عندما التقيت بالأستاذ محمد مهدى عاكف، المرشد العام السابق للإخوان، وعضو مكتب الإرشاد فى مكتبه، بالمقر الرئيسى للجماعة فى المقطم، قبل عدة أسابيع سألته بشكل مباشر عن سبب موقف الإخوان العنيد من ترشح الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح لرئاسة الجمهورية، فأجابنى على الفور بقوله: نعلم أن عبد المنعم هو الأصلح، وهو الأفضل خلقا ودينا وقدرة على إدارة شؤون البلد، ولكنه شق عصا الطاعة وخالف قرارات مكتب الإرشاد، ومثل هذه الشخصية لا يمكن أن نطمئن إليها فى منصب مهم كرئيس الجمهورية، لم يكن الظرف مناسبًا للنقاش، لأنه لم يكن مقصد الزيارة، وكان معى ضيوف آخرون، ولكنى خرجت بانطباع من تلك الجلسة أن تصور "رئيس الجمهورية" بالنسبة للإخوان أنه الذى يخضع لقاعدة السمع والطاعة فى الجماعة بصورة صارمة، أو هو الشخص الذى يمكن إخضاعه لرؤى الجماعة وتوجهاتها بدون أى قدرة على الامتناع أو الاستقلال بالرأى، وربما كان ذلك ما عبر عنه منصور حسن عندما انسحب من سباق الانتخابات قائلا: أرادنى الإخوان رئيسًا "طرطورًا"، والحقيقة أن رؤية الجماعة لسبب إبعاد أبو الفتوح أو الامتناع عن دعمه ربما كانت فى التقييم الوطنى العام من أهم الإيجابيات التى يمثلها الرجل كرئيس للجمهورية، وهو استقلالية القرار، ولأن رئيس الجمهورية لا تحكمه قواعد عرفية، أو بيعة فى عنق أحد، وإنما تحكمه قوانين وقواعد دستورية لا يملك مخالفتها وله الحق فى التحرك فى إطارها بما يراه مصلحة للوطن كله، وبالمقابل فإن ذلك المبدأ الإخوانى هو نفسه السبب الذى يعزز مخاوف بقية التيارات الوطنية والإسلامية من وجود "قيادى إخوانى" فى رئاسة الجمهورية الآن، لأنه سيكون محكومًا بالقاعدة الراسخة للسمع والطاعة لقيادة الجماعة والالتزام الأخلاقى والضميرى بالبيعة التى فى عنقه لمرشد الجماعة. أرجو أن نتفهم مثل هذه التوضيحات على وجهها الصحيح، فهى ليست ضد جماعة الإخوان التى أحمل لها ولكثير من قياداتها الحب والاحترام، وكثير منهم أصدقاء أعتز بصداقتهم، كما أن كاتب هذه السطور هو أكثر من دافع عن الجماعة وحمى ظهرها فى أكثر من انتخابات برلمانية أيام المخلوع، ووقت أن كان الوقوف بجانبهم مخاطرة، ولكن المسألة تتصل بتقدير مصلحة الوطن وظروفه السياسية والاجتماعية فى اللحظة الراهنة، وأيضًا ظروف الجماعة، فنحن لدينا مشكلات عميقة ومربكة تتعلق بازدواجية الانتماء، بين الجماعة والحزب، بين البيعة للمرشد والولاء للدستور والقانون، بين ثقافة السمع والطاعة لقيادة الجماعة واستقلالية القرار الرسمى للمسؤول الرفيع فى دولة لها قانون ودستور ومصالح وأمن قومى، نحن لم نحسم مثل هذه الإشكاليات حتى الآن، وتحتاج إلى بعض الوقت لكى يتم تفكيكها والاطمئنان الكامل إلى أن الحسابات تغيرت والظروف تغيرت بغير رجعة، ومن ثم يتوجب إبعاد المنصب شديد الحساسية مثل منصب "رئيس الجمهورية" عن هذا التمزق السياسى والتنظيمى ولو إلى حين، أيضًا نحن نعيش مرحلة تحول نحو الديمقراطية، لم تستقر ثقافتها بعد، ولم تتجذر هيبة مؤسساتها فى عمق الدولة والمجتمع، ولم تتجاوز الدولة والمجتمع الحال الرخوة التى نتجت بعد ثورة اقتلعت نظامًا قبض بقوة على كل شىء طوال ستين عامًا، وكل ذلك لابد من وضعه فى الاعتبار عندما نفكر أو نقرر أو نطلب منصبًا رفيعًا مثل هذا مرة واحدة، أيضا هناك شكوك واتهامات وقلق واسع النطاق لدى القوى الوطنية وقطاع كبير من الإسلاميين عن رغبة الإخوان فى الهيمنة على كل السلطات، وهو ما يجعل قفز الجماعة على منصب الرئاسة دعمًا واضحًا وتأكيدا لصحة تلك الهواجس المقلقة، كما أن هناك قناعة بعدم القدرة على توقع سلوك الجماعة السياسى الآن أو توجهاتها لأن حساباتها الخاصة يمكن أن تغير كل شىء فى لحظة، كما حدث فى الإعلان عن عدم دخولها سباق الرئاسة أكثر من مرة ثم مفاجأة الجميع بالدفع بمرشحها والتعصب الشديد من أجل دعمه، وكل ذلك يجعل من طريق رئيس الجمهورية "الإخوانى" الجديد حقل ألغام مستمرًا وسببا لاستمرار التوتر والصدام والانفلات، رغم أن حلم الوطن والمواطنين الآن أن يكون رئيس الجمهورية الجديد بوابة الوطن نحو الاستقرار والهدوء والتآلف الوطنى والوفاق وضبط الفوضى وانطلاق العمل البناء، وهو ما يستحيل حدوثه إذا أتى رئيس للجمهورية من الإخوان فى تلك المرحلة. [email protected]