يعتقد غيري أن الوقت الآن لايحتمل المزايدات ولا الشو الإعلامي ولا البحث عن المصالح الفردية لست ادري حقيقة ما هو الدافع الحقيقي لهؤلاء الذين سحبوا أوراق ترشحهم لمنصب رئيس الجمهورية. ولكن اللافت للنظر كثرة هذه الأعداد التي تقدمت لدرجة لم يتوقعها الكثيرون مع تأكدنا جميعا أن كل هؤلاء لن يتمكنوا من تقديم اوراقهم للترشح وان عددا قليلا منهم هو فقط من سيتمكن من تقديم اوراقه وذلك لان الشروط المطلوب تنفيذها سواء كان حصول المرشح علي تأييد ثلاثين عضوا بالبرلمان او ثلاثين الف توكيل من ابناء الشعب وخلافه امرا ليس سهلا ميسورا. عموما هذه المسألة قد ينظر اليها البعض علي انها من قبيل الحرية والديمقراطية واحقية اي انسان في التقدم للترشح من عدمه وقد ينظر اليها البعض الاخر علي انها لاتصب في صالح اهمية المنصب نفسه وما ينبغي ان يكون له من قدسية ورهبة باعتباره اهم وارفع منصب في الدولة ولا ينبغي ان يتقدم له الا من يري في نفسه القدرة والكفاءة علي تحمل تبعاته في الدنيا والاخرة امام الله عزوجل وخصوصا اذا ماعلمنا ان من يتقلد هذا المنصب في الدنيا يسأله الله تعالي في الاخرة عن القليل والكثير والغني والفقير والصحيح والعليل الامر الذي جعل سيدنا عمر رضي الله عنه يقول (لو تعثرت دابة في العراق لسئلت عنها لم لم تمهد لها الطريق ياعمر ) واشار الي ذلك النبي صلي الله عليه وسلم في قوله (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. الامام راع ومسئول عن رعيته) اي ان الله سبحانه وتعالي سيحاسبه عليها من منطلق المسئولية ولقد كان الصحابة الكرام يفرون من الامامة في الصلاة خشية المسئولية وكان صلي الله عليه وسلم يتخير من بينهم الاصح والاكفأ لتولي هذه المسئولية واذكر ان سيدنا ابا ذر اتي للنبي صلي الله عليه وسلم يسأله ان يوليه امارة بلد من البلدان فقال النبي له ( ياابا ذر انك ضعيف وانها امانة وانها يوم القيامة خزي وندامه الا من اخذها بحقها واجره علي الله) والانسان الامين علي نفسه وعلي اهله ووطنه لايضع نفسه في موضع المسئولية الا اذا كان اهل لها حتي يستطيع ان يقوم بما هو واجب عليه فيها حق القيام. ومن المؤكد ان لكل من هؤلاء الذين سحبوا اوراق الترشيح دوافعه ومع احترامنا للجميع فمن المؤكد ان من بينهم من يري في نفسه الكفاءة والقدرة علي قيادة البلد في هذه الظروف الصعبة وهي شخصيات معروفة لها تاريخها وخبرتها التي لاينكرها احد ويعرفها القاصي والداني ومن بينهم كذلك من يبحث عن الشو الاعلامي فقط او يريد ان يكون في نظر الناس والمجتمع (عند من يعرفه ) مجرد مرشح سابق لرئاسة الجمهورية وفقط ومن بينهم كذلك ( من وجهة نظري ) من هو متقدم عن قصد لتفتيت اصوات الناخبين او لمضايقة اشخاص بعينهم والتضييق عليهم. عموما اعتقد كما يعتقد غيري ان الوقت الان لايحتمل المزايدات ولا الشو الاعلامي ولا البحث عن المصالح الفردية علي حساب الوطن والمواطنين. الوقت يحتاج الي المخلصين الذين يضحون بالغالي والنفيس حبا في وظنهم واشفاقا عليه وكنت قد قلت في إحدي خطب الجمعة قريبا ان الوقت الان يحتم علي من يري في نفسه الكفاءة ثم يري في غيره الكفاءة بنسبة اكبر ولو بنسبة واحد في المائة ان يتاخر له ويقدمه علي نفسه لمصلحة وطنه وناديت جميع المرشحين ( المحتملين فعلا ) الذين لهم فرص حقيقيةفي النجاح ان يجلسوا معا ويختاروا من بينهم اثنين او ثلاثة علي ان يختار الشعب منهم رئيسا منتخبا انتخابا حرا وحقيقيا. الوقت يااخواني يحتاج الي تضحيات حقيقية فأعداء مصر في الداخل والخارج يتربصون بها ولا يريدون لها الخير ولا سبيل للخروج من هذه الازمة الا بالتجرد والاخلاص لله تعالي اولا ولهذا البلد ثانيا. وهل هانت مصر فعلا حتي يتقدم لرئاستها من يعرف ومن لايعرف ؟ هل هانت مصر حتي يستهان بمنصب رئاستها الي هذه الدرجة ؟ مصر التي كرمها الله في كتابه العزيز واوصي بأهلها المصطفي صلي الله عليه وسلم والتي هي اكبر دولة عربية واسلامية بتاريخها وحضارتها وازهرها وارضها وشعبها لن تهون يوما علينا باذن الله تبارك وتعالي الإعلام المنفلت من المؤسف ان بعض البرامج التليفزيونية تخصصت وتخصص مقدموها في الهجوم البذيء وغير اللائق لااخلاقيا ولا اعلاميا علي بعض الشخصيات سواء كانت هي الاخري اعلامية او ثورية او مختلفة معها في الرأي والاتجاهات ولم يراع هؤلاء الشتامون المتخصصون في التشهير والخوض في الاعراض اي من الاداب العامة والاسلامية وهم يهاجمون من يختلفون معهم. وانا شخصيا اعتبر ان بعض هؤلاء انما يفعل ذلك لتصفية حسابات شخصية والبعض الاخر انما يفعل ذلك مدفوعا من جهات او شخصيات بعينها للتشهير بمعارضيهم ومحاولة القضاء عليهم واضعاف تأثيرهم علي الرأي العام. ولان المصرين اوعي واذكي من كل هذه المؤامرات البذيئة اصبحوا ينظرون الي هذه البرامج علي انها برامج موجهة وبات مقدموها في نظرهم مجرد عملاء باحثين عن المصالح الشخصية بحجة البلد والخوف علي البلد او مأجورين لصالح جهات بعينها تريد ان تشوه وجه الثورة والثوار او تحدث بلبلة في الرأي العام حتي تتوه الحقائق ويختلط الحابل بالنابل والشريف بالفاسد والثائر بمن كان ولازال عميلا للامن وللنظام. وانا الحقيقة انصح هؤلاء المتخصصين في الشتائم والخوض في اعراض الناس بالتوبة والرجوع الي الله جل وعلا الذي قال في كتابه الكريم ( ام تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتفكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض مالها من قرار) وأذكرهم بقول المصطفي صلي الله عليه وسلم ( ان العبد ليتكلم بالكلمة في رضوان الله عزوجل لايلقي لها بالا فيرفعه الله بها درجات وان العبد ليتكلم بالكلمة في سخط الله عزوجل لايلقي لها بالا فيهوي به في جهنم سبعين خريفا) اذكر هؤلاء الذين تخصصوا في نشر الاكاذيب من خلال برامجهم والخوض في اعراض الناس بغير حق بقول الله تعالي ( ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة ) واذكرهم كذلك بحديث معاذ رضي الله عنه الذي سأل النبي صلي الله عليه وسلم (وانا لمؤاخذون بما نتكلم به يارسول الله ؟) فقال النبي صلي الله عليه وسلم ( ثكلتك امك يامعاذ وهل يكب الناس في النار علي وجوههم الا حصائد السنتهم ) وانني اسأل هؤلاء هل لمصلحة مصر ( كما تدعون ) ان تنشروا الاكاذيب علي الناس ليل نهار بأسانيد مزورة ؟ هل من الدين ان تسخروا من غيركم بهذه الطريقة المتدنية لمجرد انهم مختلفون معكم في الرأي ؟ الم تعلموا ان الله تعالي نهي عن السخرية فقال ( ياايها الذين امنوا لايسخر قوم من قوم عسي ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون ) هل من الدين او المروءة ان تستغل منبرك الاعلامي في ذم الاخرين وتشويه سمعتهم والطعن في دينهم او اخلاقهم بغير حق ؟ لماذا كل هذه البذاءات غير الاخلاقية مع مخالفيكم ولماذا تغضوا الطرف عن اخطاء من ينتمون الي فكركم او تياركم ؟ عموما اتمني لهؤلاء جميعا ان يعودوا الي رشدهم وان يتحلوا بالحيادية والتجرد والمهنية الاعلامية واربأ بهم ان يستمروا في هذا الطريق الذي لايرضي الله عزوجل ولا المخلصين من عباده ولا يجلب علي اصحابه وعلي المجتمع الا الفوضي وسوء الاخلاق مصالحة أم انتكاسة؟ لقد تحدثت قبل ذلك عن العفو عند المقدرة ودللت علي ذلك بما تعلمناه وما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم الذي دعا الي العفو عند المقدرة وكان قدوة عملية في ذلك ولعلنا نتذكر جميعا مافعله النبي صلي الله عليه وسلم بأهل مكة يوم ان دخلها حينما قال لهم ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) وهم الذين اخرجوه منها وآذوه واصحابه الكرام ومنذ ان قامت الثورة وهناك من يتحدث عن العفو ويطالب الشعب بان يتحلي بهذا الخلق مع من هم الان خلف اسوار السجون او من كان جزءا من النظام السابق علي اعتبار ان هؤلاء اخطأوا وما علينا الا انت نتجاوز عن اخطائهم ونعفوا عنهم وتعود المياه الي مجاريها ثم خرج علينا في هذه الايام من يصرح بأن بعض المحبوسين يريد ان يتصالح بدفع جزء من ثروته مقابل الافراج عنه. والحقيقة ان هذا الموضوع يحتاج الي عدة وقفات لتوضيح الامر اولا : العفو انما يكون عن مقدرة حتي يكون عفوا حقيقيا اما العفو مع عدم المقدرة علي تنفيذ الحكم او تحقيق العدالة فهو العجز بعينه والسلبية بعينها فالحبيب صلي الله عليه وسلم لم يعف عن اهل مكة الا بعد ان دخلها وتمكن منهم عندها عفا عنهم لانه قد صار قادرا علي تحقيق العدالة فيهم ثانيا : العفو انما يكون ممن يملك العفو وبالتالي لايجوز ان أعفو عن شيء انا لااملكه بمعني انه لايجوز ان يتنازل احد الناس عن حق هو لغيره وليس له هو بمعني لايجوز ان اعفو عن شخص كان قد سب زميلي مثلا وان هذا الحق هو لزميلي فقط وهو فقط من يملك العفو والصفح في هذه الحالة ثالثا : اذا كان الامر متعلقا بالدماء فالواجب فيه القصاص وهذا حكم الله تبارك وتعالي ( ولكم في القصاص حياة يااولي الالباب لعلكم تتقون ) والذي يملك التنازل عن الدم هو صاحب الدم فقط وليس من حق اي شخص اخر ان يتدخل في هذا الامر رابعا : ان العقوبة في الاسلام الاصل فيها الردع وليس الانتقام وبالتالي قد يكون التمسك بتنفيذ العقوبة هو ردع لكل من تسول له نفسه مستقبلا ان يفعل مافعله سالفوه من سرقة ونهب وفساد وقتل وبالتالي نستطيع ان نؤمن مستقبل اولادنا ونحميهم من فساد المسئولين خامسا : في موضوع المصالحات المالية اتساءل هل الجرائم هي مجرد جرائم مالية فقط ؟ وهل لم يترتب علي الفساد المالي فساد سياسي ؟ وماذا عن انتشار الامراض والاوبئة نتيجة ضعف الاقتصاد الناتج عن السرقة والفساد المالي؟ الا تعد هذه جرائم مترتبة علي هذه الجريمة ؟ الم يمت كثير من الناس نتيجة نقص الدواء وعدم توفير الرعاية الصحية المناسبة وعدم توفير الدواء والغذاء المناسب نتيجة نقص الدعم الناتج عن ضعف الاقتصاد والموازنة الناتجة عن السرقة والنهب والفساد ؟ ان كل هذه الجرائم هي جرائم مركبة الاصل فيها هو الفساد والسرقة وبالتالي ( من وجهة نظري ) الجريمة ليست مجرد سرقة بعض المبالغ ثم ردها مرة اخري. ثم ان هذا الباب يفتح باب السرقة علي مصراعيه كأننا نقول للمجتمع اسرقوا جميعا ومن سيكشف منكم لن يكون مطالبا بأكثر من رد جزء من المبالغ التي سرقها وبالتالي ستزداد الجريمة وبالتالي سنفسد الحاضر والمستقبل ان العقوبة ينبغي ان تكون رادعة بحيث نمنع الفساد مستقبلا ونستطيع ان نبني دولة القانون والعدل مرة اخري. دولة يأمن فيها الفقير علي نفسه واولاده. دولة يجد فيها الفقير قوت يومه. دولة تعالج المريض وتداوي الجرحي وتحاسب المخطيء والمفسد. دولة يعيش فيها الاغنياء والفقراء والكبار والصغار والمسلم والمسيحي والقوي والضعيف بلا ادني فرق بينهم في الحقوق والواجبات في ظل قانون قوي يحمي الضعيف من القوي ويأخذ للفقير حقه من الغني ويحمي الانسان من نفسه ومن غيره علي هامش البرلمان مرة بعد مرة اؤكد ان الميدان لن يكون في مواجهة البرلمان ابدا وذلك لان البرلمان هو المعبر عن الشعب وهو المنوط به تحقيق مطالب الميدان واعضاؤه هم من اتوا بارادة شعبية وفق انتخابات حرة نزيهة والملاحظ ان بعض ممن يظهرون في وسائل الاعلام ومعهم بعض مقدمي البرامج يريد ان يقلل من قيمة هذه الانتخابات ويتحدث عن ماشابها من سلبيات في اشارة الي بعض اعضاء البرلمان انما دخلوه من خلال بعض السلبيات في دوائرهم. وهذه بلا شك امور مغرضة الغرض منها من وجهة نظري احداث بلبلة وهي حلقة من سلسلة التخوين المستمرة وفقدان الثقة في كل شيء وهذا لايعني ان البرلمان لايعاني من بعض السلبيات بل انني كثيرا اقف امام بعض السلبيات بالنقد تارة والتوضيح تارة اخري وكثيرا ماقلت ان هذه السلبيات في معظمها يعود الي ان مناخ الحرية الذي يستشعره معظم النواب تحت قبة البرلمان يجعل البعض منهم قد يخرج عن النص شيئا ما وسرعان مايعود مرة اخري او قلة الخبرة السياسية عند البعض الاخر والخبرة كما تعلمون تراكمية وبالتالي علينا جميعا الا نستعجل النتائج بل علينا ان نصبر ونصابر معهم حتي نتمكن معا من الخروج من الازمة وان كنت اتمني ان تقل السلبيات تحت قبة البرلمان حتي لانضطر لنقدها او التعايش حولها سواء في الخطب او في وسائل الاعلام وخصوصا ان هناك من ينتظر اي خطأ يصدر عن اي عضو حتي يشدو حوله طيلة الليل في برنامجه وياسوء حظ النائب اذا كان من تيار مخالف لما عليه هذا المذيع او ذاك الضيف. اعود فأقول ان مصر بعد الثورة تغيرت واصبح الكل يتكلم ويعبر عن وجهة نظره بعلم وبدون علم وهذه مرحلة قد يخطيء فيها الكثير ويتعلم ايضا فيها الكثير والممارسة السياسية عند بعض القوي والتيارات لازالت في بدايتها وبعض ممن يعملون في الحقل الدعوي او الثقافي او الاعلامي قد لايستوعبون مناخ الحرية الذي حرموا منه عشرات السنين وبالتالي ستكون هناك اخطاء وما علينا الا ان نحاول الاصلاح من شأن انفسنا اولا ومحاولة استيعاب هذه المرحلة بما لها وما عليها حتي نقف جميعا علي ارجلنا مرة اخري. واقول لشعب مصر الواعي لاتصدقوا كل مايكتب او يقال الا بعد تفكير عميق وتعقل متأن وكونوا علي حذر في التعامل مع بعض وسائل الاعلام وبعض البرامج وبعض مقدمي البرامج ممن يدسون السم في العسل (ياايها الذين امنوا خذوا حذركم) وفقنا الله واياكم لما فيه الخير لهذا البلد العظيم