محافظ سوهاج يقرر خفض تنسيق القبول بالثانوي العام إلى 233 درجة    أعمال تركيب كاميرات المرحلة الأولى من مترو الإسكندرية.. صور    ترامب: عودة الرهائن من غزة لن تحدث إلا بتدمير «حماس» ( تحليل إخباري )    نيابة عن رئيس الجمهورية: رئيس الوزراء يتوجه إلى اليابان للمشاركة في قمة "تيكاد 9"    مباراتان للزمالك ولقاء الأهلي وبيراميدز.. نقل 6 مواجهات من ملعب القاهرة لأعمال الصيانة    فيديو| اندلاع حريق في ترام الرمل بالإسكندرية نتيجة ماس كهربائي.. وإخلاء الركاب    وزير الثقافة يشهد احتفالية الأزهر بمسابقة "ثقافة بلادي" في موسمها الثاني    الأعلى للإعلام يعلن انطلاق الدورة التدريبية رقم "61 " للصحفيين الأفارقة من 18 دولة    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    أسعار سبائك الذهب اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025.. بكام سبيكة 2.5 جرام؟    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    تعديل موعد انطلاق بطولة أفريقيا لأندية كرة اليد بالمغرب    نص القرار الجمهورى بالتجديد ل"حسن عبد الله" محافظًا للبنك المركزى    كيف بدأت مطاردة فتيات طريق الواحات؟.. أقوال ضابط المباحث تكشف التفاصيل| خاص    محافظ الوادي الجديد يتفقد تقدم أعمال إنشاء مدرسة المتفوقين STEM    تعليم الوادي يعلن مواعيد المقابلات الشخصية للمتقدمين لشغل الوظائف القيادية    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    أسامة السعيد: الموقف المصرى تجاه القضة الفلسطينية راسخ ورفض للتهجير    «أحمديات»: غياب ضمير العشرة    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد دار إيواء المستقبل (صور)    كشف ملابسات قيام سائق "توك توك" بالسير عكس الإتجاه بالإسكندرية    إصلاحات شاملة لطريق مصر - أسوان الزراعي الشرقي في إسنا    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    «بيطري قناة السويس» تُطلق برامج دراسات عليا جديدة وتفتح باب التسجيل    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    تحذير رسمي.. عبوات «مجهولة» من «Mounjaro 30» للتخسيس تهدد صحة المستهلكين (تفاصيل)    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    هام وعاجل من التعليم قبل بدء الدراسة: توجيهات للمديريات    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "بعد أزمته الأخيرة مع الأهلي".. 10 معلومات عن الحكم محمد معروف (صور)    "كان واقف على الباب".. مصرع شاب سقط من قطار الصعيد بسوهاج    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    موقع واللا الإسرائيلي: كاتس سينظر خطة لمشاركة 80 ألف جندي في احتلال غزة    الرئيس السيسي يوجه بتعزيز الموارد الدولارية وتمكين القطاع الخاص لجذب الاستثمارات ودعم النمو الاقتصادي    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    وزارة التعليم: قبول تحويل الطلاب من المعاهد الأزهرية بشرط مناظرة السن    إصابة 14 شخصا فى تصادم ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد زوبعة السلفيين إقامة الحدود بين الجهل والشرع
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 03 - 2011

وسط دعوات صاخبة لأخذ تطبيق القانون بأيدي الناس بحجة تطبيق شرع الله علي الذين فسدوا وهو ماشهدناه في حادثة قنا وأماكن أخري فأن قضية إقامة الحدود‏..‏ لاتزال مسألة تثير الخواطر والهواجس, كما أنها تخلط الأوراق لدرجة يبدو فيها الإسلام للبعض وكأنه دين دموي ما جاء إلا ليقطع الرقاب والأيدي ويشبع الأبدان جلدا ورجما, والناظر إلي الحدود يجد أنها ما فرضت إلا لحماية المجتمع وصيانته, فمن أجل المحافظة علي الأرواح والأبدان كان القصاص ومن أجل المحافظة علي المال كان حد السرقة, ومن أجل المحافظة علي العقول شرعت عقوبة شرب الخمر, ومن أجل المحافظة علي الأعراض والنسل شرعت عقوبة الزنا والقذف.
ولقد وضع الإسلام ضوابط لإقامة الحدود حتي لا تتدخل الأهواء, فالحدود لا تطبق بمجرد الإدعاء ولكن بالبينة والدليل القاطع الذي لا شك فيه, ولم يترك الإسلام تطبيق الحدود لعوام الناس حتي لا تكون ذريعة لارتكاب الجرائم بحجة تطبيق الحد.. وحتي لا تشيع الفوضي وتتحول المجتمعات إلي غابة يأكل فيها القوي الضعيف, وإنما جعلت بيد ولي الأمر.
الحدود وسماحة الإسلام
بداية يقول د.محمد عبد السلام كامل أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس:الحدود جمع حد والحد هو عقوبة مقدرة وجبت علي الجاني وهناك فرق بين الحد والتعزير فالحد عقوبة مقدرة بحكم النص الشرعي من كتاب وسنة أما التعزير فهو نوع من التأديب ليمنع وقوع الفعل ثانية وهو عقوبة غير مقدرة وإنما يحددها الحاكم وهي متروكة لتقدير السلطة التشريعية تنفذها السلطة القضائية, والحدود تتنوع بحسب نوع الجريمة فمنها حد الزنا وحد السرقة وحد الحرابة وحد البغاة وأما القصاص فاعتبره كثير من الفقهاء أنه داخل في باب الجناية.
ويوضح د.حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة الأسبق أن الناظر للحدود في الإسلام نظرة سطحية بدون فهم ومعرفة قد يظن أن فيها غلظة وقسوة في تنفيذها وهي نظرة قاصرة وسببها عدم فهم الحكمة من الحدود إذ أن تطبيق هذه الحدود له أسس وشروط لابد من توافرها ففي السرقة مثلا قبل قطع يد السارق لابد أن نضمن له حدا أدني من الدخل يعينه علي الحياة وإذا لم يتوافر الحد الأدني من الدخل وأصبح الناس جياعا لا يقام عليهم الحد إذا كان هدفه سد حاجة الجوع وكذلك أن يكون المسروق شيئا ذا قيمة مما ينتفع الناس به وأن يكون محروزا, أي محفوظا في حرز.ولذلك أبطل عمر بن الخطاب القطع في عام الرمادة حينما عمت المجاعة. وعندما جيء بغلمان لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة رجل من مزينة إلي عمر بن الخطاب ليقيم عليهم حد السرقة وهو ما بينه الله سبحانه في سورة المائدةوالسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم38 وأمر عمر بقطع أيديهم لكن حين تبين له أن سيدهم يجيعهم درأ عنهم الحد وغرم سيدهم ضعف ثمن الناقة تأديبا له.
ويضيف: وليس معني ذلك هو تبرير السرقة وإنما أردت أن أبين عظمة الإسلام الذي شرع الحدود وبينها.ولقد سمعنا في الآونة الأخيرة عما فعله بعض رجال الأعمال من سرقات اجتراء وظلما بينا لأقوات الشعوب بعدما خانوا الأمانة وهذا لا يعد سرقة فحسب وإنما يعد نهبا وله عقوبة وهي التعزير وقد تصل العقوبة إلي الإعدام لتكون رادعا لكل من تسول له نفسه فعل ذلك وهناك قاعدة تقول متي كانت العقوبة شديدة كانت رادعة للناس.وهذا يظهر جليا من خلال قراءتنا لسير الخلفاء والحكام الذي طبقوا شرائع الإسلام رغم أنهم كانوا يحكمون ملايين البشر إلا أنه لم تطبق في عهدهم الحدود إلا علي العشرات فقط بسبب خوف الناس وإحجامهم عن ارتكاب الجرائم لردع الحدود لهم.
ويوضح الشيخ عبد الله عبد المجيدعضو لجنة الفتوي بأسيوط: عظمة الإسلام في تشريع هذه الحدود فيقول انظر إلي عظمة البيان القرآني ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقونالبقرة179بالرغم أن القصاص فيه موت للقاتل إلا أن القرآن قال حياة فعند القصاص من القاتل سيمنع ذلك محاولة البعض الأخذ بالثأر إذن هي لهم حياة وكذلك عندما يري الناس القصاص يطبق في القاتل لن يقدم أحد علي القتل إذن فحد القصاص فيه حياة للناس; لما فيه ردع الناس عن قتل النفوس, فلو أهمل حكم القصاص لما ارتدع الناس; لأن أشد ما تخافه نفوس البشر هو الموت, فلو علم القاتل أنه يسلم من الموت لأقدم علي القتل مستخفا بالعقوبات.
الحرابة والبلطجة
يقول د/حسين عبد الحميد بودي مدرس العقيدة والفلسفة في كلية أصول الدين-جامعة الأزهر بأسيوط: الحرابة أو قطع الطريق هي خروج الفرد أو الجماعة بالسلاح علي الناس في بلد إسلامي لأخذ أموالهم وقد يجنحون إلي القتل وهتك العرض وغير ذلك من الأمور التيتخالف الدين والأخلاق والنظام والقانون.وهي كلمة مأخوذة من الحرب لأن هذه الطائفة الخارجة علي النظام تعتبر محاربة للجماعة من جانب ومحاربة للتعاليم الإسلامية التي جاءت لتحقق أمن الجماعة وسلامتها بالحفاظ علي حقوقها من جانب آخر, ولذلك فكل حد ارتبط بعنف عد حرابة فالسرقة مثلا عقوبتها في الإسلام قطع اليد أما إذا اقترنت بعنف وتهديد تخرج من حد السرقة إلي حد الحرابة..
ويضيف د.حسين: والحرابة جريمة كبيرة بل هي من أكبر الكبائر ومن ثم أطلق القرآن الكريم علي المتورطين في ارتكابها أقصي عبارة فجعلهم محاربين لله ورسوله وساعين في الأرض بالفساد وغلظ عقوبتهم تغليظا لم يجعله لجريمة أخري حتي لا تنتشر في المجتمع فتكثر الفوضي والفساد والاضطرابات ولذلك قال الله تعاليإنما جزاء الذينيحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلواأو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرضذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.ورسول الله صلي الله عليه وسلم يعلن أن من يرتكبهذه الجناية ليس له شرف الانتساب إلي الإسلام بل الإسلام منه بريء فيقول صلي الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليسمن.
ويشاركه الرأي د.محمد محمد عمارة مدرس الفقه بكلية الشريعة داعيا إلي سرعة الفصل في كل من ينطبق عليه حد الحرابة حتي يستعيد البلد توازنه وأمنه ولذلك ليس غريبا أن نري مطالبات بإعدام كل من تسبب في حالة الفوضي وما تبعها من سلب ونهب في الأيام الماضية.
حد الزنا
فأما عن حد الزنا فيوضح د.محمد محمد المختار أستاذ الفقه بالجامعة الإسلامية بالسعودية إنه من العقوبات والحدود التي أقرت حفظا للأعراض حد الزنا, لما لانتشار هذه الفاحشة من هتك للأعراض واختلاط للأنساب, لذا فقد رتب الله لهذه الجريمة حدا يتناسب مع عظمها وخطورتها. والزنا هو إتيان لحد من حدود الله, وجريمة من الجرائم التي لا يحبها الله, وهي كبيرة من كبائر الذنوب; والزنا علي مراتب, فبعضه أشد جريمة من بعض, وأعظم عند الله عز وجل أثرا:- فالزنا بامرأة المجاهد في سبيل الله عز وجل والمحارب من أعظم الزنا, وأشده إثما وجرما وبعده الزنا في القريبة كابنة العم ونحوها أعظم جريمة من الزنا بغيرها, وكلما كانت ألصق بالقرابة كذي المحرم فهو أشد جريمة, وأعظم انتهاكا لحد الله.ومن الزنا المعظم عند الله: الزنا بحليلة الجار: أن يزني الرجل بزوجة جاره أو أخته أو ابنته والعياذ بالله, فهذا من أكبر الكبائر وأشد الجرائم, وفي الحديث الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه لما سأله أحد صحابته:أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك, قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك, قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك.
ويكمل د. المختار كلامه قائلا: لقد عالج الإسلام هذه الجريمة قبل وقوعها, وعالجها أثناء وقوعها, وعالجها بعد وقوعها:- فعالجها قبل الوقوع: حينما منع الأسباب المفضية إلي الزنا, وعالجها أثناء الوقوع: حينما دعا إلي ترك المعصية والبعد عنها, كما في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين فأغلقت الشريعة أبواب الزنا, ولذلك منعت المرأة أن تكثر الخروج لغير ضرورة فقال تعالي:وقرن في بيوتكن الأحزاب:33, وإذا خرجت نهيت عن التعطر حتي لا تسترسل الأنظار إليها, وكذلك نهيت عن الضرب برجليها حتي لا يعلم ما تخفيه من زينتها, ونهيت عن أمور تكون سببا في فتنة الغير بها, فلذلك أغلقت بهذه النواهي باب الفتنة, وأمرت المؤمن أن يغض بصره وأن يحفظ فرجه, وأن لا يختلي بامرأة لا تحل له, وأن لا يسافر بامرأة ليست من محارمه, كل ذلك غلقا لأبواب الفساد وقطعا لدابر أهل الإفساد.
أما إذا وقعت هذه الجريمة فقام سلاح الشرع مؤدبا وزاجرا حتي يمتنع أهل الفساد عن الفساد, فأمر بعقوبة الزاني والزانية علي ملأ من الناس حتي يكون ذلك أبلغ في زجر الغير, وأدعي للبعد عنه.
شروط إقامة الحدود
ويري د.محمد عبد السلام أن الحدود لا تطبق بمجرد ادعاء شخص ولكن البينة علي من ادعي واليمين علي من أنكر وذلك عملا بالقاعدة التي أرساها النبي صلي الله عليه وسلم بقوله:لو يعطي الناس بدعواهم لادعي ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين علي المدعي عليهوالحديث متفق عليه وتلك ضمانات وضعها الإسلام حتي لا تتدخل الأهواء في تطبيق حدود الله بل ومن الثابت في الفقه الجنائي أنه لا يعاقب إنسان إلا بنص.والشريعة الإسلامية يهمها أن تكون كل وسائل الإثبات موجودة قبل أن تطبق العقوبة علي أحد وإن حدث شيء من شك أو عدم اليقين فسر ذلك لصالح المتهم.
وحتي تقام الحدود لابد أن تتوافر جميع الشروط التي حددها الشارع الحكيم من إقامة الشريعة والتي تحاسب المخطئ وتثيب المحسن ففي جريمة الزنا مثلا يقول د. مصطفي العدوي: أن لإقامة حد الزنا بالنسبة للمحصن بالرجم أو الجلد لغير إلمحصن شروط وضوابط: فإذا وجد رجل مع امرأة في فراش تحت لحاف وهو أجنبي عنها, هل يشهد بمجرد رؤيته علي هذا الوضع أنه زني بها؟ الصحيح: أنه لا يشهد بمجرد هذه الرؤية علي الزنا, ولكن إن أقرت المرأة أو اعترفت أنها زنت فيقام الحد علي من اعترف, أما مجرد النوم في فراش مع امرأة, أو خلوة مع امرأة, فهذا وذاك لا يثبت حد الزنا, والحدود تدرأ بالشبهات, كما جاء عن النبي صلي الله عليه وسلم, ولكن للإمام أن يعزر التعزير الذي يراه مناسبا لزجرهما وأمثالهما عن الوقوع في هذه المعصية وللإمام أن يتخذ من التعزير ما يراه موائما لردع أمثال هؤلاء من أهل الفسق.
ويقول الشيخ عبد الله عبد المجيد : من عظمة الإسلام أنه اشترط في إقامة حد الزنا وجود شروط وهذه الشروط من الصعب توافرها قبل إيقاع العقوبة بمرتكبها لأن هذه الجريمة لا تتعلق بالشخص الذي سيقام عليه الحد بمفرده بل قد يترتب عليه عار قد يلحق بكل أسرته ولذلك اختلفت عقوبة المحصن والمتزوج تبعا لاختلاف كل منهما وأثره في المجتمع وهذا حفظ وستر للعورات ولذا لما جاء عمر بن الخطاب وكان وقتها أميرا للمؤمنين إلي علي بن أبي طالب وكان قاضيا فسأله عمر ماذا لو قال أمير المؤمنين إنه رأي إنسانا يفعل الفاحشة أيقام عليه الحد فرد علي بقولهثلاث أو حد في ظهره بمعني أن لم يكن معه شهود ثلاثة يقام عليه حد القذف.. فإن لم تتوافر هذه الشروط مجتمعة لا يقام الحد علي صاحب هذه الفعلة جلدا كان أو رجما وهذه الشروط هي شهادة أربعة شهود عدول يشهدون بأنهم رأوا من الرجل والمرأة ما يكون بين الرجل وزوجته من اتصال مباشر, الأمر الذي لا يكاد يراه أحد من البشر.وهذا ليس معناه أن الإنسان يسكت علي المنكر وإنما معناه إن هذه الشروط لا تتوافر إلا في إنسان تمرس الأمر واستمرأه فستره الله مرات ومرات لعله يرجع ويتوب لكنه لما تمادي فكانت الفضيحة والفضيحة ستكون في عقر داره وعندها لابد من تطبيق الحدود ولا تأخذنا بمنتهك هذا الحد رأفة ولا رحمة لأنه صار عضوا فاسدا لابد من الضرب علي يده بيد من حديد لذلك قال تعاليالزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين2 النور.
ويشير د. حامد أبو طالب إلي أن الحدود لا تطبق إلا إذا ثبتت التهمة بنسبة مائة في المائة ولذلك قال علي بن أبي طالب لئن أخطئ في التبرئة خير من أن أخطئ في التهمة وهذا يظهر جليا في حديث النبي صلي الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات.
مسئولية ولي الأمر
يقول د.حامد أبو طالب: إن الإسلام لم يترك إقامة الحدود لعوام الناس حتي لا تشيع الفوضي وتتحول المجتمعات إلي غابة يأكل فيها القوي الضعيف وإنما جعل ذلك بيد ولي الأمر والمقصود به الحكام وأن ما علي الناس إلا إن يعاونوا ولي الأمر في ذلك من خلال تقديم المجرم للمحاكمة ولا يتستروا عليه أو يكتموا الشهادة ولذلك لما تكلم القرآن عن جريمة القتل قال تعالي:.. ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا الإسراء33, والولي هنا الحاكم المسئول عن تنفيذ الحكم.. ففي جريمة الزنا مثلا لا يجوز للعامة أن يقيموا حد الزنا حتي لو توافرت شروطه ولكنهم يرفعوا الأمر إلي ولي الأمر ويقدموا مرتكب الجريمة للمحاكمة, ولذلك لو نظرنا إلي الحدود التي طبقت في عصر النبي صلي الله عليه وسلم كانت من خلال النبي أو من ينيبه النبي صلي الله عليه وسلم كما حدث مع ماعز والمرأة الغامدية وكانت بسبب إقرارهما بالأمر ولم يثبت أن حدا أقيم بشهادة الشهود وفي ذلك حرص من الإسلام علي ألا تزهق الأرواح أو تقام الحدود تبعا للميول والأهواء..
ويشير د.أبو طالب إلي خطأ قد يقع فيه البعض بسبب سوء فهمه لحديث النبي صلي الله عليه وسلم ممن رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان فيظن أن إقامة الحد منوط بهم القيام به وأنه نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا فهم خاطئ لشريعة الإسلام وليس من حق من شاهد جريمة أن يقيم الحد بنفسه علي مرتكبها حتي لا نفسد ونحن نريد الإصلاح فإذا تعرض إنسان مثلا لحادث سرقة وأمسك بالسارق فليس من حقه أن يقيم عليه الحد هو بنفسه.
ويؤيده الرأي د. الأحمدي أبو النور وزير الاوقاف الاسبق: قائلا: إن الذي يعطي نفسه الحق في عقاب الآخرين وإقامة الحدود عليهم إنما يتحدي المجتمع ويفتات علي حق ولي الأمر ممثلا في الحكومة وبالتالي فهو يستوجب العقاب في الدنيا وينتظره العقاب في الآخرة فنحن محكومون بشرع وقانون ولذلك فالإسلام لا يعرف للفرد أن يقوم بنفسه بتقدير وتنفيذ العقوبة.
ويثمن هذا الكلام د.محمد عبد السلام بقوله: إنه لا يجوز لأي فرد مهما كان أن يقوم بتطبيق الحدود أو العقوبات بنفسه وإلا يعد هذا خروجا علي النظام العام وخروجا علي الشريعة.
الشفاعة في الحدود
يقول د. الأحمدي أبو النور بداية لابد أن نبين أن الشفاعة نوعان شفاعة حسنة وشفاعة سيئة وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله علي كل شيء مقيتا85 النساء,فالشفاعة الحسنة من صورها التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة. كأن تتوسط لشخص عند آخر في أن يساعده في أمر من الأمور كأن يقوم إنسان ذو مركز أدبي واجتماعي يعطيه قبولا ووجاهة لدي ذوي المناصب بالتوسط ليعرض عليهم إنسانا ذا كفاءة في مجال معين فقد لا يستطيع صاحب الكفاءة الوصول إلي هذا المكان فيشفع له صاحب المال والجاه وهذا فيه من النفع علي المجتمع كله وهو يعتبر نوعا من زكاة الجاه بشرط أنه يري الكفاءة فيمن يشفع له وهو نوع من التعاون علي البر والتقوي وسعي في قضاء حوائج الناس ولذلك جاء عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل علي جلسائه فقال اشفعوا تؤجروا ويقضي الله علي لسان نبيه ما أحبوالحديث متفق عليه.أما الشفاعة السيئة والمنهي عنها فهي الشفاعة في حدود الله بقصد تعطيل هذه الحدود وهو ما نراه الآن من توسط أهل الجاه والسلطان لدي الحكام بقصد العفو عن مجرم معين في جريمة ما ولذلك يقول بعض العلماء إن الرجل الذي عرف بالإجرام كالمسجل خطر لا تجوز الشفاعة له لأنه بذلك سيعيد تكرار الجريمة مرات ومرات ولذلك نري الإسلام حاسما في عدم الشفاعة في حدود الله وكلنا يعلم قصة المرأة المخزومية وبني مخزوم من أشرف قبائل العرب وقد كانت تستعير الشيء من جيرانها ولا ترده ورفع أمرها إلي النبي صلي الله عليه وسلم في شيء أخذته ولم ترده وبعد التأكد من ذلك أمر النبي صلي الله عليه وسلم بقطع يدها وأراد أهلها أن يستشفعوا لها عند رسول, فرأوا أن من أقرب الناس لرسول الله أسامة بن زيد بن حارثة فذهب أسامة إلي النبي صلي الله عليه وسلم يشفع لهذه المرأة ألا تقطع يدها فقال النبي عليه الصلاة والسلامأتشفع في حد من حدود الله قال ذلك النبي صلي الله عليه وسلم لأسامة إنكارا عليه ثم قام فخطب الناس وقال أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله يعني أقسم بالله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وحاشا وكلا إن تسرق بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم وإنما أراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يسد باب الشفاعة والوساطة في الحدود ويرسي مبدأ مهما من أهم مبادئ الإسلام ألا وهو مبدأ المساواة بين الناس فما أصعب علي النفس أن يري إنسان نفسه يحاسب علي أمر ويري في الوقت نفسه غيره يفعله ومع ذلك لا يقترب منه أحد.وقيل إن المرأة المخزومية كان اسمها فاطمة.
وينبه د. أبو النور إلي أمر في غاية الخطورة وهو الشفاعة للمجرم بعدما وصل أمره للحاكم فيقول: من الممكن الشفاعة بترضية من وقع عليه ظلم معين لكن قبل أن يصل ذلك إلي القضاء أو إلي الحاكم لأن تدخل ذوي النفوذ لدي الحاكم مصيبة وتحد للقانون لاسيما إن كان ممن هو في منصب كبير ويحسب له حساب وهذه الشفاعة مخالفة لهدي النبي صلي الله عليه وسلم وهي نوع من التعاون علي الإثم والعدوان لا علي البر والتقوي كما يظن البعض لما فيها من إهدار وتضييع الحقوق. ولذلك ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قالمن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره وقال أيضاإذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع..وجاء في مسند الإمام أحمد أن صفوان بن أمية نام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداء صفوان فأمسك صفوان بالسارق فجاء به إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تقطع يده فقال له صفوان إني لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم فهلا قبل أن تأتيني به أي كان بإمكانك أن تسامح في حقك لكن قبل أن يعرض الأمر علي النبي باعتباره الفصل والحكم.ويحذر د. الأحمدي بعض المحامين الذين يدافعون عن متهمين وهم يدركون تماما أنهم مذنبون بأنهم بذلك يعطلون حدود الله ويذكرهم بقول الله سبحانه ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا109 النساء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.