لا جدال أن الضجة المثارة حاليا حول التجاوزات الحوارية وخروجات التعامل مع القضايا المختلفة في البرامج التليفزيونية إن دلت علي شئ فإنما تدل علي الانفلات الأخلاقي والمهني وعدم التقدير السليم لما يدور ويجري. إن خطورة هذه السلوكيات التي تصل إلي حد الفوضي تعود إلي أن تأثير هذا الإرسال التليفزيوني يساوي أضعاف ما يمكن أن يأتي من وراء أي وسيلة إعلامية أخري. وإذا كنا قد عانينا من قبل من تجاوزات النشر في الصحف وعدم الالتزام بميثاق الشرف الصحفي وقيم ومبادئ ممارسة المهنة، فإن ما حدث وجري ويجري حاليا في بعض البرامج التليفزيونية من إسفاف وخروج عن حدود الأدب واللياقة والذوق يمكن النظر إليه باعتباره انحطاطا أخلاقيا يتنافي تماما وكل المبادئ والقيم. وإذا كانت بعض القنوات التليفزيونية تلجأ إلي هذا الأسلوب بحثا عن الإثارة وجذب المشاهدين دون أي اعتبار لمسئولياتها تجاه المجتمع فإن ما يدعو للحزن حقا ان ينزل تليفزيون الدولة الذي من المفروض أن يكون مرشدا ومعلما وقدوة ونموذجا للسلوك الحميد إلي هذا الحضيض السلوكي. تمثلت هذه الكبوة غير المغتفرة فيما شهده التلاسن والحوار البذئ الذي شهده الحلقة التليفزيونية التي سُميت بمبادرة الصلح بين الإعلامي الرياضي شوبير وبين المحامي مرتضي منصور. كل ما تم تبادله يأتي تحت بند خدش الحياء مما يعدي جريمة في حق الرأي العام. ولقد كان لمجلس الشوري الذي يضم حكماء وعقلاء هذا البلد مبادرة مناقشة هذه السقطة المؤسفة للتليفزيون المصري التي كان برنامج »مصر النهاردة« مسرحا لها وتم الترويج له باعتباره عملا إعلاميا رائدا. إن أعضاء هذا المجلس التشريعي يستحقون كل الشكر علي إعلان تصديهم لهذا الابتذال الإعلامي وما يجسده من سلبيات تمس قيم ومبادئ المجتمع وتوجهات الأجيال الجديدة. لقد حان الوقت أن تكون هناك قائمة سوداء تمنع هذه النماذج التي تسئ إلي الشعب المصري وتعطي صورة غير حقيقية عن طبيعته ..من الظهور في أي برامج للتليفزيون المصري. وهنا من الضروري أن أؤكد أنه إلي جانب هذه التحاورات.. هناك برامج حوارية جيدة تتناول قضايا مجتمعية حيوية بأسلوب يتسم بالاحترام للعقول والاخلاقيات واضحة في اعتبارها صورة وسمعة مصر. تجنبا لمزيد من السقطات الاعلامية فإنه يجب وفي إطار أهمية الالتزام بكل القيم الأخلاقية التي تحترم وتقدر الحرية والديمقراطية.. تفعيل ميثاق الشرف الإعلامي وأن تكون هناك إجراءات رادعة لوقف هذا السيل من الأخطاء والسقطات.. ليس بالنسبة للتليفزيون الرسمي فحسب.. وإنما بالنسبة لجميع القنوات التليفزيونية وبدون استثناء، لا يجب بأي حال من الأحوال الخضوع لعمليات الابتزاز والتدليس التي تربط بين مواصلة هذه الانحرافات واستغلال شعارات حرية التعبير باعتباره بابا لتكريس الانهيار المجتمعي. وإلي أن يتحقق هذا فإن كل الشرفاء الحريصين علي قيم وكرامة مصرنا العزيزة يترقبون بكل اهتمام ما سوف تسفر عنه الإجراءات الادارية والقضائية التي جري الإعلان عنها .. »وإنا لمنتظرون«.