بعد إعلان القسام عن أسر جنود.. الجيش الإسرائيلي يشن قصفا مدفعيا عنيفا على مخيم جباليا وشمال غزة    تقرير إسرائيلي: نتنياهو يرفض بحث توافق عملية رفح مع قرار العدل الدولية    أصعب 48 ساعة.. الأرصاد تحذر من طقس الساعات المقبلة    عمرو أديب يعلق على تصريحات الرئيس السيسي حول أزمة الكهرباء    شاهد، كيف احتفل كولر ورضا سليم مع أولاد السولية    رامز جلال يحتفل بتتويج الأهلي بطلًا لإفريقيا (صورة)    "هرب من الكاميرات".. ماذا فعل محمود الخطيب عقب تتويج الأهلي بدروي أبطال إفريقيا (بالصور)    موعد مباراة الأهلي والزمالك في السوبر الإفريقى والقنوات الناقلة    واجب وطني.. ميدو يطالب الأهلي بترك محمد الشناوي للزمالك    أسعار الذهب اليوم الأحد 26 مايو 2024 محليًا وعالميًا    اليوم.. الحكم فى طعن زوج مذيعة شهيرة على حبسه بمصرع جاره    وزير البترول: ندعم وزارة الكهرباء ب 120 مليار جنيه سنويا لتشغيل المحطات    المقاولون العرب يهنئ الأهلي على فوزه بدوري أبطال أفريقيا    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    القائمة الكاملة لجوائز الدورة 77 من مهرجان كان    حظك اليوم برج السرطان 26/5/2024    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري بالبنوك في أول يوم عمل بعد تثبيت الفائدة    عماد النحاس: سعيد بتتويج الأهلي بأبطال إفريقيا وكنت أتابع المباراة كمشجع    باريس سان جيرمان بطلا لكأس فرنسا على حساب ليون ويتوج بالثنائية    الرئيس التونسى يقيل وزير الداخلية ضمن تعديل وزارى محدود    مصرع 20 شخصا إثر حريق هائل اندلع فى منطقة ألعاب بالهند    أطول إجازة للموظفين.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات للقطاع العام والخاص    نيابة مركز الفيوم تصرح بدفن جثة الطفلة حبيبة قتلها أبيها انتقاماً من والدتها بالفيوم    «تشريعية النواب»: تعديل على قانون تعاطي المخدرات للموظفين بعدما فقدت أسر مصدر رزقها    طباخ ينهي حياة زوجته على سرير الزوجية لسبب صادم!    مصرع شخص وإصابة 9 آخرين في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    مشابهًا لكوكبنا.. كوكب Gliese 12 b قد يكون صالحا للحياة    قفزة بسعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأحد 26 مايو 2024    طلاب ب "إعلام أكاديمية الشروق" يطلقون حملة ترويجية لتطبيق يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتسهيل الحياة في العاصمة الإدارية    وزير البترول: نتحمل فرق تكلفة 70 مليار جنيه لإمداد وزارة الكهرباء بالغاز فقط    حزب المصريين: الرئيس السيسي يتبع الشفافية التامة منذ توليه السلطة    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الجدي    وزير الرياضة ل"قصواء": اعتذرنا عما حدث فى تنظيم نهائى الكونفدرالية    سلوى عثمان تنهار بالبكاء: «لحظة بشعة إنك تشوف أبوك وهو بيموت»    زيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام بعد انقطاع الطمث.. وما يجب فعله للوقاية    العلاقة المشتركة بين سرطان الرئة وتعاطي التبغ    صحة كفر الشيخ تواصل فعاليات القافلة الطبية المجانية بقرية العلامية    أول رد من نتنياهو على فيديو الجندي الإسرائيلي المُتمرد (فيديو)    تجدد الاحتجاجات ضد نتنياهو في تل أبيب وأماكن أخرى.. وأهالي الأسرى يطالبونه بصفقة مع حماس    61 ألف جنيه شهريًا.. فرص عمل ل5 آلاف عامل بإحدى الدول الأوروبية (قدم الآن)    اليوم.. افتتاح دورة تدريبية لأعضاء لجان الفتوى بالأقصر وقنا وأسوان    وزير البترول: محطات توليد الكهرباء تستهلك 60% من غاز مصر    صوّر ضحاياه عرايا.. أسرار "غرفة الموت" في شقة سفاح التجمع    "يا هنانا يا سعدنا إمام عاشور عندنا".. جماهير الأهلي فى كفر الشيخ تحتفل ببطولة أفريقيا (صور)    آلام التهاب بطانة الرحم.. هل تتداخل مع ألام الدورة الشهرية؟    بوركينا فاسو تمدد فترة المجلس العسكري الانتقالي خمس سنوات    رئيس جامعة طنطا يشارك في اجتماع المجلس الأعلى للجامعات    الأزهر للفتوى يوضح العبادات التي يستحب الإكثار منها في الأشهر الحرم    الأزهر للفتوى يوضح حُكم الأضحية وحِكمة تشريعها    «الري»: إفريقيا تعاني من مخاطر المناخ وضعف البنية التحتية في قطاع المياه    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 .. (الآن) على بوابة التعليم الأساسي    موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات.. ومواعيد الإجازات الرسمية المتبقية للعام 2024    المدن الجامعية بجامعة أسيوط تقدم الدعم النفسي للطلاب خلال الامتحانات    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي العلمي للمقالات العلمية    توقيع برتوكول تعاون مشترك بين جامعتي طنطا ومدينة السادات    وزير الأوقاف: تكثيف الأنشطة الدعوية والتعامل بحسم مع مخالفة تعليمات خطبة الجمعة    علاج 1854 مواطنًا بالمجان ضمن قافلة طبية بالشرقية    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقطات البرنامج الانتخابي لمرشحي الإخوان في الشوري (3)
ألغام إخوانية في طريق الدولة المدنية رؤية ظلامية للمرأة والحريات العامة والثقافة
نشر في آخر ساعة يوم 01 - 06 - 2010

الأخوات سلاح الجماعة فى الانتخابات البرلمانية القادمة
تحتاج القراءة الجدية للوثائق وأوراق العمل الإخوانية لذهن متيقظ وقدرة فائقة علي التفتيش ما بين السطور.. فمبادئ المراوغة وشغل الرأي العام بقضية ما للتعتيم علي أخري هي وبلا جدال دستور لا تحيد قيادات "جماعة حسن البنا" وصقورها عنه أبداً، سيان تم ذلك عبر نقل بضع كلمات مثيرة للجدل عن لسان مرشدها العام مثلاً، أو كان الموضوع يمت بصلة لبرنامجها في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري، والذي كلما عاود المرء قراءته بأنفاس هادئة اكتشف المزيد من السقطات والألغام التي يزخر بها، وتتجاوز بمراحل مجرد اتخاذه من الشعار الطائفي "الإسلام هو الحل" عنواناً له..
منذ الإعلان عن برنامج مرشحي الإخوان في ماراثون الشوري والحديث لا يتوقف حول نقطتين رئيسيتين اعتبرتهما غالبية النخب السياسية والمثقفة ردة علي أركان الدولة المدنية ودعوة صريحة لا لبس فيها لتأسيس دولة دينية علي جثة وأنقاض دولة المواطنة.. تركزت النقطة الأولي علي إصرار الجماعة علي رفع شعارها الطائفي المطاط "الإسلام هو الحل" ودفع مرشحيها لاستخدامه في دعايتهم الانتخابية في مخالفة واضحة للدستور المرتكز علي مبادئ المساواة الكاملة بين أبناء الشعب دون تمييز، فضلاً عن حظر المادة الخامسة منه "مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أي مرجعية دينية أو أساس ديني أو بناءً علي التفرقة بسبب الجنس أو الأصل"..
أما النقطة الثانية التي رسمت مثالاً إخوانياً اعتيادياً علي الرجعية والطائفية فكان موقف البرنامج من الأقباط، ففي الوقت الذي حوت صفحاته جنوحاً مفاجئاً تجاه مد جسور الحوار والود والطمأنة مع شركاء الوطن، وذلك بالتزامن مع وثيقة التصالح مع الأقباط التي تم تسريبها بمعرفة مكتب الإرشاد قبل بضعة أسابيع في محاولة لنيل أصوات أكبر قدر منهم أو علي الأقل تحييدهم في معركة الشوري الشرسة، خاصة أن بعض تقديرات غير رسمية تشير إلي أن نسبة الأقباط في الدوائر الانتخابية التي يتنافس فيها المرشحون الإخوان الأربعة عشر تتراوح بين 10 إلي %20.. فإن البرنامج نفسه يعود ليفضح موقف الجماعة العنصري من الأقباط، حيث تعتبرهم "أقلية".. فقد جاء تحت بند رؤية الإخوان لتطوير مجلس الشوري ما نصه: "فبموجب حصة المعينين يقصد داخل المجلس نضمن أي الإخوان تمثيل كل من المرأة و(الأقليات أيًّا كانت) والعلماء من أصحاب التخصصات المختلفة وكبار قادة الجيش والشرطة وعلماء الدين ورجال الفكر والصحافة"..
ومع التسليم بأن هاتين النقتطين كفيلتان بنسف أي ادعاءات لصقور الإخوان وقطبييها برغبتهم اللحاق بركب الديمقراطية والعمل السياسي العلني، فإن الانشغال بهما والجدل المتصاعد حولهما قد حالا دون ملاحظة القنابل الموقوتة الأخري التي يضمها برنامج الجماعة في ماراثون الشوري، ولعل أهمها ما يتعلق بنظرة الإخوان لمواطنة المرأة ورؤاهم لمسائل الحريات العامة والإصلاح الاقتصادي والثقافة والفنون..
مواطنة المرأة
فقد تطرق برنامج الإخوان لانتخابات الشوري عن المواطنة بوصفها العنصر الأخير من ضمن أسس ومقومات الإصلاح المنشود علي الرغم من أن الدستور المصري اتخذ من المواطنة عنواناً له: "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة".. الأمر الذي يعكس الصياغات العامة والفضفاضة صاحبة النكهة النفعية والاستهلاكية التي تستخدمها الجماعة، وليس أدل علي هذا من أن البرنامج لم ينف أياً من المواقف الإخوانية التقليدية والتمييزية ضد مواطنة المرأة علي وجه الخصوص (وكذا الأقباط كما أشرنا من قبل) والتي سبق الإعلان عنها في مجموعة من الوثائق التي خرجت عن مكتب الإرشاد، وأهمها علي الإطلاق برنامج الجماعة المقترح لحزبها السياسي الوهمي، إضافة إلي البرنامجين اللذين طرحتهما الجماعة في انتخابات الشوري 2007 وفي انتخابات المحليات أبريل 2008. فبمطالعة برنامج الإخوان لانتخابات الشوري 2010 نجد النص علي عبارات عامة ولا يوجد أدني خلاف عليها بين جميع الأحزاب والقوي السياسية المدنية من قبيل أن "جميع المصريين متساوون في كافة الحقوق وعليهم كافة الواجبات"، وهذا هو المعني الوارد في المادة الأربعين من الدستور، وأنهم "مسلمين وأقباطا" شركاء الوطن ومتضامنون في النهوض به والدفاع عنه"، لكن هذا لم يستدع ذكر أي التزامات معينة من قبل الإخوان تصب في صالح المواطنة، وتغير من مواقفهم السابقة بشأن حرمان المرأة (وأيضاً الأقباط) من تولي منصب رئاسة الجمهورية، وعدم جواز تولي المرأة لمناصب القضاء والولاية العامة..
الغريب أن الحماسة الإخوانية المفرطة للإسهام في تحقيق مزيد من "المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات العامة".. و"تدعيم مشاركتها الواعية في عمليَّة التَّنمية".. و"تحقيق مطالبها الأساسية في الحياة الحرة الكريمة".. و"دعم خطط القضاء علي أمية النساء".. وغير ذلك مما يروجون له في برنامجهم الانتخابي، إنما تأتي بعد شهور قليلة من الهجوم الشرس الذي شنته قيادات بارزة في الإخوان، إلي جانب أعضاء كتلتهم البرلمانية، علي نظام الكوته (تخصيص 64 مقعداً للمرأة في البرلمان) زاعمين مخالفته للقانون والدستور وخرقه لمبدأ المواطنة!!.. فضلاً عن أن الادعاء برغبة الجماعة في تأكيد "أهمية الدعم الاجتماعي للمرأة لمساعدتها علي أداءِ أدوارها في المجتمع وتعزيز المشاركة الإيجابية في الانتخابات وعضويَّة المجالس التَّشريعية والمحليَّة المنتخبة" قد جاء في إطار الاستعدادات الحثيثة التي تجري داخل الإخوان لتحديد القائمة النهائية لمرشحات الجماعة من "قسم الأخوات" في انتخابات مجلس الشعب القادمة والمقرر إجراؤها قبل نهاية العام الجاري..
ووفق المعلومات الواردة من المنيل، حيث مقر مكتب الإرشاد، فإن الاتجاه داخل الإخوان يجنح نحو ترشيح ما بين 25 إلي 30 مرشحة علي الأقل، علي أمل تحقيق أكبر استفادة ممكنة للجماعة من تخصيص كوته برلمانية للمرأة.. وربما كان تيقن الجماعة من عدم قدرتها علي تحقيق نفس عدد المقاعد التي حازها مرشحوها الذكور في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، لأسباب تتعلق بضعف أداء بعضهم أو نتيجة الضربات الأمنية التي توالت في الأيام القليلة الماضية ضد قيادات بارزة بالجماعة، سواء في مكتب الإرشاد أو علي صعيد القيادات في المكاتب الإدارية في الأقاليم والمحافظات، تطاردها اتهامات خطيرة تتعلق بالإرهاب واعتناق أفكار تكفيرية، كان دافعاً لنقل جزء كبير من العطاء هذه المرة علي المرشحات، خاصة أن الجماعة تريد المحافظة علي المكاسب التي حققتها في عام 2005 حتي ولو بالاعتماد علي القيادات النسائية، التي طالما همشتها ولم تستخدمها إلا في أدوار ثانوية. إضافة إلي رغبة الإخوان، ووفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، في نفي صفة الرجعية عنهم أمام النخبة السياسية والثقافية في مصر وكذا أمام الرأي العام العالمي بعد موقفهم المتشدد من رفض (الولاية الكبري/ الرئاسة) للمرأة، وبالتالي ارتأت قيادات في الجماعة ضرورة طرح الأخوات في الانتخابات كنوع من التدليل علي حرصهم علي تمثيل المرأة، وحتي لا يشاع أن الإخوان يقهرون نساءهم أو يتجاهلون دورهن في الحياة السياسية وهو ما يسيء إليهم، علاوة علي أن وثيقة المرأة التي صدرت عن الجماعة في العام 1994 تتيح لها المشاركة في كافة الفعاليات السياسية طالما أن الأمر لن يصل لحد الولاية الكبري.
يشار إلي أن الجماعة ومنذ بدء مشاركتها في الانتخابات البرلمانية في ثمانينيات القرن العشرين لم ترشح سوي قيادتين نسائيتين فقط لا غير، وكانت جيهان الحلفاوي، مرشحة الجماعة في دائرة الرمل في انتخابات مجلس الشعب عام 2000 هي أول مرشحة إخوانية، فيما كانت الدكتورة مكارم الديري، مرشحة مدينة نصر في انتخابات 2005 هي ثاني وآخر المرشحات الإخوان.. ومن المعروف أن كلتيهما، الحلفاوي والديري، خرجت من المنافسة دونما تحقيق أي مكسب..
من ناحية أخري فإن الجماعة ستراعي في الأسماء النسائية المرشحة علي قوائمها أن تكون من الأسماء النشطة وربما المشهورة في قسم الأخوات، وهو قسم يركز اليوم علي العمل الدعوي والخدمي في المقام الأول وليس له نشاط سياسي بالمعني المفهوم، وتلتحق به زوجات وبنات وقريبات الأعضاء الإخوان الذكور، ومن ثم فهن غير معروفات ولا يظهرن تقريباً، ربما باستثناء ظهور بعض الأخوات في عدد من المظاهرات وبخاصة الفتيات في الجامعات كما كان لهن ظهور أمام عدسات وكالات الأنباء في المرحلة الماضية أمام المحاكم أثناء نظر بعض القضايا التي تورط فيها قادة إخوان. وتكلف معظم عضوات قسم الأخوات بالإشراف علي بعض مشروعات الجماعة الصغيرة كورش الخياطة والمستوصفات ودور الأطفال ورعاية الأيتام وما شابه، وعلي الصعيد الدعوي ما تزال هناك بعض الكيانات التابعة للإخوان والتي تتولي الأخوات الإشراف عليها مثل دار التربية الإسلامية للفتاة بالمنيل.
ولعل من اللافت هنا أنه في الوقت الذي ضرب فيه قادة الجماعة بمعارضة العديد من الأصوات الإخوانية عدم دخول الانتخابات البرلمانية بشكل عام، وعدم ترشيح الأخوات في الانتخابات خشية تعرضهن لمضايقات، ناهيك عن مزاعم البرنامج الإخواني للشوري بترفيع مقام المرأة، فإن الإخوان يرفضون تخصيص مقاعد للنساء في مكتب الإرشاد أو في مجلس الشوري العام، أو حتي ترك رئاسة قسم الأخوات لقيادة نسائية، بل إن قيادات كبري من شاكلة نائب المرشد الدكتور رشاد البيومي سبق أن وجهت تحذيرات شديدة اللهجة لكل من يطالب بهذا الأمر من أبناء الجماعة بالإطاحة منها نهائياً.. كما أن المرشد العام الجديد نفسه، الدكتور محمد بديع، قال قبيل أسابيع قليلة من تنصيبه إن رأي الجماعة في مسألة رفض تولي المرأة للرئاسة لا رجعة فيه لأنه في رأيه مبني علي أسس فقهية سليمة لا تقبل الجدل قبل بها فقهاء وشيوخ الإخوان وفي مقدمتهم الشيخ عبدالله الخطيب تنطلق من الحديث الشريف "لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة.. علي الرغم من أن الحديث جري علي لسان خاتم الأنبياء بعد أن نمي إلي أذنه الشريفة "أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسري"، أي أنه قيل في مناسبة بعينها، علاوة علي أن جمهور الفقهاء، ومن بينهم شيخ الإخوان الدكتور يوسف القرضاوي، قد انحازوا إلي إمكانية وصول المرأة لمنصب رئيس الجمهورية، انطلاقاً من أنها كائن كامل الأهلية، وكذا جواز توليها مناصب القضاء والإفتاء، وبالتالي فإن منصب الرئاسة يمثل إمامة صغري لها علي أحد الأقطار وليس إمامة عظمي علي الأمة الإسلامية جمعاء والتي لا تجوز لها..
ومن ثم فتبدو نية الجماعة ترشيح الأخوات، كما يري خبراء وحقوقيون، ينبع من موقف براجماتي أكثر منه أيديولوجيا، كما أن هذا النوع من دعم البرنامج الإخواني للشوري مشاركة الأخوات سياسياً لم يجر وفق مراجعات لأفكار الجماعة، لكنهم يحاولون تقديم أنفسهم في صورة مختلفة وبالأخص لتصديرها للخارج كرسالة عن أنفسهم أكثر من أي شيء آخر.
شرط غامض
علي جانب آخر وفيما جاء في صدر البرنامج أن جماعة الإخوان تري أن الحرية الكاملة للإنسان المصري هي مبدأ أصيل وحق من حقوقه، زاعماً أنها تسعي لضمان تمتعه بحقوقه الأساسية كاملة ونيله منظومة الحريات التي نصت عليها المواثيق الدولية، فإنه يعود لنسف ذلك كله بوضع شرط "غامض" يلزم عدم مخالفة كافة هذه الحريات للشريعة الإسلامية وأن عليها الانطلاق من "منظومة القيم الدينية الأصيلة".. وعليه فلا يبدو مستغرباً تأكيد الإخوان أنهم خاضوا معركة الانتخابات في الشوري من أجل "القيام بالواجب الشرعي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لنعذر إلي الله في أداء الأمانة، وتحقيق الإصلاح الشامل الذي يسعد به المسلمون وغير المسلمين من أبناء الوطن، وإزالة التعارض المزعوم بين مبادئ الشريعة الإسلامية وبين الدولة المدنية الحديثة".. ناهيك عن استخدام البرنامج لعبارات وكلمات من شاكلة، بناء الإنسان وتهيئة المناخ وتكوين شخصيَّة المواطن.. وهو ما يعني ببساطة أن الجماعة ستضع "كتالوجاً" يسيراً يجب علي الناس جميعاً "ووفق مبدأ السمع والطاعة الإخواني" أن يلتزموا به دونما النظر لحريتهم الشخصية..
وعود عامة
كذلك طرح برنامج الإخوان أفكاراً لإصلاح المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، حيث ركز علي ست قضايا رئيسية، هي: برنامج الإصلاح الاقتصادي، والخصخصة، والدعم، والمنافسة والاحتكار، ومكافحة الفقر، ومعالجة مشكلة البطالة. وبحسب رؤية تحليلية نشرت بالموقع الإلكتروني الرسمي للحزب الوطني الديمقراطي اتسمت هذه السياسات كسلوك الإخوان الاعتيادي بالغموض والعمومية، والحديث عن وعود عامة دون اقتراح مصادر التمويل وهي إحدي البديهيات الرئيسية لصياغة أي سياسة عامة، فلا يمكن التعهد بتنفيذ سياسة ما لم يكن هناك الموارد البشرية والمادية لتنفيذها. وفي هذا الإطار يؤكد البرنامج مثلاً في البند الخاص بالدعم علي أهمية "ترشيد بعض بنود الدعم و ضمان وصولها إلي مستحقيها" وذلك دون تحديد لما هي تلك البنود المطلوب ترشيدها وكيف يتم ذلك والإجراءات التي يقترحونها لضمان وصول الدعم إلي مستحقيه.
أيضاً يتحدث البرنامج عن مكافحة الفقر والبطالة من خلال مقترحات عامة غير محددة بسياسات تنفيذية وإجراءات واضحة مثل "إتاحة فرص عمل للفقراء وامتلاك أدوات الحرف" و"إعادة توزيع الدخول للعاملين في الجهاز الإداري للدولة بما يحقق العدالة" و"استيعاب أعداد كبيرة من الخريجين في النهوض ببرامج الخدمات الصحية والتعليمية". وكلها أهداف لا يختلف عليها أحد وموجودة في برامج أغلب الأحزاب السياسية المصرية. ما يستدعي التساؤل: ما الجديد إذن الذي يقدمه الإخوان في برنامجهم؟!
يذكر البرنامج في موضع آخر أن من أهدافه وضع استراتيجية محددة للتنمية المستدامة وإعادة النظر في برنامج الخصخصة، وهي أيضاً أهداف جميلة وبراقة ولا يختلف عليها أحد، ولكن لا يبين ما هي هذه الأسس المطلوبة لاستراتيجية التنمية كما لا يذكر كيف يتم إعادة النظر في برنامج الخصخصة ويغفل أن موضوع الخصخصة ليس مطروحاً علي أولويات الحكومة الآن، وأن عدد الشركات التي تمت خصخصتها في الخمس سنوات الأخيرة محدود للغاية، وأن الآثار السلبية التي ترتبت علي بعض عمليات الخصخصة في المصانع التي واجهت مشاكل يتم التعامل معها أولاً بأول، وقبل هذا وذاك فإن الرئيس مبارك وجه الحكومة في خطابه في الأول من مايو الماضي إلي ضرورة الإسراع بإصدار قانون لحماية حقوق هؤلاء العمال.
وكما جاء بالرؤية التحليلية السالف الإشارة إليها فبمقارنة ما يتضمنه برنامج الإخوان ببرنامج الحزب الوطني، نجد أن الأخير يبين التعهدات التي تلتزم بها الحكومة كما يبين الموارد التي سيتم تعبئتها لتنفيذ تلك التعهدات. وهو برنامج محدد بأرقام تستند إلي الموازنة العامة للدولة وإيراداتها خلال الخمس سنوات المقبلة، ومصادر التمويل المحلية والأجنبية المتاحة بتكلفة منخفضة. مع تأكيد واضح بأن الوفاء بهذه التعهدات يجب ألا يعوق الاستقرار المالي والاقتصادي في الأجلين المتوسط والبعيد أو بما يؤثر علي حقوق الأجيال القادمة. بكلام آخر إن أي فصيل سياسي حين يعد فإن عليه أن يضع الآليات الكفيلة بالتنفيذ، وأن يحترم عقول المواطنين ولا يخاطب عواطفهم ومشاعرهم بألفاظ براقة تستند إلي أوهام وموارد مالية غير محددة وغير معروفة المصدر.
أخطر السقطات
ولعل أخطر سقطات برنامج الإخوان التي لم يلتفت إليها الكثيرون هي موقف الجماعة من الثقافة والفنون، فالبرنامج يفصح عن نية ل"توجيه" و"تطوير" شكل ومضمون الحياة الثَّقافيَّة المصريَّة، و "تطوير" الكتابة الأدبيَّة والمسرح والسينما والدراما التِّليفزيونيَّة وغيرها من الفنون الإبداعيَّة، بما ينهي "أي تعارُض بين الرَّوافد الأساسيَّة للهويَّة الإسلاميَّة للمجتمع المصري؛ وبين الانتماء العربي والشُّعور الوطني".. ويواجه "خطر الغزو والفوضي الفكريَّة الآتية من الخارج".. وهي أمور فضفاضة تفتح المجال واسعاً أمام مقص الرقيب وأمام الحظر والمنع والحجر علي آراء المبدع بدعوي إعلاء قيم الفضيلة والمحافظة علي هوية المجتمع.. ما يعني ببساطة أن الأمر ينتهي إلي تقييد حرية الإبداع والفن ومحاصرتهما وإنتاج قوالب ثقافية موجهة، وهو نفس النهج الذي سبق للإخوان أن أكدوه في أكثر من مناسبة، وفي مقدمتها برنامج حزبهم المزعوم الذي تبني ضمن ما تبناه لتقييد الفنانين والمثقفين "إنشاء لجنة متخصصة لدراسة واقع الرواية والأدب عامة في مصر .. وتوجيه مسارات الإبداع الأدبي لخدمة قضايا المجتمع".. ناهيك عن أن وثيقة الإصلاح الإخوانية التي أعلنها المرشد السابق، محمد مهدي عاكف، عام 2004 وتعد المرجع الرئيسي لكافة الأطروحات السياسية للجماعة، قد جاء في البند الثاني عشر منها والخاص بالمجال الثقافي نصاً: "نحن نؤمن بضرورة أن تنبثق ثقافتنا من مصادرها الإسلامية، تنمية للفرد والمجتمع، وهذا يتطلب إصلاحاً جاداً لمفردات الثقافة القائمة ووسائلها من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز، بحيث تتأسس مادتها وتنطلق من المبادئ والقيم الإسلامية، تربية للفرد وتعميقاً لهذه المبادئ والقيم في وجدانه"..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.