دور الاتحاد الاشتراكي.يقول اللواء حسن أبو باشا في مذكراته: بالفعل بدأت أمانة تنظيم الاتحاد الاشتراكي بقيادة محمد عثمان إسماعيل في إنشاء ودعم تلك الجماعات التي بدأ تشكيلها في الكليات الجامعية المختلفة مستخدما جميع الإمكانات والأساليب حتي وصل الأمر إلي حد دفعها إلي الصدام مع العناصر الماركسية لدي أي مناسبة يتاح لها فيها أن تختلق مثل هذا الصدام. ويضيف أبو باشا: أن أحد هذه القيادات في أمانة التنظيم اتصل ذات يوم تليفونيا بمدير مباحث أمن الدولة المرحوم اللواء سيد فهمي وطلب منه المساعدة في تدبير أكبر عدد من سيارات الإسعاف لتكون جاهزة للتحرك السريع إلي جامعة القاهرة, وكانت الإخطارات قد أشارت إلي أن ثمة تجمعات طلابية في هذه الجامعة في صورة مظاهرات داخل الحرم الجامعي. وعندما استفسر مدير الجهاز من تلك القيادة عن السبب في طلب إعدادهذا العدد الكبير من سيارات الإسعاف, كانت الإجابة أنها ستنقل الجرحي من الشيوعيين الذين ستسيل دماؤهم( علي حد قوله) بعد أن يتصدي لهم أعضاء الجماعات الإسلامية!!( حسن أبو باشا: في الأمن والسياسة). وفي حوار أجريناه مع الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين, وواحد من القيادات الطلابية البارزة في تلك الفترة, حاول أبو الفتوح التمييز بين الجماعات التي صنعها السادات وتلك التي تشكلت بعيدا عنه قائلا: لقد خلط بين الجماعة الإسلامية التي نشأت تلقائيا في الجامعات بعد هزيمة يونيو1967 وبين جماعة أخري أنشأها محمد عثمان إسماعيل أطلق عليها اسم شباب الإسلام, وقد بدأت هذه المجموعة في هندسة القاهرة, وأضاف أبو الفتوح انه من المثير للدهشة أن هذه المجموعة أنشأتها الدولة بعدأن يئست من استخدامنا أو تجنيدنا, وقد خطط النظام لهذه المجموعة أن تنتشر في كل جامعات مصر لتحل بديلا لتيار الجماعة الإسلامية المرتبط فكريا بالإخوان في ذلك الوقت حيث لم نكن قد ارتبطنا تنظيميا إلا أنها لم تمكث اكثر من عامين علي الأكثر واندثرت تماما( محضر نقاش مع د. عبدالمنعم أبو الفتوح). ويقدم الدكتور أيمن الظواهري في المرجع السابق الإشارة اليه, رؤية مهمة لجيل الرواد الذين ساهموا في صنع التيار الديني في مصر, حول التطورات الجديدة التي صاحبت انتقال السلطة إلي السادات حيث يقول: كان تولي أنور السادات للحكم بداية لتحول سياسي جديد في مصر, فقد انتهي العصر الروسي وبدأ العصر الأمريكي. وككل تحول فإنه يبدأ وئيدا ضعيفا, ثم لا يلبث أن يتقوي شيئا فشيئا وتتضح معالمه أكثر فأكثر مع مرور الوقت. بدأ أنور السادات بإزاحة بقايا النظام القديم, وكانت أقوي أسلحته في مقاومة تلك البقايا هي إتاحة بعض من الحرية للشعب المكبوت. وما إن ارتفع الضغط قليلا عن الحركة الإسلامية حتي خرج المارد من القمم, واتضح مدي النفوذ الشعبي الكاسح للإسلاميين, واكتسح الشباب المسلم الغالبية الساحقة من مقاعد اتحادات طلاب الجامعات والمدارس الثانوية في سنوات معدودات وبدأت الحركة الإسلامية زحفها نحو النقابات. وبدأت دورة جديدة من النمو للحركة الإسلامية, ولكنها هذه المرة لم تكن تكرارا لما سبق, ولكنها كانت بناء عليه واستفادة من خبرته ودروسه وأحداثه فقد بدأت الحركة الإسلامية خوض هذه الحلقة الجديدة من حلقات نموها, وقد انتشر بين شبابها وعي عميق بأن العدو الداخلي لا يقل خطورة عن العدو الخارجي, وكان هذا الوعي يتنامي بقوة مستندا إلي أدلة شرعية واضحة وخبرة عملية تاريخية مريرة.( أيمن الظواهري, مرجع سابق). السادات لم يصنع الاتجاه الإسلامي, ممثلا في جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الدينية, لكنه توافق مع طبيعة المناخ السائد بعد هزيمة1967, وسعي إلي استثمار الأمر لمصلحته ولتقوية سلطته المهتزة في مواجهة أعدائه الأكثر شراسة: ما اصطلح علي تسميته بمراكز القوي, والحركة الطلابية اليسارية في الجامعة بقيادة الناصريين والشيوعيين. حسم السادات معركته مع مراكز القوي في مايو1971, وبعد انتصاره عليهم ركز جهوده لمواجهة الحركة الطلابية المتصاعدة, والتي وصلت إلي قمة خطورتها وقوتها عند احتلالها لميدان التحرير, واقعة الكعكة الحجرية, بما يمثل تهديدا سافرا صريحا للدولة وهيبة السلطة والرئيس. بعد ساعات قليلة من الواقعة التي استفزت السادات وأثارت غضبه, اجتمع الرئيس مع مرشد الإخوان السجين حسن الهضيبي, وسرعان ما تم الإفراج عنه وعن قيادات ورموز بارزة في حركة الإخوان, وتمت الصفقة التي يبحث كل طرف من طرفيها عن مصلحة خاصة مختلفة: السادات يراوده كيفية مساعدة الإخوان له في مواجهة الحركة الطلابية اليسارية المعارضة, والإخوان يبحثون عن أمل لبعثهم من جديد. اتفق السادات مع الإخوان, لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: اي إخوان اتفق معهم وعقد صفقته؟ وما الأهداف الحركية الحقيقية التي راهنت عليها الجماعة؟ كان المستشار حسن الهضيبي مرشدا رسميا وزعيما علنيا شرعيا, لكن الحركة كانت منقسمة بين اتجاهين, اولهما معتدل يمثله عمر التلمساني, وثانيهما متشدد يتجسد في رجال النظام الخاص وفي مقدمتهم كمال السنانيري ومصطفي مشهور, الأول كان في الواجهة مع السادات والآخر كان يدير كل شيء من وراء ستار, وظل الوضع هكذا حتي اغتيال السادات, عندما استطاع التلمساني اقناع جيل الشباب بتطليق فكرة العنف بشكل كامل وإلي الأبد, مستبدلا بها فكرة تقويض المجتمع المدني عبر السيطرة الكاملة علي مؤسساته وفي مقدمتها النقابات والأحزاب والبرلمان,( عبدالرحيم علي, مرجع سابق, ص71). مازلنا نتابع السيناريو المرسوم.. فقد نجحت امانة التنظيم بالاتحاد الاشتراكي في إقامة المخيم الطلابي الأول بجامعة القاهرة عام1973, وحضره من قادة الجماعة الاسلامية آنذاك كل من: عبدالمنعم ابو الفتوح وعصام العريان من القاهرة, وإبراهيم الزعفراني وخالد داود من الإسكندرية, وخيرت الشاطر من المنصورة, ومحيي الدين أحمد عيسي وأسامة حافظ وكرم زهدي من المنيا, وصلاح هاشم من سوهاج, وعلي عبدالحكيم وحسن يوسف وعبد المتعال عبد الواحد من أسيوط, وكان هؤلاء هم أول قطفة لما سمي بالجماعة الإسلامية آنذاك. وراح عدد كبير من المشايخ الذين حضروا ذلك المخيم يجوبون الجامعات ملتحمين بطلاب الجماعة الإسلامية التي أعلن عنها في المخيم.. مشايخ من جميع الاتجاهات: من السلفيين الشيخ ناصر الدين الألباني, ومن الأزهر الشيخ أسامة عبد العظيم, ومن جماعة التبليغ الشيخ إبراهيم عزت, ومن العلماء المشهورين آنذاك الشيخ الشعراوي والقرضاوي والغزالي, ومن الإخوان كان عمر التلمساني وعبد الحميد كشك, وبعض المشايخ المستقلين كالشيخ المحلاوي والشيخ حافظ سلامة. ونعود إلي قطار الجماعة الإسلامية الذي استمر في طريق ليخرج كما يرصد اللواء حسن ابوباشا في مذكراته خارج أسوار الجامعات, حيث العديد من المدن والقري في محافظات مصر المختلفة, مدعما بقوة الدولة من جهة ودعم الدعاة وعلماء الدين من جميع الاتجاهات, واقترنت تلك الخطوة بنمو عدد من الظواهر المهمة نشير إلي بعضها في النقاط التالية: الأولي: أن حركة جماعة الإخوان الفكرية والتنظيمية بدأت تعود إلي الساحة مرة ثانية منذ عاد من الخارج أعداد غفيرة من كوادرها الذين حققوا ثروات في بلدان المهجر ليضيفوا إليها قوة اقتصادية طاغية, كما أعادت الجماعة اصدار مجلة الدعوة بعد توقف عشرين عاما لتكون منبرا إعلاميا مهما للدعوة إلي افكارها وتبني مواقفها من جميع القضايا والإعلان عنها, ثم لتبدأ ثانية في تنظيم شعبها علي مستوي المحافظات. وكانت الظاهرة الثانية هي بداية ظهور جماعات جديدة أكثر تطرفا تحت مسميات أخري. (حسن أبو باشا, مرجع سابق). أما الظاهرة الأخيرة, فهي تحول الجماعات الإسلامية التي انتشرت في جميع المحافظات إلي مفرخة يتنافس علي استقطاب عناصرها جميع التنظيمات الدينية علي الساحة وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمين, وتطورت الأمور لكي تصبح هذه الجماعات هي أداة هذه التنظيمات علي المستوي القاعدي في الجامعات وخارجها في القاهرة وباقي المحافظات. الاستيلاء علي اتحادات الطلاب: وصل الأمر عام1977 إلي حد فوز كوادر الجماعة الإسلامية في ثماني جامعات مصرية بإجمالي عضوية الاتحادات الطلابية من اصل اثنتي عشرة جامعة كما يوضح المهندس ابو العلا ماضي في محضر نقاش اجريناه معه عام2000, مضيفا ان الجماعة فازت في الجامعات الأربع الأخري بنصف المقاعد( محضر نقاش مع المهندس ابو العلا ماضي). كانت مرحلة الاتحادات الطلابية اهم مرحلة من مراحل نمو الجماعة الإسلامية, حيث حدث فيها كما يقول أبوالعلا ماضي انتشار واسع جدا. وبدأت الجماعة تستخدم أسلوبا جديدا في العمل مع الطلبة كتوزيع الحاسبات الآلية بأسعار رمزية وشراء وسائل المواصلات الرخيصة مثل الدراجات والضغط علي الجامعات لإحضار وسائل لنقل الطلاب من خارج الجامعة وتقديم وجبات بسعر رمزي للطلبة. ووصل الأمر كما يؤكد ماضي إلي التدخل لإنصاف طالب ظلم في نتيجة امتحان بأن تتم إعادة التصحيح وتخرج النتيجة لصالحه, كل هذا ساعد في التفاف الطلاب حول الجماعة الإسلامية, هذا التنظيم الذي ساعدته ظروف كثيرة في النمو, ليست كلها من تدبير وصناعة السادات, فقد استطاعت هذه الجماعات وبذكاء ان يتوحدوا في بعض القضايا القومية مع وجدان الناس في الشارع, فكانت مواقفهم العنيفة ضد وجود شاه إيران في مصر ورفضهم زيارة السادات للقدس كذا وقوفهم ضد اتفاقية السلام مع العدو الصهيوني( أبو العلا ماضي المرجع السابق). التلمساني يخدع السادات: يقدم عبدالمنعم أبوالفتوح في محضر نقاش اجريناه معه, شهادة مهمة حول بداية وكيفية ارتباط شباب الجماعة الإسلامية انذاك بالإخوان, مشيرا إلي انه لا يستطيع ان يذكر تاريخا محددا باليوم والساعة لمثل هذا الارتباط التنظيمي, ولكنه يضيف لقد بدأ الارتباط بمجموعة قليلة لا تزيد علي اصابع اليد الواحدة كانت تربطهم علاقة مودة بعدد من قادة الإخوان في مقدمتهم الاستاذ عمر التلمساني والدكتور أحمد الملط والاستاذ مصطفي مشهور ويضيف بدأ الاستاذ التلمساني يدعونا للقائه والحديث معه وظلت هذه اللقاءات مستمرة حتي أصبحنا بشكل عملي جزءا من حركة الجماعة في نهاية عام1974 مطلع عام1975( محضر نقاش مع د. عبدالمنعم ابو الفتوح). بالطبع لم تكن الحكومة التي ابرمت صفقة مع الجماعة حول مواجهة التيار اليساري في الجامعات تدري شيئا عن هذا النشاط التجنيدي الذي يقوم به قادة الإخوان وفي مقدمتهم الرجل العاقل عمر التلمساني. وحول المعلومات التي تؤرخ لبداية الانخراط الفعلي لكوادر الجماعة الإسلامية داخل الأطر التنظيمية للإخوان بأواخر عام1979, قال أبو الفتوح: هذا صحيح إذا كنت تتحدث عن المجاميع ولكن الرؤوس كما قلت انضموا في نهايات عام1974, وكنت واحدا منهم, ولكننا كتمنا هذا الموضوع طوال سنوات عدة خشية ان نواجه بعنف من قبل النظام الذي فتح الطريق بالفعل امام قادة الإخوان للعمل لكنه ليس علي استعداد لأن يكتشف ان الجماعة الإسلامية المنتشرة في جميع جامعات مصر, والتي كان السادات قد اعطاها الحرية الكاملة لتصنع توازنا سياسيا مع اليساريين داخل الجامعة قد اصبحوا اعضاء في جماعة الإخوان التي كان يعتبرها السادات وكانوا هم يعتبرون انفسهم بديلا شرعيا للسلطة. وعدنا لنسأل: متي تم الإعلان عن ذلك؟ اجاب القيادي في الإخوان: لم يتم الإعلان وإنما تسربت هذه الأخبار في اوائل عام1979 وغضب البعض من اخواننا غضبا شديدا, ولكننا استطعنا اصلاح ذات البين مع بعضهم لاسيما في القاهرة والوجه البحري, ولكننا لم نستطع اصلاحه مع الآخرين في وجه قبلي خاصة مجموعة كرم زهدي وناجح ابراهيم التي أصرت علي موقفها الرافض تماما لفكرة دخول الإخوان باعتبار ان الجماعة علي حد تعبيرهم تركت فريضة الجهاد وهادنت السلطة.( عبدالمنعم أبوالفتوح المرجع السابق). [email protected]