التحول في العلاقة بين الدولة والتيارات الإسلامية بدأ بعد توقيع اتفاقية السلام السادات لم يدرك الخطر إلا بشكل متأخر جدا انضمام قيادات الجماعة الإسلامية للإخوان ولد انقسامات بين صفوفها واعتراضات كثيرة تحولات أساسية: يأتي عام1979 ليحمل عدة تحولات أساسية داخل التيار الإسلامي الشبابي في مصر: أولها: قرار الجماعة الإسلامية بتوحيد صفوفها واختيار أمير عام لها هو حلمي الجزار. ثانيها: ظهور معارضة الجماعة لتصرفات السادات, خاصة معاهدة الصلح وما نتج عن ذلك من اعتقال عدد كبير منهم. ثالثها: محاولات الإخوان تجنيد أبرز أعضاء هذه الجماعة في محاولة لضم هذا التكتل البشري الشبابي الضخم الي صفوفها. رابعها: بحث بعض قادة الجماعة الإسلامية عن دور خارج الجامعة, خاصة بعد التخرج. خامسها: ميلاد فكرة العنف داخل بعض أوساط هذه الجماعة, خاصة في المنيا وأسيوط علي يد كرم زهدي وناجح إبراهيم. وللأمانة فقد فطن السادات الي كل هذه التحولات متأخرا وحاول عن طريق توفيق عويضة أن يؤسس جماعة أخري لضرب الجماعة الإسلامية داخل الجامعات لكنه لم يفلح. يقول محمود جامع في المصدر السابق نفسه: وعندما أدرك السادات الخطورة الحقيقية لتلك الجماعات كانت الأمور قد أفلتت من يده, فالجماعات تعددت ولجأت الي السرية, وهناك من يعرفون وهم قليلون أن السادات حاول في أواخر أيامه اتباع التكتيك ذاته الذي اتبعه حين أنشأ الجماعات الإسلامية, فأتي بتوفيق عويضة الذي كان قد فصل بحكم قضائي من أمانة المجلس الأعلي للشئون الإسلامية وقت أن كان الشيخ الشعراوي وزيرا للأوقاف أتي به السادات ليعينه مستشارا لرئيس الجمهورية للشئون الإسلامية, وطلب منه تكوين جماعات لضرب الجماعة الإسلامية, وبدأت معسكرات أبي بكر الصديق الصيفية لطلاب الجامعات والتي كان ينفق عليها من ميزانية خاصة تحت إشراف محمد توفيق عويضة, وأخذ السادات يحرص علي زيارة تلك المعسكرات والالتقاء بشبابها, كما أخذ يغدق عليهم, إلا أن الأوان كان قد فات تماما.( د.محمود جامع, مرجع سابق). وعلي الرغم من أهمية التحولات الخمسة التي حدثت عام1979 فإن أبرزها كان محاولة الإخوان الناجحة لضم كوادر الجماعة الإسلامية البارزين اليها.. وقد بدأ الإخوان بذكاء في استقطاب مجموعة من القيادات التي تحظي بحب وتقدير مجموعات كبيرة من أعضاء الجماعة الإسلامية.. فكان أن انضم الي جماعة الإخوان كما يروي أبو العلا ماضي بين12 و15 قياديا بالجماعة علي رأسهم: عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان وخيرت الشاطر وأنور شحاتة ومحيي الدين أحمد عيسي وأبو العلا ماضي. ولقد ساعد دخول هذه العناصر في انضمام أعداد كبيرة أخري من أعضاء الجماعة الإسلامية الي الإخوان, وهذا ما أثار حفيظة بعض كوادر الجماعة وعلي رأسهم: كرم زهدي وفؤاد الدواليبي وأسامة حافظ وعاصم عبد الماجد وناجح إبراهيم وعلي الديناري وطلعت فؤاد قاسم.. وآخرون ساءهم خيانة رفاقهم لهم ودخولهم في التنظيم الذي طالما رفضوا الانضمام له تحت دعوي أنه تنظيم مسالم وممالئ للسلطة وفقد شرعيته عندما تخلي عن جهازه الخاص وقبل العمل الشرعي من وجهة نظرهم وهنا يجب ومن منطلق الإنصاف والنزاهة البحثية أن خلافات كبري وقعت بين الفريقين... الفريق الذي انضم للإخوان والفريق الذي ظل يحمل اسم الجماعة الإسلامية.. مضافا اليها تعبير نحو فهم سلفي لتمييزها عن الجماعة الإسلامية التي تحمل شعار الإخوان المصحف وسط السيفين المتقاطعين, ووصل الخلاف الي حد اقتسام المساجد في المحافظات, خاصة في المنيا وأسيوط والدخول في معارك دموية بالجنازير والأسلحة البيضاء حول من يؤم صلاة العيد التي كانت تتم عادة في خلاء حتي تم الاتفاق علي أن يؤمها أحد مشايخ الجمعية الشرعية حسما للخلاف. وقد كان لنجاح تجربة الجماعات الدينية في الجامعات العامل الأهم في طرح أعضائها وقيادييها السؤال الذي بدا منطقيا آنذاك: ماذا بعد التخرج في الجامعة؟! الاجتهاد في الإجابة عن السؤال السابق أسفر عن صدام متوقع, بين المتشبثين بالاستقلالية والعمل المنفرد بعيدا عن مظلة الإخوان, وبين الاتجاه الذي يحبذ الانخراط في صفوف الإخوان والعمل من خلالهم.( عبد الرحيم علي: مرجع سابق). لماذا رفض بعض شباب الجماعات دخول الإخوان؟ يجيب عن هذا السؤال الدكتور أيمن الظواهري في كتابه الحوار مع الطواغيت مقبرة الدعاة حيث يقدم من خلاله رؤية كل الجهاديين من كوادر الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد آنذاك لجماعة الإخوان, ويروي الظواهري من خلال تلك الرؤية قصة الحوار بين الإخوان والحكومة كنموذج للإدانة والتشهير, مشيرا الي أن: الناظر في تاريخ الحركة الإسلامية القريب يري كيف سقطت جماعة الإخوان المسلمين في فخ الحوار مع الحكومة بداية من مرشدهم الأول البنا وحتي الآن.( أيمن الظواهري: الحوار مع الطواغيت مقبرة الدعاة). ويضيف: إن البنا لم يكن يكفر الملك فاروق الحاكم بغير ما أنزل الله, بل سير مظاهرة من عشرين ألفا من الإخوان لمبايعة الملك الكافر, ولما زج الملك بالإخوان في السجون عام1948, لجأ البنا الي الاسترحام والاستعطاف لا الحوار, فالتقي بالوزير النصراني كريم ثابت باشا رجل الملك بوساطة الصحافي مصطفي أمين وقال البنا إن الجماعة انحرفت باشتغالها بالسياسة, وإنها تعرض علي الملك أن تعود هيئة دينية لا صلة لها بالسياسة, وأن تؤيد العرش وتحارب الشيوعية, ولم يتم للبنا ما أراده, والنهاية معلومة.( أيمن الظواهري المصدر السابق). ثم جاء جمال عبد الناصر فاحتوي بعض قادة الإخوان, كعبد الرحمن السندي وغيره, وضرب بعضهم ببعض وفرق الجماعة, ثم ضربها بعدما قضي منها حاجته, إذ أيدت ثورته في البداية حتي وطد أقدامه في البلاد, فاستغني عنهم وقتل قادتهم وعذبهم عذابا يفوق التصور.( أيمن الظواهري المصدر السابق). وظل الإخوان في السجون حتي جاء أنور السادات الي الحكم, وهنا يقول عبد الحليم خفاجي أحد الإخوان في كتابه:( إن عمر التلمساني أراد أن يسد فجوة عدم الثقة بيننا وبين المسئولين في الدولة, وأون يفتح طريقا للتفاهم لطي هذه الصفحة السوداء, فرفع الي المسئولين عن طريق إدارة السجن مذكرة كبيرة حول أهمية اللقاء المباشر مع من يهمهم الأمر كبديل لهذه الأساليب البربرية, فعل ذلك إعذارا الي الله, وتحمل بعض العنت من قلة من الإخوان أبوا هذه الخطوة عليه), ثم خرج الإخوان من السجن وهنا يقول التلمساني:( جاءني في عام1973 م فضيلة الشيخ سيد سابق وأخبرني أن السيد أحمد طعيمة, وكان وزيرا في عهد السادات, جاءه وأخبره أن السادات علي استعداد للقاء بعض الإخوان المسلمين المعروفين لإزالة ما في النفوس والتعاون علي خدمة الوطن, وكان ذلك قبل استبعاد الخبراء السوفييت بقليل, فرحبت بالفكرة, وذهبت الي فضيلة المرشد حسن الهضيبي الذي كان في الاسكندرية وأخبرته بحديث الشيخ سيد سابق معي, فقال لي إن الفكرة لا بأس بها إن صحت النوايا عند أصحابها, وكلفني بأن أستمر في المفاوضات). ويشير الظواهري الي أن الحوار مع السلطة يؤدي دائما الي مفاوضات, والمفاوضات بدورها تؤدي الي تنازلات عن المباديء.( أيمن الظواهري المصدر السابق). ويعدد الظواهري هذه التنازلات من قبل الإخوان قائلا: أ لقد أسبغ الإخوان ومن والاهم الشرعية علي الحكومة الكافرة, عندما قال مرشدهم محمد حامد أبو النصر:( نحن لانضع أيدينا أبدا في أيدي القائلين بتكفير الحاكم). وعندما أصدر الشعراوي والغزالي بيانهما المشئوم في1989/1/1, الذي قالا فيه إنهما يعتقدان:( في إيمان المسئولين بمصر, وإنهما لا يردان علي الله حكما ولا ينكرون للإسلام مبدأ) وأيد الإخوان البيان الذي يعترف بإيمان الحكام, بعد أن بايعوه عام1987!. ب وأسبغ الإخوان الشرعية علي الوسائل الكفرية التي تدين بها الحكومة, فاعترفوا بشرعية الديمقراطية التي تسلب حق التشريع من الله وتمنحه للشعب, ودخلوا مجلس الكفر المسمي بمجلس الشعب, مجلس الأرباب الذين يشرعون للناس. وقال مرشدهم أبو النصر آنذاك:( نريدها ديمقراطية شاملة وكاملة للجميع), وأضاف:( إن الانتخابات الوسيلة المشروعة للتغيير), ولقد قالها من قبله عمر التلمساني. ج وترتب علي الحوار والمفاوضات إنكار الإخوان للجهاد: حيث قال التلمساني:( العنف وسيلة العاجزين عن الإقناع), وأضاف:( الإخوان يؤمنون بأن التحول من القوانين الوضعية الي القوانين الإسلامية لابد أن يأخذ طريقه المشروع دون عنف أو إرهاب). ويقول حامد أبو النصر:( لم يحدث أن أقر الإخوان استخدام العنف ضد الحاكم), ويضيف:( لن نأتي الي الحكم إلا إذا استدعينا لهذا عن طريق الانتخابات). ويشير الظواهري الي أن شباب الإخوان المخدوع يعتبر هذه الأقوال من باب التقية, ولا يدري أن هذا تبديل لأحكام الدين المستقرة كما بدل اليهود والنصاري دينهم. د وترتب علي المفاوضات أن تحول الإخوان الي عملاء للحكومة الكافرة, يسبغون الشرعية علي حكمها وديمقراطيتها, وينكرون علي من ينادي بجهادهم, وتحول الإخوان الي طابور خامس يمزق جسد الحركة الاسلامية بمصر ويصيب الحركة بالتخدير والشلل, وهذا ليس من عندنا بل هو كلامهم. قال مأمون الهضيبي:( إن وجود الجماعة يمثل مصلحة للحكومة, لأنها تلجأ إلينا كثيرا لضبط التيار الديني المتطرف), وقال التلمساني:( أنا علي اتصال دائم بأجهزة الداخلية لمساعدتها في ترسيخ الأمن), وأضاف: كان من فضل الله علي أني ما ذهبت الي كلية ثائرة لأمر من الأمور إلا وعدت موفقا, وكان جهدي موضع شكر المسئولين في وزارة الداخلية). ويؤكد الظواهري رفضه لمثل هذه الحوارات والمفاوضات مع أجهزة الحكم, مشددا علي أن الطريق واحد وواضح قتال هذه الحكومة وخلعها وتنصيب خليفة مسلم.( أيمن الظواهري المصدر السابق). الصدام: اتخذ عمر التلمساني المرشد العام الثالث للجماعة موقفا مراوغا فيما يتعلق بالموقف من سياسات السادات تجاه القضية الفلسطينية من الصلح مع اسرائيل, قام موقف المرشد العام للجماعة علي أساس تأييد مبدأ التفاوض إذا كان معناه رد الحقوق الي أصحابها, وعودة فلسطين في الوقت الذي تعارض فيه الجماعة بشكل كامل اتفاقيات كامب ديفيد, وميز التلمساني في نفس الوقت, مابين مبدأ التفاوض والنتائج المترتبة عليه, فرفض أي اعتراف بوجود إسرائيل, حتي ولو أدت إليه المفاوضات جنبا الي جنب مع عودة فلسطين, كما اتخذ موقفا واضحا برفض التطبيع مع إسرائيل, وحذر من مخاطره, علي اعتبار أنه يمكن ل يهود المنطقة كلها. إن الإقرار الشرعي بمبدأ التفاوض مع إسرائيل, ورفض ما ينتج عنه, بل رفض وجود اسرائيل ذاتها, وصولا الي الدعوة للجهاد ضدها, هو من أبرز التناقضات التي ميزت الخطاب الإخواني تجاه القضية الفلسطينية حتي الآن, فحاولت الجماعة في هذا الموقف المتناقض وشبه المزدوج أن تحافظ علي سياسة وضع القدم الأولي في السلطة ووضع الثانية في المعارضة تحت دعوي اتباع أسلوب النصح. من هنا جاء امتناع المرشد العام عمر التلمساني عن تأييد الائتلاف الوطني المعارض لسياسات كامب ديفيد في عامي1980 1981, واعتراضه علي قرار المقاطعة العربية لمصر, ومطالبته قادة الدول العربية بتقديم بديل عن سياسات السادات السلمية بدلا من مقاطعته في الوقت الذي انضم فيه أحمد سيف الإسلام البنا نجل مؤسس الجماعة الي الأئتلاف المعارض للاتفاقية, فيما كانت مقالات الدعوة التي تهاجم الاتفاقية تتوالي, مما تسبب في حرج وضيق شديدين للرئيس السادات خاصة أن الاتفاق بينه وبين التلمساني لم يكن ينص علي معارضة سياسات الرئيس علنا.( عبدالرحيم علي: مرجع سابق, ص78). وسرعان ما حدث الصدام بين الطرفين, وشملت قيادات الجماعة بمن فيهم مرشدها العام قرارات اعتقالات سبتمبر1981 الشهيرة, ووجهت لها السلطة اتهاما بتشكيل تنظيم سري جديد, بينما كان المسرح يتم تجهيزه للقضاء علي السادات بواسطة إحدي الجماعات الإسلامية المتشددة التي صنعتها أجواء ما بعد هزيمة يونيو1967, ومهد لها السادات نفسه طريق التوغل داخل شرايين المجتمع المصري, والغريب أن هذه الجماعة( الجماعة الاسلامية المصرية) كانت ممن يتهمون الإخوان بالتواطؤ مع نظام الحكم والتخلي عن فريضة الجهاد. [email protected]