بالأسماء، الفائزون بجولة إعادة المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب في الشرقية    النتيجة الكاملة لجولة الإعادة بالمرحلة الثانية من انتخابات النواب    رئيس جامعة المنصورة يهنئ طالب هندسة لانضمامه لقائمة Forbes Middle East    البورصة تخسر 7 مليارات جنيه بختام تعاملات الأسبوع    روسيا تدعو مواطنيها لعدم السفر إلى ألمانيا    بيكهام يخضع لجلسات علاج طبيعي في الأهلي    ضبط دجال كرموز بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    انفصال شريف سلامة عن داليا مصطفى رسميا    محافظ كفرالشيخ يستمع لشكاوى وطلبات الأهالي بشأن الخدمات    مدينة الأبحاث العلمية تفتتح المعرض التمهيدي لطلاب STEM المؤهل للمعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF–2026    التفاصيل الكاملة لافتتاح المركز النموذجي بالغرفة التجارية بالقليوبية    عاجل- ارتفاع جديد في سعر الذهب اليوم الخميس 25-12-2025.. عيار 21 يصل إلى 5965 جنيهًا    محافظ المنيا يعطى شارة بدء انطلاق زراعة الذهب الأصفر    مجلس جامعة بنها الأهلية يناقش جداول اختبارات الفصل الدراسي الأول    الجيش الروسي يسيطر على بلدة سفياتو بوكروفسكوي في دونيتسك    استشهاد أكثر من 406 فلسطينيين منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار بغزة    الجيش السوداني يستعيد السيطرة جزئيًا في كردفان    وول ستريت جورنال: إسرائيل تلوّح بضربة جديدة ضد إيران بسبب الصواريخ الباليستية    سلوت: تجاوزنا أزمة محمد صلاح وعلينا أن نحترمه مع منتخب بلاده    برلماني لوزير الخارجية: الدبلوماسية المصرية حائط الصد في الدفاع عن الدولة    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    غلق كلي لكوبري قصر النيل لتنفيذ مشروع أعمال الصيانة الإنشائية    ضبط طن لحوم غير صالحة للاستخدام الآدمي بالمنوفية.. صور    الداخلية تتخذ الإجراءات القانونية حيال 19 شركة سياحية غير مرخصة    تأجيل محاكمة رئيس اتحاد السباحة وآخرين بتهمة الإهمال والتسبب في وفاة السباح الطفل يوسف    محافظ أسوان يتابع ميدانيًا منظومة التطوير والتجميل    تعرف على أبرز الشخصيات فى مقابر تحيا مصر للخالدين    رئيس الوزراء يُتابع الموقف التنفيذي لمشروعات صندوق التنمية الحضرية    إيرادات الأفلام.. طلقني يزيح الست من صدارة شباك التذاكر وخريطة رأس السنة يحتل المركز الخامس    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    حكم الصِّيَامِ في شهرِ رجب؟ الأزهر للفتوي يوضح    محافظ الشرقية يُهنئ مركز طب الأسرة بالعاشر من رمضان لحصوله على الاعتماد الدولى    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    المؤتمر الدولى لكلية دار العلوم بجامعة القاهرة يناقش قضايا الاستشراق والهوية    رجال سلة الأهلي يصلون الغردقة لمواجهة الاتحاد السكندري بكأس السوبر المصري    بيان عاجل من الخارجية السعودية بشأن أحداث حضرموت والمهرة في اليمن    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    إصابة عضلية تبعد حمدالله عن الشباب لأسابيع    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الكيك بوكسينج يعقد دورة للمدربين والحكام والاختبارات والترقي بالمركز الأولمبي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    بالفيديو.. استشاري تغذية تحذر من تناول الأطعمة الصحية في التوقيت الخاطئ    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    التضامن: تسليم 567 طفلًا بنظام الأسر البديلة الكافلة منذ يوليو 2024    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    أول ظهور ل «محيى إسماعيل» من العناية المركزة    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    صفاء أبو السعود من حفل ختام حملة «مانحي الأمل»: مصر بلد حاضنة    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعلان الدولة الإسلامية في مغارة أولاد طوق برئاسة وكيل النيابة حمدي هاشم
المستشار ماهر الجندي يكتب :

· عندما كنت وكيلا أول لنيابة أمن الدولة العليا في مطلع السبعينيات أخطرت النيابة بموضوع هذه الجماعة
· توليت التحقيق مع المتهم «حمدي السعيد» الذي تولي قيادة الجماعة بعد مصرع زعيمه
· رفض هذا المتهم أن يمثل للتحقيق طوال ثلاثة أيام بزعم أن النيابة العامة كافرة لأنها من أعوان الحاكم
· وأن هذا الوصف يلحق رجالها، وخارج التحقيق، أدرت حوارا هادئا ومقنعا معه علي مدار الأيام الثلاثة
· حول المفاهيم الصحيحة للإسلام
تشير وقائع التاريخ الحديث إلي أن استخدام العنف الدامي باسم الدين قد ظهر في مصر مع مطلع الاربعينيات بعد سنوات قلائل من نشأة جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 علي يد مؤسسها الشيخ حسن البنا، وبالرغم من أن الجماعة قد بدأت أولي مراحل نشأتها من منطلق دين له أسانيده المنطقية التي تركز علي القيم الاسلامية ونشر الوعي الاسلامي السليم بين جموع المواطنين خاصة الشباب، إلا أنه سرعان ما ظهرت الأهداف السياسية للجماعة علي السطح، بعد أن أدرك قادتها اتساع رقعة قواعدها الشعبية تحت تأثير الاقتناع بسلامة أغراضها الدينية التي كانت تعبر عنها دائما تعبر عنها من خلال إصداراتها المتعاقبة والدورية سواء في الرسائل أو النشرات أومجلة الدعوة الناطقة باسمها، وهي أغراض تقوم علي فكر يدور حول نشر المفاهيم الصحيحة للاسلام من خلال الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن اللافت للنظر، أن الغايات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين - وكما يذكر اللواء حسن أبو باشا في مذكراته ص 65 - كانت دائما الخلفية السياسية التي تحكم حركة القيادات العليا للجماعة، ولم تكن تفصح عنها للقواعد الشبابية التي انخرطت في تنظيماتها، وإنما كان جوهر الاستقطاب لجموع الشباب ينصب علي الغايات الدينية والتركيز علي جوانب السلبيات التي يعاني منها المجتمع، خاصة القطاع الشبابي، وإسناد أسباب المعاناة إلي غياب الالتزام بالحكم بشريعة الله، والتسلسل بعد ذلك إلي أهمية الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الدين.
وقد أكد الاستاذ حسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها العام الأول هذا المفهوم، بالتصريح الذي أدلي به لمجلة النذير - في عددها الأول - والتي أصدرتها الجماعة - حيث أعلن أن الاسلام عبادة وقيادة، ودين ودولة، وروحانية وعمل، وصلاة وجهاد، وطاعة وحكم، ومصحف وسيف.
الرئيس عبد الناصر والإخوان:
ولذلك كانت جماعة الإخوان المسلمين، هي الجماعة الوحيدة في مصر التي تمثل التيار الديني السياسي طوال الفترة من ثلاثينيات ونهاية ستينيات القرن الماضي، ثم انزوي دورها في المجال السياسي في أعقاب الصدام الذي وقع بين الجماعة وثوار 1952، إثر محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وبميدان المنشية بالاسكندرية عام 1956، التي حوكم بسببها عدد من قادتها، ثم عاد هذا الدور في الظهورة مرة أخري عام 1965 عندما حاول المرحوم سيد قطب إحياء دور الجهاز السري للجماعة لاستئناف عمليات العنف ضد السلطة من جديد، لكن هذه المحاولة سرعان ما باءت بالفشل الذريع، حيث تم اكتشاف المؤامرة والقبض علي العناصر الضالعة في تدبيرها والتخطيط لتنفيذها، وقدموا للمحاكم وصدرت الاحكام علي بعضهم بالإعدام وفي مقدمتهم سيد قطب، بينما حكم علي الآخرين بالاشغال الشاقة والسجن لمدد متفاوتة كما سبق أن اشرت في الحلقة الماضية.
ولعل تلك المحاولة التي قادها سيد قطب، تمثل بداية مرحلة جديدة في مفهوم الفكر الديني السياسي الناشيء عن أفكاره التي أعلن عنها في كتابه «معالم علي الطريق» والتي تتصل بنطرته إلي المجتمع وما يقترن بها من قضايا الحاكمية، والتكفير، والجهاد، وهي مفاهيم كان لها تأثيرها الواضح علي الجماعات الدينية الي بدأت في الظهور في مرحلة السبعينيات والثمانينيات بمسميات مختلفة، حيث اجتمعت علي اعتناق جوهر هذه الافكار لكنها اختلفت حول لاسلوب والأهداف المرحلية.
الرئيس السادات والإخوان:
وبعد أن تولي الرئيس الراحل أنور السادات حكم مصر في نهاية 1970، حدث تحول تاريخي في موقف نظام الحكم من التيار الديني السياسي، ويكاد التاريخ أن يعيد نفسه، فكما حدث في بداية ثورة يوليو عندما فرضت اعتبارات التوازن السياسي علي قادة الثورة إلي ذلك الالتقاء المرحلي مع جماعة الإخوان المسلمين لكي تكون سندا شعبيا لها في بداية مراحلها، فقد تصور الرئيس السادات - وعلي ما أورده اللواء أبو باشا في مذكراته ص81 - أنه يمكن أن يلعب نفس اللعبة مرة أخري، ومع أن الرئيس السادات عاصر خلفيات ذلك الصدام السياسي بين الثورة وجماعة الإخوان واطلع علي تفصيلاته، بل شارك في محاكمات الإخوان عام 1954 - من خلال عضويته لمحكمة الثورة - فإنه وقع بدوره تحت تأثير ذلك الوهم في لعبة التوازنات السياسية عندما يلجأ الحاكم في ضرب قوي سياسية بقوي أخري تختلف معها في الفكر والمنهج تصورا منه بأن ذلك يمكن أن يؤدي إلي نوع من التوازن السياسي الذي يحقق له استقرارا في الوضع السياسي العام للدولة..
نكبة الجماعات الاسلامية علي مصر.. التي أمر السادات بتشكيلها:
كانت الخطوة الأولي التي اتخذها الرئيس السادات بعد صدامه مع مجموعة من أطلق عليهم مراكز القوي هي اعطاء الضوء الأخضر لمعاونيه لتشكيل ما سمي بالجماعات الاسلامية في الجامعات، وكان واضحا أنه لجأ إلي هذه الخطوة غير المحسوبة بدقة لكي يقيم التوازن علي الساحة السياسية في مواجهة التيار الماركسي الذي بدأ ينشط ووقف ضد نظام حكمه منذ اللحظات الأولي بعد ولايته.
وكان من الطبيعي أن ينتهي هذا التقدير الخاطيء للعبة التوازنات السياسية إلي نتائج عكسية تماما، فقد انفرد التيار الماركسي الذي كان في عز عنفوانه في مواجهة التيار الديني السياسي بالتفاعل السياسي علي الساحة الداخلية كل علي حسب قدرته الحركية والفكرية، في حين انزوي دور الاتحاد الاشتراكي وهو التنظيم الرسمي للدولة وأصبح هذا الدور شبه متجمد، كان ذلك إيذانا بنمو الوليد الجديد في التيارالديني السياسي بسرعة فائقة ومطردة اطرادا ملحوظا، حيث سرعان ما انتشرت الجماعات الاسلامية انتشارا واسعا في القري والمدن علي مستوي محافظات مصر، واقترن بذلك الانتشار بعض الظواهر المهمة، التي كان من أبرزها، أنها تحولت إلي مفرخة يتنافس علي استقطاب عناصرها جميع التنظيمات الدينية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين وتطورت الأمور لتصبح هذه الجماعات هي أداة جميع هذه التنظيمات علي المستوي القاعدي في الجامعات المصرية وخارجها في جميع محافظات مصر، وكان من نتيجة ذلك أن حركة الاخوان الفكرية والتنظيمية قد بدأت تعود مرة ثانية إلي الساحة خاصة عند عودة أعداد كثيرة من أعضائها من الخارج بعد أن حققوا ثروات مالية كبيرة ليضيفوا إليها قوة اقتصادية ملحوظة مكنت الجماعة من إعادة إصدار جريدتها التقليدية «الدعوة» لتكون منبرا إعلاميا لفكرها وموقفها السياسي، ولم تر الجماعة - في ذلك الوقت - ضرورة إلي إعادة جهازها السري علي نمط جهازها المسلح السابق، اكتفاء بوضع استراتيجية سرية مستقبلية يجري تنفيذها في الخفاء دون إعلان، تعتمد علي إعادة البناء التنظيمي للجماعة علي مستوي محافظات مصر وفقا لنظام الشعب وتحقيقا للانتشار الأفقي للجماعة علي المستوي القاعدي، ودعم القدرة الاقتصادية للجماعة باستغلال الثروة الهائلة العائدة من الخارج - مع بعض قياداتها - في مشروعات استثمارية متنوعة كالبنوك الاسلامية والمدارس الخاصة لتربية أجيال علي مبادئها كالنقابات المهنية والاتحادات الطلابية ونوادي أعضاء هيئات التدريس بالجامعات، والسعي لفوز أكبر عدد من أعضاء الجماعة بعضوية البرلمان والمجالس الشعبية المحلية علي مستوي المحافظات والمراكز والقري، وتجنب الصدام مع السلطة أثناء مرحلة تدعيم الوجود.
ومن اللافت للنظر، أن توجيه الرئيس السادات لمعاونيه بتشكيل الجماعات الاسلامية لمواجهة استشراء التيار الماركسي وتجرؤه علي مهاجمة نظام حكمه، كان بداية لظهور جماعات أخري جديدة علي الساحة استترت بالدين كانت أكثر تطرفا وأشد عنفا فقد نمت وترعرعت في أحضان الجماعات الاسلامية الجامعية وراحت تمارس نشاطها المسالم ظاهريا من خلالها، بينما كانت في الخفاء تعمل جاهدة علي تشكيل بنيتها التنظيمية علي أساس الفكر المتطرف المناهض لنظام الحكم وتعد عدتها للانقضاض عليه عندما تتوافر لها القدرة وتحين لها الفرصة، وكان من أخطرها تنظيم الفنية العسكرية الذي تزعمه العميل صالح سرية، وجماعة التكفير والهجرة التي تزعمها شكري أحمد مصطفي، ثم تنظيم الجهاد الارهابي الذي اغتال الرئيس السادات في 6أكتوبر وارتكب أحداث أسيوط الدموية في 8 أكتوبر عام 1981، وتنظيم الناجون عن النار الذي تزعمه الطبيب مجدي الصفتي عام 1987 وأقدم علي ارتكاب محاولات الاغتيال السياسي لكل من اللواء محمد النبوي إسماعيل وحسن أبو باشا وزيري الداخلية الأسبقين والكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد النقيب الحالي للصحفيين، إلي جانب عدد من الجماعات الأخري التي تعتنق فكرا دينيا متطرفا لكنها لا تمتلك القدرة علي تنفيذ أهدافها في تغيير واقع المجتمعات العربية واقامة ما يسمي بالدولة الاسلامية.
وكان من أهم هذه الجماعات الخلايا السرية التنظيمية التي تم ضبطها في مصر أكثر من مرة خلال السبعينيات وتنتمي إلي حزب التحرير الاسلامي الذي نشأ بالأردن ويعتنق فكرا متطرفا في منهجه وحركته ويدعو إلي إسقاط جميع أنظمة الحكم في البلاد العربية والعمل علي إيجاد تنظيمات تابعة له داخل هذه البلاد، ومن بينها مصر، ولا يزال الغموض مسيطرا حول خلفيات نشأة هذا الحزب ومصادر تمويله وأسباب تركيزه علي ضرورة إسقاط جميع نظم الحكم بالدول العربية، واختيار الأردن بالذات لتكون مقرا أصليا له، وتلك الخلفيات وما يحيط بها من علامات استفهام تبعث علي الاعتقاد الحازم بأن هذا الحزب له ارتباط بصورة أو بأخري ببعض المنظمات الدولة أو الجهات الخارجية العميلة، لا سيما إذا ما وضع في الاعتبار أن صالح سرية زعيم تنظيم الفنية العسكرية الفلسطيني الجنسية كان واحدا من أبرز قيادات حزب التحرير الاسلامي قبل أن يتلون بعضوية جماعة الاخوان المسلمين ويصبح - بعد ذلك - أحد أقطابها البارزين بالعراق بعد هروبه من الأردن ، وفي عام 1975 وعندما كنت وكيلا أول لنيابة أمن الدولة العليا قمت بالتحقيق مع أحد قيادات هذا الحزب وكان أردني الجنسية وقد اعترف باعتناق مباديء الحزب التي ترمي إلي إحداث الثورة الاسلامية.
كما كان من بين تلك الجماعات جماعة وكيل النيابة يحيي هاشم «الذي ضم اليها عددا من شباب الجامعات حيث اتخذوا من إحدي المغارات» بأولاد طوق شرق بالصعيد مقرا لاقامة ما أسموه «بالدويلة الاسلامية» وتسلحوا بالمدي والخناجر والسيوف وبعض الاسلحة النارية الخفيفة كنواة لانشاء الجيش الاسلامي القادر علي اقامة الدولة الاسلامية الكبري المزعومة تنفيذا لأهدافهم التي أسسوها علي فكر ديني متطرف وجانح، وقد جرح زعيم هذه الجماعة أثناء مداهمة رجال الشرطة لوكرها ومحاولة القبض علي أفرادها.
وعندما كنت وكيلا أو لنيابة أمن الدولة العليا في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، أخطرت النيابة بموضوع هذه الجماعة، حيث توليت التحقيق مع المتهم «حمدي السعيد» الذي تولي قيادة الجماعة بعد مصرع زعيمها، وقد رفض هذا المتهم أن يمثل للتحقيق طوال ثلاثة أيام بزعم أن النيابة العامة كافرة لأنها من أعوان الحاكم وأن هذا الوصف يلحق رجالها، وخارج التحقيق، أدرت حوارا هادئا ومقنعا معه علي مدار الأيام الثلاثة، حول المفاهيم الصحيحة للاسلام كما وردت بالكتاب والسنة ودللت له من واقع الاسانيد الشرعية علي ضلال دعوتهم وانحراف عقيدتهم، فكان أن أبدي قناعته الكاملة بذلك وطلب الادلاء بأقواله في التحقيق، وسرعان ما تدفقت اعترافاته التفصيلية بقصة هذه الجماعة وأنه أخطأ في انضمامه اليها وعزي ذلك إلي أن علماء الدين قد تركوا الساحة لهؤلاء المبتدعين في الدين يستولون علي عقول الشباب ويغذونها بالافكار الضالة سعيا وراء تحقيق أهداف لن تجني علي مصر سوي الفرقة والفوضي والخراب. وأذكر أن هذا المتهم قد وجه في نهاية استجوابه - الذي استمر أكثر من أسبوع - رسالة إلي كل من رئيس الدولة وشيخ الازهر ومفتي الديار المصرية حملهم فيها المسئولية الكاملة عن العواقب الوخيمة التي سوف تحدث لشباب مصر إن لم تبادر الدولة بحل مشكلاتهم وملء فراغهم وتوجيههم إلي الاسلام الصحيح وتنشيط الأجهزة الأمنية لكي تتمكن من الكشف عن هؤلاء العابثين بمقدرات الوطن بدلا من أن تفاجأ بانفجارها كالبركان عند اندلاع أحداثها الدموية.
لقد أصبحت الجماعات الاسلامية في الجامعات بعد ذيوعها وانتشارها وبالا علي مصر فقد كانت هي معمل التفريخ التي يتنافس علي استقطاب عناصرها جميع التنظيمات السرية الدينية المتطرفة التي تتحرك في سرية تامة تحت الارض، وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي اخترقتها وكادت من خلالها أن تفرض سيطرتها الكاملة علي الجامعات المصرية، كما تخرج من هذه الجماعات قادة تنظيم الجهاد الارهابي الذين أسهموا وبقوة في ارتكاب أحداث العنف الدامية والخطيرة التي اغتالوا فيها الرئيس الراحل أنور السادات وعددا من كبار المسئولين في الدولة يوم 6أكتوبر 1981، وراح ضحيتها أكثر من 120 قتيلا من رجال الشرطة والمواطنين بأسيوط يوم 8 أكتوبر 1981، وكان من بين هؤلاء القادة في تنظيم الجهاد جميع أعضاء مجلس الشوري في هذا التنظيم عن الوجه القبلي كرم زهدي وفؤاد الدواليبي وناجح إبراهيم وعلي الشريف وعصام درباله وحمدي عبدالرحمن وأسامة حافظ وطلعت فؤاد قاسم، ومن القاهرة والوجة البحري طارق الزمر وأنور عكاشة وسيد السلاموني ومحمد الأسواني.
وهكذا، فقد أدي توجه الرئيس السادات بتشكيل الجماعات الاسلامية في الجماعات لمواجهة التيار الماركسي في مصر إلي بعث ظاهرة العنف الدموي والإرهاب المنظم ونموها من جديد بعد انحسارها في الخمسينيات والستينيات، ولم يدر في خلد الرئيس السادات لحظة واحدة، عندما فتح الباب علي مصراعيه للجماعات الاسلامية عام 1971، أنه كان يعطي بيده السلاح لمن قاموا باغتياله به عام 1981.
ولم يكن الرئيس السادات، عندما أصدر قرارات سبتمبر 1981 باعتقال 1536 من الشخصيات المصرية المهمة التي تمثل مختلف الاحزاب والقوي السياسية في البلاد وتضم عددا كبيرا من كبار الكتاب والصحافة وقيادات الاخوان المسلمين وجماعات العنف الدموي والتطرف الفكري وبعض رجال الدين الاسلامي والمسيحي، أنه وقع في خطأ تاريخي جسيم لم يسبقه فيه حاكم مصري من قبل، فقد زادت تلك القرارات من احتقان وغليان القوي المعارضة له وكانت وقودها الذي أشعل نار الفتنة في البلاد من جديد، وكان القرار الحكيم للرئيس مبارك بالافراج عن هؤلاء المعتقلين بداية محمودة لعهد جديد.
أحداث العنف الدامي للإخوان.. وحسابات التاريخ:
ومن بعد .. فإنه لم يكن سهلا وأنا في معرض الحديث عن موجات العنف والارهاب التي اجتاحت مصر في تاريخها المعاصر، علي يد بعض الجماعات المتطرفة المتشحة برداء الدين سعيا وراء تحقيق أهدافها ضد سلطة الحكم في البلاد، أن أغفل جانب الحديث عن أحداث العنف الدامي التي ارتكبها نفر من قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وعناصرها الاساسية، فقد اتهمت جماعة الاخوان المسلمين - وعلي ما سبق القول - بارتكاب أحداث الاعتيال السياسي لكل من أحمد ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء عام 1944، ومحمود فهمي النقراشي رئيس مجلس الوزراء عام 1948، والمستشار أحمد الخازندار رئيس محكمة جنايات مصر عام 1948، وبمحاولة تفجير محكمة مصر بباب الخلق بسيارة ملغومة بالمتفجرات عام 1948.
وعقب اغتيال النقراشي باشا، أصدر المرشد العام للجماعة الشيخ حسن البنا بيانا شديد اللهجة بعنوان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» أدان فيه الحاذث ومرتكبيه، وكان عبدالرحمن السندي رئيس الجهاز السري للإخوان وراء تدبيره بسبب القرارات التي أصدرها النقراشي بحل جماعة الإخوان المسلمين وغلق مقرها ومصادرة ممتلكاتها لاقتناعه بأن حوادث القنابل والمتفجرات ترتكبها عناصر تنتمي للجماعة، حيث قام الشباب «عبد المجيد حسن»« باطلاق الرصاص عليه عند وصوله إلي مبني وزارة الداخلية، وتم القاء القبض علي الجاني وحكمت عليه المحكمة بالإعدام، ونفذ فيه هذا الحكم.
ويذكر الدكتور محمود عساف - المستشار السابق لمجلس إدارة النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين - ص 146 - من كتابه «مع الإمام الشهيد حسن البنا» أن مجلس إدارة النظام لم يكن يعلم شيئا عن واقعة اغتيال المستشار الخازندار - إلا بعد نشرها بالصحف واتهام عضوين بالجماعة بارتكاب الحادث، وعلي الفور طلب الاستاذ البنا عقد اجتماع خاص لمجلس الإدارة بمنزل عبد الرحمن السندي - رئيس الجهاز السري الذي قاد عملية الاغتيال - حيث عنفه علي ذلك، وقال له «لقد قتلت رجلا يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، واعتبرته لا يحكم بما أنزل الله، وهو يحكم بالقانون المفروض عليه من الدولة، ولو افترضنا أنه كان قاسيا فان القسوة ليست مبررا للقتل».
ويقول صلاح شادي - أحد قادة النظام الخاص للجماعة ص92 من كتابه «صفحات من التاريخ» - أن سنة 1948 كانت حافلة بالأحداث التي أثرت تأثيرا كبيرا علي كيان الجماعة، ففي مارس 1948 اغتيل الخازندار بيد الأخوين محمود زينهم وحسن عبد الحافظ وحكم عليهما بالسجن المؤبد في 24/11/1948، وتم هذا الحادث بغير علم المرشد وبغير إذنه مما أثر عليه تأثيرا بالغا ، وأضاف: أنه لم يخفف من هول الحادث ما تذرع به السندي عندما وجه برد الفعل لدي المرشد، فادعي أن المرشد قال في مجلس عام «إن القاضي يستاهل القتل» عندما سمع بالاحكام القاسية التي صدرت ضد أشخاص من الإخوان ضبطوا بالاسكندرية أمام نادي الجيش الانجليزي ومعهم قنابل لم تنفجر بعد، فاصدر عليهم القاضي الخازندار أحكاما قاسية، وقد اعتبر السندي أن هذه العبارة من المرشد إذنا ضمنيا علي قتل الخازندار».
كما اتهمت جماعة الاخوان المسلمين بتدبير محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1954 بميدان المنشية بالاسكندرية، وبتدبير محاولة قلب نظام الحكم بالقوة عام 1965 علي يد سيد قطب وأعوانه.
- وهو الأمر الراجح - وقد اتجه فريق غالب من الكتاب الراصدين لحركة الإخوان المسلمين، إلي أن الجماعة قد استهدفت بمؤامرتي 1954 و 1965 الاطاحة بنظام الحكم وإعلان دولة الخلافة الاسلامية. ومؤدي هذا الرأي أن الجماعة تسعي إلي تحقيق غايات سياسية خارج إطار الشرعية الدستورية من خلال إعلانها الظاهري بأنها ملتزمة بتحقيق أهدافها الدينية التي ترمي إلي التوعية بالتربية الاسلامية الصحيحة لأفراد المجتمع.
في حين اتجه فريق آخر من الباحثين - وهو الرأي المرجوح - إلي التشكيك في اتهام جماعة الاخوان المسلمين بمحاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1954، ووصفها بانها مجرد «تمثيلية» من صنع السلطة لاتخاذها ذريعة للقضاء علي الجماعة عقب صدامها العنيف مع قادة الثورة ومحاولتها فرض وصايتها عليهم.
كما ذهب هذا الفريق - ويمثل الرأي القاطع - إلي أن المرحوم سيد قطب كان هو المخطط والرأس المدبر وصاحب فتاوي التكفير والقصاص من المجتمع، وأنه هو الذي قاد مؤامرة التدبير للاطاحة بنظام الحكم عام 1965 مع نفر من أعوانه، تطلعا إلي فرض زعامته علي البلاد وتنصيب نفسه خليفة للمسلمين وفرض تطبيق الشريعة الإسلامية، ويقول هذا الفريق ، إن أفكار سيد قطب التكفيرية لم تحظ بمباركة قيادات الجماعة في ذلك الوقت، بل عارضها وبشدة أعضاء مكتب الارشاد من قادتها الكبار من داخل السجن وهم الاساتذة عمر التلمساني وحامد أبو النصر وعبد العزيز عطية ومصطفي مشهور، وبعثوا برسالة إلي سيد قطب أبلغوه فيها بأن نشر مثل تلك الافكار سوف يؤدي إلي تفتت الإخوان ونشر الفتن بينهم وحدوث انقسامات لا داعي لها، في حين أجازها الاستاذ حسن الهضيبي. وهكذا كان المرشد العام للجماعة في اتجاه، ومكتب الارشاد في اتجاه آخر. «ص 168 - الإخوان.. وأنا: لواء فؤاد علام»
إن الخلاف الناشيء بين الراصدين لحركة الاخوان المسلمين حول حقيقة طبيعة نشاطها التنظيمي، والغموض الذي سيطر علي غاياتها السياسية، منذ نشأتها عام 1928 علي يد مؤسسها الاستاذ حسن البنا، ومعرفة السر حول تشكيل جهازها السري عام 1938، وأداء يمين الولاء لها علي المصحف والسيف، ثم إدانة زعيمها لأحداث الاغتيال السياسي التي ارتكبها هذا الجهاز عام 1948، ومعارضة مكتب الارشاد من قادتها الكبار لافكار سيد قطب التكفيرية رغم اجازتها من مرشدها العام الاستاذ حسن الهضيبي، ثم السر في نجاح دعوتها وعبورها حدود مصر إلي بعض الاقطار العربية ثم إلي عدد من الدولة الأوروبية، حيث تمكنت من انشاء ما يسمي «بالتنظيم الدولي للاخوان المسلمين» بمدينة «إخن» بالمأنيا الذي أشرف علي تأسيسه «الملياردير» يوسف ندا لنشر مباديء الجماعة علي المستوي العالمي، والتي عبر عنها المؤتمر الأول لهذا التنظيم بأنها تتجسد في «اشعال الثورة الاسلامية في الدول العربية والاسلامية»، ثم حرصها علي ارتكاز دعوتها علي قاعدة اقتصادية قوية، كل ذلك وغيره ربما يثير شهية الباحثين والمدققين من المؤرخين إلي معاودة قراءة تاريخ حركة الاخوان المسلمين قراءة موضوعية تحليلية أمينة وجادة من مصادر محايدة مؤثوق في صحتها.
حقا .. إن حركة الإخوان المسلمين.. هي ظاهرة دينية وسياسية عالمية فريدة.. اجتازت بدعوتها الحدود الجغرافية والزمنية، وانجذب إليها الكثيرون من كل حدب وصوب ومن مختلف الفئات والأعمار، ومازالت تواصل مسيرتها في أداء رسالتها علي أعين السلطة بإصرار وعزم لا يلين، رغم قرار الدولة بحلها وتجميد نشاطها، ورغم مالاقته وتلاقيه من الضربات الأمنية الموجعة بين الحين والآخر، ولا ينسي التاريخ اتهام حكم الرئيس عبد الناصر بمحاولة سحق جماعة الاخوان المسلمين، ففي عهده جرت المحاكمات وانفتحت المعتقلات لتستقبل آلالاف من أعضائها ليلاقوا صنوف العذاب الأليم، تارة عام 1954 عقب اتهامها بمحاولة اغتياله ، وتارة أخري عقب اكتشاف مؤامرة 1965 التي قادها سيد قطب ورفاقه. حقا إن حركة الاخوان المسلمين جديرة بمزيد من البحث والاستقصاء والتحليل.
وأراني مكتفيا بهذا القدر من الكلام حولها، بما اقتضاه مقام البحث عن التطور التاريخي للتنظيمات الدينية المنحرفة التي ظهرت في مصر، لا سيما في حقبة السبعينيات والثمانينيات والتي اتخذت من العنف المسلح واثارة الفتن سبيلا لتحقيق أهدافها في اغتصاب سلطة الحكم في الدولة وإعلان ما يسمي بالدولة الاسلامية، وجئت بهذا القدر محمولا علي الحياد وعلي مصادر موثوق فيها.
وبداية من الحلقة التالية، سوف أعرض - بعون الله - وفي بيان مفصل ومتتابع لأخطر هذه التنظيمات الارهابية من واقع ملفات القضايا التي عايشتها محققا وممثلا للاتهام أمام محكمة أمن الدولة العليا.
وللحديث بقية في العدد القادم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.