة وعلى القبطى تولى منصب رئيس الدولة، كما تضمن برنامج الإخوان عبارات كاملة، لم يستطع أحد فك طلاسمها حتى اليوم، كالعبارة التى وردت فى ص46 من البرنامج، أن الإخوان حال وصولهم إلى الحكم سيأخذون بنظام «الحمى والقطائع والتحجير والإحياء»، هكذا سارت عربة الإخوان إلى الخلف وقائدها مُصِّر على أنها تسير إلى الأمام، لأنه لا يرى ولا يسمع إلا نفسه.
بيد أن ما أعجز الإخوان تماماً، هو معالجة مشكلة المرأة، معالجة تقنع الآخرين، بمعنى أنهم فى الوقت الذى يطرحون فيه المرأة نائبة عن الأمة مثل الدكتورة چيهان الحلفاوى بالإسكندرية، والدكتورة مكارم الديرى بمدينة نصر، يرفضون رفضاً قاطعاً ومانعاً وحاسماً وجود المرأة-مجرد وجود- فى أى تشكيلات إدارية داخل الجماعة بدءا منمكتب الإرشاد ومروراً بمجلس الشورى ثم المكاتب الإدارية ثم الشعب، لأنه لا يجوز فى رأيهم أن تنوب الأخت عن أخ!! ولتبرير وتمرير ذلك التناقض يمكن الاتكاء على العبارة الشهيرة، التى تحل كل المشاكل، وهى «الضرورة الأمنية التى تقتضى الحفاظ على الأخوات».
أما عن الأقباط، فلم ينجح الإخوان حتى الآن فى ضم عضو واحد داخل الجماعة، هذا فى الوقت الذى تمثل المرأة فيه 30% من مؤسسى الوسط، وتشغل ثلاث سيدات مقاعد فى الهيئة العليا هن الدكتورة هدى حجازى استاذ الأدب الأنجليزى بآداب عين شمس والطبيبة الدكتورة إيمان قنديل بقصر العينى والآنسة المعيدة هناء صابر بكلية الفنون الجميلة، كما يشغل اثنان من الأقباط مقعدين بالهيئة العليا أيضاً هما الأستاذ الدكتور عادل أبادير عالم الرياضيات والأستاذ الدكتور الطبيب فؤاد جورج.
ولم تقتصر الحرب على الوسط على الجانب الفكرى أو الإجرائى فقط ولكنها كانت كذلك على مستوى الأشخاص أيضاً، فمن سخريات القدر أن يصفنا الإخوان، بسبب ضمنا للمفكر المحترم الدكتور رفيق حبيب كمؤسس لحزب الوسط عام 1996م، بأننا نعمل لحساب الأمريكان! لأن رفيق حبيب هو ابن رئيس الطائفة الإنجيلية القس صموئيل حبيب، المعروف بعلاقته بالأمريكان، ومن ثم فإن الأمريكان، وفقاً لرأى الإخوان، قد اخترقوا الوسط، بل استعملوا الوسط عن طريق رفيق حبيب، لضرب جماعة الإخوان المسلمين، تردد هذا على ألسنة قيادات جماعة الإخوان فى تأسيس الوسط الأول عام 1996م والثانى عام 1998م، ثم توقف تماماً بعد أن افترقنا مع الدكتور رفيق حبيب، لخلاف فكرى راق بيننا وبينه، حول مفهومه للديمقراطية والأحزاب، التى يراها نظماً عديمة الجدوى فى مجتمعاتنا، ونراها نحن ملائمة، فى أعقاب هذا الافتراق بيننا وبين رفيق حبيب، إذ بالإخوان يهرولون وراءه ويسعون لجذبه، وينجحون فى ذلك فعلاً، وليصبح رفيق حبيب عضواً أساسياً فى لجنة صياغة برنامج الإخوان، ومشاركاً ومساهماً فى كثيرٍ من قراراتهم، فيا سبحان مغير الأحوال من حالٍ إلى حال، أليس هذا هو رفيق حبيب المدسوس على الوسط من قبل الأمريكان لضرب الإخوان؟!
وفى الوقت الذى كان الإخوان ولا يزالون، يسعون لالتقاط أى شخص يتخلف عن الوسط، حتى وإن كان فى ذلك ما يخالف قناعتهم، على النحو الذى حدث مع الدكتور رفيق حبيب، كان الوسط ولايزال يسعى لاجتذاب الرموز الوطنية الصالحة فى أرض الله الواسعة من غير أفراد الإخوان، فنجح الوسط فى إقناع مفكر فى حجم ووزن الدكتور عبدالوهاب المسيرى، وزوجته الأستاذة الدكتورة هدى حجازى، والأستاذ الكبير الدكتور عبدالجليل مصطفى، وشيخ الوطنية الحاج فكرى الجزار النائب المستقل وغير هؤلاء كثير كثير، وقديماً قالوا «كن أسداً تأكل من ورائه الثعالب، ولا تكن ثعلباً يأكل من وراء الأسود».
تمرد حقيقى
من هنا ومن هذا المنطلق -منطلق أن الوسط حركة تمرد حقيقية على الأخوان وعلى المنظومة الأمنية والمعادلة السياسية، حركة تمرد حقيقية على منطق الثأرات التاريخية ومنطق الكراهية للنظم الحاكمة، لمجرد أنها حاكمة، حركة تمرد على تصنيف المواطنين، هذا منى وهذا ضدى، حركة تمرد حقيقية على وصف الوطنيين الشرفاء بأوصاف تخرج عن الملة لمجرد أنهم اعتنقوا فكراً أو مذهباً يخدمون به وطنهم، حركة تمرد حقيقية على خلط الوظيفة الدعوية بالوظيفة السياسية، فلا يمكن أبداً أن يقبل الوسط خطيباً أو إماماً أو داعية، يقف على المنبر يحض الناس على اختيار الأصلح لقيادة المجتمع، ثم بعد أن تنتهى الخطبة ويضع إحدى قدميه خارج المسجد يقول لهم انتخبونى! فأنا الذى تتوافر فى المعايير والضوابط الأخلاقية والشرعية التى سبق أن حددتها منذ دقائق داخل المسجد بالآيات والأحاديث، الوسط يتمرد على ذلك كله، ويقول له من حقك أن تدعو إلى الله وأن توضح للناس طريق الخير، ثم تنتهى وظيفتك بعد ذلك، لتبدأ وظيفة أخرى لفرد آخر غيرك يتقدم للناس ببرنامج سياسى بشرى، يتفق الناس معه أو يختلفون عليه دون أن يشعروا أنهم بخلافهم هذا يختلفون مع الدين. وتلك معضلة أخرى يقف أمامها الإخوان المسلمون عاجزين تماماً عن حلها، سيما وهم يعتقدون خطأ أن الفصل بين الوظيفتين الدعوية والسياسية، يستتبع حتماً فصلاً فى الاعتقاد، وهذا لعمرى استنتاج أقل ما يقال عنه إنه سطحى، إذ إن الاعتقاد شىء، والوظيفة شىء آخر تماماً.
هذا الوسط المتمرد على النحو المتقدم ذكره، لابد أن يُرفَض مرة ومرتين وعشر مرات، وتساق عشرات الحجج الواهية فى ذلك، منها أن الخط الذى كتب به المؤسسون ونشر بجريدتين يوميتين واسعتى الانتشار، لم تستطع لجنة الأحزاب الكبيرة أن تقرأه لصغره، ولا مانع أيضاً من أن يرفض لأنه يتفق مع الدستور! فلجنة الأحزاب ترى أن الحزب الجديد يجب أن يخالف برنامجه نصوص الدستور، كبرنامج الإخوان مثلاً، الذى يخل بمبدأ المواطنة والمساواة المنصوص عليه فى المادة 40، وما أقوله الآن ليس بهزل، ولكنه جد لا مراء فيه، إذ إن النظام الحاكم قد ارتاح ليس مع الإخوان ولكن فى الإخوان، وارتاحت الإخوان هى الأخرى ليس مع نظامها الحاكم، ولكن فى نظامها الحاكم. صحيح أنهما لا يرتبطان برباط شرعى أو قانونى ولكن كلاهما تكيف مع الآخر، النظام يدعى الشرعية ويدعى حمايتها والذود عنها فى مقابل اللاشرعية، والإخوان يحيون دفاعاً عن تنظيمهم وسريتهم، معتقدين أنهم يدافعون عن بيضة الدين، والسلوك المتبادل بين الطرفين يزكى هذين المعنيين، والأوضاع مستقرة، والأمن مستتب، فلماذا إذن المخاطرة والمغامرة فى محاولة قراءة هذا التمرد الجديد المسمى بالوسط، فضلاً عن قبوله والتعاطى معه بالأساليب القانونية المحترمة. إذن هو التحالف لضرب الوسط، ووأده، والقضاء عليه، والمبررات الشرعية لهذا التحالف عند الإخوان جاهزة، أما الحكومة فهى لا تحتاج إلى أى مبرر..!
والوسط بهذا المعنى، لا يملك ترف الاختيار فى أن يتراجع إلى الخلف خطوة واحدة، أو أن يحيد عن طريقه السلمى القانونى قيد شعرة، أو أن يتباطأ مستقبلاً فى تحقيق وتحصيل المزيد من الاجتهادات لتطوير برامجه وأفكاره، فذلك واجب وطنى، النكول عنه خيانة، وعلى ذلك فالمؤسسون ماضون فى طريقهم، مستكملون فكرتهم، مستمسكون بها، ولن يفت فى عضدهم ما يلاقونه كل يوم، فتلك ضريبة وطنية مكتوب عليهم دفعها كما دفعها كل الأحرار فى العالم.
لعلى بتلك الكلمات أكون قد أجبت عن الأسئلة التى تصدرت هذا المقال، وإن كانت قناعتى كما قدمت، أنها أسئلة ستظل قائمة، لأن الإجابة عنها دائماً، ستجلى كل يوم من صورة الوسط حتى يبدو كالبدر ليلة تمامه.
لمعلوماتك...
◄أبوالعلا ماضى:- هو وكيل مؤسسى حزب الوسط الذى تقدم للجنة شئون الأحزاب عام 1996 للحصول على موافقتها لكنها رفضت طلبه، ثم حوكم عسكرياً وسجن بتهمة التحايل للحصول على ترخيص بإنشاء حزب يكون واجهة لحركة الإخوان المسلمين، وتكرر رفض اللجنة الترخيص للحزب فى عام 1998، وكذلك فى عام 2004
◄60 هو عدد الأحزاب التى رفضت «لجنة شئون الأحزاب» تأسيسها حتى أنه أصبح شيئا عاديا أن تسمع خبرا عن رفض واعتراض اللجنة على تشكيل أى حزب جديد، منذ تشكيلها فى عام 1977 وحتى اليوم ولعل حزب الوسط هو أكثر ضحايا تلك اللجنة نظراً لمحاولات مؤسسيه المستمرة من أجل ظهوره بشكل رسمى
◄2008 العام الذى رحل فيه المسيرى
◄1977 أبو العلا ماضى رئيس اتحاد طلاب جامعة المنيا
◄1928 عام تأسيس جماعة الإخوان
◄7 عدد اللذين تولوا منصب مرشد عام الإخوان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.