منذ أكثر من قرن ونصف، بدأت مصر بوضع أسس تشريعية لحماية الأطفال من الجنوح والانحراف، لتصبح نموذجاً رائدًا في هذا المجال، من خلال تطوير القوانين الوطنية بما يتوافق مع المواثيق الدولية، واتباع استراتيجيات الأممالمتحدة لمنع الجريمة والعنف، مع التركيز على الأطفال والشباب. وتظهر دراسة حديثة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن حماية الطفولة ترتبط مباشرة بسلامة المجتمع واستقراره، ودورها في التنمية المستدامة. - الإطار التاريخي والقوانين الوطنية: بدأت مصر جهودها التشريعية لحماية الأطفال منذ لائحة محمد علي 1830، مرورًا ب قانون العقوبات 1883 وتعديله 1904 الذي رفع سن المسؤولية الجنائية من 15 إلى 17 عامًا وحظر عقوبتي الإعدام والأشغال الشاقة للأطفال. شملت الحماية لاحقًا قانون العقوبات 1937 وقانون الإجراءات 1950، قبل صدور قانون رقم 21 لسنة 1974 الذي رفع سن الرشد الجنائي إلى 18 عامًا، وصولًا إلى قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته بالقانون 126 لسنة 2008، لضمان حماية شاملة وفق اتفاقية حقوق الطفل الدولية. - المعايير الدولية لحماية الطفولة: اتفاقية حقوق الطفل 1989: تعتبر أي شخص لم يتجاوز 18 عاما طفلا، وتضمن حقوقًا أساسية تشمل الاسم والجنسية، والرعاية الصحية والتعليمية، والحماية من الاستغلال، والمشاركة في اتخاذ القرارات، والحقوق في النزاع مع القانون. اقرأ أيضا| في ظل قوانين الأسرة.. النيابة تُنظم ورشتي عمل حول حقوق الطفل مبادئ الرياض التوجيهية لمنع جنوح الأحداث: تؤكد على أهمية التنشئة الاجتماعية السليمة، وتهيئة بيئة أسرية مستقرة، ودور التعليم والإعلام والمنظمات المجتمعية في الوقاية، مع التأكيد على ألا يعهد بالطفل إلى مؤسسات إصلاحية إلا كملاذ أخير. - قواعد الأممالمتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم: تضمن حقوق الطفل أثناء الاحتجاز، بما في ذلك التأهيل لإعادة الدمج الاجتماعي وضمان مشاركته كمواطن فاعل بعد انتهاء فترة الاحتجاز. - جهود الأممالمتحدة ومنع الجريمة: منذ المؤتمر الدولي لمنع الجريمة 1955، نظمت الأممالمتحدة مؤتمرات متتابعة كل خمس سنوات لمتابعة تطورات الجريمة ووضع استراتيجيات وقائية، مع التركيز على الأطفال والشباب. تم دمج هذه الجهود في الأهداف ال17 للتنمية المستدامة 2030، خاصة الهدف 16 (الحد من العنف وتعزيز السلام والعدل والمؤسسات القوية) والهدف 5 (تمكين النساء والفتيات ومكافحة العنف ضدهن). ركزت وثائق مؤتمر الأممالمتحدة الثالث عشر (2015) على رصد جرائم العنف والقتل، وربطها بالتنمية الاقتصادية والأمن، مؤكدة أن البلدان ذات الدخل المنخفض أكثر عرضة للعنف والجريمة. - حماية الطفولة في الدستور المصري: ينص الدستور المصري على التزام الدولة بتوفير الرعاية الصحية والتعليمية والنمو النفسي والاجتماعي للأطفال، وحظر تشغيلهم في الأعمال الضارة، مع توفير حقوق خاصة للأطفال ذوي الإعاقة أو المحرومين من الرعاية الأبوية. تضمن التشريعات الوطنية مراعاة خصوصية الأطفال في القضاء، مثل افتراض البراءة، وحق المحاماة، وحضور الوالدين أو الوصي، وإمكانية التحويل خارج النظام القضائي، مع التركيز على إعادة التأهيل الاجتماعي والنفسي. اقرأ أيضا| فى يومها العالمى |طفولة بطعم الوجع من غزة إلى السودان المحور الثاني: المعايير الوطنية لحماية الطفولة اهتم المجتمع المصري بالطفولة اهتمام مستمرًا، فقد اتفقت الشرائع والقوانين جميعها على تمييز الصغار بأحكام خاصة تهدف إلى حمايتهم وتحديد مسؤوليتهم الجنائية، وليس الأمر مقصورًا على التشريعات الحديثة فقط، هذا الاهتمام تزامن مع التوجهات الإنسانية والدينية التي تؤكد حماية الأطفال والنشء والشباب، وهو ما أكدت عليه المواثيق الدستورية التي تضمن رعاية الأمومة والطفولة وتوفير الظروف المناسبة لتنمية إمكاناتهم. أولاً: حماية الطفولة بين الدستور واستراتيجية حقوق الإنسان ورد في المادة 11 من الدستور المصري لعام 2014 المعدل باستفتاء أبريل 2019 التزام الدولة بتوفير الرعاية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأكثر احتياجًا، كما نصت العديد من المواد على حقوق خاصة للفئات العمرية الصغيرة، ضمن الحقوق الأساسية للجميع، منها: المادة 19: تكفل الحق في التعليم لكل مواطن حتى المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، مجانًا. المادة 25: القضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين جميع المواطنين. المادة 80: لكل طفل لم يتجاوز الثامنة عشرة الحق في الاسم والهوية، والتطعيم الإجباري، والرعاية الصحية، والتغذية الأساسية، والمأوى الآمن، والتربية الدينية، وتنمية الجوانب الوجدانية والمعرفية. كما تكفل الدولة حقوق الأطفال ذوي الإعاقة وتأهيلهم لاندماج كامل في المجتمع، وتلتزم بحمايتهم من جميع أشكال العنف والإساءة والاستغلال، بما في ذلك الاستغلال الجنسي والتجاري. كما تنص المادة على حق الطفل في التعليم المبكر في مراكز الطفولة حتى سن السادسة، وحظر تشغيل الطفل قبل إتمام التعليم الأساسي، ومنعه من العمل في الأعمال التي تعرضه للخطر. القضاء والسياسة الجنائية للأطفال تلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائي خاص بالأطفال، حيث يحضر الشهود والمديرون المختصون، ولا يجوز مساءلة الطفل جنائيًا أو احتجازه إلا وفق القانون والمدة المحددة، مع توفير المساعدة القانونية اللازمة، ويكون الاحتجاز في أماكن مناسبة ومنفصلة عن البالغين، مع ضمان اتخاذ الإجراءات بما يحقق مصلحته. اقرأ أيضا| 35% من جرائم القتل التي يرتكبها الأطفال نتيجة استغلال الآخرين.. دراسة جديدة وضع المشرع المصري نصوصًا تاريخية لتحديد مسؤولية الأطفال الجنائية منذ 1826، مرورًا بقانون العقوبات 1883 وتعديلاته، وصولًا إلى المواد الدستورية الحالية التي تضمن رعاية النشء وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعية، وتشجيعهم على العمل الجماعي والتطوعي والمشاركة في الحياة العامة. كما أكدت المادة 93 من الدستور التزام الدولة بالاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والتي تصبح قانونًا بعد التصديق عليها ونشرها، وهو ما انعكس على الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2025)، التي تدمج الضمانات الدستورية والالتزامات الدولية ضمن رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030، مع التركيز على حقوق الطفل والمرأة والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن. وتؤكد الإستراتيجية الوطنية للطفولة والأمومة (2018-2023) والخطط الوطنية (2018-2022) على التقدم المحرز، مثل انخفاض معدل وفيات الأطفال دون الخامسة، وتقليص الفجوة التعليمية بين أطفال الحضر والريف، ما يعكس التزام الدولة بحماية حقوق الطفولة على جميع المستويات.