يُمثِّل جيل 'السبعينيات' الإخواني نقطةً فارقةً في تاريخ الجماعة، فلأول مرة يُحَدِّد هذا الجيل أجندة عمل وسياسات الجماعة، في الجامعات المصرية، ويتغلغل في الوسط الشبابي، بل إنه استطاع السيطرة علي النقابات المختلفة، بصورة أذهلت صُنّاع القرار، والخبراء معاً علي حدٍّ سواء! فمنذ منتصف الثمانينيات، أخذ هذا الجيل في التطور، بالتوجه نحو العمل الحر، واتِّباع سياسات الانفتاح الاقتصادي، وتطبيق مبادئ الرأسمالية، مخالفةً لتعاليم حسن البنّا والجماعة! وواصل أبناء هذا الجيل-بذكاءٍ سياسي شديد- التأثير في رسم السياسات الجديدة، داخل قيادة الجماعة نفسها، حتي دانت له مقاليد الجماعة، فأصبح المتحكم في سياستها واقتصادها، وقراراتها المصيرية! ففي كتابه 'الأجيال في السياسة المصرية، دراسة لأحوال جيل السبعينيات' يقول الباحث/ أحمد التهامي- عن دور هذا الجيل: 'إن انضمام هذه النواة الرئيسة، من قادة الحركة الطُّلابية، إلي قلب الجماعة أسهم في انضمام آلاف آخرين. وحينما أبدوا ملاحظاتٍ حول مسيرة الإخوان، ردَّ عليهم مرشد الإخوان/عمر التلمساني: 'فلتنضمُّوا أولاً، وعليكم تغيير الأوضاع من الداخل'! وقد لعب جيل الشيوخ في الجماعة، مثل: عمر التلمساني، ومصطفي مشهور دوراً مهماً في استقطاب هذا الجيل إلي صفوف الإخوان، كما جذب كثيراً من زعماء الحركة الطلابية إلي الإخوان، وقضي علي التناقضات التي تفجَّرت، بين الجيل الجديد، والحرس القديم! فالقيادي الإخواني/ مصطفي مشهور- كان له تأثيرٌ كبيرٌ في جيل السبعينيات من شباب الإخوان، وكان وقتها مُكَلَّفاً بملف الشباب، أو ما أطلقوا عليه اسم 'توريث الدعوة'. وقد بثَّ الشيخ/ مشهور- كما يُطلقون عليه- في نفوس هؤلاء الشباب أفكار 'سيد قطب' المتشدِّدة، فتبنَّوا هذه الآراء واعتنقوها في سرية تامة، بعيداً عن شيوخ الجماعة، فتشرَّب هذا الجيل نظريات الحاكمية، والتطرف، والتكفير! بل الغريب في أمر هذا الجيل، هو أنَّ فيروسات التشدد القطبي تسرَّبت من هذا الشباب إلي جيل الآباء، فاعتنق: مهدي عاكف، والقرضاوي، وفهمي هويدي، وطارق البشري، ومحمد عمارة، وسليم العوا، وغيرهم.. مفاهيم التشدد، حتي وجدناهم- أخيراً- يقفون في خندق الغلاة، والمتطرفين القطبيين، فيُحاربون ثورة 30 يونيو، ويقومون بالتحريض عليها، وتأليب الخارج والداخل عليها، وعلي الجيش المصري! التأسيس الثاني للإخوان! يؤكد -التهامي- أن جيل السبعينيات كان بمثابة البداية الجديدة للإخوان المسلمين. وهو ما يُطلَق عليه مرحلة 'التأسيس الثاني للجماعة'! وقد بدأ هذا الجيل في محاولات ضم الطُّلاب إلي صفوف الإخوان، خصوصاً في صعيد مصر، حيث يعترف عصام العريان باتِّباعهم طريقة الحيلة والدهاء، قائلاً: 'كنا نقوم بسلوكٍ عجيب، حيث كنا نُهاجم الإخوان، حتي ندفع عن أنفسنا تهمة الانضمام إليهم، نتيجة صورة الخوف، التي كانت منتشرة بين الناس'! لقد كان هناك طريقان أمام هذا الجيل، من الشباب الإسلامي وقادته، خصوصاً مجموعة الطب: إمّا تكوين جماعة مُستقلة، أو الانضمام إلي جماعة الإخوان، فقرَّرت –في النهاية- الارتباط بالإخوان، وجري ذلك علي مرحلتَين -كما يقول عصام العريان- المرحلة الأولي: مرحلة التعرُّف والارتباط الفكري، عن طريق كتابات الإخوان، والدعاة الذين كانت لهم صلة بالإخوان، مثل: الدكتور/ عيسي عبده، والشيخ/ محمد الغزالي، وقادة الإخوان، مثل: مصطفي مشهور، وعمر التلمساني، ولاشين أبو شنب. وفي هذه المرحلة كانت هناك تحفظات من شباب هذا الجيل علي بعض سلوكيات الإخوان. المرحلة الثانية: مرحلة الارتباط التنظيمي في نهاية سنة 1975م، حيث التقوا بمصطفي مشهور، وكمال السنانيري -وكانا من قادة التنظيم الخاص- وقرروا علي إثرها الدخول في الإخوان. وخلال هذه الفترة كان لهذه المجموعة الشبابية دورٌ مهم في ضم كثيرٍ من شباب جامعات الصعيد، مثل أسيوطوالمنيا، فانضم إليهم: حلمي الجزّار، وأبو العلا ماضي، ومحيي الدين عيسي، ولكنها فشلت في ضم المجموعة المسيطرة علي العمل الطُّلاّبي في المنياوأسيوط، مثل كرم زهدي وجماعته، كما لم تنجح في ضم عبد الله سعد في جامعة الأزهر الشريف إليها! واستمرت هذه المجموعة في القيام بتنظيم ورعاية العمل الطُّلاّبي لفترةٍ طويلة، حتي بعد تخرُّجها! ومن هؤلاء المهندسين والأطباء: أبو العلا ماضي، ومحمد علي بِشر، وعصام الغزالي، وعصام العريان، وعبد المنعم أبو الفتوح، وحلمي الجزار، وإبراهيم الزعفراني، ومحمود غزلان، وعصام حشيش، ومحمد عبد اللطيف، ومحمد الجوادي، وعلاء صادق. ثم انضمت إليهم النقابات الأخري كالصحافة، والمحامين، والصيدلة، ومن رجالها: جابر رزق، ومحمد عبد القدوس، وصلاح عبد المقصود، وبدر محمد بدر، ومختار نوح، وثروت الخرباوي، وغيرهم. علاقة جيل السبعينيات بالسلطة! ويقول-التهامي-: هناك اتجاهان متناقضان في تفسير علاقة النظام بالجماعات الطُّلاّبية الإسلامية، خصوصاً في مرحلة النشأة والتكوين، الاتجاه الأول: يعتقد أنها نشأت بدعمٍ مباشرٍ من الرئيس السادات- الذي أفرج عن الإخوان من السجون- الذي كان يريد إحداث توازنٍ سياسي في المجتمع، والتصدي للمد الناصري، واليساري بصفةٍ عامة. وعن هذه العلاقة، يقول المحامي/ منتصر الزيات: 'إن الدور الحيوي لتوسُّع طرح الأفكار الإسلامية في جامعة أسيوط يعود بالتأكيد أساساً إلي وجود محافظ أسيوط/ محمد عثمان إسماعيل، الذي نصح السادات بضرورة فتح الباب أمام التيار الإسلامي، لضرب التيارات الناصرية واليسارية، والأساس في هذا الموضوع يرجع إلي صفقةٍ ما، أو اتفاقٍ ما، بين السادات، وقيادات الإخوان، فبعد لقائه الشهير بالشيخ عمر التلمساني، بدأ السادات يسمح لقيادات الإخوان بزيارة الجامعات، لكسر شوكة التيارات الشيوعية واحتوائها'! من هنا ندرك السبب، وراء تكريم الرئيس/ محمد مرسي- لاسم الرئيس الراحل أنور السادات بمناسبة الاحتفال بذكري حرب أكتوبر قبل عامٍ، فمنحه قِلادة النيل، عِرفاناً بما قدَّمه للإخوان من خدماتٍ لا تُنسي!! وتجاهلوا احتفال مصر بثورة يوليو، بسبب موقفهم العدائي من عبد الناصر، الذي بدا واضحاً من أول خطاب ألقاه المعزول/ مرسي- عندما وصف حقبة عبد الناصر ب'التاريخ البغيض'! وقال في خطبة الاستاد: 'الستينيات، وما أدراك ما الستينيات'! أمّا الاتجاه الآخر، فيمثله عصام العريان، الذي ينفي فكرة التعاون مع النظام، ويعتقد أن النظام كان يقوم بدور المُراقِب من بعيد لحركة شبابية إسلامية تنمو بسرعة، تمكَّنت من السيطرة علي الاتحادات الطُّلاّبية! لقد رصد النظام السياسي في مصر حركة الانتشار والتوسُّع، التي أحدثها جيل السبعينيات الإخواني في الساحة! فأدركت السلطات الأمنية فيه خطورةً عليه، فبدأت لحظة الصدام بين الطرفين، وقرر النظام تغيير تكتيكاته مع الإخوان، وبادر بشن حملة ضدهم، وسَجْنِ عددٍ من رموز هذا الجيل، الذي كان أكثر ارتباطاً بمصطفي مشهور، صاحب اليد الحديدية في الجماعة! اللافت للنظر، أنَّ هذا الجيل استطاع بعد أربعة عقودٍ من الزمان.. الوصولَ إلي سدة الحكم في مصر، فكشف عن أسود وجهٍ في تاريخ مصر، وهو وجه الإخوان الانتهازي، الوصولي، الذي يعيث في مصر خراباً ودماراً، لأجل مصلحته الخاصة، بالتحالف مع الشيطان ضد أمن مصر القومي ومصالحها في المنطقة! والأعجب، أن سياسة الإخوان الاقتصادية التي رأيناها وذُقنا مراراتها، وتجرَّعنا ويلاتها.. أدارت ظهرها للملايين من الشعب، فلم تحرص علي تحقيق العدالة الاجتماعية، ولا الدفاع عن أحوال الفقراء والمُهمَّشين الذين قامت ثورة 25 يناير 2013م من أجلهم، ولا توفير فُرَص العمل للعاطلين من الشباب، وتجاهلت طوابير المُحتاجين والكادحين، وناهضت عودة القِطاع العام، لحساب سياسات القِلَّة من الأثرياء الجدد! وهي التي أوجعت رءوسنا بالحديث عن 'الإسلام هو الحل' وتطبيق الشريعة، وأسلمة الاقتصاد، وأستاذية العالم! لكل ذلك، ثار الشعب علي جرائم جيل الإخوان القطبي، الذي حكم مصر بالعمالة، والخيانة، والاستبداد، والدكتاتورية البغيضة، حتي جاءت ثورة 30 يونيو، فتخلَّصت من إرهاب الإخوان وفسادهم! وكانت ثورة 30 يونيو.. برداً وسلاماً علي الشعب المصري المنتصر!